أرملة معذبة؛
الأساتذة الكرام، أشكر مساعدتكم لكل من يكتب لكم وجزاكم الله عنا كل خير.
سأكتب لكم مشكلتي ولكن من أين سأبدأ لا أدري لأن مشكلتي قديمة ومتعلقة مع بعضها البعض ولكنني لا يمكنني أن أكتب القديم والحديث لأنه الموضوع سيطول جدا لذا سأبدأ الكتابة بالوضع الذي أعاني منه الآن:
أنا أم لأربعة أطفال توفي عني زوجي منذ سنتين وترك أولاده أمانة في رقبتي, البنت الكبرى عندما توفي أبوها كانت في الصف الأول الإعدادي والبنت الأصغر منها في الصف الثالث الابتدائي والصبي الأصغر في الصف الأول الابتدائي والبنت الصغرى الأخيرة عمرها أربع سنوات, بعد ما رأوا والدهم مريض يعاني (باعتلال دماغي مترقي) قبل وفاته بسنتين,
فجأة ظهر عنده المرض لم يكن يعاني من أي شيء أبدا ولا بعمره أخذ حبة دواء واحدة وفجأة بدأ الرجل النشيط يتلاشى شيئا فشيئا و أخذته المنية في 28 \ 5 \ 2001 وهو في الأربعين من عمره, بعد ما عانيت من خدمتي له بسبب انقطاعه طبعا واحتسبت أجري عند الله تعالى وخيم الحزن في بيتنا, الحزن الشديد لفقدي الزوج الحنون, كنا في غاية المحبة والتفاهم ولفقد الأولاد والدهم الحنون أيضا حزنوا حزنا شديدا وخاصة ابني ذكريا فهو متعلق بوالده جدا وكل يوم يذكره ويقول أريد بابا, سأذهب لقبره و أفتحه سألحق به يا ليت أموت وأدخل فوقه وكلمات كثيرة كثيرة ومؤثرة جدا.
ومضى على موته سنتين وما يزال الحزن في قلبي وعيني لا تجف من الدمع وابني كذلك الأمر وكأن الأمر وقع الآن ولم يمضي عليه ولا لحظة, إنني مؤمنة بقضاء الله وقدره وراضية بالذي يرضى به ودائما أقول حسبي الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله, ولم أفقد هذا الإيمان ولا لحظة والحمد لله ولكن الحزن كبير وعميق وأحس أنني لا أستطيع الخروج من هذا الحزن لأن مسيرة المرض مسيطرة على وجودي,
لأنني حزينة على زوجي فابني أيضا مريض ومرضه خطير ومنذ أن كنت في العدة صارت رفيقتي تأخذه للدكاترة بسبب مرضه الكلوي وطلعت من العدة وأن أذهب به إلى المستشفيات والدكاترة بدون أي فائدة كل خمسة عشر يوما لازم يزور الطبيب وترتفع حرارته وأقضي الليالي بجانبه وأتوقع موته كل لحظة وأقول في نفسي كأن الطفل ينطق بالحقائق سيموت ويلحق بوالده وصراع نفسي كبير وأقول, الذي الله كاتبه سيحصل ولا أحد يموت إلا بعمره وأحاكي نفسي بين الخوف من الواقع وبين الرضا بقضاء الله ويبقى الحزن يغطي البيت من كل جوانبه,
أحاول أن لا أظهر الحزن أمام أبنائي أمام أولادي من أجل حالتهم النفسية فأخرج معهم للحديقة ولزيارة الأقارب والأصدقاء ولكن وأنا معهم أحس أن قلبي مغلق ولا يحس بأي شيء حوله غير الحزن والبكاء, إذا ضحكت لشيء ما أحس الضحكة من فمي فقط, وبعدها أحاسب نفسي كيف ضحكت وفي داخلي هذا الحزن الكبير, في كل خطوة من خطوات حياة أولادي أذكر والدهم وأقول لو كان معهم في النجاح, أذكره وأقول كيف سأفرح بنجاح الأولاد وأبوهم ليس معهم ويفرح معي في المرض, أذكره لو أنه يحمل معي العبء وذهب مع ابنه إلى الدكتور والتحليل كل يوم والثاني,
إذا أصابتني مصيبة من الناس الذين حولي أقول لو أنه عايش ما تكلموا, هذا من أهلي وبيت حماي إذا ذهبت لعند أصدقاء زوجي لماذا ذهبت؟, وإذا جاء لعندي أحد, لم أتى؟؟, كلامهم غريب نظراتهم غريبة كل شيء أصبح حولي غريب حتى أولادي إذا تصرف أي تصرف لا يريدون أن أكون محاسبة عليه من قبلهم, ماذا سأفعل أرجو المعذرة فإن مشكلتي مجموعة مشاكل ولا أعرف إذا كانت كتابتي متناسقة أم لا لأني متعبة كثيرًا و (زعلانة كتير) ولا أدري من أين سأبدأ وأين سأنتهي وماذا سأكتب لأن عندي كلام كثير لا يمكن شرحه وكتابته على صفحاتكم خوفا من الملل على حسب هذا الكلام أرجو الرد والمساعدة ولكم جزيل الشكر.
