أطفالنا... هل يمكن أن يعانوا نفسياً؟
عزيزتي دكتورة داليا
شكرا لاهتمامك أخيرا برسالتي..لكني أحب أن أوضح لك بعض الأمور التي أعتقد أنك فهمتها مني خطأ أو اتهمتني بها ....وذلك كونك قرأت رسالتي بدون تعمق وأخذتها بشكل سطحي..واعذريني في ذلك ..أو اعتبريني مريضة مثل ابنتي التي لا عتب عليها كما ذكرت..
* أخبرتني في ردك أني لم أوضح سوى بعض الظروف الأسرية وتأكدي أنه لو كان هناك ظروف أخرى تؤثر على الموضوع كنت ذكرتها ..فالأسرة مستقره وسعيدة ومغتربة
ولقد ذكرت كل ذلك ..صح؟ إذن ما هي الظروف التي لم أوضحها ؟؟
ولو أن هناك مشكلات أسرية أو علاقات غير سوية كنت ذكرتها ..وكان عليك أن تستشفي ذلك من سردي للأمور وخصوصا أني كنت حريصة على تبليغ القارئ لرسالتي بحالة المرضى النفسيين في العائلة ودرجة قرابتهم لي بشكل مفسر ..! فلماذا تتهمينني بعدم التوضيح؟
أما عن عدم ذكر شيء عن زوجي أو والد البنت ..فما مجال ذلك ؟ لقد ذكرت أننا أسرة مستقرة وعلاقة البنت بوالدها أكيد بالتالي تكون عادية...ولو كان هناك شيء غير عادي كنت ذكرته بالتأكيد !
لقد بدأت ردك علىّ وكأن رسالتي مبهمة وغير واضحة الأركان وبالتالي أستنتج أنا أن كلامي كان غير كافي لتفهمك حالة البنت !
واستنتاجك أني أعاني من القلق مما قد يؤثر على البنت...استنتاج صحيح..فكيف لا يقلق المرء ولديه تاريخ مرض نفسي في عائلته؟ في حين أن الحياة أصلا بدون ذلك مقلقة في حد ذاتها فمن منا لا يصيبه القلق ...ولكن ليس معنى ذلك كوني قلقة أن يصيبني أفكار تسلطية مثلما حدث مع ابنتي ..!!
فلقد أوحيت لي أنه لابد أن تدمج الأسرة في العلاج النفسي مع الطفل وبخاصة الأم ... وكانت رسالتك تركز علىّ أنا وتحاول تحليلي أنا ..ولقد وصلني المعنى ....ولكنى لست معك في كون المرض النفسي غير وراثي ..كما تظنين ..فالمرض النفسي مثل أي مرض آخر قد تحمله الجينات الوراثية من الأهل إلى الأبناء..
ولقد أخذت يا عزيزتي ما يقرب من حوالي ثلث الرد على رسالتي وأنت تشرحين لي كيف كان علىّ أن أفعل من ثمان سنوات؟ من تمهيد للبنت لقدوم الطفل الجديد.. وهل هذا أعتبره نوعا من التوبيخ لي لكوني لم أفعل ذلك ؟ أم تذكرة لي بأني تسببت للبنت بمقدمات مرضها منذ ثمان سنوات؟ أم لتجعلي من يقرأ الرسالة يتعظ ويتعلم أن يمهد للطفل الأول بميلاد الطفل الثاني؟ ....وأنا أرى أن الأسباب الثلاثة غير مفيدة لي بالمرة... وأحب إخبارك عزيزتي أني قمت بكل ما تفضلت به حقا وأكثر ومنذ حملي بالشهر الأول وأنا أمهد لابنتي قدوم أخيها وكيف سيكون سببا في سعادتها وتسليتها..وحتى بعد ولادته كان وقتي كله لها ولم أهملها بنسبة بسيطة إلا في السبع أيام الأولى بعد ولادتي لطفلي الثاني ....وهذا ما أؤنب نفسي عليه حتى الآن .... وكان الأولى أن تعاتبيني عن عدم وجود أبيها معها في هذا الوقت..لأنها كانت في أشد الحاجة إليه ..فأنا أعاني آلامي واهتمامي بالمولود ....وهى غير معتادة على أهلي .. والأب لم يجد أن الأمر بالأهمية أن يترك عمله هنا ويذهب إلينا وقت الولادة ليراعي ابنته؟
عرفت أنا لماذا لم أذكر لك عن أبيها واعتبرت ذلك تعدي مني على واجباته ناحية ابنته كمشارك لي في تربيتها ...هو فعلا ليس له دور ..سوى توفير المورد المالي للأسرة .. وآراء سطحية عندما أستشيره في أمر ما خاص بتربيتهم ..ويقول لي أنت المسئولة أنا لا أعرف أربي أحد ... ولن آخذ منه غير ذلك ..وعلىّ الاكتفاء بما أحصل عليه ..وأنا مكتفية والحمد لله على كل شيء..
