قتلت نفسي ثم انتحرت..!؟
بسم الله الرحمن الرحيم؛
السيد الفاضل أ. د. وائل أبو هندي.... السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته...
أنا طالبة بالسنة الثانية بكلية التجارة جامعة الإسكندرية قسم التعليم المفتوح.. عمري 24 عاما أرجو من سيادتك أن تتحمل رسالتي مع طولها ولو رغبت في قراءتها على أجزاء فهذا يعود إليك.. فأنا يا سيدي لن أتعجل الرد ولا النصيحة لأنني لست بحاجة لرد على مشكلتي، بل أنا بحاجة ماسة للعلاج المستمر مع طبيب لديه القدرة على العلاج بالعلم وليس العلاج بالمسكنات والمهدئات فحسب، وهذا كل ما أرجوه منك بعد أن تفرغ من قراءة مشكلتي أن تدلني على مكان طبيب في منطقتي يمكنه مساعدتي بدون الاعتماد الكبير على المهدئات فقط.
ما سأعرضه عليك الآن هو جزء صغير من عوارض كثيرة تعرضت لها ومازلت... وأرجو أن تظل رسالتي سرية إذا سمحت لي، وإذا أردت أن يتم نشرها... حسناً.. ولكن أولاً عليك حذف البريد الإلكتروني والوظيفة والاسم والبيانات كلها المذكورة بالأعلى وأن تذكر فقط عنوان المشكلة... ولكني مازلت أرجوك ألا تقوم بالنشر.
لن أبدأ سطوري بقولي أنني فتاة طيبة ودودة تسمع الكلام وتؤدي واجباتها وتحترم كلام الكبار، بل أنا عنيدة، طيبة أحياناً لكن شريرة جداً في نفس الوقت، ليس كل ما أسمعه أنفذه ولست ودودة مع كل الناس رغم أن الناس يقولون لي أنني فتاة لا مثيل لها... ورغم معاملتي الجافة مع الكثير إلا أنهم مازالوا يقدرونني بشكل أثار أعصابي وجعلني أبكي مائة مرة في الدقيقة.... ولا تخبرني أن ذلك هو الشعور بالذنب وأنني مازلت أمتلك بداخلي شيئاً طيباً وأنني أحاول أن أبدو على عكس طبيعتي.... لا تحاول أن تقنعني بذلك قبل أن تعرف كل شيء بالتفاصيل المملة وذلك لن يتأتى إلا بالمعاملة المباشرة معي ومع أفراد عائلتي لتسمع رأيهم عني وذلك ما لن أقدر عليه بالتأكيد ببساطة لأنني في الإسكندرية بينما سيادتك موجود في الزقازيق.....
سأبدأ بقولي أنني كنت أعيش حياة هادئة إلى أن زارتني (هي) وقدمت لي كل(الحب)- جملة اعتراضيه ساخرة- بدأت المشكلة التي أعاني منها حالياً منذ وقت طويل.. تقريباً اكتشفت أنها موجودة معي منذ ذلك الوقت... و(هي) هي أنا التي تقف هناك يا سيدي.. دائماً أقف أمام المرآة وأنظر لها.. أراها تبتسم لي بهدوء، وتشير نحو قلبي ثم تختفي.. فأعود لغرفتي المظلمة دائماً وأرقد على ظهري محملقة في السقف لفترة طويلة حتى شروق الشمس... وحينها تبدأ رحلتي.
إنه ميعادي اليومي مع ذكرياتي السعيدة التي أستدعيها في نومي.. أرى نفسي طفلة من جديد أجلس على ساق أبي وهو يداعبني وبينما أنا في قمة السعادة... يتركني أبي فجأة ليذهب ويموت من جديد!
هكذا بكل بساطة يقوم من رقدته ليأتيني ويمسح دموعي حتى إذا تحول بكائي لسعادة يتركني من جديد ليموت... وهذا يحدث كلما تعرضت لمشكلة في حياتي أو بكيت لأي سبب، أذكر أنه كان مسافراً قبل وفاته بعامين وكان على وشك النوم في تمام الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل في نفس اللحظة التي كنت أبكي فيها بحرقة بسبب خلاف شديد مع أخي وأختي وأمي التي "كانت" تنصرهم دائماً علي الرغم من أنها كانت تعرف أنني المظلومة... وقتها رآني أبي واقفة أمامه أناديه من بين دموعي لأن يأتيني ويحميني ويرد لي حقي...
