الابنةُ المضطهدةُ ودبلوماسية العائلة!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
هذه مشاركة على مشكلة: الابنةُ المضطهدةُ ودبلوماسية العائلة!
أولا: أود أن أقدم شكري العميق لكل القائمين على هذه الصفحة وعلى صفحة مشاكل وحلول في موقع إسلام أون لاين.. الحقيقة أن ما تتحفوننا به من حلول لمشاكلنا قد حسّنت كثيرا من أفكارنا عن الحياة, وحسّنت كذلك كيفية مواجهتنا لها وتفاعلنا معها .. ولكن.. الموضوع الوحيد حتى الآن الذي لم أستطع الإفادة منكم فيه على الوجه الكامل هو موضوع هذه المشكلة التي أود التعليق عليها.
الحقيقة أنا أرى أنكم لا تستطيعون تقديم الحل الذي يمس جوهر المشكلة لأنكم لا تستطيعون الإحساس بها كما يحسّها أصحابها, وإنما تتعاملون معها من باب الدين وبر الوالدين, ومن باب أن صاحب المشكلة نفسه هو السبب فيها لأن له استعداد بيولوجي للإصابة بهذه الاضطرابات.. أريد فعلا أن أفتح قلبي لأخبركم بكل ما فيه, ربما تستطيعون أن تفهموا ما معنى أن يعيش الطفل مع أب يعامله كما لو كان زوج أمه اللئيم, ومع أم تعامله كما لو كانت زوجة أبيه الحقود..
تساءلت الدكتورة سحر: هل هؤلاء الآباء لا يحبون أولادهم؟؟ سأجيبك يا سيدتي عن هذا التساؤل, والذي أعلم أن حضرتك لم تريدي به السؤال وإنما أردت أن تلفتي نظر السائلة إلى قضية هي خاطئة في رأيي, وهي أن كل أهل يحبون أبناءهم.. وأنه ليس هناك أهل في هذه الدنيا لا يحبون أبناءهم.. حضرتك أردت أن تقولي لها أن أهلها من الناس الذين لا يرون إلا هذا التعبير القاسي الذي يعبرون به عن اهتمامهم بأبنائهم..
وإجابتي يا سيدتي عن هذا التساؤل: نعم, هناك في أرجاء هذه الأرض الكثير من الآباء والأمهات الذين لا يحبون أبناءهم, بل يكرهونهم, ولا يجدون في قلوبهم إلا غريزة الأبوة وغريزة الأمومة التي تدفعهم ليحافظوا على أبنائهم بالطريقة التي يرونها مناسبة هذا إن حافظوا عليهم, وغالبا ما يكون حفاظهم على أبنائهم من أجل الناس وكلام الناس, أما هذه الرحمة الإنسانية.. وأما هذا الحب الحقيقي الذي يدفعهم ليسلكوا كل السبل التي تصحح مسار تربيتهم لأبنائهم فليس له وجود..
أما هذا الحنان الذي يشعر به الطفل حتى وهو يتعرض للعقوبة.. فلا وجود له.. بل حتى لا رائحة له.. أعلم أن حضراتكم لن تقتنعوا بكلامي وأنا أعذركم، لأنه ليس لكم مثل هؤلاء الأهالي.. وبما أنكم جميعا آباء وأمهات فأنتم تعرفون كيف يشعر الآباء والأمهات تجاه فلذات أكبادهم..
ولكن أنتم القاعدة.. ولكل قاعدة شواذ.. والمصيبة أيها الأفاضل أن ما هو أصل أضحى قليلا مما يجعله هو الشواذ, وما هو الشواذ أصبح كثيرا جدا حتى لكأنه هو القاعدة.. وأنا واثقة أنه لم تكن لكم مثل هؤلاء الآباء والأمهات, بدليل المراكز العلمية التي وصلتم إليها والنجاح في الحياة الذي حققتموه.. لأن من له مثل هؤلاء الأهالي فإن مصيره فظيع.. طبعا إلا من رحم ربي..
