الجمال...لا يكفي...؟
أنا شابة جميلة بشهادة الرجال وبعض النساء اللائي ليس لي بهن علاقة، ألاقي إعجابا ممن هم بعيدون عن حياتي بأني ذات قوام جميل وملامح دقيقة وجذابة ولكن المشكلة تكمن في أني أفكر في هذا كثيرا وأحاول المقارنة بيني وبين غيري وخصوصا الشقراوات ولأنني لست كذلك وهذا في اعتقادي بسبب قريباتي النساء اللائي كانوا يفعلون هذا دائما عندما كنت صغيرة وكنت في نظرهم فقط دمى خفيف وقريبتي هي الأجمل لأنها بيضاء على الرغم من أن المعاكسات في الشارع كانت لي وليس هي وكنت أهون على نفسي وأقول هذا حسد ليس إلا لأني متفوقة وغنية.
وعلى الرغم من هذا فإني واثقة جدا في نفسي إلا في هذا الشأن وذات شخصية قوية وأريد أن أكون ذات شأن ولهذا أريد أن أتخلص من هذا الداء والتركيز في عملي فقط عندما في البيت عنى يمدحون، يمدحون في كل شيء عقلي أدبي ثقافتي علمي ولا يذكرون شيئا عن شكلي.
أريد أن أرضى بهذا القدر وأن أحاول أن أستزيد من شيء يجلب لي سعادة وليس شيء ليس به زيادة وحتى لو يوجد فهو نقمة والتفكير فيه نقمة، أنا أحس بالضيق عندما يصفون أمامي بنت بيضاء أو ذات أعين لها لون وحينها أريد أن أبين للجميع أن الأخرى السمراء أجمل بكثير وبالطبع أنا أمامهم ليس لي علاقة بهذا كله ولا أتطرق لي أبدا ولا أحد أيضا لأنني ليس رأس مالي هو الشكل.
أعرف أن هذه تفاهة لكني ضيقة الصدر بسبب هذا وأريد التخلص منه، أريد أن أعرف كيف أجلب السعادة والراحة النفسية هل تأتي عندما أحس بأنني أجمل بنت أم عندما آخذ كل الانتباه لي أم في التفوق وإعلاء شأني في مهنتي وهل هذا كافي لإرضائي كأنثى،
أريد أن أعرف كيف أفكر بخصوص الشكل والجما..
والسلام عليكم..
24/03/2006
رد المستشار
أهلاً بك يا "دودو" على موقعنا، وأهلاً بمشكلتك التي تؤرقك والتي آن الأوان للتخلص منها لتلتفتي بكل قوتك إلى الجوهر من حياتك.. لقد أثرت بسؤالك شجوناً سأبثك إياها... فأرجو أن يتسع صدرك لها.
كلما تخلفت المجتمعات، وجدناها تهرع للمقاييس الشكلية والتي أولها الجمال... وما هذا إلا لأنها ليس لديها شيء حقيقي ذا وزن تجعله مقياساً تقيس عليه أفرادها... وللأسف هذا حال مجتمعاتنا... لن أعمم فأقول: كلها، ولكنه حال شريحة ضخمة منها... وللأسف يتجلى هذا واضحاً منذ ولادة الطفل... فمنذ أول نظرة لهذا المخلوق الملائكي تجدين الناس يحاولون تبين عناصر الجمال في خلقته، ويبدؤون بمقارنته مع إخوته وتقييم الإنتاج البشري للوالدين... فمنهم من يبدؤون بداية حسنة فيلدون أطفالا جميلين ولكنهم شيئاً فشيئاً يتردى إنتاجهم...
ومنهم من يبدؤون بداية متواضعة الجمال مع طفلهم الأول ثم يتحسن الانتاج...
كم تغيظني هذه الطريقة في التفكير، وكم تعكس تخلفنا، وأخشى أن أقول: وكم تعكس مدى قلة إيماننا بالله عز وجل...
أعرف أما ولدت طفلها الثالث... وكان أشقر الشعر أبيض البشرة... فنال إعجاب المباركين والمهنئين حيث حاز أعلى درجات الجمال في التصنيف الاجتماعي، خصوصاً وأن أخاه الذي يكبره بـ7 سنوات كان أسمر اللون...
