الجبن والتردد،،!؟
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين محمد وآله وصحبه ومن والاهم إلى يوم الدين أما بعد،،
فإنني أشعر أحيانا بأني ضعيف إلى درجة أنني معها أحتقر نفسي التي تقف ساكنة ومترددة أمام الكثير من المواقف التي تتطلب الرد مني،،
أولا أنا أشعر بالتزام ديني يتطلب مني الدفاع عن الحرمات بشكل عام،،
وثانيا لا أقبل الاستهانة بي أو بأي أحد من أهلي فأشعر أنه من واجبي رد جواب لمن يتكلم بشكل خاطئ أمامي ولكنني أشعر وكان شيئا يقبضني من الداخل ليمنعني، حتى حقوقي أحيانا أشعر بأني لا أستطيع الدفاع عنها
وعلى فكرة أنا لم أذهب لأي دكتور نفسي ولا أتعاطى أيا من الأدوية والحمد لله ولكنني في العديد من المواقف أشعر بأني جبان جدا ويأخذني الارتباك أمام مواقف المواجهة الكلامية أو غيرها وأشعر كثيرا أن بداخلي رجلا شجاعا يريد أن يكون مقداما مدافعا عن حرمات الدين والناس، وأن هناك آخر بداخلي جبان يقبض على أنفاس ذلك الشجاع
أرجوكم أحبتي ساعدوني جعل الله ذلك بميزان حسناتكم فإن ذلك هاجس يبدأ عند أي ظرف وأعاني منه جدا ويسبب لي آلاما لعدة أيام وما تكاد تنتهي حتى يأتي موقف آخر يعقد حياتي ويملؤها ألما وأحزانا على نفسي الجبانة
أرجوكم أنا أعيش في صراع فما هو الحل...
لقد تربيت بأسرة محافظة ولكن إخوتي الذين هم أكبر مني كانوا دائما يستهزؤون بي أمام الناس، وأظن أن لذلك دورا أمام الضعف في مواجهه المواقف التي تتطلب الشجاعة في هذه الحياة
ولكن ما هو الحل الآن أرجوكم أنا على استعداد لفعل أي شيء يخرجني من حالة الانهزام هذه أمام نفسي وأسأل الله العظيم أن تتفضلوا بنصيحتي هذه بأسرع وقت إذا تمننتم وتفضلتم عليَّ أرجوكم،،،،
وبارك الله بكم جميعا وجعل هذا المجهود العملاق الذي تبذلونه في ميزان حسناتكم،
10/6/2005
رد المستشار
أهلاً بك يا عمر وأهلا بمعاناتك التي أحسنت صنعاً حين ألقيت بها إلينا, إذ أن أول طريق الخلاص مما نعاني منه هو: التحدث عنه لإخراجه من داخلنا, فنتحرر بالتالي ولو جزئياً من سطوة تأثيره السيئ علينا ونتخلص من قيوده السلبية التي تكبلنا..
فأهلا بك على طريق الخلاص, وأسأل الله تعالى أن يعينني لأقدّم لك المساعدة التي تحتاجها فعلاً..