وحدي مع الليل لا بدر ولا شهب شط المسير وخلان الوفا ذهبوا
أنا الأنين أنا البوم الحزين أنا ...... الشكوى أنا الألم أنا التعب
10/09/2003
رد المستشار
الأخت الكريمة؛ لكم تمنيت وأنا أقرأ رسالتك أن أكون بجوارك وأن أتمكن بقربي منك أن أداوي جراح قلبك وأن أضمك إلى صدري وأمسح عبرات تتسلل من عينيك، فأنت تمرين بأزمة رهيبة هي أزمة فقدان الزوج والحبيب ومعها يتضاعف الشعور بغياب الدعم العاطفي والمادي الذي كان هذا الزوج يقدمه لك ولأولاده، وأنت تدركين جيدا أن ما تمرين به هو من قدر الله الذي لا يمكن تغييره ولا نملك إزاءه إلا الصبر حتى ننال الثواب العظيم للصابرين"وبشر الصابرين".
0وأول مراحل التغلب على أزمتك الراهنة تكون بإدراك وتمثل الثواب العظيم الذي ينتظرك مع هذه الأزمة، فرسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث القدسي عن رب العزة سبحانه: "ليس لعبدي المسلم عندي جزاء إذا قبضت صفيه في الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، والجنة كما تعلمين بها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فمع كل لحظة حزن وألم تذكري مقعدك من الجنة وأنت بصحبة زوجك وحبيبك، واسألي الله أن يجمعكم في مستقر رحمته، فهناك السعادة الأبدية والهناء الدائم، والدنيا لم ولن تكون في أي وقت من الأوقات دار مقام، فهي دار للابتلاء والاختبار، والعاقل من يعتبرها كذلك ويجعل حياته كلها بكل مفرداتها سعيا لبلوغ دار النعيم أو الشقاء المقيم، فأعنا يا ربنا على أن نكون جميعا من ساكني دار النعيم وأجرنا برحمتك من النار وعذابها.
ومع أزمة فقد الأعزاء لا ينبغي كتم الألم حتى لا ينفجر بركانا في صدرك، ابكي كلما شعرت بأن داخلك يكاد يتمزق من الألم، وابحثي فيمن حولك عمن يمكنك أن تبثيه همومك وغمك، عبري بكل وسائل التعبير الممكنة، بالكلام... بالكتابة... بالرسم والألوان، فقد يخرج الإبداع جنينا ويأتي مخاضه من رحم الألم والحزن الذي تشعرين به، وحتى إن لم يحدث هذا فيكفيك أنك عبرت عما يعتمل بداخلك من حزن يكاد يعصف بأوصالك، فالتعبير عن الحزن لا يتنافى مع الرضا والتسليم بقضاء الله، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال يوم وفاة ابنه إبراهيم: "العين تدمع والقلب يبكى وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون"، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه رغم هذا الحزن الدفين والألم الشديد لم ينطق بما يغضب الله ولم يعترض على قضائه.
ابحثي فيمن حولك عمن يمكنه أن يقدم لك الدعم المادي والعاطفي، ويمكن أن يكون هذا أخ... والد... خال.... عم لك أو قريبة أو صديقة أو أحد أولادك، ومن قبل هذا اجعلي لك مع الله لحظات تقفين على بابه وتتضرعين إليه أن يمدك بقوة من عنده وأن يربط على قلبك وأن يرزقك الصبر، فهذه اللحظات ستكون لك خير معين على مواجهة ما جرت به الأقدار.
