أنا وعائلتي, والمحيطون بي..!!!؟
بسم الله الرحمن الرحيم؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بداية أحب أن أعبر عن احترامي الشديد لموقعكم هذا ولجهودكم التي تبذلونها فيه فهو بحق نافذة لكل من تسوقه أقدار الله تبارك وتعالى إليه تضئ له ظلام الأفكار والتصورات.. كما أعتذر إليكم في خجل شديد لطول رسالتي المبالغ فيه وربما تكون أطول رسالة ستقرؤونها على مجانين حيث أن لدي الكثير الذي أحتاج أن أقوله..
أنا فتاة مغتربة منذ عدة سنوات للعمل في إحدى الدول العربية.. ولكن ليست هذه بداية المشاكل بل إنها بدأت منذ سنوات بعيدة واصطحبت تبعاتها معي مثلما يصطحب المسافر حاجاته في حقيبة سفر!!
فأنا رابعة المولودات لأب وأم لم يكونا على وفاق، فأمي سيدة على قدر يسير من التعليم من أسرة بسيطة عاشت في صباها ظروف قاسية نتيجة لوفاة والدها واضطرارها وأختيها وأمهم للنزوح إلى القاهرة والعمل في أحد المصانع، وأبي لم يحصل على أي قدر من التعليم اضطر للعمل منذ طفولته بسب وفاة والده وزواج أمه من آخر.. فكلاهما عاشا ظروفا اجتماعية ونفسية قاسية أدت إلى حياة أكثر قسوة بعد الزواج، فالزوج لا يرضى أبدا والزوجة غير قادرة على فهمه أو تلبية احتياجاته وأهمها إنجاب الولد الذي كان يتمناه وإن لم يعبر عن ذلك بطريقة مباشرة.. ويتوالى إنجاب البنات حتى بلغنا أربعة أخراهن أنا..
كان والدي قاسيا جدا في معاملة أمي وكغيره من الأزواج – خاصة الحرفيين في مثل مهنته – كثير الإهانة لها بل وضربها بقسوة مرات عديدة ومازلت أذكر حوادث بعينها سجلتها ذاكرتي وظلت لسنوات عديدة مصدر ألم شديد أعانيه وأبكي له في صمت حتى لكأنني كنت أسمع صراخ أمي وأخواتي يتردد في أذني عبر دهاليز الذاكرة بينما كنت أشعر في هذه الفترة أن في داخلي طفلة صغيرة منزوية ودائمة البكاء.. الحمد لله رب العالمين فقد سخر لي أخت فاضلة أحببتها في الله وأعانتني على تجاوز هذا الأمر وفتحت بمشيئة الله بصيرتي على نعم الله الكثيرة التي حباني بها والتي لا يحق لي بعدها أن أظل تائهة في بحر من الألم دون محاولة استثمار حياتي فيما يفيدني ويفيد الآخرين.. وكانت تلك أولى ثمرات الغربة..
فقد أعطاني الله سبحانه وتعالى ضعف حظ أخواتي في كل شيء، ففي التعليم كنت الوحيدة التي حقق الله حلمها في دخول الثانوية العامة والالتحاق بعد ذلك بإحدى كليات القمة- كما يسمونها- وكنت ولله الحمد الأفضل حظا في مجال العمل أيضا والحصول على وظيفة في تخصصي بعد انتهاء امتحاناتي بأسبوعين.. وربما كان هذا تدبير من الله تعالى ليعيني به على حمل تلك المسؤولية التي أضطلع بها حاليا كسبب وحيد تعتمد عليه أسرتي في حياتها.. وقد رأيت ذلك في رؤية حكيتها لأمي ولم يتجاوز عمري الحادية عشرة، إذ شاهدتني وأمي نحاول الهروب من روح أبي التي تتربص بنا وهي في آتون نحاسي يشتعل نارا وأنا وأمي نحاول الفرار وكلما سلكنا طريقا وجدناه أمامنا يتوعدنا حتى دخلنا دكان لرجل كبير السن عنده فتاة ترتدي زيا عربيا قديما وتعصب رأسها كالبدويات وقد أحسن استقبالنا هذا الشيخ وأمر فاطمة الزهراء- كما كان يسميها- أن تحضر لي ثلاثة موزات وأخبرني أنها لأخواتي الثلاثة وعندما سألته عن حظي من الموز قال انه سيكون لي ضعف حظهن وأعطاني موزتين كبيرتين.. الله أعلم بتأويل هذه الرؤية وبمدى أهميتها فيما أقول لكنني أجد أنها تحققت إذ استطعت بعد ستة عشر عاما تقريبا الفرار بأمي والخروج بها من تحت سلطان أبي.. وبرغم ذكر أسم الزهراء في الرؤية إلا أنني أدرك أن الشيخ لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم إذ رأيته على صورته التي وصف بها عدة مرات كانت مرتبطة بظروف معينة ربما أقصها في حينها..
وبمناسبة الرؤى فقد حدث عدة مرات وأنا صغيرة- ما بين الخامسة والسابعة لا أستطيع التحديد بدقة- أنني شعرت بانفصال عن الوعي تقريباً أو انفصال روحي عني وأنا مستيقظة ولست نائمة بل وفي وضع الجلوس وكنت أجد نفسي كأني أدخل إلى مكان تحت الأرض لست متأكدة بالضبط ولكنني أرى أن شخص في هيكل الإنسان ولكنه من نور يسمح لي بالدخول إلى غرفة أخرى أجد فيها جسد ممدد على منضدة خشبية وأشعر بأن هذا الجسد هو أنا وكانت الإضاءة في المكان ضعيفة وصفراء ثم أشعر بضغط شديد على روحي وأبدأ العودة إلى الوعي وأنا غير فزعة برغم صغر سني.. تكرر ذلك ثلاث أو أربع مرات بنفس الطريقة والتفاصيل فما التفسير العلمي لذلك؟!