لقد خُلقنا يا عمر في مجتمعاتٌ ضد توكيد الذات وهذا يعني أننا سننشأ ونحن نحمل الكثير من العقد ولكن لايزال طريق الخلاص منها مفتوحاً, وهذا من رحمة ربنا بنا, فكل الطرق مفتوحة وما علينا إلا اختيار أحدها.،،
أنت محق تماما فيما ذهبت إليه من أن أسلوب إخوتك الساخر منك في طفولتك كان له الأثر الكبير في ما أصبحت عليه الآن من شعور بالجبن والتردد..- وأحيي فيك وعيك وقدرتك على التبصر بنفسك وبمشاكلك.،،
بل إن تربية إخوتك واستهزاءهم بك أمام الناس قد ولّد لديك هذه الحالة من الصراع بين الرغبة العارمة في الثأر - فكل إهانة جديدة تفجّر في نفسك ركام الإهانات السابقة, وبالتأكيد إذا تمكنت من الرد ثأرا لإهانتك الجديدة فلن يكون الرد متناسباً مع حجم الإهانة, بل أكبر بكثير لأنه سيكون رداً عن كل ما سبق وليس على الإهانة الأخيرة, بل الإهانة الأخيرة ما هي إلا السبب المباشر لتفجير كل ما سبق – وبين خوفك من الكبار الذين يحطمون معنوياتك, وربما كان سبب لجمك لغضبك هو البقايا الدينية التي تحث على كظم الغيظ وهذا بحكم أن أسرتك ملتزمة, ولكنه الفهم المنقوص والمنكوس لتعاليم ديننا الرائع, الفهم الذي حين نطبقه نجد أنفسنا نزداد اكتئابا وترددا وخنوعا وقهراً, وجوهر الدين من كل هذا بريء..فالله عز وجل لم يأمرنا بكبت الغضب, بل أمرنا بكظمه والفرق كبير جدا بين الكبت والكظم, فالكبت هو أن تمسك غضبك ولا تنفذه في العالم الخارجي ولكنك تبتلعه وتبقيه يفور ويغلي داخلك, وهذا يعني أن تراكم هذه الجرعات الغاضبة سيولّد في النهاية الانفجار لا محالة .. بالإضافة إلى أنه سيدمّر حياة صاحبه من أثر الكم الهائل من المشاعر السلبية التي سيولّدها في قلبه, فيقضي على صفاء قلبه وهدوء نفسه.
أما الكظم فهو أن تمسك غضبك ولا تنفذه في العالم الخارجي ولكنك لا تبتلعه بل تصرّفه في مصارف أخرى, وهذا يحرر أعماقك من فوران المشاعر السلبية وغليانها, ويحميك من آثارها المدمّرة .
كيف نحقق الكظم إذاً دون الكبت؟؟
حين نسلك الطريق الصحيح لتصريف هذه الطاقة الانفعالية الهائلة التي ولّدها الموقف المثير..
وهناك طرق عديدة منها طرق فكرية ومنها طرق عملية:
* من الطرق الفكرية :تعزيز مفهوم الأخوة في الله ومنها: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً: ظالماً بأخذ الحق منه ومظلوما بأخذ الحق له, ولكن لا تنس أنه أخاك أي أنك ستنصره بكل لطف ولين" فقولا له قولاً ليّناً لعلّه يذّكر أو يخشى"
أما أن أتسامح في حقي من باب المسامحة وأنا أصلا لم أطالب به وأدافع عنه لأنني غير قادر على ذلك أصلا, فالساكت عن الحق شيطان أخرس, أستطيع أن أحقق فضيلة التسامح ولكن بعد أن تعود الحقوق إلى أصحابها..
وهذا ما كان الصحابة رضي الله عنهم يفعلونه.
* من هذه الطرق أيضا أن "ألتمس لأخي المؤمن سبعين عذراً فإن لم أجد له عذر فأقول لنفسي: لعلّ أن يكون له عذر لم أعرفه بعد", وهذا ليس لتبرير أخطاء الآخرين ونفي مسؤوليتهم عنها, بل للتخفيف من ثورة الغضب والمشاعر السلبية التي ستجتاحني إثر أخطائهم معي ..
* ومن الطرق العملية: تغيير الحال التي تكون عليها حين تغضب: فإن كنت واقفاً فاجلس, وإن كنت جالساً فاضطجع.
وأيضاً: الوضوء, لأنه يدخل الإنسان في عبادة ويرطب ويبرد أعضاء جسده بالماء البارد فيقلل من الحرارة المنبعثة منه فيخطو به أولى خطوات "امتلاك النفس" عند الغضب. وهذا كله ورد في وصايا نبوية.
أرأيت يا عمر كيف أن الإسلام بتعاليمه لا يكرّس الخنوع والتردد والجبن, بل يقوّي على قول الحق والدفاع عنه + الحفاظ على روابط الأخوّة في الله وعلى سلامة الصدر؟؟!!
إذاً أنت تحتاج إلى إعادة بلورة فهمك لتعاليم ديننا الحنيف, وإلى التدرّب على تطبيق هذه التعاليم..