دكتورة داليا ..لقد حزنت من رسالتك وشعرت أولا بصدمة أن ابنتي مريضة وتحتاج تدخل متخصص..وهذا ما شككت فيه ولذلك أرسلت الرسالة..
وثانيا شعرت أنك تعاملت معها بسطحية ولم تتعمقي فيها لتردي علىّ بالشكل الذي يهدئ من تساؤلاتي واستفساراتي عن وضع البنت..وطلبت منى أن اقرأ عن الوسواس القهري....وقرأت ..وشعرت أن البنت تعانى من ذلك المرض وعلى قد فهمي أشك في ذلك بنسبة 70%.....وكأنك حاولت أن لا تصدميني فلمحت بمرض البنت وتركتني أستكشف نوع هذا المرض...
عموما شكرا لك لأنك أرشدتني إلى الطريق الصحيح بالذهاب إلى الطبيب.. إن الشيء الوحيد الذي ألوم نفسي عليه فعلا ..|هو استهتاري بعواقب أفلام الرعب على الأطفال ....لأنهم كانوا يؤكدون لي أنهم لا يخافوا منها وكان أبوهم يشجعهم على ذلك والموضوع مش في باله وكنا نجلس جميعا ونستمتع بها ونذكرهم أن هذا غير حقيقي وتمثيل وغير ذلك ........ولكن كان الأحرى بي أن أمنعهم فعلا ولا انصاع لرغبتهم ..
وأما عن نصيحتك أن أتابع إسلام أون لاين ومعا نربي أبناءنا... تدل حقا على أخذك لرسالتي بشكل غير متعمق .... لقد لاحظت قلقي على أولادي وخوفي من اضطراب نفسيتهم نتيجة مرض نفسي في عائلتي ..وكوني وصلت إلى موقعكم هذا وقمت بالاستفسار عن حالة ابنتي ..ألا يوحى إليك ذلك أني امرأة تهتم بالجوانب التربوية والنفسية بالقدر الذي يجعلني أحاول بشتى الطرق توفير مناخ نفسي جيد لأبنائي.... ومن البديهي لمن في مثل حالتي أن تطرق جميع الأبواب التي تعينها على ذلك........
وأبشرك يا عزيزتي أني أتابع معا نربي أبناءنا منذ حوالي خمس سنوات ولقد فادتني الاستشارات هناك في أمور كثيرة في تربية أبنائي الثلاث والحمد لله .
وأخيرا أردت تسجيل شكري عن إخبارك أن ابنتي مريضة فهذا السؤال هو ما انتظرت شهرين كاملين كي يروي ظمأي شخص من قبلكم ويجاوبني عليه..
ولقد علمت الآن والله المستعان..ولذلك طلبت منكم أن يجيبني طبيب نفسي وليس أخصائي تربوي كي يقطع عندي الشك باليقين.. وأرجو أن لا تؤاخذيني إذا أزعجتك رسالتي ..فلقد أزعجتني رسالتك من قبل، ولا أنتظر أن تردي عليها .. بل لا أنتظر نشرها أصلا .. فكل ما أردته أن تقرئيها وتصلك ..(بدون خطأ يعيق وصولها شهرين كاملين) لأخبرك أن تتعمقي في قراءة رسائلك وتحاولي فهم المعاني المتواجدة بها ولا تستسهلي وتلقي باللوم على الأشخاص........حتى ولو كان لوما وظلما مستترا خلف السطور ..فهناك من يقرأ الكلمات بقلبه ويفهم جيدا ..وليس بعينيه فقط..ولقد فهمت ..ولذلك اعترضت ..عذرا ..وشكرا..والسلام عليكم ورحمة الله.
1/1/2006
رد المستشار
أهلاً بك من جديد... أشكرك على إصرارك على التعبير عما دار بك من مشاعر وأفكار، وهذه المشاعر ربما تكون ضرورية حتى نتحرك خطوة إلى الأمام في البحث عن علاج لابنتك...