السلام عليكم، عدت مرة أخرى لأكمل لكم قصتي.. وبالمناسبة فأنا لم أذهب اليوم إلى العمل وربما كان السبب هو استرجاعي لبعض التفاصيل المؤلمة في حياتي وهو أمر أشعر به أحيانا إذا تعرضت لمشكلة أو انفعال أو فكرت في شيء يضايقني.. إذ أشعر بانهيار طاقتي بشكل كامل أو ضعفها على الأقل ولا يخرجني من هذه الحالة إلا أن أنشغل بشيء مفيد كأن أجلس مع إحدى أخواتي أعلمها شيء أو أقرأ كتاب مفيد أو يطلب مني أداء عمل ما بشكل عاجل يستحوذ إنجازه على تفكيري أو حتى أجلس في استرخاء أذكر الله سبحانه وتعالى بعض الوقت.
سامحوني على كثرة التفاصيل التي أسردها أعانكم الله على التحمل ولكني لا أدري أي شيء فيما أقول سيكون مفيدا في تحليل حالتي، سأعود لأبي غفر الله له وأحسن خاتمته اللهم آمين.. فأنا في صغري لم أكن أحبه كثيرا بل كنت أخاف منه جدا حتى أنني إذا سمعت بوق سيارته التي كان يحب أن ينذرنا به من أول الشارع كنت أترك كل ما أفعله وأعتبر حتى أن اللعب جريمة قد تثير غضبه وأجلس منكمشة على طرف السرير!! وكانت أمي سامحها الله تساهم في تكريس حالة الخوف هذه إذ بمجرد سماعها هي لصوت السيارة تنتفض قائلة بتوتر وهي تفرقع إصبعيها منذرة لنا: "أبوكوا جه أبوكوا جه" كان هذا كافيا ليفزعنا كصغار فنتصوره وحشا يكاد ينقض علينا فننظر في كل شيء بسرعة ماذا نفعل وماذا نلبس ماذا يغضبه وماذا يثيره..
وهكذا بل إنها سامحها الله كانت إذا غاب تبدأ في سرد الحكايات التي عايشنا بعضها بالفعل ولم نعي بعضها الآخر أو لم نعشه لأنها حدثت قبل أن نولد فتبدأ في القصص التفصيلي لتنقل إلى نفوسنا الغضة معاناتها معه وتحفرها في ذاكرتنا.. كانت تفعل ذلك بجهل شديد لما قد يتركه في نفوسنا من مشكلات وكان أبي سامحه الله لا يمل من تكرار الأحداث والمشاكل والتي ربط بعضها في ذاكرتنا بمواسم معينة فقد كانت له "خناقة موسمية قبل رمضان وأخرى ليلة العيد الكبير وثالثة في موعد تجديد السيارة ورابعة قبل دخول المدارس...." وربما أرتبط ذلك بتصاعد معدل الإنفاق الذي يؤديه مرغما حينا ويتخلى عن تأديته أحيانا أخرى.. رغما عني أتذكر صوت الضرب والكركبة التي يحدثها وأشعر بكره كبير لهذا الصوت ولا أطيق سماعه حتى في التليفزيون أو ما شابهه من لعب الأطفال.
كان تفوقي الدراسي نسبة لأخواتي موضع تشجيع من أبي إذ كان يمنحي ربع جنيه كاملا إذا نالت درجاتي الشهرية رضاه وكانت أمي تحب ذلك لأنها تعرف أنني سأعطيها النقود إضافة لمصروفي الأسبوعي أو معظمه وذلك لإحساسي بمعاناتها في تدبير حياتنا في ظل تقطير أبي علينا.. ولكن الأمر الذي كان شاقا جدا على نفسي هي تلك القبلة التي كانت أمي تطلب مني أن أعطيها لأبي بعد أن يمنحني النقود وكان هو يتقبلها بفتور شديد كأنما يعرف أنني فقط أنفذ الأوامر.
استطعت والحمد لله التخلص من حالة الخوف الكبير التي كانت تسيطر علي تجاه أبي ولكنني لم أستطع أبدا أن أحبه كأب وأعتقد أنني لا أدري كيف يمكن أن يكون شعور الابنة تجاه أبيها.. غير أنني أبره ما استطعت وأحرص على أن يكون بخير وغير محتاج ماديا ولكنني- برغم جهدي في ذلك- لا أستطيع أن ألبي حاجاته الشعورية في شيخوخته إلا بجهد شديد لتعاطفي معه كإنسان تجاوز السبعين عاما ولالتزامي ببره أمام الله.. ولكن الحقيقة التي يجب أن أعترف بها أنه ترك فراغا كبيرا في نفسي وأنني لهذا السبب أنجذب بسرعة لأي إنسان أستشعر منه الحنان أو حتى التعامل الإنساني الرقيق وهي مشكلة واجهتها في شبابي وإن لم تكن لها آثار سلبية في طفولتي.
اصطحبت أيضا من طفولتي إحدى العادات السيئة وهي عادة مص اللسان المصحوبة بوضع يدي في شعري أو لف خصلة منه على أصابعي مما يتسبب أحيانا في زيادة اللعاب أثناء النوم وخروجه من فمي، وأعلم أنها إحدى العادات المصاحبة للوسواس القهري خاصة عند الإحساس بالنعاس إذ لا أستطيع أن أنام إلا إذا فعلت ذلك، وهو الأمر الذي لم استطع التخلص منه رغم محاولاتي منذ كنت طفلة ولم يفكر أبي وأمي أن يعرضاني على طبيب بالطبع إذ لم يتخيل أحدهما أو كلاهما أنني أحتاج إلى علاج ما أو أنه عرض نفسي من الأصل ولو فطنا لذلك لما استطاعا إدراك أهمية الأمر أو تأثيره علي مستقبلا، وبالمناسبة فأمي أيضا لديها نفس العرض وقد لاحظت ذلك كما تحدث عنه أبي ذات مرة من باب إحراجها أمامنا ولا أدري إن كانت الوراثة تلعب دورا في هذا الأمر.