دائما الدكتور وائل يشخص المرض من ناحية وجود استعداد بدني لدى المريض ليقع في هذه الاضطرابات النفسية.. ولكن لي رأياً آخر في الموضوع يا سيدي الفاضل.. وهو أننا بشر لدينا الكثير من المشاعر والأحاسيس.. وعندما كنّا أطفالا كانت هذه المشاعر والأحاسيس مرهفة جدا.. أدنى كلمة تجرحها.. وكذلك أصغر كلمة تداويها..
تخيل معي: لو أن أمامك جسدا بشريا حيا.. وشخص آخر يطعنه بأداة حادة.. (لنقل أنه أحد مشاهد التعذيب في الأفلام).. طعنة سطحية وأخرى عميقة.. وهكذا طوال 24 ساعة.. وعلى مدى سنوات.. ما الذي سيحصل بهذا الجسد البشري بعد هذه المدة ؟؟ هل سيظل محتفظا بملامحه كجسد بشري؟؟
الجواب معروف.. وحياة المرء بين والدين من نوع والدي السائلة تشبه تماما هذا المشهد (التعذيبي), ولكنه ليس تعذيبا جسديا بل تعذيبا نفسيا.. كيف إذا بعد هذه السنوات الطويلة من التجريح تريد منها أن تظل محتفظة بسمات شخصيتها الطبيعية؟؟
سيدي.. أنا أرحم المجرمين والمجانين كثيرا.. لأنني أعلم أنهم لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بعد سلسلة طويلة من العذاب..
نعود إلى موضوعنا.. الآن لدينا طفلة منذ طفولتها وهي تتعرض لصنوف الاضطهاد والأذى النفسي.. ليس لديها من تشكو له– إلا الله- طبعا والدان يكرهانها.. لا تقل لي أنني مخطئة.. لأنني لن أستطيع تصديقك.. ليس لأنك لا تقول الحقيقة, ولكن لأنك لم تر الحقيقة التي رأيناها..
*والآن أحب أن أنصح أختنا السائلة نصيحة قد تساعدها في تجاوز ما هي فيه..
أولا: كفّي عن التفكير في أبيك وأمك على أنهما أم وأب, اعتبري أنهما محسنان التقطاك من الشارع وربياك وآواك من التشرد.. بهذه الطريقة تستطيعين تحمّل معاملتهما القاسية لك, لأنهما باختصار ليسا والدك ووالدتك الحقيقيين.. بل أكثر الله خيرهما .. فعلا شيئا رائعا بأن ربيا من ليست بابنتهما.. وبهذه الطريقة أيضا تحتفظين في ذهنك بصورة ناصعة للأب وللأم.. هذه الصورة التي تحطمت تماما الآن في عينيك.. وطبعا الإسلام هنا يوجب عليك برّهما لأنهما محسنان.. فبريهما واسألي عنهما حتى بعد أن تتزوجي.. فلولاهما لكنت الآن في الشارع.
ثانيا: إن لم تستطيعي فعل ذلك, فهناك طريقة أخرى.. عامليهما كما لو كانا مريضين نفسيين, ولا تسمحي لقسوتهما عليك أن تنهش نفسيتك وأمنك الداخلي, بل اجعليها مثار شفقتك عليهما, لأنهما هما أيضا ضحية.. ضحية والديهما.. وضحية المجتمع.. وضحية أشياء أخرى كثيرة..
جرّبي هاتين الطريقتين.. أظن أن الله تعالى سيعينك من خلالهما.. وإذا لم تستطيعي أن تجدي صدرا ممن حولك يعوضك عن صدر أمك, وحتى لو وجدت, فلا تنسي الله تعالى.. هو الوحيد الذي يحبك وسيظل يحبك مهما أخطأت معه ومهما كان حجم عيوبك وعلاّتك.. اتصلي به.. وادعيه.. وسليه أن يعينك على الخروج مما أنت فيه.. صدقيني لن يستطيع أحد إخراجك مما أنت فيه إلا هو.. ولا حتى الطبيب النفسي –مع احترامي وتقديري الشديد للطبيب النفسي- , فأنا لا أعوّل عليه كثيرا لأنه لن يستطيع أن يفهمك تماما كما يفهمك الله تعالى.. والطبيب منشغل بالكثير والكثير ولن يكون لك إلا نصف ساعة في الأسبوع.. أما الله فسيكون معك.. أنت وحدك كلما أردت أنت ذلك.. ومهمة الطبيب تنحصر في تعليمك الطريقة التي تواجهين بها ما أنت فيه.. لا أكثر.. والباقي على الله وعليك أنت..
