الزَّوَر:
أشعر كأن الكل يكرهني، بأسبابٍ وبدون أسباب، هذه المشكلةُ تجعلني أفكرُ كثيرًا قبل فعل أي شيء، لا أستطيع النوم لأنني أفكر في يومي محاولاً اكتشاف أي شيءٍ خطأ ربما حدث، أشعر كأن الناس جميعًا يتكلمون عني وعن أخطائي وأسلوب حياتي، أخبروني ماذا يجب علي فعله لأتجنب ذلك؟
23/9/2003
رد المستشار
الأخ السائل العزيز أهلا وسهلا بك وشكرًا على ثقتك في صفحتنا استشارات مجانين، الحقيقة أن ما ذكرته في إفادتك القصيرة يفتح بابًا واسعا جدا في الطب النفسي، فنحن بدايةً من بعض السمات الزورانية (البارنويدية) Paranoid Personality Traits في شخصية طبيعية، نتحرك مرورًا باضطراب الشخصية الزورانية Paranoid Personality Disorder، وصولاً إلى احتمال الذهان في شكل الاضطراب الوهامي (الضلالي) Delusional Disorder, Paranoid Subtype.
كل هذه الاحتمالات مفتوحة في حالة اعتمادنا على ما ورد في إفادتك، والمسافات بين كل احتمال والآخر ليست بسيطةً في الحقيقة، فضلا عن اختلاف طريقة العلاج اللازمة والمآلات المتوقعة لكل شكل من أشكال هذه الاحتمالات، إلا أن اعترافك بوجود مشكلةٍ ولو حتى على الإنترنت يجعلنا نستبشر خيرًا إن شاء الله فهناك إمكانية لخلاصك من كل هذه المعاناة.
أنت بدايةً لم توضح لنا ما إذا كان ما تشعر به جديدًا عليك أم أنه منذ زمانٍ طويل، وهذا البعد الزمني لشكواك مهم لأنه يساعد في التفريق بين ما يتعلق بالشخصية وسماتها وهو ما يميز الشخص منذ سنوات مراهقته، وبين ما طارئ أو عارض أو حادث على الشخص أو ما نسميه بالاضطراب النفسي. فقد قلت لنا أنك تشعر أن الكل يكرهونك بسببٍ وبدون سبب، وكلمة أشعر هنا تحتاج إلى توضيح كبير وتسبب مشكلةً تشخيصية لا يستهان بها، فهل تشعر بمعنى أنه قد يكون أم تشعر بمعنى أنك تعتقد وتؤمن بصحة ما تشعر به؟؟ ثم هل تشعر بذلك دائما أم تشعر بذلك أحيانًا؟؟
والأهم من كل ذلك هو ما رأيك أصلا في فكرة أن الآخرين يكرهونك؟ ولماذا يكرهونك يا ترى! ثم تعبرُ لنا عن قلقك وتفكيرك الدائم الذي يحرمك من النوم في ما حدث أثناء النهار محاولاً الوصول إلى سبب معاناتك ، ومعاناة الآخرين معك، وبالطبع نادرًا ما تصل إلى شيء حقيقي أو واقعي، وبعد ذلك تقول لنا أنك تشعر كأن الناس جميعًا يتكلمون عنك وعن أخطائك وأسلوب حياتك (وتشعر هذه تسبب مشكلةً تشخيصية كما بينا لك منذ قليل)، ولا ندري هنا أيضًا هل هو مجرد شعورٍ بمعنى فكرة أم أنك تسمع الآخرين يتكلمون عنك؟ وأي آخرين تقصد، إننا لولا هذه الجملة الأخيرة كنت سنقول لك أن الاحتمال الأقرب لعله اضطراب الشخصية الزورانية، لكننا بعد هذه الجملة الأخيرة أصبحنا نشتبه في احتمال وجود اضطراب وهامي (ضلالي) Delusional Disorder قد يكونُ جزءًا من اضطراب الفصام Schizophrenic Disorder .
وما ننصح بأنه يتوجبُ عليك عمله هو الإسراع بعرض نفسك على أقرب طبيب نفساني متخصص من محل إقامتك لكي يتمكن من تشخيص حالتك. ونحن بالرغم من ذلك وبرغم معرفتنا بأنك لن ترى العيوب بذاتك بسهولة من مجرد قراءتها على الإنترنت، سنذكر لك بعض السمات التي تميز صاحب الشخصية الزورانية وهي:
-1- حساسيةٌ مفرطةٌ نحو الهزائم والرفض.
-2- عدم القدرة على غفران الإهانات والتجريح ، مميل دائمٌ لحمل الضغائن بشكل مستمر.
-3- تشككية وميل عام لتشويه الخبرات من خلال سوء تفسير الأفعال المحايدة أو الودودة للآخرين على أنها عدوان أو ازدراء.
