تراودني أفكار قهرية
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته؛
أشكر لكم مجهودكم المتميز في هذا الموقع الذي يعالج المشاكل النفسية والعصبية، ويثري مكتبة المواقع العربية في العلم والمعرفة. مشكلتي يا دكتور أنني من بداية مراهقتي كانت تراودني أفكار ووساوس قهرية لا أستطيع أن أمنعها، وقد استمر معي إلى هذه اللحظة التي أكتب لكم هذه الرسالة.
وهذه الوساوس يأتيني وكأني أتناقش مع أشخاص هم في الواقع غير موجودين مع العلم أني لا أراهم ولا أسمعهم، وتكون شخصيات هؤلاء الناس معروفة لدي أو شخصيات لا أعرفها فمثلا بعد قراءة أي كتاب أو موضوع يثير اهتمامي تأتيني حالات وسوسة وكأني أشرح هذا الكتاب أو الموضوع على أناس، ولا أستطيع أن أترك هذه الوساوس.
وقد أثر هذه على دراستي كثيراً، فكنت متفوقا في دراستي قديماً ولكن بعد ما أصبت بهذه الوساوس قل تحصيل الدراسي مع العلم أن أبى ملاحظ عليه أنه مصاب بنفس هذا النوع من الوسواس، مع العلم أني أميل إلى الانعزال عن الناس، أما في طفولتي فكنت أحب اللعب مع أصدقائي والاجتماع معهم، وأنا لم أقم بزيارة أي طبيب نفساني والسبب معروف وهو الخوف من نظرة المجتمع لي إلي على أني مجنون مع العلم أن حالتي قد لاحظها كثير من أهلي.
وهل إذا ذهبت إلى الطبيب النفساني سوف يخبر أهلي بحالتي أي سوف يتصل بهم للمشاركة في علاجي أم ماذا؟
وأكرر شكري لكم.
27/09/2003
رد المستشار
الأخ السائل العزيز، أهلا وسهلا بك، وشكرًا جزيلاً على إطرائك لموقعنا، الحقيقة أن ما تصفه في رسالتك من أفكار تتسلط عليك ولا تستطيع الخلاص منها، لا توصف بأنها أفكارٌ قهرية، وإنما بأنها أفكارٌ تسلطية أو وسواسية Obsessive Thoughts، وكلمة تسلطية أفضل من وسواسية لكي نبتعد عن إمكانية اللبس مع وسوسة الشيطان قدر الإمكان، وهو ما يحدث في عقول المسلمين كثيرًا، وَفي الطبِّ النفسيِّ توصفُ فكرة ما بأنها تسلطيةٌ إذا توفرَّتْ لها عِـدَّةُ شروط:
-1- أن يشعرَ المريضُ بأن الفكرَةَ تَحْشُرُ نفسها في وعْيِـهِ وَتفرضُ نفسها على تفكيرهِ رغماً عنه لكنها تنشأُ من رأسِهِ هو وليست بفعلِ مؤثِّرٍ خارجي.
-2- أن يوقِــنَ المريضُ تفاهَـةَ أو لا معقوليَّـةَ الفكْرةِ وَعَـدَمَ صِحَّـتِها وعدم جدارتها بالاهتمامْ.
-3- محاولة المريض المستمرة لمقاومة الفكرة وَعدم الاستسلام لها.
-4- إحساس المريض بسيطرةِ هذه الفكرة وقوتها القهريةِ عليه فكلما قاومها كلما زادَتْ إلحاحًا عليه، فيقعُ في دوامةٍ من التكرار الذي لا ينتهي.
ونحن إذا حاولنا تطبيق هذه الشروط على ما تشتكي منه فإننا سنجدُها منطبقةً عليك، فأنت تشعر نفسك مجبرًا على التفكير فيما قرأت، وكأنك تناقش فيه آخرين، وأنت تعرف أنه لا لزوم بل لا داعيَ لذلك لكنك لا تستطيع وقفه أو الخلاص منه، ونوعية الأفكار التسلطية لديك كما يفهم من إفادتك هو الأفكار التسلطية الاجترارية Obsessive Ruminations، إلا أن في إفادتك بعد آخر يبدو متعلقًا بما أشرت إليه بقولك في إفادتك (مع العلم أني أميل إلى الانعزال عن الناس, أما في طفولتي فكنت أحب اللعب مع أصدقائي والاجتماع معهم).
فنحن هنا مضطرون إلى التفكير في ذلك التشابه الموجود بين ما تشتكي منه وبين أحلام اليقظة المفرطة Excessive Daydreams، صحيحٌ أن المحتوى لديك مختلف عن المحتوى المعهود عند المرضى الذين يشتكونَ من أحلام اليقظة، إلا أن الفصل ليس بالسهولة المتوقعة، ويبدو أن علاقةً ما توجد ما بين أحلام اليقظة المفرطة (غير المرغوب فيها) وبين الأفكار التسلطية الاجترارية، وقولك عند وصفك للأشخاص الذين تشرح لهم علما بأنني لا أراهم ولا أسمعهم طمأننا على عدم حدوث الخلط بين الواقع والتخيل عندك، وهو ما نخشاه في من يميلون إلى العزلة.