هل تعلمين أنه في بعض الحالات استطاع الله سبحانه وتعالى وحده أن ينتشل مريضة كانت أسوأ منك مما كانت فيه ؟؟ رويدا رويدا بدأت تشفى.. وبدأت تحس بانقشاع هذه الغيمة التي حجبت نور السلام عن عقلها وقلبها سنوات طويلة.. لم تلجأ للطبيب النفسي ليس لأنها لا ثقة لها فيه, ولكن لأنه ليس في بلدها طبيب نفسي حقيقي, يعرف كيف يدمج بين الطب النفسي وبين الله.. وإذا لم يكن لوجود الله أثر في الطب النفسي, فأين سيكون له الأثر؟؟
لو كان لديها مثل الأطباء الأكارم القائمين على هذا الموقع لما ترددت لحظة واحدة بالذهاب إليهم .. لم يكن لديها إلا الله سبحانه وتعالى.. أنا أنقل لك هذه التجربة لأنني أريد أن أقول لك: لا تيئسي, حالتك لها نهاية.. حتى ولو لم تجدي من يعينك على الخروج منها.. فالله عز وجل موجود.. جربي ولن تندمي.. أنا واثقة..
ثم .. هناك خطوة أخيرة وأراها مهمة جدا.. لا تستسلمي لمشاعر اليأس التي تقول لك: أنت ليست منك فائدة, واجلسي في البيت أفضل لك .. لا أبدا .. كلما خطرت لك هذه الأفكار اعتبري أنها من وساوس الشيطان التي يجب أن تستميتي في مقاومتها..
ادرسي.. اعملي.. سلي الله أن يمنحك القوة لتقاومي شعورك الجارف باليأس والهمود.. إذا استسلمت فإن حالتك ستزداد سوءاً لا محالة.. ولكن إذا قاومت وبقيت على اتصال بالعالم الخارجي – دراسة, عمل... إلخ – فإنك إن لم تتحسني, فعلى الأقل ستظلين على ما أنت عليه.. ولن تزدادي سوءاً، لن أقول لك اقرئي.. لأنك ربما وصلت إلى حالة انعدام القدرة التركيز في أي شيء.. ولكن سأقول لك حاولي أن تقرئي ما يثير الاهتمام والانتباه من قصة ممتعة أو .. جاهدي لتركزي انتباهك.. وحبذا لو دلّنا أساتذتنا الأفاضل على طرق تساعد على تركيز الانتباه.. لا تحزني يا أختي.. يكفيك أن تعلمي أن ثلاثة أرباع بنات حواء في هذه الدنيا إن لم يكن أكثر يعانين مثلك.. فلا تخافي ولا تحزني..
