الميول المثلية والوسواس القهري
السلام عليكم و رحمة الله؛
بداية أنا شاب في الثانية والعشرين من عمري نشأت في أسرة يسودها الخلافات الحادة والمشاحنات اليومية بين الأب والأم هذا بالإضافة إلى المشاكل العائلية فوق المعتادة نتيجة لظروف عائلتي أبي وأمي الشديدة التعقيد، وللعلم فان أبي انطوائي جدا جدا لدرجة أننا لا نزور أي أحد ولا يزورنا أحد حتى أقرب أقربائنا والجميع يلوم على أبي أنه لا يحب أحدا.
نأتي إلى مشكلتي حيث أثرت الخلافات الزوجية والمشاحنات العائلية وشخصية والدي كثيرا جدا على شخصيتي فقد أصبحت انطوائيا وإن كنت أقل من أبي في ذلك وقد ساعدتني هذه الانطوائية على التفوق الدراسي حتى نهاية المرحلة الثانوية ولكنها كانت السبب الرئيسي في الفشل الذريع في المرحلة الجامعية.
لقد كنت اشعر منذ صغري أنني مختلف عن أقراني في الشكل والتفكير أيضا وكنت أعتقد أنني من أكثر الناس ذكاء على وجه الأرض باختصار لقد كنت مغرورا جدا في بداية مرحلة البلوغ عرفت العادة السرية صدفة ولم أكن أعرف اسمها ولكني عرفت بعد ذلك مدى انتشارها بين الشباب وقد وجدت نفسي في هذه المرحلة أفكر في خيالات المراهقة العادية وكنت ألوم نفسي بشدة حينما كنت أفكر في أحد قريباتي بصورة جنسية وكنت في نفس الوقت أشعر بالنقص بين زملائي الذين عرفت منهم أن كل منهم قد مارس الجنس بعد بلوغه مباشرة ففكرت في ممارسة الجنس.
ولكن تفكيري اتجه إلى المثلية الجنسية حيث كنت أقول أنني لن أمارس الجنس مع بنات حتى لا يمارسه أحد مع أخواتي! فأصبحت أفكر في أصدقائي بصورة جنسية وأتمنى اليوم الذي يقول فيه أحد أمامي أنه يريد أن يمارس الجنس وكنت بطبيعة الحال أحتفظ بكل هذه الأفكار داخلي ولا أطلع عليها أحد وكان جميع أصدقائي وأقاربي يعرفون أنني مؤدب جدا وهذا كان يؤرقني كثيرا.
ثم عرفت الكمبيوتر والصور والأفلام الجنسية وعندها بدأت أشعر بأن عضوي الذكري قصير وانتابني قلق كبير حيال ذلك ومازال ينتابني حتى أصبحت أفكر فقط في شكل العضو الذكري وأنني لن أستطيع أن أشبع زوجتي جنسيا وأنها ستسخر مني كما أن زملائي سيسخرون مني لنفس السبب وأكون أضحوكة، وبدأت أتجه أكثر فأكثر نحو الميول المثلية مع العلم أنني أستثار لرؤية المرأة عارية ولكني أستثار أكثر لرؤية الرجل عاريا.
وذات يوم قرأت كتاب فقه السنة فصل اللواط فوجدت مكتوب فيه (على ما أتذكر) أن الشاذ جنسيا يكون ضيق الصدر وعضوه الذكري يظل يتناقص (يقصر) فانتابتني الوساوس أكثر في شكل جسدي وطول عضوي الذكري، وأصبحت أعتقد أن كل الناس تنظر إلي أثناء سيري في الشارع وقد أثر هذا الموضوع كثيرا علي في الكلية وتسبب في فشلي الفشل الذريع حيث ازدادت انطوائيتي وأصبحت أخاف أن أسير في الشارع وأشعر أن كل الناس تنظر إلى جسدي باستغراب ويتغامزون ويتلامزون علي.