بقي بعد ذلك أن نبين لك سبب اعتراضنا على وصفك لأفكارك الاجترارية بأنها أفكارٌ قهرية، فصحيحٌ أنها تمثل جزءًا من اضطراب الوسواس القهري الذي هو أقرب الاحتمالات لتشخيص حالتك (وقد تكونُ هي كل أعراضه وقد تكون هناك أعراض أخرى لم تذكرها أنت لنا أو لم تربط ما بينها وبين اضطرابك)، إلا أننا نفضل أن نترك صفة القهر لنصف بها الأفعال القهرية Compulsive Acts سواءً كانت أفعالا حركيةً أو أفعالاً عقلية، ومعنى ذلك هو أن ما لدينا من معلومات في إفادتك يشير إلى حالة اضطراب وسواس قهري تتلخص الأعراض فيها في أفكار تسلطيةٍ من النوع الاجتراري فقط، ولا ندري إن كانت هناك أعراض أخرى لا نعرفها أو لا.
ونحن هنا ننصحك بقراءة الإجابات التالية على صفحتنا استشارات مجانين لكي تعرف كثيرًا من المعلومات حول اضطراب الوسواس القهري:
الوسواس القهري والاكتئاب
ين الوسواس القهري والفصام!!
الوسوسة الدينية وخرق السماء
كرات الزئبق والوسواس
ممتلكات الشيطان م
وسواس الغش وما يبنى عليه
الماس والماسا وتأخير القذف
ما هيَ الم.ا.س.ا؟
وعلى الرغم من قبول معظم الأطباء النفسانيين لفكرة وجود أفكار تسلطية دون أفعال قهرية مصاحبة لها على عكس رأيهم في حالة وجود الأفعال دون الأفكار فإن الحقيقة أنَّ وجودَ الأفكار التسلطية دون وجود أفعال قهرية مصاحبة لها أمر مشكوك فيه إلى حد كبير، وذلك لأن معظم حالات الأفكار التسلطية تكون مصحوبة بأفعال عقلية والأفعال العقلية بالطبع تأخذُ شكلَ الأفكار فتحسب معها في أغلب الأحوال خلال المقابلة النفسية مع المريض على أنها وساوس لا أفعال.
وقد جربت أن أثابر على السؤال مع كثير من مرضى الوسواس القهري الذين يشتكون من أفكار تسلطية متعلقة بالذات الإلهية أو المقدسات عموما وهي بالطبع حالاتٌ مشهورة كأفكارٍ تسلطيةٍ دون أفعال قهرية وكنت في كل مرة تقريبا أصل إلى أن المريض يتخلص من ألم فكرته التسلطية بقراءة آية معينة من القرآن أو استرجاع حديث نبوي لا مرة واحدة ولا مرتين وإنما مرات عديدة حتى يحس بالراحة والهدوء.
وبعضهم قال لي: "الحمد لله صحيحٌ أنني أفرطُ في تلاوة نفس الآية لكنني على الأقل آخذُ ثوابًا" وأنا أرى أن هذا فعلٌ عقلي قهري موجود وكثيرًا ما لا يذكرُهُ المريضُ ولا يسألُ عنه الطبيبْ وإن ذُكِرَ فغالبا ما يحسب على أنه وسواس مع أن التفريق بين الفكرة التسلطية والفعل العقلي القهري سهل فالأفكار التسلطية تحشرُ نفسها في وعي المريض رغمًـا عنهُ وتسبب القلق والتوتر والانزعاج بينما الأفعالُ العقلية القهرية يفعلها الشخص مختارًا لكي ينقص القلق والتوتر والانزعاج.
وقد يبرز هنا سؤالٌ هو لماذا لا نعتبرُ أفكارك الاجترارية نوعًا من الأفعال العقلية القهرية؟، والرد على ذلك بسيط وهو أن الأفعال القهرية سواءً كانت حركية أو عقليةً إنما يفعلها المريضُ لكي يقلل من القلق الحادث بسبب الفكرة التسلطية، أي أنه يلجأ إلى تلك الأفعال مختارًا لكي يقلل من توتره، وهذا ما لا نجدهُ في حالتك، وإنما نجد أفكارًا أكثر ما يضايقك منها هو أنها بلا فائدة وتضيع الوقت عليك.
المهم أننا في النهاية نطمئنك إلى أن حالتك إذا كانت في حدود ما ذكرته في إفادتك أي أنه لا توجد لديك أعراضٌ أخرى، فإن الطبيب النفساني إذا ذهبت له بمفردك فإنه قد لا يجد نفسه مضطرًا لإشراك أفراد الأسرة في العملية العلاجية لأن عقاقير علاج الوسواس غالبًا ستكفي، كما أن الطبيب النفساني لابد سيستأذنك في الاستعانة بأهلك قبل أن يتصل بهم، وليس هناك طبيب نفساني يتصل بأهل المريض دون علمه اللهم إلا في الحالات الذهانية.
إذن عليك أن تطمئن واستخر ربك سبحانه وسارع باللجوء إلى أقرب طبيب نفساني، فتابعنا بأخبارك وأهلا بك دائما.