الحزن والاكتئاب يجد مرتعه الخصب في الفراغ، فاشغلي نفسك دائما بعمل ما، ابحثي عن وظيفة إن كان هذا بإمكانك، فالعمل يتيح لك التواصل الاجتماعي السوي مع الآخرين مما يعينك كثيرا على التغلب على أزمتك، والانشغال بالأعمال الخيرية والتطوعية يعينك كثيرا على التماسك الداخلي، فامسحي على رأس اليتيم وزوري دارا للمسنين، فنظرة حب من عيون هؤلاء تمسح عنك كثيرا من الحزن الذي تشعرين به.
لا تشغلي بالك بما يقوله من حولك، افعلي ما يتوافق مع تعاليم دينك وما يرضى عنه ضميرك ولا تلتفتي لحزب كلام الناس، لأنهم لن يرضوا عنك مهما فعلت، كما أن الطبيب النفسي قد يساعدك كثيرا ببرامجه العلاجية وبعلاجه الدوائي فلا تترددي في عرض نفسك عليه واتباع تعليماته والأخذ بنصيحته ومراجعته أيضًا إلى أن تتمكني من تجاوز هذه الأزمة.
أختي الكريمة؛ تأكدي أن الله سبحانه لن يضيعك وأنه سيحفظك ويحفظ لك أولادك، ودعواتي لك أن يربط الله على قلبك وأن يمن عليك بصبر من عنده وأن ينعم على ولدك بالشفاء وأن يبارك لك في أولادك، وأن يرحم زوجك برحمته الواسعة وأن ينعمه في دار النعيم الخالد، وفي النهاية أحب أن أقول لك أننا معك دائما.
** ويضيف الدكتور وائل أبو هندي: الأخت السائلة؛
بدايةً أوضح لك أن رسالتك الأولى وصلتنا ولكن الرد عليها لم يصل من المستشارة إلا اليوم، وهو نفس اليوم الذي أعدت فيه إرسالها ونحن بذلك أجبنا عليك في أسبوع فاعذرينا لأننا بالفعل مضغوطون، والحقيقة أن الأخت الزميلة د. سحر طلعت قد أحاطت في تعليقها على مشكلتك بمعظم جوانب المشكلة، لكنني أود أولاً أن أحييك على بيتي الشعر اللتين كتبتهما في آخر إفادتك، وإن كان في البيت الثاني بعض الخلل البسيط في الوزن الشعري وإن كان من المسموح به في العروض، لكنني أحييك على حسن اختيارك لهذين البيتين الشديدي الصدق وأبين لك أن هذا الاطلاع هو أحد الخيارات الموجودة أمامك للتنفيس عن مشاعرك، لكنني كما أشارت عليك المستشارة د. سحر طلعت أريد أن تحاولي الانخراط أكثر في الأنشطة الاجتماعية فالقراءة التي هي هوايتك كما ذكرت لنا لا تعد كافية لكسر ما تعانين منه من اكتئاب.
وأما النقطة الثانية التي أود الإشارة لها فهي أن شدة حالة الاكتئاب لديك ومدته الزمنية أيضًا قد زادتا عن الحد الذي يسمح لنا باعتباره اضطراب تأقلم Adjustment Disorder أو رد فعل الأسى Grief Reaction في حالتك، فالمدة عندما تتجاوز ستة أشهر نصبح داخل حدود اضطراب الاكتئاب الجسيم Major Depression ، وهو ما أريد منك أن تقرئي عنه من خلال تصفح الردود السابقة على صفحتنا استشارات مجانين تحت العناوين التالية:
اللامبالاة هل هي اكتئاب؟، عسر المزاج والاكتئاب، التفكير النكدي، الاكتئاب الجسيم وماذا بعد، الاكتئاب الدائم أم عسر المزاج
إلا أن قوة شخصيتك الواضحة وفكرتك الإيجابية عن ذاتك وعن زوجك يرحمه الله ما يزالان يجعلانك متماسكةً ، لكنني في ظل ظروف مرض ابنك شفاه الله وخفف عنك وعنه، لا أستطيع حجب نصيحتي لك بزيارة الطبيب النفسي وتناول أحد عقاقير الاكتئاب التي تساعدك على مواجهة كل هذا الألم المتجدد، أو على الأقل لتجري بعض جلسات العلاج النفسي المعرفي عند متخصص في الطب النفسي لكي يزيد من القوى الداعمة داخل كيانك، وتابعينا بأخبارك، وشاركينا برأيك.