سؤالي هو ماذا أفعل للتخلص من هذه الميول المثلية وهذا الوسواس القهري مع العلم أنني لا أستطيع أن أذهب لأي طبيب نفسي حيث أنني مازلت طالب (آخذ مصروفا من أبي) ولا أستطيع تحمل نفقات العلاج النفسي الآن، علما بأنني لم أمارس الشذوذ بمعناه ولكني أشك أنني مارسته مرة واحدة فقط حيث أنني أنزلت المني سريعا جدا ولا أتذكر إن كان هذا قبل الإدخال أم بعده وهذا الكلام بمنتهى الصراحة
آسف على أسلوب العرض الغير مهذب للمشكلة كما آسف على الإطالة
وأتمنى أن تحذف الأجزاء التي ترونها غير مناسبة للقراء.
26/09/2003
رد المستشار
الأخ السائل العزيز، أهلا وسهلاً بك وشكرًا على ثقتك في صفحتنا استشارات مجانين،
الحقيقة أن إفادتك عن مشكلتك أثرت فينا تأثيرًا كبيرًا، فأنت تعاني وبشدةٍ من مشاعر تراها غير طبيعية مع أنها معظمها طبيعية وعابرة، ومن شكوكٍ تسلطية الطابع يزيدها حدةً نزوعك للانطواء، فأنت تعتبر نفسك مثليا رغم أنك كما قلت في إفادتك تشعر بميول جنسية تجاه الإناث!! فأنت تقول (مع العلم أنني أستثار لرؤية المرأة عارية ولكني أستثار أكثر لرؤية الرجل عاريا)، وليس معنى أن يستثار رجلٌ لأنه رأى رجلاً عاريا أن هذا الرجل رجل مثلي، لأن من الطبيعي أن تحدثَ الإثارة.
ولو لم يكن حدوث الإثارة (وحدوث ما قد لا تحمد عقباه كما سأبين لك) محتملاً لما نهانا سيد الخلق صلى الله عليه وسلم عن النظر إلى عورات الآخرين من نفس جنسنا، فقد قال عليه الصلاة والسلام [لا ينظرُ الرجل إلى عورة الرجل ، ولا المرأةُ إلى عورةِ المرأةِ، ولا يفضي الرجلُ إلى الرجلِ في ثوبٍ واحدٍ ولا تفضي المرأةُ إلى المرأةِ في الثوب الواحد] صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواهُ أحمد ومسلمُ وأبو داود والترمذي.
وما حدثَ معك تطورَ بشكلٍ منطقي مدعوما بانطوائك وقلة خبرتك، وانعدام معلوماتك الجنسية السليمة، وجهلك بجسدك وطبيعته، مثلك في ذلك مثل كثيرين من شبابنا ومن كبارنا أيضًا مع الأسف الشديد، فقد خفت بداية من أن تتمادى في تخيلاتك الجنسية المتعلقة بالإناث لسببٍ طفولي جدا كما يتضح من قولك (ففكرت في ممارسة الجنس ولكن تفكيري اتجه إلى المثلية الجنسية حيث كنت أقول أنني لن أمارس الجنس مع بنات حتى لا يمارسه أحد مع أخواتي!)، وهكذا فكرت كأنك كنت تعتقد أن ممارسة الجنس مع ذكور مثلك ليس فيه شيء!
المهم أنك استرسلت مع التخيلات الجنسية المثلية، ودخلت عالم الكومبيوتر والإنترنت فرأيت الصور الجنسية، ومن هنا اطلعت على عورات الآخرين فجاء فهمك الخاطئ وعقدك المقارنة بين ما تراه من عورات الرجال وبين عورتك، وهكذا أصبحت تشك في طول القضيب لديك، وأصبحت قلقًا من ألا تكونَ ممتعا لزوجتك وأنها ستسخر منك إلى آخر ما ذكرت في إفادتك، وهنا أذكرك بما قلته بين قوسين منذ عدة أسطر عن حدوث ما قد لا تحمد عقباه بسبب رؤية الذكر لعورة ذكر آخر، فهذه أيضًا واحدةٌ من العواقب.