*وسؤالي الآن للأفاضل الكرام: كيف نواجه هذا العنف الذي نتعرض له مع أهالينا؟؟ أنا لا أقول أن نعق آباءنا ونرفض طاعتهم .. ولكن يا جماعة طاعتهم تدمرنا.. ما العمل؟؟
أنا أرى أننا أمام سبيلين فقط:-
أن نستسلم لكل ما يقولونه لنا.. ونعتقد صحته.. فننشأ وباطن الأرض خير لنا من ظاهرها (اكتئاب.. سلبية..).. لأن كثرة التوبيخ والتقريع والتحقير والإهانات لا تنشئ إلا شخصيات مريعة أن نتمرد على كل ما يقولونه لنا, نرفض الإصغاء إليهم والثقة بكلامهم عنا, ونعيش حياتنا كما نريدها نحن لا كما يريدونها هم.. وهنا لن نستطيع التفريق بين الصح والخطأ, نعم يوجد في كلامهم صح ويوجد فيه خطأ.. ولكننا رفضناهم كلهم جملة وتفصيلاً.. فنصبح كالذي يسير في هذه الحياة على غير هدى.. كما لو كنا سفينة في بحر هائج.. ضربتها صاعقة ففقدت كل ما يعينها على الملاحة السوية.. انقطع حبل المرساة.. وفقدت الاتصال مع المنارة.. لا راديو ولا لاسلكي ولا أي شيء.. ليس هناك شيء سوى الأمواج المتلاطمة ورحمة الله فقط. ليست لدينا مرجعية أخلاقية نحدد على أساسها الصواب فنتبعه والخطأ فنتجنبه.. لأن مرجعية الطفل الأخلاقية تتكون من خلال والديه.. وفجأة وجد نفسه أنه كان مخدوعا وأنه في الحقيقة ليس له والدان.. بل شخصان ما وُجدا في هذه الدنيا إلا للقيام بمهمة واحدة هي: تعذيبه والتنكيل به..
كيف سيتقبل أي شيء يصدر عنهما .. هذا هو السؤال.. كيف نتجاوز هذا الوضع بسلام دون أن نهلك: إما في بحر التمرد أو في مستنقع الاستسلام؟؟؟؟؟
ودمتم سالمين طيبين هانئين.
1/10/2003
رد المستشار
ابنتي الحبيبة؛
أشكرك جزيل الشكر على مشاركتك القيمة، فمشاركتكم تطمئننا على أن لأصواتنا أصداء مسموعة بينكم وأنها لا تذهب أدراج الرياح، ومشاركتكم تتيح لنا المزيد من البحث والتوضيح مما يدفع بنا جميعا إلى مزيد من التطور ومزيد من الفهم، فلك ولكل من يساهم بمشاركته دعوات من القلب أن يبارك الله لكم وأن ينفعنا جميعا بما تكتبونه،
ومن مشاركتك أحب التعليق على بعض النقاط وأترك بعضها متعمدة عساها أن تستثير القراء وتثير بيننا وبينهم نقاشا وحوارا حول هذا الموضوع بالغ الأهمية الذي تثيره رسالتك وهو "علاقة الآباء بالأبناء".
وأول: هذه النقاط هو أنني أتفق معك بداية عن أن المسئول الأساسي عن توتر العلاقة بين الأبناء والآباء هم الآباء، ولقد ذكرت هذا في حلقة من برنامج "لف وارجع تانى" على قناة اقرأ تتحدث عن الفجوة الحادثة بين جيل الآباء وجيل الأبناء قلت: إن هذه الأزمة الحادثة بدايتها من الآباء لأن المفترض في مرحلة ما من حياة أبنائهم أن يكونوا هم الأكثر نضجا والأقدر على إدارة الأزمات الحادثة، وهم الأقدر على خلق لغة للحوار مع الأبناء إذا استطاعوا أن يلبوا احتياجات الأبناء وأهمها على الإطلاق حاجتهم للتقدير وبث الثقة بالنفس في قلوبهم، وهذا الأمر ينطبق على بداية العلاقة، فإذا شب الأبناء مع وجود هذه الهوة الساحقة بينهم وبين والديهم؛ أفلا نتوقع أن يكون عليهم دور ولو محدود في إزالة هذه الفجوة ومحاولة تقريب وجهات النظر والالتقاء عند نقاط الاتفاق، مع التغاضي عن نقاط الخلاف غير الجوهرية، ويتوازى مع هذا الجهد جهد أكبر في حسن معاملة الوالدين وبرهما، وبالطبع أنا لا أعنى ببر الوالدين الطاعة العمياء لهما، ولكنني أقصد برهما بالإحسان لهما وحسن رعايتهما.