لم يوجه أحد ما كلمة انتقاد للطفل الأسمر – والتي تحدث فعلا في بعض البيئات الأكثر تخلفاً – ومع ذلك وبعد فترة من سماع هذه التعليقات ظهرت آثارها على الطفل الأسمر... أتعرفين كيف؟
أخذ يقضي وقتاً طويلاً في الاستحمام وهو يفرك جلده وبقوة ليذهب اللون الأسمر ويظهر الأبيض ليصبح مثل أخيه.. حتى احمر جلده وبدأت تظهر عليه بعض النزوف الصغيرة... هذا في البداية عند الولادة... هل ينتهي مسلسل تقييم الجمال عند هذا الحد؟؟
لا.. بل يستمر في كل مراحل الحياة... وها قد وصل الطفل إلى المدرسة.. أغاظتني كثيراً المسابقة التي أقيمت بين عدة مدارس في إحدى الرحلات المدرسية لاختيار: أجمل طفل... أغاظني أكثر هذه المعاملة الراقية والخاصة التي يحظى بها الأطفال الحائزون على شهادة الأيزو في الجمال من مدرساتهم في المدرسة، فيظهر الدلال واغتفار الذنوب بل والتساهل معهم في منح الدرجات وإفساح المجال للغش في الاختبارات بشكل واضح... كل هذا يحدث على مرأى ومسمع من بقية أطفال الصف الواحد... وكل ذنبهم في حرمان البقية من هذه المميزات أنهم: لم يُخلقوا جميلين...
كل هذا يحدث، وإذا لفتت نظر المعلمة إلى أن هذا خطأ بصورة أو بأخرى تعللت بأن هذا الطفل "بيتحب" أعمل إيه... شكله "بيغرّف القلب" يعني يستثير الحب في القلوب... وبالتالي المحاباة...!!
هذا ما يعاني منه أطفالنا يا عزيزتي في مدارسهم فكيف ستكون نفسياتهم حين يكبرون؟؟..
كم نسيء إلى أولادنا وبناتنا بجهلنا، فكم من مقارنة شكلية ظالمة عُقدت بين طفلتين أو بين طفلين أثمرت تدميراً في نفسيتي كل منهما: الخاسر تحطمت معنوياته وشعر بالنبذ والرفض من مجتمعه وتدنت ثقته بنفسه وأخذ يحسد ويحقد، والفائز ركبه العُجب والغرور.. ويا ليت هذه المقارنة كانت بخصوص شيء من صنعهما –وإن كانت في هذه الحالة خاطئة أيضاً– ولكنها في شيء من صنع الله تعالى...
يا جماعة، إذا كانت لديكم آراء واعتراضات على خلق الله فلو سمحتم توجهوا بها إلى الجهة الصحيحة وهي: الخالق سبحانه وتعالى، وليس إلى الجهة التي لا تملك لنفسها من أمر خلقها شيئاً وهي: المخلوق...
لكم هو ظالم أن يقيّم الإنسان بناء على شيء ليس من صنع يديه وكسبه سواء كان هذا التقييم إيجابياً أو سلبياً. كثيراً ما رأيت هذه المقارنات والتعليقات على أشكال البنات والصبيان، ورأيت نتائجها وتداعياتها أيضاً: الفتاة التي صُنفت بأنها الأجمل تجد أنها حازت شهادة الأيزو الاجتماعية فلم العناء في اكتساب أشياء أخرى من علم وذوق وأدب ومهارات منزلية تحتاجها كل فتاة تريد أن تكون زوجة ناجحة، لم العناء ما دامت كل الأبواب مفتوحة لها بهذا المفتاح السحري وهو: الجمال؟؟!! ناهيك عن العمل من أجل إرضاء الله....
والفتاة التي صُنفت متواضعة الجمال بالنسبة للأخرى تجد نفسها مدفوعة لإثبات ذاتها في المجالات الأخرى بحماس مرضي مشوب بالحسد تجاه من صُنّفت أجمل منها والحقد على المجتمع الظالم في هذا التقييم، فتفسد نيتها ولا يكون لها من نصيب في ثواب أعمالها...
