الأستاذ الدكتور/ وائل أبو هندي؛
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
أنا شاب أبلغ من العمر33سنة ضاعت زهرة شبابي بسبب المرض النفسي اللعين المسمى بالوسواس القهري والذي أدى إلى اكتئاب مزمن ولازلت أعالج منه منذ11سنه عن طريق العقاقير الآتية:
1- Anafranil 75 مرتين في اليوم.
2- brianel 400 بريانيل قرصين ليلا.
ولا أريد الإطالة عليك بشرح معاني المرارة والألم والأسى التي أحس بها كل لحظة من حياتي وأنا أرى سنوات عمري تضيع سدًى دون أن اقدم عملا مفيدا لنفسي أو لغيري فأنا شاب طموح جدا ولا أحب أن أضيع وقتي فيما لا ينفع، وإذا كان هذا هو حال الماضي فأنا لا أرى في المستقبل شيئا أفضل إلا إذا عولجت من أمرين هما:
1- مشكلة التركيز والتحصيل الدراسي.
2- مشكلة الثقة بالنفس.
أما عن الأولى فأنا قد توقفت عن الدراسة في الجامعة واتجهت للعمل ونجحت فيه إلى حد كبير ولكن هذا النجاح لم يرضني لأن طموحاتي كما قلت متجه نحو الثقافة والفكر والتعلم ولا يعني هذا ترك عملي ولكن أريد الارتفاع بمستواي التعليمي والثقافي ليتسنى لي التقدم لأعمال أفضل مما أنا فيه وأنا في هذا العام عازم على التقدم لامتحانات الجامعة مهما كانت الظروف ومهما كانت النتائج ولكن مشكلة التركيز تقف عائقا أمام أحلامي وأهدافي والتي من أهم وسائلها القراءة والتعلم والمذاكرة.
وأنا أقرأ في هذه الأيام كتاب اسمه (التركيز.. مهارتك الثمينة للتميز والإبداع) وبه نصائح قيمة ومفيدة وعملية لتقوية مهارة التركيز ولكن ما يمنعني من محاولة تطبيق هذه النصائح أن ضعف تركيزي ناتج عن سبب عضوي بسبب الاكتئاب الذي يؤثر على مركز الذاكرة في المخ، لذا فأنا يساورني شك كبير في أن يتحسن التركيز عندي بالتدريبات الواردة وفى نفس الوقت لا يوجد دواء ناجع يحل هذه المشكلة.لذا فأنا أدور في حلقة مفرغة.
إن أي نشاط ذهني من قراءة أو حفظ أو مراجعة يسب لي ضيقا شديدا مما يدفعني إلى التوقف عن القراءة بعد الأسطر الأولى كما أنه في حالة مذاكرة موضوع ما أجد من الصعوبة مراجعته على فترات متقاربة مما يؤدي إلى نسيانه ويقترب موعد الامتحان دون مراجعة وبالتالي عدم دخول الامتحان، وأنا كما قلت عازم على دخول الامتحان وهو في شهر ديسمبر القادم لذا فأنا محتاج إلى حل لهذه المشكلة حتى أستطيع تطبيق في هذه الفترة.
أما المشكلة الثانية وأراها ناتجة عن الأولى وهى مشكلة ثقتي بنفسي فأنا لا أستطيع مواجهة الآخرين نظرا لضحالة معلوماتي بالإضافة إلى الوساوس التي أعاني منها، معذرة للإطالة وأرجو أن أجد عندكم الجواب الشافي لهذه المشكلة.
01/10/2003
رد المستشار
الأخ السائل العزيز أهلا وسهلا بك وشكرا على ثقتك في صفحتنا استشارات مجانين،
ليس واضحا من إفادتك أن الأمر يتعلق باكتئابٍ مزمن ناتج عن وسواس قهري، وإنما الواضح شيء آخر، فإذا كنا سنستنتج من خلال العقاقير التي تتناولها فأحدها وهو الأنافرانيل أو الكلوميبرامين Clomipramine هو عقار الماس (مثبط استرجاع السيروتونين) يفترض أنك تتناوله لعلاج اضطراب الوسواس القهري.
وأما الثاني فهو البريانيل أو ملح كربونات الليثيوم Lithium Carbonate ، فهو أحد مثبتات المزاج التي تستخدم لعلاج الاضطراب الوجداني ثنائي القطب Bipolar Disorder، أو ربما بعض حالات الاكتئاب الثنائي القطب Bipolar Depression أو المقاومة للعلاج Resistant Cases.