وفي السابعة من صباح اليوم التالي مباشرة كان أبي قد عاد من سفره ملهوفاً محتضناً إياي وسألني عما كان بي ليلة أمس.. كان أبي وأنا مرتبطين ببعضنا كثيراً وقد رحل ومازلت أناديه حتى بعد موته ومازال يأتيني في أحلامي ليساعدني، وأحياناً كان ينام بجواري حتى أهدأ وأكف عن البكاء.. أو يدعوني إلى الطعام وبصحبته مجموعة من أعمامي وأجدادي المتوفين جميعاً، ونعم.. كنت أستجيب لدعوته وأتناول الطعام...
وكعادة كل صباح أصحو من النوم وأبحث عن أبي.. ترى هل كنت أحلم؟! وأعود إلى أرض الواقع من جديد.. أفيقي يا فتاة لقد مات والدك منذ سبع سنوات.. لا فائدة من بحثك عنه! مازال جزء من قلبي لم يقتنع بعد بموته ولم أقتنع أنا بوجودها معي منذ وفاته، تلك التي هي (أنا) التي تقف هناك... تلك التي ظننت يوماً أنها حماية بديلة وأنها تغطيني وترد عني الأذى.. ظننت أنها الطائر البديل الذي يرفرف حولي بعد أن طار من كان يقوم بذلك، وها أنا ذا أتعرض لكل الظروف التي كان أبي يصدها عني وأسرتي من قبل.. ولكنني شعرت بالجزع منها فبالرغم من أنها كانت تبتسم بهدوء، إلا أنني كنت أشعر بفزع من مجرد رؤيتي لها بهذه الصراحة معلنة لي عن وجودها، ومن الذي سيصدقني؟ وظللت أنادي أبي وكأنني أستجديه أن يأتي ليساعدني ويبعدها عني.. ولكن هل يمكنه أن يأخذني مني؟!!!!!!!!!
وفي الفترة الأخيرة قبل نصف عام مضى، كل شيء أصبح يسير بشكل غريب.. كل شيء تغير بسرعة لأرى مصيري بهذا الشكل القاسي.. في البداية كنت أراها تبتسم لي في هدوء وحنان خدعاني، وكانت تشير إلى قلبي ثم تختفي بسرعة.. لتظهر صورتي الطبيعية من جديد، هل هذه هلاوس بصرية؟ لم أعلم وقتها ولم أعيرها الاهتمام الكافي ويا ليتني فعلت...
صرت أنسى كل شيء بسرعة البرق ، حتى أقل الأشياء حتى أحلامي بدأت أنساها.. أتحدث طبعاً عن الأحلام العادية وليست الأحلام الوردية.. كل صباح كان يأتي حاملاً لي علامة استفهام كبيرة.. ترى بماذا كنت أحلم بالأمس؟ وهل كنت أحلم أصلاً؟!
في أيام قليلة بدأت أتذكر وأحاول جاهدةً أن أصفي أفكاري ومشاعري كلها حتى أستطيع النوم في هدوء.. وفي مرة من المرات تذكرت حلماً ثم آخر وأثمرت محاولاتي بالعذاب للأسف، ففي مرة لم أنهض فيها لصلاة الفجر حلمت بشيطاناً يريد الزواج مني رغم أنفي وأقصد هنا المعنى الحرفي للكلمة حيث الاختطاف والبدء في... أنت تعرف.. وظللت أستغيث بأهلي ولم يكن يسمعني منهم أحد فنطقت أخيراً دعاءاً أستغيث فيه بالله وأحرقته وسمعتني أختي بعدها وكان ذلك في آخر لحظة قبل أن يتمكن مني، علمت بعدها أنه ربما أعجبه أنني لم أنهض لصلاة الفجر التي كنت أواظب عليها وأجن إذا لم ألحق بها في موعدها.... أو ربما هو إنذار أو أو.....
