الطلاق ذلك أبغض الحلال مشاركة مستشار
الطلاق - ذلك أبغض الحلال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
بداية أحب أن أتوجه بالشكر الجزيل للقائمين على هذا الموقع المفيد فجزاكم الله كل خير وجعله في ميزان أعمالكم.
عندما تتغير المفاهيم وتنقلب الأوضاع لا يبقى داعي لنحدد اسم بلد من البلدان ونسأل لماذا يحدث هذا هنا؟
والعالم كله انقلب إلى قرية صغيرة نعيش أخبارها و قصصها بالتفصيل, والطلاق قصة من هذه القصص التي نشهد تزايد فصولها وانتشارها في كل أنحاء الأرض. وما يهمنا هو واقعنا العربي. وحال أولادنا المسلمين الذين هم المفترض أن يحملوا لواء الإسلام للعالم ويقدموه كنموذج لحياة كريمة.
أختي الكريمة...دكتوري الفاضل.. لا أظن أن الخليج يتفرد بهذه الظاهرة وحده, ولكنه كونه مركز جديد للحياة الطيبة والمترفة فتكون الأنظار أكثر توجهاً له. والخطر على ما أعتقد ليس في اليوم.... ولكن في الغد القريب.. وماذا سيحدث لأولادنا وشبابنا. غالباً علينا أن نحلل ونفهم ماذا جرى لنستطيع أن نتداركهم قبل فوات الأوان.
الأيام تغيرت والأهم هو أسلوب التربية والتنشئة وبعدنا عن جوهر الإسلام وعدله, وإن لم نعدل أنفسنا فعلى أمتنا السلام. كنت بالشام هذا الصيف بزيارة قصيرة.. ولفت انتباهي وقع الكلام لفتياتنا وتوجيههن, فكل أم (وطبعا بدون تعميم) غالباً ما تعد ابنتها للزواج من سن صغيرة على أنه الهدف الأوحد والأهم في الحياة وسلاحهن له هو التجمل والتزيين والتطيب ليبقى بعدها اهتمام فتياتنا و طاقاتهن محصورة كلها في هذا الموضوع إلى أن يكتب الله ما شاء.....
ومن ثم يأتي الاهتمام الآخر الجانبي.. وهو تحصيل العلم والشهادة... والمشكلة هنا تكمن أن العلم لم يعد لمجرد المعرفة والثقافة أو تربية الأولاد أو العمل وإنما صار له هدفاً آخر معلن وواضح... ألا وهو تأمين حياة أفضل للفتاة في حال فشل زواجها.
إذا يا دكتور نحن نعد الفتاة منذ نشأتها (وهنا تكمن المصيبة) لزواج احتمال أن تنفك منه بسهولة ويسر لتسلك حياة ثانية... وشتان ما بين جداتنا اللواتي تزوجن وكن يعرفن أنهن من بيت أهلهن إلى بيت زوجهن إلى القبر و لا شيء بينهن, فالطلاق أمر غير محسوب له حسبان وغير مقبول.. فتكيفن معه ومع حياتهن، ومن ثم جاء عصر الأمهات وبدأ الانفتاح أكثر فبدأت المرأة تتعلم لتتمكن من تربية أولادها بشكل أفضل... ومع هذا الانفتاح بدأت المرأة تتململ من ظلم الرجل وسيطرته وتحكمه..
ولكن لم يكن باليد حيلة سوى أن يصبرن على مضض فالظروف الاقتصادية والاجتماعية غير مواتية للانفكاك والعيش بحرية.. وإن كن استطعن التحمل والصبر إلا أنهن أخفقن في عدم نقل هذا الشعور لبناتهن... فلم تعد الأم تعلم ابنتها شيء اسمه الصبر والتحمل لأنها باتت تراه هو الضعف والعجز... وهي تريد لابنتها الحياة التي لم تستطع أن تحققها هي لنفسها وانقلبت الأوضاع فبعد أن كان الطلاق أمر مستهجن... اعتدنا عليه وتعودت أذننا على سماع قصصه وفصوله ولو بعد سنين طويلة من الزواج.
غالبا اليوم موضوع الطلاق بات أمر اقتصادي بحت... فغالب النساء غير السعيدات بزواجهن والتي تستطيع منهن أن تعول نفسها بعيدا عن تحكم الأهل والرجل باتت ترى أن الطلاق هو طريقها الوحيد... فكل شيء متاح لها... لم تعد مرغمة للعودة والعيش مع أهلها.. ولا أن تكون تابعة مادية لهم.... ولا ترى من الطلاق وهو منتشر بكثرة حولها وبالاً على حياتها وأولادها... فبالله عليك لماذا تصبر وتصمت على شيء هي غير راضية عنه والحل سهل ومتاح.
أما بالنسبة للرجل (وأنت أكثر من كتب عن سيكولوجية الرجل الشرقي) فهو مسكين أيضا وضحية... فبعد أن شاهد وسمع واقرأ قصص جده ووالده وكيف كان هو الآمر الناهي في كل صغيرة وكبيرة وفي كل شاردة وواردة في الحياة... بدأ يجد دوره يضمحل لينحصر بكونه البنك المركزي لتقديم الاحتياجات المادية..
