الاكتئاب الجسيم كيف يسلب الإيمان؟
الاكتئاب الجسيم كيف يسلب الإيمان م
بسمه تعالى
إلى الأخ العزيز
عن إذنك لقد قرأت المشكلة وتألمت كثيرا وأحسست بأني مسؤولة على مساعدتكم لحل المشكلة لقد تألمت كثيرا عندما قرأت المشكلة فأرجو من الله تعالى أن يسامحكم
فلماذا كل هذا الاكتئاب والندم؟
إن في هذه الحياة التي نعيشها لا يوجد أي شيء يؤلمنا أو لا يوجد أي نظام في هذا الكون يعمل أو يدور من أجل أن يجعلنا مكتئبين فكل شيء هو من عندنا وإن هذه الكآبة واليأس والندامة فنحن قد صنعناها بأيدينا فإذا نظرنا إلى الدنيا وما فيها بنظرة جميلة سنشاهد أن كل شي جميل وأن السعادة بجانبنا ولكن مع الأسف في بعض الأوقات قد نرفض هذه السعادة
ولا نراها
قبل عدة سنوات لقد واجهت بمشكلة مثل مشكلتكم بأن كرهت المسلمين ورفضت وجود الخالق، فلم أكلم أي أحد بهذه المشكلة ولكن بدأت أبحث في الكتب وأسأل البعض عن وجود الله وهل يمكننا أن ننكر وجود الله؟ و............ ولكن إذا أنكرنا وجود الله فيجب علينا أن ننكر وجودنا أيضا! فمثلا إذا قلنا لم يوجد صانع أو عامل يصنع الكتاب فيجب علينا أن نقول بأن الكتاب غير موجود.
لقد قلت يا أخ بأنك تنكر وجود الله فإذا كان الخالق غير موجود فمن خلق هذا العالم بأكمله وتلك السماوات العليا والجبال والأرض............ إنك يا أخي قلت إننا خلقنا، نحيا ونموت فمنا السعيد ومنا الشقي............ ولكن أتدري لماذا هناك الشقي وهناك السعيد؟
إن الإنسان السعيد هو الذي يقبل الحياة كما هي ويكون قانع بكل شيء وهو الذي يبتسم للمشاكل فهناك قول ((لا تقل لله بأن لي مشاكل كثيرة ولكن قل للمشاكل بأن لي ربٌ كبير))
لقد سألت (لماذا خلقت بهذه النفسية المريضة، الحقيرة؟ فأي خالق عادل هذا الذي يرضى كل هذا الظلم وهذه المعاناة الجهنمية لكثير من مخلوقاته) أنا أقول وأعتقد بأن هذه النفسية المريضة هي كفارة الذنوب التي ارتكبتها في هذه الدنيا وأن الله تعالي لا يريد أن يعذبكم في الآخرة فيعذبكم في الدنيا لكي ننتقل إلى الآخرة بجسدِ طاهر من كل ذنب وإن الله إذا أحب عبداِ ابتلاه إنك تعتقد بأن الإنسان سوى كتلة من اللحم والعظم وجملة من المشاعر والأحاسيس فيقول الإمام علي (ع) للإنسان:
ولا تحسبن نفسك جُرما وفيك انطوي العالم الأكبر فهل تعلم بأن هذه الكتلة من اللحم والعظام كم فيها من مكونات ومن أشياء و............فإذا أردنا أن ندرس شي واحد فقط كالعظام فكأننا قد درسنا هذا العالم الكبير.
إني أنصحك يا أخي بأن لا تتحسر على ما فات وما مضي فأعمل بكل جهدت للمستقبل لكي لا تتحسر مرة أخرى على هذه اللحظة وأن تعرف أهميه كل لحظة من العمر وأن تطلب من الله العلي القدير بأن يغفر لك كل الذنوب فإنه غفور رحيم وأن تلجأ إلى قراءة القرآن الكريم كلما أحسست بالضيق والاكتئاب والحسرة............
والحمد لله رب العالمين
.com.............@............
5/11/2005
رد المستشار
الحمد لله الذي منحنا نعمة الوصول إلى أداة تواصلٍ تجعل لـمجانين قارئاتٍ من أهلنا المسلمين في إيران التي تكادُ تكونُ النقطة الأبية الوحيدة-رسميا وشعبيا- في بقايا عالمنا الإسلامي السليب، واحدةٌ من أهلنا آلمها ما يؤلمنا كمسلمين ونحن نسمع انفلات المريض المكتئب في علاقته مع الخالق سبحانه وتعالى، وبقدر ما أسعدني أن تكونَ لـمجانين قارئة في إيران تشارك في متابعةٍ ظهرت بتاريخ 31/أكتوبر/2005 أي منذ شهر، وأصل المشكلة ظهر في يناير 2005، أي أنها تتجول في ذاكرة مجانين، بقدر ما أسعدني ذلك بقدر ما آلمني أن نسببَ لك الألم وأنت دائما ضيف عزيز، نسأل الله أن يقبل منك دعوتك "أرجو من الله تعالى أن يسامحكم"، ونسأله أن يكرمك برضاه سبحانه.