وهكذا كانت أحلامي تحمل لي مؤخراً كل الهدايا الثمينة التي لم أرغب بها يوماً... وكأنني أُعاقب على رفضي لمثل هذه الأحلام الهادئة البريئة، جاءتني(هي) لتظل معي حتى مع استيقاظي ولم تتركني.... إنه شيء أشبه بالحلم ولكنني حتى بعد أن أصحو من النوم، أرى نفسي فيه منقسمة إلى شخصيتين ألأولى ممددة على الأرض تنهمر من قلبها الدماء إثر طعنات متكررة تقوم بها الثانية من شخصيتي، والتي كانت تجلس القرفصاء ممسكة بيدها ذلك الخنجر الذي يصعد ويعود للطعن في القلب تماماً، ومع كل طعنة كانت القاتلة تصرخ وتبكي لأنها في الواقع كانت تطعن نفسها!
كان الشيء المشترك بين الشخصيتين هو البكاء، فكانت الضحية تبكي في صمت ولم يبد عليها أنها قاومت أو أبدت أي اعتراض، والقاتلة أيضاً كانت تبكي وتصرخ وتعترض ولكنها كانت مستمرة في الطعن على أية حال، هنا أصبح ألم رأسي قاتلاً وهو الأمر الذي لا يفارقني منذ عامان حتى هذه اللحظة، ولا تسألني لماذا لم أذهب إلى طبيب لأنني سأقول لك أنني كشفت على نظري وغيرت نظاراتي ثلاث مرات وكشفت على أسناني، والعجيب أنني كلما غيرت كشف النظر كلما اشتد ألم رأسي من جديد، كلما ضعف بصري من جديد أيضاً، وحاولت أن أقنع أمي بالذهاب إلى طبيب مختص فرفضت ومازالت ترفض ولا أفهم لماذا، فذهبت إلى طبيب من ورائها ولكنني مع عصبيتي وألم رأسي الذي كاد أن يقتلني وقتها أخبرتها بالفحوصات المطلوبة فكبرت دماغها وأنا كمان نسيت، قسوة؟؟ لا أظن ولا أعتقد.... ربما تريحني فكرة أنني على وشك أن أتركها وأموت وأرتاح لذلك لم أذهب لعمل الفحوصات...
المهم أنني كنت أنهض من فراشي مذعورة بعدما رأيت ما رأيته وأذهب إلى المرآة لأتأكد من أن صدري سليم وأنني لا أنزف.... ولكنه يؤلمني بشده مع ألم رأسي الأشد، وظل يتكرر الألم كل صباح ويتكرر الحلم الذي أراه حتى مع استيقاظي ويظل يلح علي حتى أتخذ وضع الجنين وأقرر أنني لن أنهض لا اليوم ولا أبداً، ولكن المنبه يرن وهنا أتنبه بالكامل وأنهض باكية خائفة مرتعشة، وفي مرة صحوت لأجد مشهداً جديداً، فبعد أن ظللت أطعن نفسي مراراً وتكراراً، نزعت السترة التي كنت ارتديها، ونظرت لنفسي الأخرى بكراهية أثارت فزعي حين رأيتها.. فلم أكن أعرف أنني قاسية هكذا ويمكنني أن أشعر بمثل تلك الكراهية، وظللت أنظر لنفسي الأخرى الملقاة على الأرض وأنا أصرخ بكلمة واحدة هي: لماذا؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ثم كورت قبضتي وضربت بها على صدري في الموقع الذي كنت أطعن نفسي به تماماً حتى انهمرت الدماء من صدري بسرعة وانهرت أنا معها على الأرض بجوار(ي) وقد فارقت الحياة وعلى وجهي ملامح ألم أشد من المرتسم على ملامح القتيلة الأولى....
اليوم أنا في عزلة عن الناس، صديقاتي ظللت أخسرهن واحدة تلو الأخرى، هناك اثنتان فقط مازالتا متمسكتان بي، زينتي رميتها، أهملت نفسي وملابسي وكلما نظرت للمرآة وجدت امرأة عجوز حول عينيها هالات سوداء لا يمكن أن تكون لإنسانة عادية طبيعية، أضربت عن الطعام بشكل جعل أمي تبكي علي، دراستي أهملتها وأنا بالمناسبة لم أدخل هذا النوع من التعليم بملء إرادتي الحرة بل بقوة الدفع من أمي، ولأنني أحبها ولأن وجهة نظرها أقنعتني حيث أنني سأضطر - إذا رحلت أمي - لأن أعيش مع أخي أو أختي، وهذا ما لا أرغب فيه، خاصة إذا كنت أرفض الزواج بعنف وأرفض أن يمسني رجل بأي شكل..... ولذلك قصة أخرى طويلة ولا أرغب في الكلام عنها أبداً......... حتى لا أموت حسرة وغلاً وحقداً وكراهيةً لكل بني البشر..... يكفيني مشكلتي مع نفسي الآن والتي أوقن تماماً من أنها لن تُحلّ إلا بالعلاج المباشر وذكر كل شيء بالتفصيل عن بقية مشاكلي...