استطعت بفضل الله أن أنال رضا أبي لفترات طويلة من حياتي إذ كان تفوقي الدراسي يجعله فخورا بي أمام الناس كما أنه شعر بتميزي عن أخواتي خاصة بعدما رشحتني مدرستي للفوز برحلة لإحدى الدول الأوربية لمدة شهر وذلك لتفوقي في اللغة الثانية بالمرحلة الثانوية وقد استغل أبي هذا الأمر ليخبر أهله أنه أرسلني على حسابه لأدرس في أوروبا!! على الرغم من أنه أعطاني مبلغ ضئيل جدا من المال لا يكفي طعامي لأسبوع واحد!! والحمد لله أن الرحلة كانت شاملة الطعام والشراب، وربما كان مهما أن أقول أنني بعد مرور أسبوعين تقريبا من الرحلة أصبت بحالة اكتئاب وأصبحت أفضل الجلوس وحدي وتأمل المناظر الطبيعية من شباك الحافلة ولا أحاول الاندماج مع الزميلات أو الزملاء وحين استضافتني إحدى الأسر في الأيام الأخيرة وفقا لبرنامج الرحلة أغلقت باب الحجرة علي بالمفتاح لأستطيع أن أنام وكادوا يتصلون بالشرطة لأنني لا أستجيب للطرق على الباب إذ كنت متعبة ورحت في ثبات عميق.
دخولي الجامعة كان بداية تحول آخر في حياتي وفي العلاقة بيني وبين أبي فبعد فترة من الاختلاط بهذا العالم الآخر أصبحت أكثر قدرة على الفهم والتصرف بحكمة مع أبي بل وتحدي قراراته الخاطئة أحيانا مثل مقاطعته لعمي رحمه الله وذهابي له وزيارته بغير إذن أبي مما أدى- بعد ثورته طبعا- إلى إصلاح العلاقة بينهما بشكل نسبي، وكانت تصرفاتي هذه والحمد لله وإن أظهرت مخالفتي لأوامره إلا أنها في إطار من البر والأدب وليس التمرد إذ بدأت التزامي الديني منذ الصف الثالث الثانوي أي بعد عودتي من الرحلة متحدية بذلك أيضا عدم رغبته في حجابي بالشكل الذي اخترته وهي المرة الأولى التي تشاركه أمي فيها الرأي بل وأشعر أنها أكثر تعنتا منه في معارضتي وربما خفف أبي حدة معارضته للأمر نكاية في أمي أو محاولة منه لكسب بعض النقاط لصالحه إذ كان يشعر بالتأكيد بانحيازنا لها وليس اقتناعا منه بما أفعل، كما عارض كلاهما بالصورة نفسها ارتدائي النقاب بعد ذلك بعشر سنوات.
كنت حتى عامين تقريبا أشعر بعدم الرغبة في الزواج رغم احتياجي النفسي لشخص يحنو علي ويرفق بي ولكن يكون زوج مع إيقاف التنفيذ إذ أن العلاقة الزوجية كانت- ولم تزل أحيانا- أمرا مخيفا حين أفكر بيني وبين نفسي كما أنه بداخلي إحساس بأن الشخص الذي سيتحكم في حياتي لا شك سيعذبني ولن يرفق بي مثلما حدث مع أمي.. لدي خوف من هذه الفكرة ولا أحب الخوض في أي كلام له علاقة بالرجل كزوج فكنت أنهى صديقاتي في العمل أن يتحدثن أمامي حديث البنات الذي يعتبرنه عاديا ويتعجبن من خجلي المبالغ فيه والذي يدفعني لترك المكان كله إذا أصروا على الكلام في مثل هذه الأمور ولا أدري إن كان الخجل من هذه الأمور أمرا فطريا وفي إطاره الطبيعي أم أنه أمر مبالغ فيه ويحتاج لعلاج.. كما أنني أخجل أيضا من كوني فتاة برغم عدم تمردي على نوعي الذي خلقني الله عليه بل لا أحب أن أكون رجل لو كان الأمر بيدي ولكني أخجل مثلا من وضع مساحيق التجميل أمام صديقاتي أو التجمل بشكل أو بآخر إلا في حدود ولا أحب حتى في المناسبات غير المختلطة أن أظهر جمالي كما يفعلن أو أبالغ في زينتي وإنما أفعل ذلك في حدود برغم محاولاتهم المستميتة في هذا الإطار وأميل للبساطة والابتعاد عن الأضواء والصخب والموضة الفارغة ومثل ذلك من الأشياء بل لا تستهويني أبدا أحاديث البنات عن ماركات أدوات التجميل ولا أعرف حتى الآن كيف توضع على الوجه بشكل جميل وأظن أن هذا غير طبيعي لأن الله تعالى وصف الأنثى بقوله تعالى: { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (الزخرف : 18 )}.
