السلام عليكم
في الحقيقة لا ادري كيف اشرح ما يدور في رأسي من أفكار فأرجو أن أستطيع أن أشرح جوانب المشكلة، في البداية منذ تقريبا كنت في عمر 9 كنت دائما أميل إلى العزلة والتفكير بقصص خيالية لا تمت بصلة إلى الواقع وطالما فضلت التفكير بهذه القصص على إمضاء الوقت مع أي شخص آخر في البداية كانت امتدادا لما أراه من برامج الأطفال فأنسج القصص وأكون دائما الفرد الأساسي فيها كنت أجدها مسلية والشخصيات (التخيلية والغير موجودة وأنا أوقن ذلك) التي ألعب معها تسليني ففي العائلة أنا الفتاة الوحيدة وأخي يصغرني بي 6 سنوات بعد ذلك بسنين تطور تعلقي بعالمي الخيالي وصرت أرفض الخروج أو الذهاب إلى أي مكان ولا أحب الجلوس مع الأفراد الآخرين كما كنت أحب أن أبقى في الفراش وأفضل (السرحان) وأنا في الفراش وكنت أجد نفسي في ورطة إذا اضطررت للخروج لمقابلة الضيوف عمري بعد لم يتجاوز ال 12 سنة.
كثيرا ما كان أهلي يظنوني نائمة ولكن في الواقع كنت فقط ممدة لساعات مع أفكار تدور في رأسي وكنت أدعي أنني نائمة إذا كنا في السيارة أو نسير ولم أكن أبدا أشكو الوحدة إذا ما تركت لوحدي فترة طويلة..
في المدرسة كنت من المتفوقات وكانت علاماتي جيدة في الابتدائية حتى منتصف المرحلة الإعدادية الحمد لله أنعم الله علي قدرا من الذكاء (بشهادة المدرسين ووالدتي التي تدرس الرياضيات) ولم أكن احتاج إلى الدراسة كثيرا، بعد الصف الثامن (الثاني الإعدادي) أصبحت أحس أن بقائي في الفراش ليس حلا ويجب علي أن أقدر أن أتخيل (كما أطلق على ما يدور في خاطري دائما) وأنا غير ممدة و بدون تغطية رأسي، رويدا رويدا أصبحت أعيش في عالم خاص دائما وممكن أن لا أركز في الدرس الذي يشرح أو ما يدور حولي وكنت دائما احبس نفسي في غرفتي وكل ما افعله لساعات طويلة هو مجرد المشي في الغرفة جيئة وذهابا وأنا أطلق العنان لأفكاري وأعيش معها في هذه المرحلة (الصف التاسع أو الثالث الإعدادي) لم يعد فهم الدرس يكفي للتفوق أصبحت الدراسة مهمة تراجع مستواي في الدراسة لم أعد آخذ العلامات الكاملة في أشياء احتاجت لأقل من ساعتين للدراسة ولكنني لم أعاني العزلة في المدرسة أو عدم القدرة على الاندماج في النشاطات اللامنهجية على العكس كنت إحدى البارزات في المدرسة ولكن في البيت لم أكن أخرج من غرفتي ولا حتى لتناول وجبة الغذاء أو الاجتماع مع أفراد العائلة.
بعد ذلك في المرحلة الثانوية ذهبت إلى مدرسة لم أود الذهاب إليها وكنت بطبيعة الحال أحب المشاركة في الأعمال اللامنهجية ولكن والدي كان دائما يرفض ويرفض بشدة كما كانت مكتبة المدرسة شبه فارغة (ماديا) وفارغة تماما معنويا إذ أنها لم تحو كتبا ذات قيمة عظيمة أو تدعو إلى الاهتمام (من نظري) فقط المجلات العادية الاجتماعية التي لا علاقة لها بشيء سوا الوضع الاجتماعي _لقد كنت أهتم بالقراءة كثيرا في المرحلة الإعدادية_ واستهوتني الكتب العلمية والروايات العالمية والعربية وما إلى ذلك لذا في المدرسة الثانوية اعتزلت أكثر فأكثر فحتى القراءة أصبحت غير ممكنة ولم يعد أمامي إلا أفكاري الخاصة.