بقي شيء هام أذكره.... وهو أنني لست من هواة الأدوية، وقد ذهبت في مرة منذ أربع سنوات إلى طبيب نفسي في بلدتي لم يمنحني سوى العقاقير (زاناكس8 ، وأدوية أخرى لا أذكر اسمها) ولكني أذكر هدفها جيداً وهو أن أبقى هادئة ولا يؤثر في أي شيء(ولا بالطبل الهندي حتى) ولكنه في نفس الوقت كان يتعارض مع منتجات الألبان، والدكتور الله يسامحه لم يخبرني بذلك، وكنت أنا ومازلت أشرب اللبن، ببساطة، ولأنني أتحسس من الكافيين ويصيبني بالرعشة وأحياناً بالإغماء إذا شربته وبالنسبة للمنوم فقد كنت أخشى أن أنام فأنا نومي خفيف جداً بحيث أشعر بالذبابة التي تضايق أختي في الغرفة المجاورة قبل أن تشعر أختي نفسها بها وتقول (هش)!
ولذلك فقد كنت أقسم هذا الدواء إلى نصفين ولا آخذه بالكامل وكنت أفعل ذلك لمدة أسبوع ثم رميته في المرحاض وأنا في قمة الانهيار العصبي والبكاء الهستيري..... ومؤخراً حينما ذهبت إلى طبيب الأسنان (طبيب العائلة) وأخبرته بالصداع فقد كتب لي(ميجرنيل) ولكنه لم يؤثر وزاد الألم وكأنه العند، ولكني لم أتساءل فأنا عنيدة بطبعي..... ورأسي أثبتت هذه النظرية المؤسفة.................... الآن بقي أن أزف إليك الخبر السعيد...... لا يمكنني تحريك لساني أحياناً، أي أنني أكون طبيعية مرة، وفجأة لا يتحرك لساني، وفجأة يعود كما كان.... وذلك كل فترة ما بين شهراً وشهرين............... هل ذكرت أنني لا أركز ولا أتذكر أي شيء؟؟؟؟ حسناً ها أنا قد ذكرتها، أرجوك يا سيدي.... أنا في عذاب مع نفسي لا يمكن تصوره، يكفيني رؤيتي لنفسي ممددة على الأرض تقطر مني الدماء كل صباح.....
كانت هذه الصفحات الوحيدة الناجية من دفتر مذكراتي الذي مات تمزيقاً وحرقاً ثم غرقاً في مياه البحر، حيث أنني لم أعد أرغب في تذكر المزيد من آلامي الماضية والتي بدأت أنساها بالفعل....
أشكرك على كل شيء
(س) من الناس
1/05/2006
رد المستشار
أهلاً بك يا "س"، وأهلا بمشكلتك، وأسأل الله أن يعينني على مساعدتك في حلها..
وأولاً: أقدم اعتذاري الشديد للتأخر في الرد عليها..
وثانيا: لا أعتقد أن الدكتور وائل سيرضى أن لا ينشرها، لأن سياسته في هذا الموقع : علام دفن الرؤوس في الرمال وقد بلغ السيل الربى؟؟ يعني: كفاية تجاهل لمشاكلنا، لابد من مواجهتها وعلنا، حتى يتأكد من يرون أن كل شيء على ما يرام، من أن ليس كل شيء على ما يرام..