تطورت فكرتي عن الزواج بعد عدة سنوات في الغربة إذ أعيش هنا وحدي وأشعر أنني في حاجة لإنسان يعينني على أمور ديني ودنياي وأستطيع تقبل فكرة الزواج بما تعنيه من مسؤولية وأعلم برغم حاجتي للدعم النفسي والعاطفي أن الزواج ليس فقط علاقة عاطفية وإنما سكن ومودة ورحمة- أو هكذا ينبغي أن يكون- ومسؤولية إما أن أكون على وعي بتبعاتها أو أعفي نفسي من تحمل ذنب أطفال لا حول لهم ولا قوة ولو قدر الله تعالى لي الزواج فسأحرص على تربية أبنائي بطريقة سوية إن شاء الله دون تكرار لأخطاء أبي وأمي ودون أن أغرق أيضا في تجربة أسرتنا.. هذا على المستوى النظري ولكن تنتابني المخاوف حين أواجه مشروع حقيقي ويزداد توتري ويتصاعد حتى ينتهي المشروع بالفشل لأي سبب كعدم التوافق أو عدم كفاية الشروط سواء من جانبي أو من الجانب الآخر.. غير أنني راضية بقضاء الله ولا أتعجل الأمر برغم بلوغي الثانية والثلاثين تقريبا وعدم تشجيع أبي وأمي لأي مشروع زواج يخصني. وأحيانا تعطيلهم المتعمد ولكل منهما أسبابه في ذلك.
هناك فجوة يجب الإشارة إليها وهي خروجنا من بيت أبي منذ سبع سنوات تقريبا وذلك بقرار مني إذ أصبحت قادرة على توفير مصدر دخل لأمي يعيننا على مواجهة الحياة وكانت الأمور بينها وبين أبي وصلت إلى القمة فهو لا يرضيه شيء وينتهز كل فرصة ليضربها أو يهددها بالضرب أو يذلها بأية طريقة كما أنني اكتشفت أنه يجبرها على معاشرته وقد تجاوزت الستين من العمر وطلقها مرتين ثم أخبرني في الثالثة أنها محرمة عليه كظهر أمه وهو الأمر الذي لم أفهم حكمه الشرعي وقتها ولكني أدركت فيما بعد أنها لم تعد تحل له وأن السبيل الوحيد بعد أن ساءت حالتها النفسية أن أخرج بها من هذا الآتون المشتعل وأؤمن لها حياة هادئة في أواخر أيامها وكنت أعرف أن ذلك سيحملني الكثير من الأعباء الإضافية حتى نستطيع الاستقرار ولكن الأمر وصل إلى درجة أن أمي أسرت لي أنه إذا اقترب منها مرة أخرى فسوف تقتله!! وأنه لا يحل لها وهي تكرهه جدا وهو يسيء معاملتها لأجل ذلك، أدى ذلك كله إلى غربتي منذ خمس سنوات والتي لا أدري متى ستنتهي وبالتأكد واجهت الكثير من المشكلات هنا تحتاج إلى تفصيل.
كانت أولى المشاكل أنني أعيش وحدي وهذا وضع صعب جدا إذا استمر ولا يمكنني العيش مع رفيقة مثلا أشاركها المسكن لأنها ستكون مختلفة في أمور كثيرة وربما تكون من جنسية مختلفة وقد سبب لي ذلك مشاكل من قبل، كما أن الأمر يحتاج إلى التحري عن أخلاقها وهو أمر يصعب التأكد منه في ظل بلد يجمع الناس على اختلاف ألوانهم..
ومن سلبيات هذا الوضع أيضا أنني عانيت من الوسواس القهري إذ كانت تراودني أفكار وسواسيه لها علاقة بالله تبارك وتعالى وهذا الأمر بدأ منذ كنت في بيت أبي وتحديدا مع بداية التزامي الديني ولكنه اشتد علي هنا واستمر عام تقريبا ولكنني استعنت بالله سبحانه وتعالي فدعوته كثيرا أن يعافيني وتجاهلت تلك الوساوس تماما ولم أسمح لها بسحبي والسيطرة علي بعدما لاحظت أنها تشتد كلما قاومتها فشفاني الله تعالى بفضله ورحمته دون الحاجة إلى علاج أو حتى عرض نفسي على الطبيب.
ثانيا: رؤية بعض الناس لوضعي الذي أضطر لشرح أسبابه أحيانا كثيرة إذ يتعجبون من سفري وحدي وسماح أهلي بذلك وأنا شابة وعدم زواجي حتى الآن ولماذا......... الخ وتصورات البعض عني والتي لخصتها إحدى صديقاتي بساطة فقالت: "إن من يتعرف عليك يظن أنك فتاة ناضجة تجاوزت الثلاثين عاما ومغتربة وحدها منذ عدة سنوات يعني مقطعة السمكة وذيلها فيحملون تصرفاتك وأقوالك أكثر مما تقصدين فعليا ولا يتصورون أبدا أنك بيضاء كالثلج".
ثالثا: علاقاتي مع الجنس الآخر والتي تكون في أفضل صورة إذا كانت محصورة في العمل وفقط ولكنها تمر باضطرابات كثيرة إذا خرجت عن هذا الإطار ولو في حدود المزاح العابر.. والأمر يحتاج إلى شرح..
كما تصاحبني أحياناً أعراض أخرى مثل التردد تجاه اتخاذ بعض القرارات البسيطة مثل أن أذهب لأطفئ النور ثم أتردد حين أصل إلى زر الكهرباء وقد أغير رأيي فأرجع ثم أعود مرة أخرى وهذا يحدث أحيانا وليس في كل وقت.. كما أنني كنت أشعر لفترة بوسواس النظافة بدرجة غير مبالغ فيها حتى تخلصت من الكثير من أعراضه وكنت أحتاج إلى وقت طويل لأكون جاهزة للخروج فأصبحت أحتاج إلى نصف ساعة في الظروف العادية وساعة إذا كانت مشاكل القولون العصبي متقلبة علي.. إلا أنني ألوم نفسي أحيانا كثيرة على تصرفات قد أعتبرها بسيطة في حينها ولكنني بعدها أبدأ في لوم نفسي وتقريعها مسفهة هذا التصرف أو تلك الكلمة.. بالإضافة لعرض آخر هو أن انفعالاتي تظهر على وجهي بطريقة مبالغ فيها حتى حينما أكون وحدي مثل مط الشفاه أو الضغط على الفكين لفترات طويلة أو التحرك بطريقة تعبر عن انفعالي الداخلي وأحيانا أنطق بعض الكلمات بصوت مسموع حينما أفكر في شيء وغالبا يحدث ذلك وأنا وحدي والحمد لله، أبي وأمي يفعلان ذلك أيضا..