ثانيا: أتفق معك تماما في أن هناك من الآباء من يحيلون حياة أبنائهم جحيما لا يطاق، ولكنني أختلف معك في أن هذا الأمر أصبح هو القاعدة، فدوما سيظل الوالدين هما منبع ورمز الحنان في دنيانا، وأختلف معك أيضا في أن تصرفات هؤلاء الآباء تنبع من كرههم لأبنائهم، فمن جرب عاطفة الأبوة والأمومة لا يستطيع أن يتصور أن هناك من الآباء والأمهات من يكره أبناؤه، قد تكون هناك قلة مريضة ومنحرفة تحمل مشاعر الكره لأبنائها ولكنها ستظل دوما الاستثناء، والمشكل في الموضوع ومنبع المشكلة يأتي من تصور بعض الأهل أن قسوة والديهم وتعنتهم هي التي أوصلتهم لبر الأمان وحفظتهم من كل سوء، وبذلك يكررون ما كان من والديهم مع أبنائهم، والصنف الأكثر وعيا هو الذي يبحث عن أخطاء والديه معه ليتجنبها مع أبناؤه، ولكن هذا الصنف الواعي والقادر على فهم واستيعاب أسس ووسائل التربية هو صنف نادر لأننا نفتقد كل الوسائل التي تعدنا للقيام بدور الوالدين،
والحقيقة أنك لن تدركي معنى قولي أنني غير مقتنعة بوجود أم تكره أبناءها لأنك لم تصبحي حتى الآن الأم، ولقد كانت أمي تؤكد لي دائما على أنها تحبني أكثر مما أحبها، والحقيقة أنني لم أكن أصدقها لأن حبي لها عظيم، ولكنني لم أدرك صدق مقولتها ولم أدرك مقدار حب الأمهات لأبنائهن إلا بعد أن تحرك أول أبنائي في أحشائي، ورغم حبي الشديد للبنات إلا أنني لا أستطيع أن أصف مقدار سعادتي بابني الأول، كم كانت سعادتي وأنا أحمله وأتعب من أجله، ما أمتع الرضاعة، ما أسعدني وأنا أشاهد أحد أبنائي يشب بين يدي، وجاءت بناتي بعد الابن الأول، كم سعدت بطفلتي الكبيرة، كنت أطير فرحا لأنني أخير أصبحت أما لطفلة جميلة، طفلتي الجميلة هذه حساسة جدا، وهى الآن على أعتاب سنوات المراهقة،
هل تتخيلين أنه رغم أنني لا أدخر وسعا في إسعادهم جميعا، وأن أسعد لحظات حياتي عندما أتمكن من رسم البسمة على وجوههن، ورغم أنني لا أحاول أن أفرق بينهم جميعا إلا إن هذه الابنة تصر دائما على جلدي بسوط شديد الإيلام عندما تتهمني وتصرخ في وجنى بأنني لا أحبها وأحب اخوتها أكثر منها، وهذا الاتهام جاهز دائما على لسانها كلما وجهت لها أي لوم، ورغم أنني أدرك جيدا أنها تحاول بهذه الكلمات أن تبتزني عاطفيا لأقدم لها المزيد والمزيد من الاهتمام، ورغم أنني أحاول أن أستخدم كل مهاراتي وكل ما تعلمته وكل ما يتفتق عنه ذهني من أفكار ووسائل لأتمكن من السير على حد السيف فلا أسقط في فخ الإفراط أو التفريط،
وأنا على هذه الحالة أشعر أنني دوما في غرفة قيادة معركة حربية استخدم كل وسائلي لاحتفظ ببنيتي الحبيبة قريبة منى بدون تدليل يفسدها وبدون قسوة تفسد العلاقة بيننا، وأدعو ربى في كل لحظة أن يوفقني في هذه المعركة الحساسة حتى أعبر بها ومعها جسر المراهقة ونحن أصدقاء، وإذا كنت أحاول وأدعو الله سبحانه أن يوفقني فكم من الأمهات يدركون خطورة هذه المرحلة وسماتها ويدركون أفضل الوسائل للتعامل مع أبنائهن وبناتهن؟!!!!