-4- إحساسٌ قتالي ومتشبثٌ بالحقوق الشخصية بما لا يتناسب مع الموقف الفعلي.
-5- قابلية للغيرة المرضية.
-6- ميلٌ للشعور بأهمية ذاتية مفرطة تتضح في التفسير المستمر للأشياء من خلال الذات.
-7- الانشغال بالتفسيرات التآمرية غير المدعومة للأحداث التي تقع من حول الفرد أو للأحداث التي تقع في العالم بشكل عام.
ووجود سمةٍ أو سمتين من هذه السمات في شخص ما لا يعني أنه يعاني من اضطراب شخصية زورانية، وحتى وجودها كلها دون أن تكونَ سمات متحجرة فمادامت قابلة المطاوعة تحت ظروف معينة فكل هذا قد يدخل ضمن نطاق اختلاف البشر وتباينهم (فقد تكونُ السمات في الحدود الطبيعية لصنف من شخصيات البشر وقد تكونُ السماتُ شديدة التحجر والثبات وغير قابلة للتأقلم مع الظروف والأحداث الحياتية بحيث تسبب ما يعرف باضطراب الشخصية).
أما أن تجتمع عدة صفات من هذه الصفات بحيث تكونَ غير قابلة للتغير مهما كانت المواقف وبحيث تكونُ متغلغلةً في تأثيرها على سلوكيات الفرد وتصيغ كل تعاملاته مع الآخرين فإننا هنا نستطيع تشخيص اضطراب شخصية زورانية.
كما ننصحك بقراءة ردنا السابق على هذه الصفحة استشارات مجانين تحت عنوان: اكتئاب أم فصام وهل هناك احتمالات بارانويا؟
وأما الجزء المتبقي من ردنا عليك فسنحاول فيه عرض ما يمكن من التفريق بين نوعين من أنواع الأفكار البشرية كلاهما يندرج بشكل أو بآخر داخل اضطرابات طيف الوسواس القهري OCD Spectrum، فأنت لم تذكر لنا بوضوح رأيك في فكرة أن الناس يكرهونك أو يتآمرون ضدك أو يتكلمون عنك، أي أننا ما بين نوعين من الأفكار أحدهما هو الفكرة التسلطية (والتي تراها أنت غير صحيحة وتتمنى الخلاص منها) والآخر هو الفكرة الوهامية أو الضلالية
(والتي تؤمن أنت بها وتراها صحيحةً وتريد من الآخرين أن يصدقوك)، ولعلَّ أفضل طريقة لتوضيح ذلك الفرق هيَ تخيلُ نطاق أو متصل ٍ يمثلُ بخطٍ مستقيم، نضع في أحد طرفيه أولئك الذين ينطبقُ على أفكارهم التعريف التقليدي للفكرة التسلطية بمعنى أنهم مقتنعون بعدم صحة أو لا معقولية تلك الفكرة وهم بالتالي يقاومونها، بينما نضع في الطرف الآخر من الخط أولئك الذين لا ينطبق عليهم التعريف التقليدي فهم مقتنعون بصحة فكرتهم وهم بالتالي لا يقاومونها، وما بين طرفي الخط المستقيم أو المتصل المتخيل نستطيع أن نضع الكثيرين من المرضى بعضهم يشكُّ مثلاً في إمكانية أن تكونَ الفكرة التسلطية صحيحةً وبعضهم لا يحاولُ مقاومتها رغم أنه يراها غير صحيحة بمعنى أن هناك عدم توافق بين رأيه على المستوى المعرفي وبينَ أفعاله على المستوى السلوكي، أي أنك مثلا رغم عدم اقتناعك بكره الناس لك وتآمرهم عليك إلا أنك تجد نفسك مضطرًا للتصرف على هذا الأساس.
كما أن من المهم قبل أن نختتم ردنا عليك أن نشير إلى أن من الممكن أن ينطبق على حالتك تشخيص ما في وقت ما، ولكنه يتغير بعد ذلك، أي أنك مثلا ربما تعاني أصلاً من اضطراب الشخصية الزورانية، لكنك تحت تأثير كروبٍ حياتية Life Stressors معينةٍ قد تظهر عليك أعراض القلق أو الاكتئاب أو ربما حتى بعض الأعراض الذهانية العابرة، فما كانت في وقت من الأوقات فكرةً تشك في صحتها تصبح تحت تأثير الكرب عليك فكرةً أكيدةً بالنسبة لك.
إذن فإجابتنا على سؤالك الأخير (أخبروني ماذا يجب علي فعله لأتجنب ذلك؟) هي أن عليك بعد أن تستخير الله سبحانه وتعالى أن تلجأ إلى الطبيب النفسي المتخصص وأن تستعد لتلقي العلاج الذي قد يطول، ونحن معك فتابعنا بأخبارك ولكن لا تكتب لنا بالإنجليزية مرةً أخرى، لأن حالتك محيرة بما فيه الكفاية.