ولأساعدك في ذلك سأحيلك إلى روابط استشارات سابقة عانى أصحابها من أمثال ما عانيت منه أنت, فاطّلع على تجاربهم وعلى إجابات المستشارين عليهم:
التردد متى يكونُ مرضيا ؟؟
"الحل...ابحث عن ذاتك"
صعوبة التعامل مع الآخرين : النموذج والعلاج
كيف نهزم الخجل ونحب الأصدقاء
إذا هبت أمرًا فقع فيه
مجتمعاتٌ ضد توكيد الذات
الخوف من المشاركة
الحياء الشرعي والرهاب المرضي
الخوفُ لا يبقيه سوى الخوف
فن العلاقات: وعي غائب، وفريضة ضائعة مشاركة
والآن, لدي بعض النقاط التي أحب أن أقولها لك والتي ستعينك بإذن الله على مواجهة هذا التردد والجبن والتخلص منه:
- الانطلاق في الحياة من الفعل وليس من رد الفعل..
عندما يحرّك الإنسان الثأر لنفسه أو لغيره يكون رده عنيفا ويكون تصرفه عبارة عن رد فعل, أما عندما ينبعث في رده عن قناعاته ومبادئه هو عندها تسير الأمور بطريقة أخرى, عندك مثلا الرسول عليه الصلاة والسلام, ما غضب لنفسه قط, وكان رغم كل ما يلحقه به كفار قريش من إهانات, فإنه يتجاوزها لأن عينه كانت على الهدف الأكبر وهو: كسبهم كمدعوين لينقذهم من نار جهنم.. ولا يتركهم فريسة للشيطان ولكبرهم وعنادهم, أي تصرّف معهم بنفسية وعقلية الأخ والأب المشفق الحنون.. وهذا مثال رائع وجلي في "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". فصلى الله عليه وسلم كم ضرب لنا من أمثلة في كظم الغيظ والغضب والتحكم الراقي بالنفس.
- انطلاقاً من شعورك بأن في داخلك رجلا شجاعا يريد أن يدافع عن نفسه وأن يخلّص حقوقه, وآخر جبان يمنعه من فعل ذلك ويأخذ بخناقه, انطلاقا من هذه الفكرة ما رأيك بأن تجعل جهودك القادمة منصبّة على تقوية وتعزيز صديقك "الشجاع" ضد عدوك "الجبان"..بالمناسبة هذه الفكرة صحيحة إذ أن كل منا يكمن عدوه وصديقه بداخله, فعندما نجد أنفسنا نتحدث إلى أنفسنا بشكل إيجابي بنّاء مثمر, فهذا صوت الأنا الصديقة, وإذا وجدنا العكس فهو صوت الأنا العدوّة ..
- أجّل الانتصارات التي سيحققها صديقك الشجاع بمساعدتك على دفتر, وسمِّهِ دفتر الإنجازات, واقرأه يوميا, وسترى كيف تتقوّى ثقتك بنفسك وستجد أنه لم يعد هناك من يستطيع أن يمسكك من رقبتك ويمنعك من فعل شيء تريده, ولكن على أن تفعله بالطريقة الصحيحة التي تعمّر ولا تدمّر.. دافع عن حقك ولكن دون أن تظلم الآخرين وبكل لطف ودون ضحايا من أرحام مقطعة ووُدّ جريح..
- من الآن فصاعداً لا تردد كلمة جبن وتردد على مسامعك, ولا حتى بينك وبين نفسك, لا تقل "أنا جبان", بل قل "أحتاج إلى المزيد من الشجاعة", كلمة "أنا جبان" تصيبك بهبوط في روحك المعنوية فتدفعك إلى الوراء, أما العبارة الأخرى فهي تعطيك مصداقية في تقييم وضعك الحالي ولكنها تملؤك بروح الإيجابية وتحفزك للتقدم إلى الأمام.. انتبه إلى ما تقوله لنفسك حيث أن التحدث السلبي إلى الذات – كما يقولون – قاتل صامت .
- عندما تصبح في موقف المواجهة لا تركز تفكيرك على أنني جبان ولا أعرف كيف آخذ حقي, بل ركز تفكيرك على "كيف سأستطيع أن آخذ حقي بالعدل والحق", ركز على الطريقة الإيجابية في التفكير, تماما كما ننصح الأمهات اللواتي يعانين من العصبية مع أولادهن, بأنه إذا ما فعل ابنك ما يثير غضبك فكري كيف تصلحين الوضع بدلا من التفكير في أنه أغضبك وفي مشاعرك التي ثارت وفي الخسائر التي ترتبت على هذا الفعل المغضِب, بهذه الطريقة ستصبح أقدر على التعامل مع الموقف.