وكم من البنات مارسن هذا الضغط النفسي على أمهاتهن ولم تستوعب الأم هذه التصرفات وتصورت أنها "قلة أدب" وحاولت أن تتعامل معها وسائل التأديب القاسية فنتج عن ذلك انفصال بين الوالدين والأبناء، وكم من أبنائنا يتذكر قسوته على والديه مثلما يتذكر قسوتهم عليه ويحصى لهم كل زلل ارتكبوه في حقه، وكم من الأبناء يدرك عمق مشاعر الأسى والحزن التي تصيب الوالدين عندما لا يجدوا من أبنائهم العطف والتقدير عندما يحتاجون إليه؟!!! وكم من الأبناء يدركون عمق معنى المثل الشعبي الدارج في مجتمعنا المصري والذي يقول: "قلبي على ولدى انفطر وقلب ولدى على حجر"؟!!!!.
ثالثا: تصرين على أن المرض والنفسي منه بالذات لا ينبع من خلل ما في تكوين الشخص نفسه، وأن منشأ المرض النفسي من خلل في الظروف المحيطة بالشخص، فما قولك في من يعيشون في نفس الظروف ويتعرضون لنفس الضغوط، ومنهم من يصمد ويقاوم ومنهم من تنهار مقاومته ويسقط في براثن المرض؟!!
لا شك أن الظروف المحيطة بالإنسان تلعب دورا حاسما في حدوث المرض إذا توافر الاستعداد للإصابة بالمرض داخل جسم الإنسان، وهذه القابلية الداخلية للإصابة بالمرض موجودة ومعروفة في معظم الأمراض سواء الجسمية أو النفسية.
رابعا: حكم الأبناء على الآباء وطريقة تعاملهم معهم تختلف من ابن إلى آخر، وأنا أعلم مثالا عايشته أمام عيني حيث كانت الابنة تعرف جيدا عيوب والدها وتحاول أن تتعامل مع هذه العيوب بذكاء وحكمة لتصل إلى ما تريد، وترضى بما يقدمه لها والدها وتسعد به أيما سعادة وتراه محسنا ومعطاءً، وفي المقابل كان أخوها ومازال منفصلا عن والده، ينفر من سلوكياته ومن طريقة كلامه، ويتصور أنه أب بخيل يضن على أولاده ويحرمهم من أسباب سعادتهم، وبالتالي فعليه التماس أسباب السعادة بعيدا عن هذا الأب وبعيدا عن تدخله في حياته، ولهذا يرفض حتى مجرد الإنصات لنصيحة يلخص فيها الأب وجهة نظره رغم أن الأب لا يحاول أن يفرض وجهة نظره هذه، فمن كان المخطئ ومن كان المصيب؟!!! ألم يكن على هذا الابن دور وقد بلغ سن النضج أن يحاول الاقتراب من والده في شيخوخته، وأن يقدم له بعضا من الحب والحنان الذي قدم له وما زال في سابق الأيام.
خامسا: لن يكون الخيار أمامك وأمام غيرك من الأبناء إما أن تطيعوا الوالدين طاعة عمياء أو ترفضوا كل ما يقولون به، فأين قدرتكم يا حبيبتي على الموازنة و انتقاء ما هو خير ورفض كل ما هو سيئ وشر؟!!! "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه".
سادسا: مسألة التفرقة الظالمة وغير العادلة بين الأبناء ذكورا وإناثا هي موروث لا يمت للدين بأي صلة ولابد أن ينتهي تماما من حياتنا، وهذا دور الشباب منكم حيث يقع عليهم عاتق تغيير مفاهيم الأجيال الحالية والقادمة، وقناعتي أن الوقت مع الجهد كفيل بأن يغير الكثير من قناعاتنا وممارساتنا المختلة التي تسود في معظم مجتمعاتنا العربية وبالأخص في مجتمعات منطقة الخليج. هناك الكثير والكثير مما تثيره مشاركتك، ولحديثنا بقية فتواصلي معنا دائما وتأكدي أنك ستجدين منا خير آباء وأمهات لك ولغيرك من الأصدقاء وتابعينا بالتطورات.
واقرئي أيضا:
دبلوماسية العائلة والندم حيث لا ينفع الندم