كما عانيت من الأفكار الاجترارية في فترة احتدام مشاكلي في العمل وخفت تدريجيا بعدما حاولت الانتباه لها وشغل نفسي بما يفيد، يزعجني أحيانا وسواس النظر إلى العورات الذي قرأت عنه على موقعكم وقد لاحظ بعض العاملين ذلك للأسف ولكنه يخف أحيانا فيكاد لا أشعر به وأستطيع التعامل بلا مشاكل ويسيطر أحيانا حتى أتجنب التعامل مع جميع الزملاء وكنت أظن أن الأمر يتعلق بعشب الميرامية الذي كنت أضيفه إلى الشاي إذ ثبت علميا أنه يزيد الخصوبة فلم أعد أشربه..
وتضايقني بعض الأصوات المتتابعة كصوت أزار الكمبيوتر إذ يصر زميلي على رفع درجة صوت المفاتيح واستخدام السماعات المكبرة أيضا وقد ضبط الصوت على رنين يشبه قطرة الماء بحيث تصدر كل ضغطة منه على زر صوتاً مسموعاً فيوترني ذلك جداً ويشعرني بعدم الارتياح وخاصة إذا تابع الضغط لمرات عديدة متتالية وقد نبهته عدة مرات أن ذلك مزعجا جدا فما زاد على أن قال: "الكلام ده بيدينك" !!! ولم أفهم ماذا يقصد حتى أخبرتني زوجة زميلي الثاني أنه يتعمد إثارتي بهذا الصوت وأن زوجها فهم ذلك ونهاه ولكنه لم يستجب!!!!!!!!
بالمناسبة إنه مصري أرأيتم كيف يحافظ بعض أبناء البلد على أختهم بالخارج؟! وأشعر في أحيان كثيرة أنني أريد أن أصرخ بأعلى صوتي أو أجري منطلقة على غير هدى ولكن ذلك لا يدفعني للفعل ويظل رغبة في داخلي فقط، وفي أحيان أخرى أشعر وكأن صوت غير مسموع له صدى يصرخ باسمي في أعماقي ولكنه ليس صوتي كما أتعامل بطريقة سيئة مع جلد الشفاه والجلد المحيط بأظافري وكنت أقضم أظافري وأنا صغيرة، تتملكني أحيانا أعراض الاكتئاب كفقدان الشهية وألام المعدة واضطراب القولون وانهيار القوى وفقدان الطاقة أو القدرة على عمل أي شيء.. وبعضها أعراض لأمراض نفسية مختلفة قرأت عنها على موقعكم فهل أنا مصابة بكل هذه الأمراض دفعة واحدة!! أسأل الله العفو والعافية، أنا أحاول أن أكون صريحة وشفافة مع نفسي كي أستطيع التخلص من الأعراض المتعبة كلها ولكني لا شك أحتاج لتوجيهكم خاصة وأنني لا أستطيع الذهاب لطبيب نفسي في هذا البلد لأن كل شيء له علاقة بالصحة هنا مكلف مادياً جداً باستثناء مسكن الصداع!!
وأختي مصابة بالوسواس القهري تجاه أطفالها فتتصور أنها ستؤذيهم وتراودها أفكار وسواسيه في الدين وتحاول مقاومتها منذ فترة طويلة وذهبت لطبيب نفسي فأعطاها عقاقير دون أن يستمع إليها فأصبحت كمدمنة ثم توقفت عن العلاج كما أنها حاولت الانتحار قبل زواجها مرتين وفكرت فيه مراراً، وأختي الكبرى شديدة العصبية ولديها أفكار سوداوية جداً وتسيء الظن بكل الناس مثل أبي ولا تستطيع التعامل مع أي نقد يوجه لها ولديها أعراض اكتئابية أيضا فهي تأكل بشراهة ويتملكها أحيانا وسواس النظر إلى العورات وقد تقطع شعرها وتلطم وجهها أو تشق ملابسها وتصرخ بهستيريا أثناء الانفعال، والثالثة تتحدث مع نفسها كثيراً وتعيش في أحلام اليقظة وثلاثتهم لا يعيشون حياة زوجية سعيدة بل أن أختي الكبرى طلقت بعد ثمانية أشهر من زواجها مع الأخذ في الاعتبار أن زوجها لم يكن إنسانا على الإطلاق.. وأبي عنده شخصيته سادية كما أظن ويحب أن يعيش في الظلام، ويعيش وحده حاليا ويسمع الجيران صوته أحيانا يتحدث إلى أشخاص وهميين.. وسبق أن ذكرت ملاحظاتي عن أمي.
ابن خال أمي مات منتحرا بعد معاناة لسنوات عديدة مع المرض النفسي إذ أصابه في بدايات الشباب إثر وفاة والدته ولا أدري الكثير عن حالته لكنهم كانوا يرددون أن جنية تلبست به وأنها تنطق على لسانه وأشياء من هذا القبيل ثم انتحر بإلقاء نفسه من الدور التاسع عندما علم بأن أخيه سيحضر شيخا لعلاجه..