وننصحك أن تقرأ الردود السابقة لمستشارينا فيما يتعلق بالجنسية المثالية تحت العناوين التالية:
الميول الجنسية المثلية : الداء والدواء
الشعور بالذنب قد يكونُ مفيدًا!
الشعور بالذنب قد يكونُ مفيدًا! متابعة
الشعور بالذنب قد يكونُ مفيدًا! متابعة ثانية
أريد الشهرة، ولو بالشذوذ!
الجنس الثالث والنفس اللوامة
فيتشية القدم والميول المثلية متابعة
فيتشية القدم والميول المثلية متابعة ثانية
تخيلات أم ميولٌ مثلية بعد الخمسين؟
نصل بعد ذلك إلى ما حدثَ عندما اطلعت على حكم عمل قوم لوط في فصل الحدود في فقه السنة، وتحديدًا في الجزء الذي ذكر فيه المؤلف بعض الأسباب التي من أجلها شدد الإسلام في عقوبة اللواط، وقد ذكر المؤلف أنه يأخذ الجزء الطبي عن كتاب اسمه الإسلام والطب للدكتور محمد وصفي، فهل سألت نفسك متى كتبَ كتابُ فقه السنة؟ ومتى كتب الكتاب الطبي الذي أخذ عنه السيد سابق؟
لقد كان ذلك في العقود الأولى من القرن العشرين على أقرب تقدير، أفلا ترى معي أن مفاهيم بحجم الجبال تغيرت منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا، ولو قرأ طبيبٌ متخصص بهذا الأمر ذلك الكلام المكتوب في فقه السنة عن أسباب تحريم اللواط فسنجد لدى الطبيب كثيرًا من الآراء المغايرة وليس الخلاف هنا مع ما ورد في الأحكام وإنما الخلاف هو حول رأي الطب وقتها ورأي الطب الآن.
بمعنى آخر يا أخي العزيز، كان الدكتور محمد وصفي مؤلف الإسلام والطب (والذي لابد كتب أصلاً قبل أن يكتب فقه السنة) يأخذُ عن المؤلفين الغربيين وقتها، وقد ذكرنا في إجابةٍ سابقة لنا على هذه الصفحة تاريخ تطور وتغير الأفكار المتعلقة بالجنسية المثلية في الغرب فراجعها تحت عنوان: الخروج من سجن المثلية: ما ظهر وما بطن!
واعلم أن كثيرًا من الأفكار التي تضمنها ذلك الكتاب لم تعد صحيحةً الآن، فمثلاً ضيق الصدر وضربات القلب والضعف العام، سيفسر اليوم بأنه بسبب إصابة الجنسي المثلي بالاكتئاب، وسيقول كثيرون أن ذلك الاكتئاب إنما يحدث بسبب رفض المجتمع لسلوك اللواط.
وأما ما جاء تحت عنوان التأثير على أعضاء التناسل: فلم أجد فيه ما قلته أنت من (وعضوه الذكري يظل يتناقص)، وإنما جاء كلامٌ عن إضعاف اللواط لمراكز الإنزال الرئيسية في الجسم ويعمل على القضاء على الحيوية المنوية فيه إلخ، وهذا الكلام خطأ تماما من وجهة النظر الطبية الحديثة.
المهم في الموضوع هو أن الخطأ جاء في التفسيرات الطبية التي كانت متاحةً في أوائل القرن العشرين، وليست صحيحةً الآن، ولكن الأهم هو رد فعلك أنت فأنت تقول أن الوساوس انتابتك بعد ذلك أكثر (في شكل جسدي وطول عضوي الذكري وأصبحت أعتقد أن كل الناس تنظر إلي أثناء سيري في الشارع وقد أثر هذا الموضوع كثيرا علي في الكلية وتسبب في فشلي الفشل الذريع حيث ازدادت انطوائيتي)، فقد أصبحت إذن في مستوى خطيرٍ من المعاناة النفسية الشديدة، تجعلنا في حيرة تشخيصية بين اضطراب توهم تشوه الجسد Body Dysmorphic Disorder أو ما أسميه وسواس التشوه وبين الاكتئاب وبين احتمال وصول الأمر معك إلى حدود ذهانية خاصةً في ظروف انطوائك وتاريخ والدك النفسي.