وهذه النظرة لتقييم الإنسان على أساس جمال شكله وللأسف الشديد نظرة طاغية في العالم كله، صحيح أن معايير الجمال تختلف من بيئة لأخرى، إلا أنه تعددت المعايير والمقياس واحد... والآن نحن نتجه إلى توحيد المعايير والمقاييس أيضاً في زمن العولمة... فلم يعد تقييمنا للجمال على أساس الألوان: لون البشرة ولون الشعر ولون العيون، بل على أساس قياس محيط كل جزء من أجزاء الجسد...
ولن أقول إلا: حسبنا الله ونعم الوكيل... متى سنخرج من دوامة الشكل هذه لنرى أشياء أكثر أهمية في حياتنا؟؟
نأتي الآن إلى معاناتك والتي لي معك بشأنها كلام آخر باعتبار أنك شابة ناضجة وواعية تعرفين كيف تتجاوزين أزمات الطفولة... تسألين سؤالين:
أولهما: أريد أن أعرف كيف أجلب السعادة والراحة النفسية هل تأتي عندما أحس بأنني أجمل بنت أم عندما آخذ كل الانتباه لي أم في التفوق وإعلاء شأني في مهنتي وهل هذا كافي لإرضائي كأنثى، أريدك يا عزيزتي أن تتذكري المثل القائل بأن: عين ابن آدم لا يملؤها إلا التراب، وأن الشهوات الإنسانية لا نصل فيها إلى حالة إرضاء تام، لأنها كجهنم تقول دائماً: هل من مزيد، وقد شبّه بعضهم النفس الشهوانية في الإنسان بأنها كالنار: كلما زدتها حطباً زادت للحطب طلباً... ومن ضمن الشهوات شهوة الشهرة، أو شهوة حيازة إعجاب الآخرين...
لا... لن تأتي السعادة والراحة النفسية عندما تحسين بأنك أجمل بنت في العالم، لأنه وببساطة لن يتحقق، فكلما أحسست هذا الإحساس ستجدين الأجمل منك، وربما إذا انتهيت من نساء الدنيا ذهب تفكيرك إلى حوريات الجنة... وهكذا... فهذا التفكير لا نهاية له... بل ستأتي من إحساسك بالرضا عن ذاتك، ومتى يأتي هذا الرضا؟؟
حين تشعرين أن ربك راضٍ عنك، عن إنجازاتك، عن تضحياتك، عن أخلاقك وتعاملاتك، وبكلمة جامعة: عن مهمتك في الحياة كخليفة لله تعالى في أرضه.. حين تكونين مدركة تماما لحقيقة وجودك في هذه الحياة، وتحققين الهدف من هذا الوجود... عندها فقط ستشعرين بالسعادة والراحة النفسية.
وثانيهما: أريد أن أعرف كيف أفكر بخصوص الشكل والجمال التفكير الصحيح هو من منطلق: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسادكم ولكن ينظر إلى قلوبكم التي في صدوركم" هل من الضروري أن يجتمع الناس قاطبة على الإشادة بجمالك؟؟ الناس متفاوتو النظر والتقييم لكل الأمور ومنها موضوع الجمال.. فمنهم منيري الجمال في لون البشرة الفاتح، ومنهم من يرى أن أصحاب البشرة الداكنة أكثر جاذبية، ومنهم من لا يرى لون البشرة أي دور في ذلك، بل يرى أن الجمال هو ما يفيضه القلب النابض بالحب والخير والإيمان من مشاعر جميلة على قسمات الوجه... ومنهم... ومنهم...
ثم ما هذه "الرجال"، أخشى أن تكوني يا عزيزتي ممن يحاولن إثارة الفتنة بإبراز جمالهن فتدخلين في تصنيف النبي للنساء "مائلات مميلات..." اللواتي لن يدخلن الجنة ولن يجدن ريحها وإن ريحها لتُشمّ من مسيرة 500 سنة.
من الممتع جداً ومما يرضي الغرور لدى الأنثى أن تسمع تعليقات الإعجاب على شكلها وخصوصاً من الجنس؟؟ الآخر، ولكن هل هذا يرضي الله؟؟
قد تسألين: إذا كان الشكل ليس له أي قيمة عند الله عز وجل، فلماذا جبلنا حين خلقنا على حب التجمل هذا لأن للتجمل أهمية وأثر في نفسية صاحبه حين يشعره بالقبول بين الناس. فالناس تكره معاشرة المهمل لنفسه..