على المستوى الاجتماعي (في المدرسة) كنت في الإعدادية من الطالبات ذوات الشعبية ولكن في الثانوية بدأت كذلك ولكن تدريجيا انعزلت ولم يعد لي سوا صديقة واحدة _والتي لم تكن تعني لي شيئا _ سوى المشاركة في الأحاديث وما إلى ذلك في الثانوية أصبح شغلي الشاغل دائما هو المشي في الغرفة وعدم محادثة أي شخص في المنزل وأحببت دائما أن أرفع من مستواي (خاصة وأن لي القدرة على الاستيعاب كانت تبدو في الفصل أكثر من باقي الطلبة) ولكن المشكلة كانت في أنني لا أستطيع أن أجلس وأدرس وفي امتحانات الثانوية العامة أسعفتني الدروس الخصوصية التي أجبرني أهلي على أخذها وكان معدلي يؤهلني للالتحاق بكلية الصيدلة.
دائما كنت أحلم بأن أصبح مهندسة معمارية وأن أنشأ عمارات ومبان مميزة مثل دار الأوبرا في استراليا وما إلى ذلك أو أن أدرس الطب في ألمانيا حيث يسكن خال لي ولم تكن هناك مشكلة في الدراسة، ولكن بعد نتائج الثانوية رفض والدي إلا أن يدخلني كلية الصيدلة (لحسابات مادية يستطيع أن يطبقها إذا أنا درستها) _ ويقول أن ما يفعله لصالحي _ ولكن كالعادة تجاهل أن أكثر المواد التي لا استطيع استيعابها هي الكيمياء وما يتعلق بها من مواد، ورفض إلا أن يدرسني في جامعة محلية في هذه المرحلة ازدادت عزلتي وازداد حنقي على العائلة لأنني دائما أحسست أنهم لا يقدرون قدراتي ودائما يمنعوني من تنميتها وبالطبع يرفضون المساهمة بذلك مثل(الرفض القاطع لأخذ دورات لغات أو كمبيوتر وانترنت) مع ملاحظتهم لمستواي المتطور في اللغة الانجليزية التي تعلمتها بمفردي وبطريقة كانت دائما تثير إعجاب الجميع ودهشتهم من أنني لست منتمية إلى أي ناد ثقافي.
المهم لم أتقبل فكرة دخولي إلى الكلية التي لا أريد خاصة وأنني من النوع العنيد أو المشاكس كما يحلو للجميع تسميتي بذلك.. ولم أداوم مدة شهرين وكانت نتائج الفصل الأول طبيعية بالنسبة إلى هذا الحال لم أستطع اجتياز أي مادة رئيسية وبالطبع لم أدرس لأنني كنت دائما اقضي الوقت المفروض أنني يجب أن أدرس فيه كنت أقضيه جيئة وذهابا مع أفكاري.
بالصدفة كنت أحضر فيلما اسمه الحاسة السادسة (The sixth sense) والذي شخص فيه الطبيب حالة الطفل في البداية على أنه فصام في الشخصية وبعد ذلك فيلم عن العالم جون ناش الذي كان يعاني من هذا المرض أيضا منذ سنتين وأنا ابحث في صفحات الانترنت الانجليزية عن المرض (الشيزوفرينيا) كما أجريت فحصا ابتدائيا أوضح أن لدي أعراض الإصابة به www.schizophrenia.com من هذا الموقع استطعت الحصول على الفحص ولكن الفحص دائما ملحوق بالعبارة (لا تأخذ النتائج كمسلم بها بدون استشارة طبيب نفسي) أنا شخصيا اعتقدت بأن نتيجة الفحص صحيحة لعدم القدرة على التركيز في الدراسة أبدا وبالرغم من كل المحاولات التي ابذلها للاندماج مع الجميع دائما أفضل الانعزال على أي شيء آخر.
أخبرت والدتي بالمرض وأعراضه ولكن وللأسف في مجتمعنا العربي لا يوجد مجال لاستشارة طبيب نفسي محلي وطبعا لا أستطيع الحصول على الأدوية التي وجدتها بعد البحث بدون وصفة طبية، أتمنى أن أجد لديكم الحل والاستشارة السليمة بإذن الله وأود مسبقا أن أشكركم جزيل الشكر لأنني لم أجد أي موقع يسعفني منذ أكثر من 6 أشهر وأنا أحاول معالجة نفسي
وأدامكم الله عونا لأمة الإسلام.