سأحاول تفنيد رسالتك. الأب بالفعل له دور أساسي في التربية سواء من خلال تعامله المباشر مع ابنته، كما أن علاقته بالأم تنعكس على الأبناء، فكلما كان الزوجان متفاهمان كانت علاقة الأم بأبنائها أفضل وصبرها عليهم أعلى... ومن هنا كان تساؤلي عن دور الأب في حياتكم الأسرية.... وبرغم أنك ذكرت في رسالتك الحالية أن علاقته بابنته عادية... إلا أنك كتبت في الجزء الأخير من الرسالة "... هو فعلا ليس له دور ..سوى توفير المورد المالي للأسرة ..وآراء سطحية عندما أستشيره في أمر ما خاص بتربيتهم ..ويقول لي أنت المسئولة أنا لا أعرف أربي أحد ...ولن آخذ منه غير ذلك" بمعنى أنك لا تتوقعين منه أكثر مما يؤديه الآن، ومن ثم زادت المسؤولية على عاتقك...
لقد كان استنتاجي صحيحا فيما يتعلق بقلقك، والحقيقة أن القلق له جانبان أحدهما سلبي والآخر إيجابي فالقلق هو ما يدفعنا إلى الالتزام بالمواعيد والمذاكرة والعمل وغير ذلك، وأظنك من النوع الذي يستفيد من مميزات القلق... ولكن آثاره السلبية حيث تخافين بشدة من وجود مرضى بأسرتك.. وأنا أطمئنك مرة أخرى فمرض أقاربك يختلف تماماً عن مجرد قلقك كما يختلف عن مشكلة ابنتك..
بالنسبة لموضوع العلاج الأسري فالحقيقة أن هذا الاتجاه العلاجي لا يزال جديداً في بلادنا العربية، وقد ظهر حينما فشلت محاولات كثيرة لعلاج الأطفال علاجاً فردياً، بمعنى أن يجلس المعالج النفسي مع الطفل الذي لديه اضطراب ما بمفرده... ووجد أنه حين تدمج الأسرة تكون النتائج أفضل... وحيث أننا نجد في كثير من الأحيان آباء غير مكترثين بهذا العلاج بعكس الأمهات اللاتي يكن أكثر اقتراباً وتفهماً لمدى معاناة أطفالهم، ومن ثم وجد أن إشراك الأم في الجلسة يؤتي بنتائج أفضل من علاج الطفل وحده.. ففي كثير من الأوقات يطلب المعالج من الأم مهام معينة ويتفق معها –أثناء وجود الطفل- على أداء هذه المهام، وهذا المعنى هو ما وودت إيصاله... ويمكنك متابعة مقال العلاج النفسي الأسرى (1) ،وهذا الاتجاه العلاجي لا يجيده الكثيرون في بلادنا!!
نعم هناك جزء من الرسالة حاولت فيه توضيح بعض من مقدمات ما تعاني منه ابنتك الآن فقد افتتحت الرد: " ابنتك لديها عدة مشكلات، هذه المشكلات إنما تعكس قدرا من مشكلات خارجية أقصد خارجها، فقد تكون مشكلات داخل الأسرة وربما يكون هناك مشكلات أخرى في المدرسة أو غيرها..." ولم تكن الفكرة توبيخك أبداً سيدتي...
فكيف أوبخك وأنا أدرك ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقك سواء من حيث تربية الأبناء أو الغربة أو غير ذلك... ولكن كل منا يتعلم من خبراته وتجاربه في الحياة... وقد أردت أن تتداركي ما سبق فتتحدثي مع ابنتك عن مدى حبك لها وأن انشغالك عنها لبعض الأيام بعد الولادة لم يكن بيدك وأنك لم تتركيها مع شخص غريب، وتشرحي لها هذا المعنى بالطريقة التي ترينها مناسبة، هذا من جهة ومن جانب آخر كان استرسالي لسبب آخر،
فالواقع أننا من خلال استطلاع آراء عدد كبير جداً من زوار صفحات الاستشارات النفسية تبين أن نسبة كبيرة من الزوار يستفيدون من قراء الردود... فلا تتضايقي لأنك –بإذن الله- ستحصلين على ثواب كل من لديه سيستفيد من الرد، ردي لم يكن موجهاً إلى إيميلك الشخصي بل هو موجود على شبكة الانترنت لزمن لا يعلمه إلا الله... وعلى أي حال كيف أوبخك على شيء لم تكوني تعرفينه وكيف ألومك والأب لا يساهم في التربية بالقدر المطلوب... فلم يتواجد حين كانت ابنته في حاجة إليه!!
لا سيدتي إن ما تفعلينه -حين حاولت الرد بأنك بالفعل أخبرت ابنتك عن وجود مولود جديد- هو ما نسميه في العلاج النفسي "المقاومة"، بمعنى رفض كل ما يقدمه المعالج ومحاولة إثبات أنه خطأ.. وذلك بهدف التخلص من الإحساس بالذنب... بالفعل أخبرت ابنتك عن مولود جديد لكن هل كانت الأيام الأولى على النحو الذي توقعته ابنتك من حيث أنه السبب في سعادتها وتسليتها؟ لا أريد أن أكثر من الحديث عن التفاصيل غير الهامة.