الاحتمال الوحيد لكون التشخيص الذي ذكرته أنت صحيحا هو أن يكونَ طبيبك النفسي قد أضاف لك عقار الليثيوم للتعامل مع اكتئاب مقاوم للعلاج أو مستعص، ولم تذكر لنا أي شيء عن أعراض الوسواس القهري التي أصابتك إلى الحد الذي يشككنا أصلا في كون الأمر مجرد وساوس اكتئابية أي مصاحبة للاكتئاب، كما أنك لم تبين لنا بوضوح هل أمضيت الأحد عشر عاما التي ذكرتها في اكتئاب مستمر أم أن المسار كان نوبيا، بمعنى أنك كنت تصاب بنوبات على فترات من تلك السنوات الأحد عشر، وإذا كنت بعد كل هذه السنوات تعاني مازلت من عدم القدرة على التركيز والتحصيل كما تقول فلماذا لم تزد جرعة العقار المضاد للاكتئاب؟ ولم لم تجرب عقاقير أخرى؟ وهل استخدمت العلاج بالصدمات الكهربية أم لا؟.
وهل جربت العلاج المعرفي أم لا؟ إن الأمر جد خطير، حتى ولو كان المسار نوبيا فهناك من الدراسات ما يشير إلى أن المتابعة الطولية Follow up لمريض الاكتئاب الرديدRecurrent Depression تبين أن خمس حياته على الأقل يضيع في نوبات الاكتئاب، فإذا افترضنا أن متوسط العمر عندنا ستون سنة فإن المريض سيعيش اثنتي عشرة سنة من عمره في نوبات اكتئاب.
وأما الفترة ما بين هذه النوبات فمعظم المرضى يرجعون إلى حياتهم الطبيعية ويقومون بأداء وظائفهم وأدوارهم في الحياة على أتم وجه، وبعضهم يكون شفاؤه غير مكتمل تماما خاصة عند زيادة عدد النوبات التي تكررت عليه، أي كلما تقدم به العمر. فأنا إذا أردت رأيي الشخصي في مثل حالتك الحالية وحاجتك إلى التحسن السريع، فسأذهب خطوة أبعد مما ذهبت إليه في علاجك السابق، لأنني أفضل استخدام جلسات العلاج بالصدمات الكهربية في مثل حالتك.
فعلى الرغم من أن حجم الدعاية المضادة لاستعمال الصدمات الكهربية في مجتمعاتنا ما يزال كبيرا فإنه لم يكتشف حتى لحظة كتابة هذه السطور عقـار اكتئاب واحد يقدم لنا ما تقدمه الصدمات الكهربية من سرعة في العلاج ومن قدرة أوسع على معالجة شريحة أكبر من المرضى، كما أن احتمال عدم استجابة المريض لعقار اكتئاب معين أكبر بكثير من احتمال عدم استجابته للصدمات الكهربية!
ويضاف إلى ذلك أنه على عكس الصورة الموجودة لدى الكثيرين من الذين يثقون في الصورة المنقولة في وسائل الإعلام العربية، عن العلاج بالصدمة الكهربية من أن المريض تحدث له تشنجات أو ما يظن البعض أنه بسبب شعوره بالألم، فإن طريقة إجراء الصدمات الكهربية تحسنت بشكل كبير، حيث أصبحت تعطى بعد تخدير المريض وإعطائه عقـارا باسطا للعضلات بواسطة طبيب التخدير، وبالتالي لم تعد هناك تشنجات كبرى، فضلا عن أنها أصلا لا تسبب أي نوع من الألم حتى بدون التخدير.
أما ما هو بمثابة المفاجأة لك ولغيرك من المتصفحين فهو أن عدد من يموتون بسبب خلع إحدى الأسنان عند طبيب الأسنان أكبر من عدد من يموتون بسبب الصدمات الكهربية، أي أن العدد أقل من 4 في المليون شخص!!.
وما يقال من أن العلاج بالصدمات الكهربية يدمر المخ ليس إلا دعاية مغرضة من شركات الدواء لكي تبيع منتجاتها!، وهذا هو ما انتبهوا إليه في الدول الغربية، وما يزال الناس عندنا يكررون ما كان يقوله الناس في الغرب منذ ثلاثين سنة، حكاية تدمير المخ هذه لا أساس لها من الصحة، خصوصا وأن كل ما يحدث من أثر جانبي للصدمات هو بعض النسيان للحظات السابقة لإجراء الصدمة، وربما بعض اللحظات التالية لها، ولا شيء آخر! ثم أن المخ البشري نفسه يتواصل ما بين أجزائه المختلفة ويتصل بكافة أعضاء الجسد بواسطة الكهرباء الحيوية.