نأتي إلى مشكلتك:
تقيّمين نفسك أنك شريرة والسبب – كما ترين – هو أنك لا تنفذين كل ما تسمعينه، ومن قال بأنه حتى نكون طيبين علينا أن ننفذ كل ما نسمعه؟؟
أعرف من أين أتتك هذه النظرة وهذا التقييم لنفسك، من تعليقات الكبار على ردود فعلك عندما كنت طفلة وعندما بدرت منك بعض مواقف العصيان للأوامر، وهذا خطأ فادح في التربية نعامل به أطفالنا، فليس كل عصيان للأوامر يجعل الطفل شريرا، بل إننا بهذه المعاملة نحمّله عبء ذنب لم يقترفه ليستمر معه طيلة حياته، وهذا ما حصل معك..
والكبار عندما يوجهون للطفل هذه التعليقات التي تشعره أنه شرير حين لا يسمع الكلام، فإنما يريدون بذلك أن يكون طفلهم طيبا ومؤدب، لأن مفهوم كلمة طيب ومؤدب في قاموسنا الاجتماعي أي "يسمع الكلام"، وهذا خطأ، نحن واقعون في جهل كبير حين نتعامل مع أطفالنا، جهل يجعلنا ننسى أنهم شخصيات مستقلة متميزة..
لن أطيل كثيراً في شرح وتحليل أسباب هذه الظاهرة المؤلمة، كل ما أريده أن أصل بك إلى فهم عميق لنفسك التي يجب أن تعرفي كيف تتعاملين معها لتصلي بها إلى بر الأمان والنجاح والإنجاز.. حرام يا س أن تظلي هكذا تائهة متخبطة في مشاكلك، وقطار العمر وسنوات الإنجاز تمضي هباء.. ثم تقولين بأن السبب الثاني في كونك شريرة هو أنك لا تكونين ودودة مع كل الناس ودائما، وهذه النقطة تحتاج إلى تفصيل في القول، من الطبيعي يا س أن تظهر انفعالاتنا على تصرفاتنا، فنحن بشر وهذه طبيعتنا البشرية، وأنت تعبرين عن مشاعر الألم لديك بأن لا تكوني ودودة مع كل الناس، وهنا الحل ليس في إخفاء مشاعر التذمر والتشكي والألم، بل في معالجة الأسباب التي أوصلتك إليها وجعلتها بالتالي تنعكس على تصرفاتك مع الآخرين.
وهذا ما تحتاجين أن تغيريه: طريقة تعاملك مع واقع حياتك، وبالتالي تتغير مشاعرك.. ولكن كيف ستتغير طريقة تعاملك مع واقعك؟
بتعديل أفكارك، لأن كل سلوك وراءه فكرة، فحين نعدل الأفكار تنضبط السلوكيات.. وتنضبط بالتالي المسارات.. وهكذا، صحيح ما تفترضينه من أن تشكيل الرأي والحكم الصحيح على الحالة يحتاج إلى معايشة واقعية، ولكن نحن الآن نحاول أن نستفيد قدر الإمكان من وسائل الاتصال التي تجعلنا قدر الإمكان قريبين من بعض، فها أنت ترسلين بمشكلتك لمن هو في الزقازيق ليرسلها لي في حلب مع أنك في الإسكندرية!!
وفي النهاية يا عزيزتي سيبقى الحَكَم الفيصل في الموضوع هو أنت: بعمق رؤيتك لنفسك وحياتك وبحيادية ودون تطرف، وبمحاولاتك الجادة بل والمستميتة في سبيل التغيير والوصول إلى الحال الأفضل.. ولن يستطيع من ينصحك ويتابع حالتك أن يتولى عنك أنت هذه المسؤولية، فدورنا لن يتعدى حتى في حالة المشاهدة والتواصل الواقعي دور المرشد والمعين والناصح، أما فعل التغير الحقيقي فهو على عاتقك أنت.. الطبيب يصف الدواء، والمريض هو من يتناول العلاج بيده لا بيد غيره.
اعذريني لطول هذه المقدمة، ولكنني أراها مهمة جدا لأنني رأيت من خلال كلامك وشرحك لمشكلتك: طفلة لا تزال لصيقة بوالديها.. لقد آن أوان الفطام يا عزيزتي.. كفاك اجترارا لآلام الماضي.. اخرجي منها وابدئي بصناعة حياتك التي تأخرت كثيرا في صنعها، 24 عمرك ولم تتخرجي بعد من الجامعة.. إلى متى؟؟
أما عن هي التي بدأت تتودد إليك وخدعتك إلى أن حاولت قتلك.... إنها أوهام الفراغ وتأخر الفطام والاستقلال، أنت لا تزالين تعانين التعلق الزائد بوالدك رحمه الله، كنت لا تزالين متعلقة به حين توفي، فجاء الانفصال على شكل صدمة أوقعتك في الحزن ثم جاءت هذه الأوهام تعبيراً عن الألم الذي تعانينه...