ربما من المفيد أن تعرفوا بأن لي علاقات اجتماعية جيدة خارج نطاق العمل والحمد لله وأنني أساهم في نشاط ديني بالمساهمة في بعض الدروس التي أحضرها، ولدي أطفال أعلمهم القرآن ويحبونني كثيرا والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
أخيراً أحب لو أجبتم بصراحة عن سؤال يطرح نفسه: بعد كل ما عرفتم هل أنا إنسانة سيئة وأحاول تبرير سيئاتي لنفسي؟ على أن تستثنوا طول رسالتي من الإجابة.
عفواً قد أطلت عليكم جداً أعانكم الله كما أعانني إذ أمضيت يومي كاملاً في كتابة هذه الصفحات وكلي أمل أن تستطيعوا قراءتها وألا تتضايقوا منها لطولها وأن تسامحوني لأنني تسببت في مزيد من الإجهاد لكم.. ولكني أحاول أن أساعد نفسي بطرق بابكم لأستطيع الصمود في هذه الغربة ولأستطيع مساعدة أخواتي الثلاثة أيضاً.. أسأل الله أن يثيبكم على أعمالكم وجزاكم الله كل خير..
أختكم في الله...
17/02/2006
رد المستشار
فعلاً هي أطول رسالة، فعلى ملف الوورد الذي تلقيتها عليه بلغت 16 صفحة.. ولكن لا داعي ..
أهلاً بك.. وأعتذر عن تأخري الشديد في الرد عليها... والحقيقة أنه لا يكفيني قراءتها، بل لا بد من دراستها..
أنت شكرتنا، وأنا أشكرك أيضاً لأنك ذكّرتني بما كنت قد نسيته لبعدي عنه في الآونة الأخيرة وهو: معاناة حواء، دعوت لك دعاء حارا ومن كل قلبي أرجو أن يتقبله الله عز وجل.. كتابتك تدل على لغة سليمة وراقية، فأنت فعلاً ستبدعين في هذا المجال إذا دخلته، فما رأيك أن ترسلي لنا خواطرك أو قصصا من كتاباتك؟؟
طول رسالتك يدل على أنك مخنوقة فعلاً وتحتاجين وبشدة للفضفضة، والنت تتيح الفضفضة بحرية واندفاع ودون توقف، وهذه ميّزة أحسنتِ باستغلالها، والحمد لله أيضاً أن هيأ لك تلك الأخت في الغربة التي أعانتك على تعديل مسار تفكيرك فخرجت من دوامة الحزن لتصنعي الحياة على أفضل نحوٍ ممكن.
بالنسبة للحالة التي تساءلت عنها والتي حدثت في طفولتك من أنك كنت مستيقظة ورأيت كما لو دخلت تحت الأرض..... الخ، فربما هي حالة انشقاق الوعي، لست طبيبة لأحدد لك بدقة علمية، ولكن ارجعي إلى ما ورد على مجانين من مقالات واستشارات بهذا الشأن:
كثرة الضغط تولد الانشقاق
الجن الأحمر والزار: التفارق والغيبة والتملك
الجن المخفي: التفارق وادعاء العلم بالغيب
تعدد الشخصية:أرجوك افهمني
انشقاق الوعي أم الوجود المزدوج؟ مشاركة
انشقاق الوعي أم الوجود المزدوج؟
وأما عن شعورك بانهيار طاقتك بالكامل حين تتذكرين تفاصيل الماضي، فهذا يعني أن الماضي لا يزال حياً بداخلك بمشاعره وانفعالاته السلبية، وهذا أمر خطير جدا، لأنه سيظل متربصاً أدنى فرصة ضعف تبدر منك ليغرقك في الأحزان والهموم من جديد، لا بد من دفن هذا الماضي.. طبعاً الأمر ليس بهذه البساطة، ولكنه ليس مستحيل، بل إن الله تعالى خلق لنا نعمة النسيان لنستطيع بها تجاوز الأزمات، بل وربما تكرارها من جديد، أرأيت تلك التي ذاقت الويل وهي تعاني آلام المخاض، كيف تكررها ثانية وثالثة وأحياناً عاشرة!!!؟؟
تحتاجين إلى التدرب على استخدام نعمة النسيان وتحويلها إلى مهارة، وعندها ستتخلصين من هذا الماضي ومن تهديده المستمر لمستقبلك، أما كيف تفعلين ذلك , فالخطوة الأولى هي بإخراج الألم من صدرك وذلك بالحديث عنه، وما فعلته في هذه الرسالة أمر عظيم، وهو تماما ما أتحدث عنه، ثم الخطوة التالية بتعديل مسارات تفكيرك من الطريقة السلبية إلى الإيجابية، بحيث تبدئين باستكشاف المنحة الكامنة داخل كل محنة، وبهذا ترين الأمور بمعانيها الإيجابية، فتصبرين ثم ترضين بل وتشكرين الله عليها، وحين تجدين نفسك حزينة وقد بدأت الأفكار السلبية تحاصرك من جديد فالانشغال بأي شيء مفيد – تماما كما تفعلين – هو الحل..
بالنسبة لعلاقتك بوالدك وشعورك نحوه، لا أستطيع أن ألومك فما قدّمه والدك لن يُثمر بحال من الأحوال حباً من ابنته، ولكن الحمد لله الذي وفقك لبرّه قدر ما تستطيعين، وأريدك أن تعلمي أن هناك قاعدة في الدين تقول "الثواب على قدر المشقة" بالتأكيد بر من لا تحب والدها أكثر مشقة وعناء مما لو كانت تحبه، إذاً فالثواب أكبر، فلا تحزني لأن البر الرحيم عز وجل يعرف ما في النفوس وهو المجازي بالأعمال، وحاشاه أن يظلمك أو أن يطلب منك ما ليس في وسعك، بل إنه سبحانه وتعالى يعلم تماما مدى معاناة الفتاة في بر أهلها حين لا تُكنّ لهم الحب، بل إنها بذلك تقابل الإساءة بالإحسان.. ثم إن من نِعَم الله تعالى أن هذا البر سيثمر وسيتحول إلى حب متبادل ومن الطرفين إن عاجلاً أو آجلاً، إن شاء الله...