24/03/2006
رد المستشار
الأخت الصغرى "رؤى"،
بالله لقد رويت قصة الفصام من مولده وصباه وصولا إلى مراهقته وشبابه، لكن ذكاءك وأحلام اليقظة قد أسعفتك من الوقوع فيه، إن العقدة تكمن في شرود الطفل وعدم قناعته بالواقع وعجز المحيطين به أن يعلقوه بالحياة المادية بهواية أو برعاية وصحبة، أو بأمل يصل إليه، وأصبح الطفل لا يجد في الأحداث سعادة مما دفعه أن يأوي إلى أحلامه ويفتش في أحلام يقظته عن متنفس لدوافعه المكبوتة، وهذا هو أولى عتبات الفصام.
ويمضى الوقت والطفل أصبح مراهقا وتفجرت بداخله رغبات وطموحات أخرى أقصد الجنس والحياة المنفصلة والمهنة التي يمتهنها، والعائلة أيضا تغط في ثبات الإهمال لنفسيات أبنائها، والطفل يكثر من أحلام يقظته وينسحب تدريجيا من الأحداث والشخصيات الواقعية إلى شخصيات وأحداث يفتعلها هو ويتقمص دورها لينفس من الكبت الذي يخنقه ويحقق جزءا من سعادة نفسه المهدرة.
إلى متى تستمر المعاناة؟!... إلى إجباره دخول كلية لا تحقق طموحه ولا تناسب قدراته؟.. وهكذا تزداد الضغوط إحكاما وخنقا حول نفس الطفل الصغير.. إلى أن يبدأ الجين الفصامى في النشاط كنوع من الاعتراض على الواقع، وعندها يصبح الأمر ليس فقط مجرد أحلام يقظة بل سيصبح فصاما مكتمل الصورة من الهلاوس والضلالات والانعزال الكامل وتبلد العاطفة والوجدان.
أيتها الصغرى؛
أدرى أن ثقافتك ستسعفك من الوقوع فعلا في الفصام، لكنني أراكي على شفا حفرة من الفصام... فاتركي وادي الفصام كله وارحلي عن عالمه، إلى عالمك أنت أقصد أن تستمعي جيدا لنداءات نفسك وتشرعي في تنفيذ هذه الرغبات على أرض الواقع، فان الأحلام الآن أصبحت لا تقنع مرحلتك السنية ولا ترضى غرورها، انك تحتاجين في مثل هذه المرحلة أن تختاري كليتك وهوايتك والطريقة التي تعيشين بها والأصدقاء الذين تصطحبينهم أيضا، ويكفى تخاذلا وانسحابا.
إن الضغوط قد ردتك إلى الوراء سنينا، فلو استسلمت لها فستتراجعين المزيد والمزيد حتى تصلى إلى عرين الفصام الذي يكمن فيه الأسد وهى السنة الأولى من العمر حيث النرجسية الأولى وحيث العالم الخيالي يلغى العالم الحقيقي ويمحو اهتمام الشخص بأي حدث أو شخصية خارجية، وذلكم الفصام الذي أشفق عليك منه.
الأخت العزيزة؛
يجب ألا تتأخري أكثر من ذلك في استشارة الطبيب النفسي، فإنك قد تحتاجين إلى عقارات مثل (Risperidone=Zespirone 2 مج قرص صباحا ومساء) فقد يساعدك على غلق باب أحلام اليقظة والتركيز مع الدراسة وإصلاح الخلل الكيميائي الذي بدأ ينشب بالمخ.
ولا تخافي أيتها الصغيرة فان الأمر لم يعد معقدا بل فقط هو جرس إنذار عليك أن تستمعي إليه وتنتفضي معه إلى مستقبلك الذي يتحتم عليك اختياره، أما عن تركيزك فهو لم يتدهور كثيرا بدليل أنك قد تخطيت المرحلة الثانوية بتفوق، فقط أنت تحتاجين إلى الهدوء والهروب من الأفكار التي تسوقك وراءها جيئة وذهابا.
وأخيرا أيتها الصغيرة أنتظر طمأنتي عليك وأنتظر أيضا متابعاتك وأنصحك أن تقرئي على إبداعات مجانين قصيدة إلى مريض الفصام، مع تحياتي.
وأقرأ أيضاً:
مرض الفصـــام
ما هو الفصام؟ الرد بعد المعلومات!
الفصام المزمن وأعراضه السالبة متابعة
أسئلة حول مرض الفصام
الفصام والوهام Schizophrenias & delusions