حقيقةً أحسب أن ما ترينه تشابها بين معاناة أخينا صاحب المشكلة وما تصفين أنه حدث لك منذ مدة ليس إلا تشابها ظاهريا فقط، فأنت على أغلب الظن لم تكوني شديدة الاكتئاب مثله، وإنما حائرة ربما أو ثائرة أو على أبواب المراهقة، فمن الواضح أنك صغيرة السن، وبالتالي فإن ما صلح لك مع الأسف قد لا يصلح في حالة مريض نفسي مصاب بالاكتئاب الجسيم الشديد، وهناك فرق كبير بين أن يتشكك المراهق في وجود الله، وأن يبحث في ذلك معملا عقله، وبين أن يعترض مكتئبٌ منفلتٌ على المولى عز وجلَّ في غمرة اكتئابه ولاحظي أو تذكري خطأ المقولة الشائعة بأن المرض النفسي لا يصيب المؤمن القوي، وكذلك لاحظي أن أبا حامد الغزالي -كما وصف بنفسه- عانى من الاكتئاب، بل وظل يعاني ذلك الابتلاء إلى أن قدر الله له انقشاعه.
وأحسب أن المهم يا صغيرتي الآن هو أن يكونَ لنا وقفة تأملية هنا نشرح فيها المقصود بالانفلات الاكتئابي الذي يحدث عند المؤمنين المكتئبين، ومصطلح الانفلات Disinhibition في الطب النفسي الغربي أو لنقل في الفهم الغربي الشائع للسلوك يعني أن يتصرف الشخص غير عابئ بالقيود الاجتماعية، أي أن يقول ما يحلو له ويفعل ما يحلو له دون اعتبار لوجود أو مشاعر الآخرين، وغالبا ما يكون المقصود بـ -ما يحلو له- هنا هو الرغبات أو الألفاظ أو التصرفات التي تعطي إشباعا مباشرا، والتي يخجل الإنسان الطبيعي من التصريح بها أو فعلها علنا أمام الآخرين، ولذلك يرتبط الانفلات في الفهم الغربي الشائع للسلوك بحالة الانبساط أو الهوس Mania (المرح أو الابتهاج المفرط، والمصحوب عادة بالثقة المفرطة بالنفس)؛ فالشخص في هذه الحالة لا يراعي ما هو عيب أو لا يصح أو يخجل منه الآخرون.
ولتفهمي أكثر أضرب لك مثلا بأن المريض المراهق مثلا إذا أصابته النوبة فإنه سيتكلم في رغباته الجنسية أمام أبيه وأمه وأخته وأي من أهله الذكور أو الإناث وكأنه يتكلم كلاما عاديا، أو البنت تفاتح كل من يتحدث معها من الشباب بصراحة ما رأيك في جمالي فإذا قال لها جميلة أو ما شابه تقول له إذن ما رأيك أن تتقدم لي، أو ما رأيك بالزواج مني؟ وتقول ذلك دون أي تعبير يدل على شعورها أو درايتها بأنها تقول ما لا يصح أن يقال.
الشاهد هو أن الفهم الغربي يرى في ذلك الانفلات خروجا على معايير المجتمع، ومعنى ذلك أن المعيار الذي يرجع له الواصف للسلوك هو القيود الاجتماعية Social Restraints فقط، وبالتالي فإن الوصف عادة يرتبط بنوبات الهوس أو وصف سلوك المخمورين أو الواقعين تحت تأثير المواد نفسانية التأثير، وأحيانا مع أصحاب الشخصيات المنفلتة أو الاندفاعيين، وهذا الفهم فهم صحيح ينطبق على الغربيين وعلى غيرهم من بني آدم من مختلف الثقافات والديانات حين يضطربون نفسيا بأحد الاضطرابات الموصوفة.
وأما الانغماس الآني في الملذات والذي أحيانا يصاحب الاكتئاب فيرونه في الفهم الغربي نوعا من الهروب السلوكي المؤقت من مشاعر الاكتئاب، ويرون أيضا في الانتحار قمة الهروب المصحوب بإيقاع العقاب على الذات وبفقدان الأمل كلية في الوجود، إلا أنني أحسب أن الأمر قد يختلف من منظور إسلامي، ذلك أن المعيار الذي ينضبط به سلوك الشخص المتدين ليس فقط ما يقبله أو يرفضه المجتمع، فما يضبط سلوك وأفكار الإنسان المسلم -كمثال على الشخص المتدين- يشمل أيضا معيارا هو الأهم والأسمى وهو الحلال والحرام وما يجوز التفكير فيه عن علاقة المسلم بربه وما لا يجوز، فليس من المقبول في وعي المسلم اليقظ أن يكون غير راض بقضاء الله، ولن أفيض في شرح معان إيمانية معروفة، ولكنني فقط أود بيان مفهوم الانفلات الاكتئابي، فهذا الانفلات يختلف عن الانفلات الانبساطي المشهور في أدبيات الطب النفساني؛ لأنه انفلات يعتري استشعار المكتئب لوجود الله سبحانه وتعالى مراقبا وحسيبا ورحمانا رحيما.
فأما ما يعتري الشعور بمراقبة الله للعبد فهو الانغماس الآني في الحرام الممتع، والمختلف عن انغماس أي عاص في أن المكتئب هنا أيضا كثيرا ما يبدو متناقضا مع المشاعر المتضخمة بالذنب في كثير من المكتئبين، وأما ما يعتري استشعار المكتئب لوجود الله الرحمن الرحيم فهو الاعتراض على الوجود والوصول إلى محاولة الانتحار لا أوقع الله فيها مسلما.
أتمنى ألا أكون قد أتبعتك يا ابنتي بشرح ما شرحت، وأن أكونَ موفقا فيما ذهبت إليه، وأسأل الله أن يديمك على طريق الخير والصلاح.
وأهلا وسهلا بك دائما على موقعنا مجانين، فشاركينا دائما.
ويتبع>>>>>>>> : الاكتئاب الجسيم كيف يسلب الإيمان مشاركة1