وعلى كل حال، نستطيع أن نلتمس العذر له كما فعلتِ لوالدتك، فلم يكن والدك على مستوى الوعي بتبعات هذه المعاملة السيئة، وبالتأكيد كانت له حسنات تُحسب له، علينا أن نفكر بالطريقة الإيجابية لنستطيع النسيان وتجاوز الأزمات.. اتفقنا؟
ثم إن رفضك للزواج طبيعي، فهو ناتج عن فكرتك التي أخذتها عن عالم الرجال والتي تمثلت في شخصية والدك، فالأطفال يعممون، ولكنك الآن قد غادرت طفولتك ولابد أن تغادري أيضاً معايير تفكير الأطفال، ثم إن لحوادث التحرش التي تعرضت لها في طفولتك أثر كبير أيضاً في تنفيرك من الجنس الآخر.. تحتاجين الآن إلى إعادة صياغة وتكوين معلوماتك وثقافتك الجنسية بمعاييرها الصحيحة على ضوء علمي ديني، وإن شاء الله بعدها سيتعدّل موقفك وسيزول نفورك، وأهم شيء: لا تعميم بعد الآن..
وتحتاجين هنا وحتى تتجاوزي موقفك من الجنس الآخر وفكرتك عن الزواج والتي أخذتها من رؤيتك لعلاقة أمك وأبيك، تحتاجين إلى الخروج من هذا كله لتستطيعي أن تتجاوزي حين تتزوجين أخطاء والديك في زواجهما، تحتاجين لاستعادة توازنك في التفكير في الجنس الآخر وفي شريك الحياة، وأن تنتزعي الصورة المقيتة التي تسيطر على ذهنك عن الزوج بأنه المسيطر ويضرب وو، أعرف أن هذا بمنتهى الصعوبة، ولكنك إذا لم تعملي على هذا منذ الآن فإن رواسب طفولتك المعذبة في ظل زواج كزواج والديك ستطل برأسها بين الحين والآخر لتفسد عليك حياتك الجديدة بعد الزواج إن شاء الله..
انظري للنماذج الإيجابية في الزواج ممن حولك، درّبي نفسك على التفاهم مع شريك الحياة منذ الآن وقبل أن يأتي بتدريب نفسك على التفاهم مع كل من يقع في محيطك من البشر كباراً وصغاراً، هذا تدريب مبدئي وليس نهائي، واقرئي الكثير الكثير عن سيكولوجية الرجل وللدكتور محمد المهدي في هذا مقالات رائعة..
أما عن عدم اهتمامك بالزينة التي تهتم بها كل النساء، فأنا أعتبر أنك أنت الطبيعية وصديقاتك هنّ غير الطبيعيات، فأنت تهتمين ولكن بمقدار محدود وهذا هو الطبيعي، بينما طغى الاهتمام بالزينة على نساء مجتمعاتنا حتى صار الاهتمام الأوحد تقريباً في حياتهن وهذا هو غير الطبيعي، ثم إن القلب المفعم بالألم وثقل المسؤوليات لن يكون قادراً على تسطيح اهتماماته بهذه الطريقة، بل إن الأمور التزيينية تعتبر لديه من الكماليات التي هي آخر ما يفكر بها، وإن كنت ضد أن تهمل الفتاة زينتها وأناقتها، ولكنني أيضاً ضد أن تستحوذ هذه الزينة وتلك الأناقة على نصيب الأسد من اهتماماتها وتفكيرها..
وأما بالنسبة لمشاكلك بالعمل مع رئيس القسم، فأولا: هوني عليك شعورك بالذنب لأن مشاعرك تحركت نحوه، لا أقول أن ما يحدث أمر صحيح، ولكن علينا أن لا نقسو على أنفسنا وأن ندرك أننا بشر ولدينا احتياجات، قد نخطئ أحياناً في طريقة تفكيرنا، ولكن المهم هو تصرفاتنا، والحمد لله أنه سبحانه وتعالى لا يحاسبنا إلا على ما نفعله لا على ما نفكر فيه، ولهذا من الطبيعي أن تتحرك مشاعرك وأنت المحرومة من الحنان حرمانا مزمنا منذ أن كنت طفلة وإلى الآن، وأنت في غربتك ووحدتك، بل إن من غير الطبيعي على الصعيد الإنساني أن لا تهتمي بمن يهتم بك، ولكن الحمد لله الذي وفقك للتصرف السليم وعدم الاستسلام لهذه المشاعر العابرة..
وأما ما يحدث من توافق في التفكير فهو يندرج تحت ما يسمى بالتخاطر، أي حين يفكر شخصان ببعضهما كثيراً يمكن أن يحدث ما حدث معك، يعني مثل قلب الأم الذي يحس بأولادها وهكذا، وهذا أمر له تفصيلاته التي لا مكان لها هنا، والحقيقة أنني أرى أنه لا فائدة عمليا من الخوض فيه، وأما عن تفكيرك بالآيات القرآنية بهذه الطريقة فهو تفكير سليم لأننا لابد من أن ننزل الآيات على واقعنا لنفهمها ونفيد منها..
أما عن طريقتك التي أنهيت بها هذه العلاقة فهي طريقة جريئة فعلا، ولكنها جرأة مطلوبة والحقيقة أن هذا ينم عن إيمان قوي جداً بالله عز وجل، وأن كل ما ترين أنه يغضبه فسوف تخرجينه من حياتك حتى ولو على حساب قلبك، بارك الله لك هذا الإيمان وقوّاه وجعلك من الصفوة المختارة.. ما شاء الله، ثم إنك حين وضعت الرجل أمام خيار جاد تبين أنه كان يلهو ويلعب، والحمد لله الذي نجّاك من لهوه ولعبه..
