قبل النشر والكي، السخرية والنضج : مشاركة ومتابعة
قصة قصيرة جدا
(لا أذكر هذه القصة إلا على سبيل التدليل على أنه بالإمكان تجاوز الاضطهاد من جذوره).
عندما دخلت المدرسة الإعدادية، اجتمع بعض زملائي، وتحلقنا في ما نسميه بالفورسة (الاستراحة بين الحصص)، وكان موضوعنا طبعا هو: أي كسوة من كسواتنا أغلى؟
جعل التلاميذ يضخمون ويكذبون، قال أحدهم: أنا كسوتي تكلف أهلي 250 شيكلا، (ونحن نعبر عنها في المعسكر باثنين مليون ونصف ولهذا التعبير أصل)، قال آخر: ثلاثمائة، قال غيره: أربعمائة، مزاد علني مكشوف. وصل الدور إلى، وكان والدي دكتورا، دخله قدر دخل خمسة من آباء المتكبرين على الأقل، وكنت الأول على صفي الذي خرجت منه.
فأجبت متهكما: أنا كسوتي 150 شيكلا. ووعظتهم وأغلظت لهم، في دناءة نفس من يكلف أباه أكثر من طاقته، فما كان ممن وصلهم الدور بعدي، إلا أن كذبوا مثل الأولين، فلم تزد كسوة الواحد فيهم عن مئة شيكل، ليكونوا أفضل مني، والسلام.
10/9/2005
رد المستشار
قصتك القصيرة البليغة تبدو دليلا واضحا على تأثير الصاحب على صاحبه، كما تعكس حبنا للمظاهر والمفاخرة أو التفاخر الذي هو من طبيعة الدنيا "إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر" ولكنها في حالتنا تتحول إلى مرض عضال يصبغ تصرفاتنا أو أغلبها، ورغم أن هذا قديم إلا أنه زاد في عصر التفاخر والمظاهر والاستهلاك لكن قصتك أيضا تقول أن إمكانية تغيير ذلك قائمة ببعض الحوار والتأثير.
أسأل نفسي كثيرا: من الذي يصنع عالمنا؟!!
وهو نفس السؤال الذي تطرحه حاليا إذاعة البي بي سي البريطانية في برنامج إذاعي يلف العالم. كيف نتأثر، وكيف نبني تصوراتنا؟!!
الأفلام والأغاني الشبابية والروايات الرومانسية أحيانا، وما نقرأه وهو غالبا شحيح وسطحي، ومواد الإنترنت المزدحم بكل غث وسمين. الأمر يستحق بحثا مستقلا ومعمقا، فقط أشكرك على لفت النظر إليه عبر قصتك.