البدانة ليست ذنبا لكن الرجيم ذنب مشاركة

رد المستشار

الابنة العزيزة أهلا وسهلا بك على مجانين وشكرا على الصورة الجميلة التي قدمتها لنا بكل ما فيها من صدق وقرب مما يدور على ألسنة الناس وكلهم مقتنعون به ما شاء الله، وكذلك عبرت عن التحامل الاجتماعي ضد البدانة  كأحلى وألطف ما يكون التعبير، ثم وصفت لنا الفصل الأول من محاولاتك الانتصار على جسدك، وأسأل الله أن نصل معا إلى التوفيق بينكما أنت وجسدك.

لا أحد يا ابنتي يحبُّ أن يكونَ سمينا بشكل يضع على حياته آلاف القيود في عصرنا الذي نعيش، ويجعله هدفا للتعليقات ومحروما من كثير لأن العالم الذي نعيش يتجه اتجاها جنونيا نحو الصورة المثالية للجسد الذي على المقاس ونحو تعميم مفاهيم الأيزو على كل شيء بما في ذلك الإنسان، وأيضا لأن الفكرة الشائعة عن البدانة أنها علامة على القبح، وأنها تعني الكسل وكثرة الأكل وربما الغباء، وأنها مرض يهدد الصحة، إلى آخر ما يشيع بين الناس عن البدانة من أفكار وأكاذيب مصدقة من الأطباء والمثقفين وكل العاملين في مجال الإعلام.

وقد لا يعنيك وأنت في زهرة مراهقتك أن تكون مفاهيم المجتمع الشائعة عن البدانة أو الجمال خاطئة أم صحيحة المهم هو أن تكوني أنت على مقاسات "الأمورة"........ وبالمناسبة ما أصدق وصفك وأنت تقولين (عشان انتى ووالله مش هتقدرى تتمتعى بحياتك وتعيشي سنك غير لما تبقى ماشية في الشارع وانتى حاسة إن الناس مش بتبص عليك عشان انت مليانة لا بتبص عليك عشان أنت امورة)، المهم أنك لا يعنيك وغيرك تقريبا كل الناس........ خاصة في مثل سنك أن تكون مفاهيم المجتمع صحيحة وموضوعية أو لا........ وأنا لن أطيل عليك في ذلك، ولكن أقول لك:

قلت أنا أن البدانة ليست ذنبا، ولكنني شعرت بعد قراءة مشاركتك الرائعة تلك بأنني يجب أن أضيف الكلمات التالية: لكن الرجيم ذنب فتصبح المقولة (البدانة ليست ذنبا لكن الرجيم ذنب)، ذنبٌ في حق الجسد طبعا، وهو لا يسكت عن المطالبة بحقه، فماذا نفعل أو ماذا تفعلين؟ 

ما رأيك في السلام من موقع القوة، كما كان يقول رئيس مصر السابق أنور السادات غفر له ورحمه الله، أنت الآن منتصرة، لكنك أثناء الرجيم المبهر الذي امتلكت إرادتك وطبقتيه بالحرف وهذا هو النصر واضح (بجد فرحانة جدا وكل العيال صحابي في الكلية كانوا ذهول تام كنت أنا سعيدة كنت لما بيقلولى خسيتى وبقيتى أمورة وكده)، أثناء ذلك يا ابنتي كنت تعانين من أعراضٍ جوهرها هو الانفلات تجاه الأكل على نوبات يفصلها إمساك متعمدٌ عنه أو عن بعض أصنافه، وهذه النوبات إذا حققت بعض الشروط تصبح مرضا نفسيا نسميه اضطراب نوبات الدقر ، فهل ما زلت أحيانا تقعين في نوبات الدقر؟ فالحقيقة أنك وصفت نوبات الدقر هنا لنا وكأنها شيء طبيعي وكأنها رد فعلك العادي لواحدة من علامات الجوع وأحيانا غيره هي التوق الملح أو الاشتهاء الملح لمأكولٍ ما وهذا عرضٌ مشهور عند من يجوعون أنفسهم بغرض الرجيم المُنَحِّف (الحمية المنحفة)، ونظرا لأن السكريات والدهون كلاهما هما ما غالبا يحرم متبعو الحمية المنحفة أنفسهم منها، نظرا لذلك فإن أشهر أشكال التوق الملح هي التوق الملح للسكريات Sugar Craving .