أما الأمور الأخرى فبدأت تنسحب منه للتفاقم المشاكل في الأسرة وليبدأ بإعادة حساباته.. فيجد نفسه يدفع الكثير مقابل حصوله على القليل من حسن تبعل وحسن تصرف وإدارة بالبيت... الأمور التي لم يهتم أحدا بالأساس لتعليمها للفتاة لإنشاء البيت... وغالب ما يكون الحل جاهزا... بالطلاق...
كحل سريع ومريح ولكنه بالواقع كارثة على أطفالنا وشبابنا.. فهم لم يعد يروا أن الزواج مؤسسة هامة ودائمة في حياتنا وأن حسابات الربح والخسارة هي آخر الملفات التي يجب أن تكون موجودة في مؤسسة كمؤسسة الزواج.
إن كنا فعلا نسعى من خلال هذه الصفحة ومن خلال حياتنا اليومية لحركة اجتماعية جديدة تنهض بنا... فعلينا إعادة تنشئة بناتنا ونسائنا وأول خطوة أن نبدأ نغير ما بأنفسنا من أحوال وأفكار
ورحم الله من قال (كن أحد رجلين: إما مشغول بنفسك, وإما متفرغاً لغيرك بعد الفراغ, وإياك أن تشتغل بما يصلح غيرك قبل إصلاح نفسك)
أعرف أن مهمتكم طويلة و شاقة لإعادة نشر جوهر ديننا... ولكن أعانكم الله وسدد خطاكم ودمتم لنا.
بنت الشام
11/8/2005
رد المستشار
الأخت الفاضلة؛ استمتعت بقراءة رسالتك مرة ومرات، وترافق وصولها مع سؤال توجهت به إلى صحفية لأعلق على دراسة بريطانية تربط بين ارتفاع معدلات الطلاق واستقلالية المرأة اقتصاديا بعمل مستقر، وشبكة علاقات اجتماعية واسعة، تقول الدراسة أن المرأة العاملة تجده أسهل عليها أن تنفصل عن زوجها، وتتصور أنه سرعان ما ستجد علاقة أخرى بديلة، كما أنها لا تخشى من الناحية المادية، فيكون قرار الطلاق أسهل من ذي قبل.
ورسالتك خطيرة فهي تتناول الموضوع ببساطة وعمق وتتشعب مع جوانب كثيرة فيه، ولا أجد لدي الرغبة في المزيد من تكرار ما سبق وقلته حول هذه المسألة.
الأسس التي كانت الأسرة تاريخيا تقوم عليها عندنا تتغير، وقد تناولت جانبا من هذا في مقالي: (في العلاقة الزوجية، هكذا يخطئ الرجال)، ومسألة حياة أو موت الأسرة لدينا مرهونة بالبحث عن أسس جديدة لتماسك الأسرة، ومواجهة الضغوط والتحديات التي تتعرض لها سواءً على مستوى الترف وآثاره، أو غير ذلك من التحديات، وهي كثيرة، وتكاد النقاشات العامة لا تتعمق في تغطية هذه المسائل إلا بشكل مبتسر،سطحي، ومتسرع!!!
جاءتني رسالة مؤثرة من الخليج تعليقا على مقالي المذكور تقول أن الرجل الجديد هناك،رب الأسرة وراعيها، ينسحب من أداء مسئولياته، ويكسل عن المشاركة في أعباء الأسرة والتربية، ويترك كل شيء لزوجته، التي تنوء بالأحمال، فإذا وضعنا في الحسبان أن أغلب فتياتنا لا يحصلن على معرفة ولا تكوين كافي للقيام بهذه الأعباء، فيمكننا أن نتصور حجم المعاناة الملقاة على عاتق كل زوجة شابة حتى تستكمل التأهل لمسئولياتها، وفي ظل غياب أو انسحاب الرجل/زوجها!!
تربيتنا للفتاة معيوبة كما تشيرين يا فاضلة، وتربيتنا للفتى معيوبة أيضا، والترف ينخر في عقولنا ومجتمعاتنا، والضغوط المادية الاستهلاكية، والمؤثرات الجنسية الانحلالية، وغياب القدوة، وغموض القيم، واضطراب الممارسات والمفاهيم الدينية، وخطابات تحرير وتمكين المرأة، وخطط زيادة تمثيلها وفرصها دون دراسة أو توازن مع الوضع العام للمجتمع، هذه كلها معاول تهدم في بنيان المجتمع والأسرة دون أن تجد انتباها كافيا لا على صعيد البحث والدرس ولا على صعيد الحوار الإعلامي أو التناول العام في دراما أو صحافة أو روايات، إلى أين نحن ذاهبون؟!!
أو بتعبيرك / ماذا سيحدث لأولادنا وشبابنا؟! ولا جواب عندي!!!!