أولاً الكذب وثانيا الكذب وليس ثالثًا فقط !
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لأول مرة أحاول أن أرد عن مشكلة لا بصفتي أخصائية ولكن لكي أضيف ولو القليل إلى مجهوداتكم .
فيما يخص آفة الكذب لو وصفناها كآفة من رأيي أنها تبدأ من الصغر، فالطفل لما يولد يولد كصفحة بيضاء برأيي حساس له كل الصفات الحسنة، ولكن سرعان ما يندمج مع أسرته أولا والمحيط الذي يعيش فيه من الجيران، الأصدقاء، زملاء الدراسة، الحي الذي يسكن فيه تبدأ شخصيته في التكوين، وبما أنه صفحة بيضاء سوف يكون نسخة عن هذا المحيط المختلف.
والكذب بحسب تجربتي يبدأ من الأسرة كمثال بسيط فقط لما الأم يسألها ابنها أو بنتها لما تستعد للخروج إلى أين تذهبين؟ لا تخبره الحقيقة تكذب لكي لا يصر عليها بأن يذهب معها.
ولما تعود يجدها تتحدث عن المكان الذي ذهبت إليه ناسية أنها أخبرته شيئا آخر أو لم تخبره أصلا مع أنها في تربيتها تدعوه إلى عدم الكذب فالطفل هنا يرى ويراقب سلوكا غريبا فيصبح يكذب في أبسط الأشياء خاصة إن كانت أسرته تعتمد على أسلوب العنف، فلكي يتحاشى الضرب يكذب.
هذه نماذج بسيطة فقط، ناهيك لو دخل إلى المدرسة ووجد الأساتذة يكذبون والتلاميذ كذلك .
فأنا من رأيي أنه يجب أن نغير سلوكنا قبل أن نصبح نحن مربين لكي نتمكن من أن نغير ولو القليل من كل ما يعانيه شبابنا لأنهم في يوم من الأيام سوف يكونون مربي الغد وإن لم يجدوا الحل لأنفسهم كيف تريدهم أن يربوا غيرهم .
وأنصح هذه الفتاة أن تبدأ حياة جديدة وتقلع عن هذه العادة السيئة ولي طريقة لم أجربها ولكن فكرة فيها فقط وهي :
لما تريد الكلام عن شيء تتكلمه في نفسها أولا وتفكر... إن علمت أنها سوف تكذب تسكت وتفكر قليلا ولما تريد أن تجاوب تجاوب بالكلام الصحيح
هي طريقة سوف تجعلها تطول في كلامها مع الغير ولكن لا تبالي المهم أنها تحاول تعالج نفسها وإن شاء لله حتما سوف تنجح
وفي الأخير أتمنى النجاح والتوفيق لكل من يريد أن يغير من سلوكه وأعتبر من مثل هذه المواقع أنها مواقع تربوية تساعد الإنسان أن يلتفت قليلا إلى نفسه ويريد إصلاح ما هو عليه ويتدارك أخطاءه لكي لا يقع فيها الغير.
وشكرا
29/11/2005
رد المستشار
الأخت العزيزة أهلا وسهلا بك على مجانين ومن الشكر كثير على ثقتك وإطرائك، أتفق معك تمام الاتفاق أن تعلم الكذب بمحاكاة الآخرين خاصة ذوي الدلالة هو أحد أساليب تعلم الكذب، فالطفل يتعلم قد يتعلم الكذب من أمه وربما من أبيه، أو من أحد إخوته أو أخواته الأكبر وربما من غيرهم من أفراد العائلة أو المدرسة أو المجتمع، أي من خلال ما نسميه التعلم بالمحاكاة وهو أحد أهم أساليب التعلم في الإنسان.
كذلك فإن التعرض لآخرين يكذبون بتكرارية عالية أو باستمرار ربما يكونُ له أثر أيضًا في اعتياد الكذب، فضلا عن الصدمة في حالة الطفل في من كان يعتبره مثلا أعلى وكثيرا ما سمعت من مرضاي كيف أن كذبة كذبتها الأم أو كذبها الأب تبقى مختزنة مع شحنتها المصاحبة من الأسى في أعماق الذات، وكثيرا كثيرا ما يكونُ ذلك مؤلما.
إلا أنني سأختلف معك كثيرا فيما يتعلق بحكاية الصفحة البيضاء التي يولد بها الطفل فالحقيقة أن كثيرا من صفاتنا نولد به، ودرءًا للجدال بيننا أنا وأنت في دوامة الاختلاف على "كمِّ وكيفِ" التأثير النوعي على سلوك المخلوق البشري لكل من الموروث الجيني مقابل البيئة المحيطة (أو الطبيعة مقابل التنشئة)، درءًا للجدال أقول لك أننا كما علمنا إسلامنا نولد على الفطرة –وليست الفطرة صفحة بيضاء- وأقول لك أن الفطرة السوية تأنف الكذب وتكرهه وتستسيغ الصدق وتألفه، بينما الصفحة البيضاء لا تأنف ولا تستسيغ ولا تكره ولا تألف، ولهذا فإن فارقا يوجد بين أن نرى آخرين يكذبون وبين أن نمارس الكذب بأنفسنا لأننا حين نكذب لا نتصرف تبعا لفطرة سوية.
ولكننا رغم ذلك كلنا نكذب كلنا ولو لمرةٍ واحدة في حياتنا، وبعضنا سواء تعلم الكذب أو اكتشفه بنفسه يعتاد الكذب لكن بعضنا لا يعتاده، ولهذا أسباب أخرى منها التعرض لنماذج محبوبة لكنها كذوبة باستمرار، طبعا منها ... لا أختلف معك، لكن ليس هذا كل شيء، فنحن أحيانا نكتشف الكذب بأنفسنا ونجده يدرأ عنا عقابا، أو يكسبنا من حيث لم نكن جديرين بالكسب، وأضيف أننا أحيانا نتعرف على الكذب بالاستبصار دون أن تكونَ عندنا نماذج نتعلم منها، وأحيانا نجربه ولا نكاد نشعر بالذنب في غمرة المكسب الذي جنيناه، لكن كل ذلك لا يجعل كثيرين منا يعتادون الكذب بشكل مرضي!
وأما الكذبُ المرضي فأمره مختلف وما تصفه صاحبة المشكلة هو بالفعل كذبٌ مرضي، وهو ما قد نراه في الأطفال كما يمكنك أن تري في صاحبة مشكلة: البنت الشقية والكذب القهري، وأيضًا: السيكوباتية المغتربة، وهنا نجد الشخص عاجزا عن عدم الكذب رغم معرفته بعواقب الكذب في حياته المباشرة ناهيك عن عواقبه في الآخرة، والحقيقة أن الكذب الاعتيادي لم يأخذ حتى الآن حقه من الدراسة العلمية في الطب النفسي، وإن درس في الأطفال تحت عباءة اضطراب التصرف، وفي الكبار تحت عباءة اضطراب الشخصية المستهينة بالمجتمع، وليس الأمر بأي حال من الأحوال بسيطا بحيث يمكن رده في أي مريض لسبب واحد محدد، ولتفصيل هذا كلام كثير يضيق به المقام هنا ولعلني أفرد له مقالا قريبا على مجانين،
سعدت بك وبمشاركتك وأهلا بك دائما على موقعنا.