ولكن ما يعنيني أنا وأنت الآن من ذلك كله هو أن عندنا الآن ما يشير بوضوح إلى أن جسدك يحاول الرد عليك بقوة ويرد، فنوبات الدقر يا ابنتي هي الطريقة التي يرد بها الجسد غالبا في أصحاب الإرادة القوية مثلك يا صغيرتي، بل إن الجسد أحيانا حين يفشل في كسر إرادة صاحبه اليقظ والمصر على البقاء على المقاس يكسر إرادته وهو نائم فيحدث له ما نسميه بالأكل الليلي أو المسائي Night (Nocturnal) Eating ، والانفلات تجاه الأكل سواء في اليقظة أو أثناء النوم هو الرد الواضح من الجسد ضد ابتعاده عن نقطته المحددة Set Point ، حتى أن بعض الدراسات كانت تبحث في العلاقة بين كمية الوزن الذي خسره صاحبه -الناجح في إنقاص وزنه- وبين كمية أو كثافة ما يتعرض له من نوبات انفلات تجاه الأكل، .. يعني باختصار جسدك واضح النية.

ولأننا نعرف وأنت أكيد أنك تعرفين أن لك جسدًا واحدا هو هذا الجسد الذي تعيشين به، ولا تستطيعين تغييره أليس كذلك، كلنا طبعا كذلك، ولأنك غالية علينا في مجانين فإننا نريد معا إن شاء الله نحن وأنت، نريد أن نجعل رده عليك لينا ومتماشيا مع ما تحبين، خاصة وأنت تدخلين مجانين يوميا لتقرئي المشكلات، يعني أنت واحدة من أغلى المجانين، لذلك يا ابنتي أنصحك وأسأل الله أن تستجيبي :

أولاً: كفي تماما عن الرجيم فقد أنزلت وزنك من 88 كجم إلى 65 كجم، كفاية يا بنتي فقولك (وإن شاءا لله لسه هخس كمان) يستدعي القلق لأنك أصلا بدأت تظهر عليك أعراض الاضطرابات النفسية المتعلقة بالرجيم المزمن!، وبالمناسبة فإن الرجيم الذي عرضته واحدٌ من أسوأ أنواع الرجيم أثرا على الجسد لأنه حمية متطرفة الحصر يا ابنتي وعواقبها غالبا غير سارة.

ثانيا: نحن والله سعداء لأنك طبعا كما تقولين (أنا بعدما خسيت بقيت في قمة سعادتي وبقيت مش ببطل خروج خالص وبقيت بلبس بنطلون جينز اكتر حاجة كان نفسي البسها لما كنت طخينة، وطبعا بقيت باكل فى الشارع وانا واثقة فى نفسى جدا) فأنت الآن في نشوة الانتصار المتخيل على الجسد، ولكن الأمانة التي نحملها توجب علينا أن نحذرك من تأرجح الوزن (أو تَـرجافُ الجسدِ) Weight Cycling، والذي يمكنُ جدا أن ينتج عن نوبات الانفلات يا ابنتي، كذلك فإن النشوة تتحول إلى اكتئاب حين تشعرين بفقد السيطرة أو ظهور علامات انتصار الجسد.

ثالثا: ليس المقصود أن أحبطك والله ما قصدت يا ابنتي، ولا أن تكوني مثل صاحبة مشكلة د.وائل: الرجيم فاشل ومفيش فايدة هتتخنوا هتتخنوا ، فليست المسألة كذلك وإنما ننادي كما ينادي غيرنا لا للرجيم أو فلسفة اللاحمية  بعد أن عرفنا بالمشاهدة ومعرفة نتائج الأبحاث العالمية الموضوعية أن الرجيم الذي لا يفشل أكذوبة ، ونتمنى أن تقرئي الوارد على مجانين في قسم البدانة والنحافة، وأن تتبعي برنامجنا جدد علاقتك بأكلك وجسدك ، ونسأل الله أن تصلي من خلاله إلى مصالحة مع جسدك واعتبريها اتفاقية السلام من موقع النصر معه، وتابعينا بالتطورات الطيبة.

المستشار: أ.د وائل أبو هندي