- لا تتوقع النجاح في محاولاتك من أول مرة, فهذا نادرا جدا ما يحدث, بل تحتاج إلى عدة محاولات لتتقن هذه الطريقة الجديدة, وستجد نفسك في كل محاولة جديدة تتقدم وتتقن أكثر وأكثر إلى أن تصبح ماهراً فيها.
- من الأساليب أيضا أن تكتب ما تشعر به على ورقة ثم تمزقها وترميها في سلّة المهملات فهذا سيعطيك انطباعا كمالو أنك رميتها من حياتك تماما, هذه ليست فكرة مجنونة بل لقد أثبتت فاعليتها فعلا.
- أخرج من نفسية الطفل الخائف المذعور الذي كان يستهزئ إخوته به أمام الناس فيفر إلى تجنب المواقف, لم تعد ذلك الطفل, أنت كبرت وتزوجت وتبني -بإذن الله– بيتاً مسلما قويا وأول من ستقوّيه في بيتك هو أنت.. من فضلك أعد اكتشاف نفسك. صحيح أن هذا الطفل لا يزال قابعاً في إحدى زواياك الداخلية, لكنك تستطيع حمايته وتقويته الآن فلم تعد صغيرا لا حول لك ولا قوة, بل أنت رجل قوي يُعتمد عليه وأول ما يشير إلى ذلك هو: رغبتك الأكيدة في الخلاص من المشاكل التي تعيق حياتك, بل وتبصّرك الرائع بنفسك ومشاكلها. تستطيع تحرير الطفل القابع داخلك من خوفه وجبنه وتردده لأنك الآن صديقه الوفي الوحيد الذي بمقدوره أن يساعده, فلا تخذله.
- الدعاء إلى الله عز وجل أن يعينك على التخلص مما تعاني منه وأن يهديك الطريق الصحيح المعين على ذلك, فالدعاء – وخصوصاً في الليل - هو السهام التي لا تخطئ.
في نهاية ردي أحب أن أوجّه كلمة عتاب لكل الكبار تجاه الصغار, كل الكبار مهما كانوا: إخوة أو والدين, أو مربين أو.... يقول الله عز وجل "يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكنّ خيراً منهنّ".
وللطفل حرمة شخصية وكرامة تماما مثل الكبير, فلا تكونوا أول من يهدرها, ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" وكلمة العرض تشمل كل ما يسيء للإنسان النيل منه.
أوجه هذه الكلمة إلى الأسرة الملتزمة, والحمد لله أن الكثير من أسرنا ملتزمة, ولكنها للأسف تفعل أشياء كثيرة تنقض هذا الالتزام من حيث لا تدري, وأولها: السخرية من أفراد الأسرة وتحطيم عزة أنفسهم أمام الناس.
مشكلتنا أننا – حين نكون ملتزمين – أننا ننفذ أوامر الله تعالى مع الناس, أما مع أفراد أسرتنا فلا, ظنا منا أن الأمر الإلهي طال الناس الأغراب فقط, وهذا للأسف فهم مستشري في المجتمع مع أنه خاطئ ومرفوض تماما, فالله تعالى نبّه إلى ضرورة معاملة الأقرباء معاملة حسنة أكثر مما نبه إلى ضرورة إحسان معاملة الغرباء: "والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب".
فالجار: هو كل من جاورك ولازمك في حياتك, وكلما كان أقرب إليك كلما كانت حقوقه أوكد وأكثر, فالذي يصاحبك في حياتك داخل البيت له حقوق أوكد من الذي يرافقك في المدرسة.. وهكذا..
في النهاية أشكرك على إطرائك على موقعنا وأسأل الله تعالى أن يتقبل هذا العمل وهذه الجهود ويجعلها خالصةً لوجهه الكريم.. آمين.. ولا تنسى أن تتابعنا بتطوّراتك الطيبة بإذن الله