ثم إن الجمال والشكل الجميل يمنح صاحبه الثقة بالنفس، وهنا قد تسألين: كيف سأكون جميلة إذا كان الناس يرون غير ذلك؟؟
يقولون: البس جيداً تشعر جيداً، والحمد لله أن الكل بإمكانهم الحصول على الشكل الجميل ليس بألوان الشعر والعيون، وإنما بالترتيب والنظافة والعناية بالهندام وانتقاء ما يناسبه من الملابس من حيث الشكل واللون.... كل هذا يجعل مظهر الإنسان جميلاً ويُكسبه القبول في مجتمعه.
وأما كيف ترضين نفسك كأنثى، فهذا سيكون من نفسك حين ترين نفسك جميلة أنيقة تعبرين تماما عن شخصية المرأة المسلمة التي يجب أن تكون "شامة بين الناس" كما أوصى النبي صحابته، وذلك حين كان صلى الله عليه وسلم يرفض مظاهر الإهمال في الثياب والشعر التي تبدر من بعض الصحابة وينبههم إلى أهمية المظهر الحسن.....
ولكن، دون مبالغة، واحذري أن تكون وسيلة الشكل الجيد للدعوة إلى الله وتحبيب الناس في دين الأناقة والترتيب والذوق، احذري أن تتحول هذه الوسيلة إلى غاية بحد ذاتها... خصوصاً أننا في العصر الذي يعلي جداً من شأن الموضة والذي يغرقنا يوميا بالكثير من الجديد فيها، ثم، هل تعلمين بأن للإشادة بجمال الأخريات أمامك فائدة عظيمة تعود عليك، صحيح أنك تتألمين غيرةً، ولكن هذا الألم كفيل بجعلك تشعرين بأن هناك في هذه الدنيا من هي أجمل منك فيحميك ذلك من الوقوع في العُجب والغرور...
وقد سمع رسول الله عليه الصلاة والسلام رجلاً يمدح صاحبه فقال له "ويلك قطعت عنق صاحبك" أي أنك بمدحك إياه ستعجبه نفسه وسيصيبه الغرور وهذا ما سيورده المهالك في الدنيا والآخرة....
وتحضرني الآن قصة فتاة أُعجبت بنفسها لشدة مديح خطيبها لها فأصابها الغرور ولم تعرف كيف تحافظ على حب زوجها بتصرفاتها المغرورة والأنانية ففقدت سعادتها الزوجية.... واسأل الله أن يلهمها رشدها قبل أن تفقد سعادتها الأخروية أيضاً.
ما أروع أن نعود إلى المقياس الذي وضعه الله تعالى للتفاضل بين البشر، عندها سنجد أنفسنا وقد أصبحنا مثل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ذلك الصحابي الذي لم يكن حائزاً على مواصفات الجسد المثالي في عصره ومع ذلك كان واثقاً من نفسه، هل تعلمين لماذا؟؟ لأنه كان واثقاً بمقياس الله عز وجل.. والذي هو "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" فمرة كان النبي وأصحابه جالسون فرأوا عبد الله بن مسعود وهو ضئيل الحجم يتسلق شجرة، فكشفت الريح ثوبه عن ساقيه فضحك الصحابة من دقة ساقي ابن مسعود، فقال النبي: أتضحكون من دقة ساقيه؟! إنهما عند الله أثقل من جبل أحد...
بصراحة إنه يستحق هذا التكريم، لقد كان أول المجاهرين بالقرآن في مكة بعد رسول الله، وكان ثابت الفؤاد لم يخش بطش قريش الذي ناله يومها حتى كاد يفقد حياته، بل زاده إصراراً وعزيمة فقال: والله لأغادينّهم بمثلها.. يعني: سأعود غداً للجهر بالقرآن مرة أخرى.
لم تجعله ضآلة حجمه وضخامة حجم صناديد قريش يتردد في الثبات على الحق... فكان عند الله أثقل من جبل أحد يبدو أنني أطلت عليك، فأستميحك عذراً.... وشكراً لسؤالك الذي اعتبرتِه تافهاً، ولكنه في الحقيقة يا عزيزتي يعبر عن واقعنا المعاش وقيمنا التي تحكمنا... فشكرا لك.... وتابعينا بأخبارك.
ويتبع>>>>: الجمال ... إن أكرمكم عند الله أتقاكم مشاركة