ففي حالة وسواس التشوه أو ما كان يسمى قديما "رهاب التشوه" Dysmorphophobia، والمريض بهذا الاضطراب يعاني من فكرة تسلطية أو وسواسية متعلقة بتشوه في شكل منطقة معينة من الجسد.
ومن أشهر هذه المناطق الأنف أو الشفتان أو الثدي أو الأرداف، فيزور عيادة الجراح (أو طبيب الذكورة في حالتك)، ويتكلم معه في إحساسه بأن أنفه مثلا كبير أكثر من اللازم أو معوج بشكل أو بآخر، وفي أغلب الأحوال يكون ذلك غير صحيح، أو على الأقل مبالغ فيه بدرجة كبيرة، وهذا المريض لا يستطيع تصديق الأدلة التي تثبت خلوه من التشوه أو العيب الخلقي في أنفه مثلا إلا أن مدى اقتناعه بوجود التشوه لا يصل إلى مستوى الضلالة أو الهذاء، أي أنه ليس مريضا ذهانيا، لكنه في نفس الوقت لا يستطيع التخلص من الفكرة، كما أن هذا المريض يفعل أيضا أفعالا قهرية من قبيل التحقق والرغبة في الاطمئنان على شكل العضو الذي يتخيل فيه التشوه من كل المصادر الممكنة، وهذا ما يجعل إطلاق تسمية وسواس التشوه مناسبا لمثل تلك الحالة.
ويمكنك قراءة المزيد عن هذه الحالة في مقال على موقعنا مجانين تحت عنوان: وساوس الخوف والريبة.
إلا أننا في حالتك نجدُ أن الانطواء الذي تصفه زائدًا عن الحد إلى حد ما خاصةً وأنه أثر على مستواك الدراسي في الجامعة، ونجد أن رد الفعل لديك زائدٌ أيضًا عن الحد المعهود في مثل حالتك كما يتضح من قولك (وأصبحت أخاف أن أسير في الشارع وأشعر أن كل الناس تنظر إلى جسدي باستغراب ويتغامزون ويتلامزون علي)، كما أننا نجد تاريخا نفسيا يدعو للشك من حالة والدك، وهذا ما يجعلنا غير قادرين على موافقتك على عدم عرض نفسك على طبيب نفسي متخصص بأي حال، فليست كل الخدمات النفسية المتاحة مدفوعة الأجر.
وأنت تحتاج أولاً إلى تشخيص لحالتك، يمكنُ أن تصل إليه من خلال العيادات الخارجية لأي من المستشفيات الجامعية أو العيادات الخيرية المنتشرة في كل بلد، ويمكنك أن تتابع في أحدها، هذا إن لم تجد في ردنا عليك ما يخلصك من مخاوفك ومن انطوائك، وربما احتاجت حالتك إلى جلسات علاج نفسي معرفي وسلوكي إضافةً إلى أحد عقاقير الماسا لعلاج الوسوسة.
ويمكنك أن تعرف بعض المعلومات أيضًا عن هذه العقاقير من خلال قراءة ردنا السابق على استشارات مجانين تحت عنوان: ما هيَ الم.ا.س.ا؟
وفي النهاية نتمنى لك التوفيق وندعوك بعد مراجعة طبيب نفسي بأقرب وقت ممكن، إلى متابعتنا وتبشيرنا بانتصارك على مخاوفك تلك، وأهلا بك دائمًا فتابعنا بأخبارك.ويتبع>>>>>>: الميول المثلية ووساوس من فقه السنة م