أي أن مرور تيار كهربي محكوم الشدة في المخ ليس مضرا من أساسه! فمن المعـروف أن إحدى وسائل نقل الرسائل العصبية بين الخلايا في المخ هي فرق الجهد الكهربي، وهو نفسه المسئول عما هو معروف من أن المخ ينبض بالكهرباء.
ويمكن تسجيل ذلك على شكل موجات كهربية بواسطة رسام المخ الكهربي، ولقد وجـد أن الاضطراب في الموجات الكهربيـة للمخ يصاحب بعض الأمراض النفسية (كسبب أو كنتيجة)، وبالتالي فإن أيـة إمكانيـة لضبط هذه الموجات الكهربية وتنظيم إيقاعاتها يساهم في تحسين الحالة النفسية للمريض، ويضاف إلى ذلك أيضا أن تشريح أدمغة العديد من نزلاء المستشفيات النفسية المزمنين في الخمسينيات في أوروبا لم يقدم دليلا واحدا أو حتى إشارة إلى تلف ولو صغير في أدمغة من كانوا يتلقون الصدمات مرتين أو ثلاث مرات أسبوعيا لمدد تزيد على السنة أو أكثر!!.
ومما لمسته شخصيا مع كثيرين من مرضى الاكتئاب الذي لا يستجيب للعقاقير حتى بجرعاتها العالية أنهم يستجيبون للعقاقير بعد العلاج الكهربي، معنى ذلك أنني أنصحك بمناقشة هذا الأمر مع طبيبك النفسي.
وأما الجزء الثاني من مشكلتك والذي تسميه بمشكلة الثقة بالنفس وعدم القدرة على مواجهة الآخرين، فلا ندري أتقصد الرهاب الاجتماعي؟ أم مجرد قلق اجتماعي عادي؟ ولا ندري كيف يتماشى ذلك مع نجاحك في ميدان العمل، وأنت لم تفسر لنا أعراضا معينة نستطيع الرد عليها، كما أننا لا نستطيع في الواقع معرفة أي اضطراب يؤدي إلى الآخر فهل هو الاكتئاب الذي أدى بك إلى فقدان الثقة بالنفس أو الرهاب أم أن الرهاب الاجتماعي هو الذي أدى بك إلى الاكتئاب؟؟
وهل تلقيت برنامج علاج نفسي معرفي عند طبيبك أم أنك اكتفيت فقط بالعقاقير؟ ثم أن من الصحيح أن الاكتئاب يؤثر على القدرات المعرفية للمريض بما في ذلك القدرة على التركيز وحل المشكلات والفهم والذاكرة، ولكن ليس هناك ما نستطيع الإشارة إليه في المخ البشري لنقول أنه مركز الذاكرة، فهناك أجزاء من المخ يحتمل أن لها دورًا كبيرًا في حمل شفرات الذاكرة، وربما تحتوى ما يشبه بنوك المعلومات لكن الأمر لم يصل بعد إلى الحد الذي يسمح لنا بأن نقول أن هناك مركزًا معينا أو محددا بدقة للذاكرة.
من الواضح إذن أن إفادتك لا تحمل ما يعيننا على التشخيص الدقيق لحالتك وهذا متوقع، لكننا نحيلك هنا إلى قراءة الردود المعروضة على صفحتنا فيما يتعلق بكل من الاكتئاب والرهاب الاجتماعي، لكي تستطيع ربما إفادتنا بشكل أفضل:
الوسواس القهري والاكتئاب
اللامبالاة هل هي اكتئاب؟
عسر المزاج والاكتئاب
التفكير النكدي
الاكتئاب الجسيم وماذا بعد
الاكتئاب الدائم أم عسر المزاج
الاكتئاب المتبقي أم العلاج المنقوص؟
مجتمعاتٌ ضد توكيد الذات
الخوف من المشاركة
الحياء الشرعي والرهاب المرضي
رهاب الجنس الآخر
الرهاب الاجتماعي وليست الرعشة
الهذرمة وشيءٌ من الرهاب
احمرارُ الوجه ليس خجلاً فقط
"الحل...ابحث عن ذاتك"
وبعد أن تتصفح تلك الردود نريدك أن تكتب لنا المشكلة بالتفصيل ولا تغفل شيئا لكي يكونُ بإمكاننا أن نرشدك إلى الطريق السليم بإذن الله تعالى، وأهلا بك دائما فتابعنا بأخبارك.