بالنسبة لتلك الموظفة التي تفعل ما تفعل، فأولا أرجو أن يهديها الله سواء السبيل، وثانيا عليك تجاهلها وتجاهل تصرفاتها، فهي مسكينة بفراغها وتفاهة قيمها ونرجسيتها، صحيح أن ما تفعله مزعج للغاية، ولكن بصبرك عليها وتجاهلك لأذاها وحسن تعاملك معها ستربحين الكثير، ومن يدري قد تكون هدايتها على يديك فيكون لك بذلك ما هو خير مما طلعت عليه الشمس، وأنا أقصد بقولي: تجاهليها، أي لا تسمحي لإساءاتها لك أن تنال منك، من صمودك، من كبريائك، ولا تنسي أنك لو كنت قليلة الشأن لما التفتت إليك لتحطمك، فهي تريد تحطيم رفيعي الشأن... تجاهليها فعلا، فهي لا تستحق أن تهدري صحتك من أجلها، وموقفك من الموظفة الأخرى قريبتها طبيعي أيضا، لا قطيعة ولكن في نفس الوقت لا علاقات قوية..
وهنا أريدك أن تستفيدي من الدرس، لا تتعمقي في علاقاتك مع الآخرين بسرعة، أنت بطيبة قلبك تعاملين الآخرين بقلب مفتوح، ولكن يا عزيزتي الأمور لا تجري هكذا، لأنك قد تصطدمين بمن لا يقدر هذه المعاملة الراقية فيوجه طعناته لقلبك.. حافظي على مسافة كبيرة بينك وبين الآخرين في التعامل , وبنفس الوقت عامليهم بود وببساطة، وحين تكتشفي أخلاقهم عندها تستطيعين اتخاذ القرار بتعميق العلاقة أم بإبقائها سطحية... هذا أفضل من أن تكتشفي حقيقة الآخرين من خلال كونك الضحية التي مارسوا عليها رذائلهم الخُلُقية!!
على كل حال، أعتقد أن ما تعانينه الآن سيعلمك الكثير، ولكن على أن يعلمك لا أن يدمرك، هل أنصحك بتغيير العمل؟
إذا استطعت فهذا أمر جيد، على أن تبدئي عملك الجديد بطريقة جديدة، أهم ما فيها أن لا تفتحي العلاقات مع الآخرين، ومنذ البداية اسحبي مقعداً واجلسي بين المتفرجين واتركي الملعب لهم، لتري لعبهم وتكتشفيهم من خلاله .ثم تقررين من الجيد ومن الرديء..
وإذا لم تستطيعي تغيير العمل، فالصبر والابتعاد عن التأثر بهم هو الحل الوحيد، ثم الدعاء بأن يصرف الله تعالى كيدهم عنك، وأن يحسّن الله تعالى أخلاقهم وينجيك من شرورهم ومكائدهم، إلى أن يجعل الله تعالى لك من همك فرجاً ومخرجاً..
أما بالنسبة لما تعانينه من تردد في اتخاذ القرارات و.. ، بما أن هذه الوساوس الخفيفة لم تؤثر على حياتك فتعطلك عن أدائها فلا بأس، والأفضل طبعاً مراجعة طبيب نفسي ليجري فحوصاته ويحدد هل حالتك بحاجة إلى علاج ومتابعة طبية أم لا، بل إن زيارتك للطبيب النفسي ستكون مفيدة بالنسبة لكل الأعراض التي تعانين منها والتي تنجم عن هذا الضغط والتوتر النفسي الهائل الذي تعانينه، ولولا وجود الله في حياتك يا عزيزتي لكان لك الآن شأن آخر..
العلاقات الاجتماعية الناجحة خارج العمل، وهذه العلاقة الإيمانية القوية بالله عز وجل هي ما يعصمك حتى الآن من الوقوع والتورط في المرض النفسي أكثر فأكثر ولكن استمرار هذا الوضع المرهق للأعصاب قد لا يبشر بالخير، قد تستطيعين المقاومة، أقصد مقاومة الانحدار إلى الأسوأ، ولكن ألا يحق لك أن تعيشي بسعادة؟ ألا يحق لك أن تُسري في ما تبقى من حياتك..؟!؟!
لا، لست إنسانة سيئة، بل أنت إنسانة ضلت طريقها لفترة في هذه الحياة فتعبت كثيراً، وها هي تهتدي من جديد، لتسير في الدرب الصحيح الذي يضمن لها بإذن الله السعادة في الدنيا والآخرة..
كلمة أخيرة: لا تؤنبي نفسك على طول رسالتك، صحيح أنها احتاجت وقتا طويلا لقراءتها والتعليق عليها، ولكنني سررت جدا بها، فكما لو كنت أعيش معك كل حكاية وكل فصل فيها .. وتعاطفت معك جدا وليتني أستطيع أن أكون بجانبك ولو للحظات أخفف بها عنك عناء الحياة، ولكن عزائي أن الله أبدلك من هم خير مني: صحبة صالحة وأخوات في الله تتفيئين في ظلال صحبتهم من قيظ الحياة اللاهب..
أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه، وأسأله وهو البر الرحيم أن يبدل حزنك فرحاً وسروراً، ووحدتك أنساً وبهجة، وآلامك سعادة وحبوراً، في الدنيا والآخرة آمين....وبانتظار متابعاتك وطمأنتنا عن أخبارك، وعذراً مرة أخرى لتأخري الشديد في الرد..