انفضي عنك كل هذا ، وابدئي بتحمل مسؤولية حياتك، لا تقبلي أبداً بالاستمرار على الاعتمادية على الآخرين سواء أكانوا والدين أو أي شخص آخر، أنت كائن مستقل، دليل ذلك أنك حين تقفين للحساب أمام الله عز وجل ستقفين: وحدك، لن يكون معك أحد: لا أب، ولا أم، ولا زوج ولا ولد ولا إخوة ولا أصدقاء، أنت والله وعملك فقط.. ما رأيك؟؟
أخشى أن يكون كلامي قاسياً عليك، ولكننا يا س نحتاج في بعض مراحل حياتنا إلى الكلمات القوية التي "تفوّقنا" كان والدك يساعدك في تخطي عقباتك، ولكنك الآن كبيرة بما فيه الكفاية لتستطيعي تخطيها بمفردك فقد آن أوان الفطام يا عزيزتي.
حالتك الصحية والذهنية المتدهورة التي وصلت إليها ليست إلا انعكاساً لاضطراب نفسيتك وعدم استقرارها، أخذك للدواء "على كيفك" وتركك للدواء "على كيفك" ودون مراعاة وصفة الطبيب، عدم التركيز، كل هذا مؤشرات خطيرة تستدعي التحرك السريع منك والذي بدأتِه بالفعل حين أرسلت لنا، وهذه خطوة عظيمة لأنها ستُخرج ألم الماضي من صدرك، وأنا أرى أن كلامك عن مشكلتك مع الزواج ستعينك كثيرا أيضاً، الكلام بحد ذاته يعد جزءاً من العلاج لأنه يخرج هذا الثقل الهائل الذي يضغط عليك داخلياً إلى الخارج فتتحررين من مشقة حمله في قلبك، فيصفو ذهنك ويتضح تفكيرك، وتصبحين أقدر على مواجهة مشاكلك والتخطيط السليم لحلها.. ولهذا فأنا اشجعك على الكتابة لنا من جديد بما تبقى من مشاكلك وأعدك بسرعة الرد بإذن الله..
والآن.. أريد أن أقول لك كلمة أخيرة قبل أن أودعك:
يقول الله عز وجل "لقد خلقنا الإنسان في كبد" كبد: عناء ومشقة.
ليس هناك إنسان في هذه الدنيا إلا ولديه هموم ومشاكل، هذا قاسم مشترك بين كل البشر بمختلف أجناسهم وألوانهم وعقائدهم ودياناتهم، وكلهم مطالبون بحلها على الطريقة الأمثل التي تحقق لهم السعادة ليس في هذه الدنيا فقط بل وفي الآخرة.. ونحن كمسلمون، لدينا منهج لحل المشاكل، وهو منهج رباني وهبنا إياه الله عز وجل.. فيا لسعادتنا حين نأخذه وننفذه، فنكسب الدنيا ونكسب الآخرة..
إذاً أنت لست وحدك تعانين من المشاكل والعقبات، كلنا كذلك، ولكن الناجحون فقط هم من تخطوا العقبات، لا من لم تكن لديهم عقبات.. وأعظم نماذج لبشر تخطوا العقبات التي وُضعت في طريقهم وبذلوا لتحقيق أهدافهم الغالي والنفيس هم أنبياء الله عز وجل.. رغم أن كل الظروف كانت ضدهم، ورغم كثرة المعوقات والأعداء، إلا أنهم كانوا هم الغالبون في النهاية، فحققوا أهدافهم. هل تعلمين بماذا؟
بالصبر، باليقين بالنصر، بالعمل الدؤوب، بالأمل الذي لا ينفد، بالثقة بالله ووعوده، بالتخطيط المستنير لمراحل حياتهم، ولنا فيهم الأسوة الحسنة، أستودعك الله، وأنتظر متابعتك.