الفكرة الهامة هي الأفكار التي تزعج ابنتك، وأنا أدرك الألم والحزن الذي شعرت به حين ذكرت أن ابنتك قد من أفكار تسلطية، ولنفرض أن ابنتك كانت تعاني من بعض الأعراض الجسدية، وأن الطبيب –لا قدر الله – أخبرك بأنها مريضة بمرض بدني فكيف ستكون حالتك؟ الحقيقة كثيراً ما تكون مزعجة والبدء في العلاج والوصول إلى الشفاء –بإذن الله- سيزيل كل هذا الانزعاج....
الحقيقة أن "المستشار مؤتمن" كما في الحديث فذكري للحقيقة هو ما حدا بك إلى الاستمرار في الاطلاع والقراءة والوصول إلى تشخيص حالة ابنتك ومن ثم البحث عن العلاج.
أخيراً أقول أن الانترنت وسيلة لها عيوب في توصيل المعلومات فنغمة الصوت والوقفات أثناء الحديث وارتفاع الصوت أو انخفاضه وما إلى ذلك يمكن أن يعكس قدر كبير من مشاعر التعاطف والتفهم والألم وبث الأمل وغير ذلك، فعلينا أن ندرك حدود هذه الأداة، وأقول هذا الكلام لنفسي قبل أن أقوله لك، ونحن في انتظار أخبارك وأخبار ابنتك.
ويضيف الدكتور وائل أبو هندي، السيدة العزيزة أهلا وسهلا بك على مجانين وشكرا جزيلا على متابعتك وردك الذي لولا معرفتي بسعة وطيبة قلب الأخت الدكتورة داليا مؤمن لما أرسلته لها، فمن الواضح أنك يا سيدتي تجاوزت ما هو من حقك مع الأسف الشديد، ويبدو أنك ممن يلجئون دون وعيٍّ منهم إلى رؤية كل شيء تمام عدا المشكلة التي يشتكون منها، وهذا تخمين والله أعلم.
ثم توقعتِ أننا لن ننشر هذه الرسالة، والحقيقة أننا سننشرها لعل المشاركين يفيدوننا بآرائهم، لست فقط قلقة يا سيدتي وإنما أنت في غاية القلق، وأحسب أن لابتعاد زوجك الفاضل عن مسؤولية التربية –على الأقل- دورا في ذلك، كذلك فإن تأخر الرد على استشارتك الأولى كان لأسباب تتعلق بنا نحن في الموقع وليس بالدكتورة داليا جزاها الله خيرا، ورغم أن هذا تكرر أكثر من مرة إلا أن أحدا لم يكتب لنا عن كل هذا الاستياء والاعتراض مثل ما فعلت.
عامل الوراثة موجود فعلا كما أشرت ولكن الذي يورث غالبا هو الاستعداد للمرض النفسي وليس المرض نفسه، ويبدو -والعلم علم الله- أننا أمام أمٍّ عصابية Neurotic ولكن البنت تعاني من أحد أشكال العصاب نسميه الآن بالوسواس القهري، وهنا أستطيع القفز إلى أن البنت ربما ورثت ذلك الاستعداد منك، ورغم أنك لم تعاني من أعراض كأعراضها يوما –وإنما ربما من أعراض القلق المتعمم Generalized anxiety disorder أو غيره الله أعلم- إلا أن البنت ظهرت عليها أعراض الوسواس القهري، ولعل ما يتعرض له الإنسان من خبرات تختلف من شخص لآخر هو السبب في ظهور الاستعداد الوراثي للعصاب مرة في شكل القلق المتعمم ومرة في شكل القلق الرهابي ومرة في شكل الوسوسة وهكذا، إذن فالبنت لديها استعدادٌ موروث للعصاب عامة ولكنه يأخذ شكل الوسوسة في المرحلة الحالية، والحقيقة أن مجيبتك وضعت يدها بالفعل على لب المشكلة، ثم لم تهمل أيا من أبعادها التي وضحتها أنت، وأنا شخصيا أشكرها، وأشكرك لأنك دفعتني لكتابة هذا التعليق!
وأما المهم فهو أن ابنتك بحاجة حقيقية إلى علاج نفسي معرفي وسلوكي وحذار من الوقوع في فخ طبيب كيميائي لا يحسن أساليب العلاج الأخرى لأن استخدام عقاقير علاج الوسواس في سن صغيرة كسن ابنتك يستدعي كثيرا من الحذر والاستمرار في علاقة علاجية قريبة مع المعالج مع ضرورة عدم الاعتماد كلية على العقار، وأهلا وسهلا بك دائما على مجانين.