الحجاب وتأثيره على الهوية الشخصية
دراسة وتحليل علاقة الفتاة بالحجاب وتأثيره على هويتها الشخصية والنمو النفسي والتواصل الاجتماعي: السلام عليكم؛
كنت أقرأ ردا للدكتور وائل أبو هندي والدكتور احمد عبد الله على الموقع هو اعترافات فتاة حول هواجس حول الحب والنقاب وجذب انتباهي كلامه عن دراسة وتحليل علاقة الفتاة بالحجاب وتأثيره على هويتها الشخصية والنمو النفسي والتواصل الاجتماعي وهو موضوع لم يتم طرحه أو مناقشته وتحليله بموضوعيه وإنصاف.
قررت أن أكون المبتدئة في هذا الطرح الذي أعتبره من أهم القضايا في مجتمعنا العربي على الخصوص والعالمي على العموم وخصوصا بأن الإقبال على الحجاب في السنوات الأخيرة كان متصاعدا بشكل واضح وكأنه كما أشار الدكتور احمد أهم أركان الدين وسط بقية الواجبات التي هي فعلا غائبة ومفقودة.
نشأت في أسرة ملتزمة خلقيا ولكن ليس دينيا ولذلك لم يكن الحجاب شيئا مطروحا أو حتى مقبولا ليس في بيتي فقط بل المجتمع كله مع إنه بلد عربي وإسلامي، مضت الأيام والسنون وتغيرت أمور وأحوال انتهيت بها إلى بلاد الغرب وهناك كانت البداية، أردت أن أتعرف على خالقي بشكل أقرب وأوضح وأكثر جدية بعيدا عن مادية الحياة التي تكاد تحتل الحيز الأكبر في حياة ملايين من البشر.
بدأت أقرأ وأستمع وأتأمل وأسأل وأبحث لفترة طويلة دامت لأكثر من سنتين بجدية وحماس كبيرين كانت حصيلته أن عرفت أمورا عظيمة كنت أجهل معظمها، باختصار أحببت ربي كثيرا ومنطلقا من هذه العلاقة الخاصة التي نشأت بيني وبين الله عز وجل صرت أبحث عن محاب الله وأجاهد كثيرا لأجتنب ما يكرهه مع إني كنت حذرة جدا في انتقائي لمن أقرأ أو أستمع لأني لم أكن أريد أن أقع فريسة للغلو والتشديد التي هي سمة كثير من العلماء والخطباء وكنت أجد صعوبة بالغة بإيجاد من أستطيع أن أثق بتفسيره وشرحه وفتواه… أردت أن أستلهم ديني من منابع صافية بعيدا عن العادات والتقاليد.
اقتنعت بالحجاب وأحببته وأصبح الصراع كبيرا مع نفسي عندما وجدت نفسي لا أستطيع أن أضعه بسبب عملي وما سيقوله الموظفون عني، كانت معركة صعبة انتصرت فيها بفضل من الله ولبست الحجاب شعرت بالفخر وأحسست بمسئولية كبيرة فأصبح كثير من الناس حولي يسألوني عن حجابي وسببه وكان علي أن أثقف نفسي وأستعد لكثير من الأسئلة ولا أنكر أني صرت محط جميع الأنظار أغلبها نظرات شفقة وحيرة وإنكار، بعضها نظرات احترام وقبول وأخرى نظرات محايدة لا تدل على شيء.
أحببت حجابي وشعرت وكأنه تاج على رأسي لأني كنت دوما أستشعر رؤية الله لي وأرتاح عندما أكون بالشكل الذي يحبه سواء كان في حجاب أو صلاة أو ابتسامة أو عمل أو أي شيء كنت دوما أستشعر رؤية الله وحضوره في كل أعمالي.
وبنفس الوقت لم أتخلى عن حبي للأناقة وحرصت أن يكون مظهري جيدا كما كنت وكأني كنت أريد أن أثبت لنفسي قبل الآخرين بأن المسلمين يحبون النظافة والأناقة والجمال والنظام والترتيب وهي مع الأسف عكس الصورة الواقعية التي يحملها الناس مسلم يعني فوضوي، كسول، غير نظيف، لا يعرف التبسم وغير صادق.
أخذت على عاتقي أن أكون مثلا صحيحا للمسلم والحمد لله لم أعاني كثيرا لأني كنت أملك بعضا من هذه الصفات من النظام والنظافة والترتيب والجدية وحب النجاح وحب الناس والتواضع ومع ذلك أبقى بشرا يخطئ ويصيب.
إذا جلست اليوم مع نفسي جلسة صادقة وسألتها عن الحجاب، أقول إن الموضوع ليس سهل أبدآ فهو من الناحية النفسية أمر شاق لأني يجب أن أعيش مختلفة عن معظم البنات حتى المسلمات منهن إنه يهذب تصرفاتي فأنا لا أستطيع أن أتفوه بأي كلام أو أتصرف بلا تفكير فأنا محجبة والناس عادة يضعون المحجبات تحت المجهر وعندما يتهمونهم ينسبون خطأهم لإيمانهم ودينهم في حين عندما تخطأ س من البنات يقولون إن س أخطأت.
أشعر أحيانا أنه زي غير مناسبا في بعض المناسبات مثل الرياضة بكل أنواعها فأنا أحضر دروس يوغا مرة في الأسبوع وهناك رجل واحد فقط في الصف ولذلك علي أن ألبس الحجاب أثناء الدرس مما يشكل علي عبئا نفسيا لأنه لا يوجد في الأسواق ملابس رياضية تلائم المحجبات وخصوصا في بلاد الغرب حيث الأمر شديد للغاية.
أو عند السفر لمنطقة سياحية حيث أتذكر أني سافرت مع عائلتي في إحدى العطل الصيفية إلى كوبا إرضاءً لزوجي لأني كنت أدرك معنى أن أكون محجبة في مناطق سياحية ولكن لم أشأ أن يؤثر هذا الموضوع على زوجي وأولادي وخصوصا أني عشت طفولة رائعة مملوءة بالذكريات السعيدة والسفريات والرحلات ولا أريد أن أحرم أولادي منها بسبب حجابي.
حصل ما توقعت فكنت المحجبة الوحيدة في المنطقة وكانت نظرات الناس تتهمني بوجودي معهم وكأني تجاوزت على حقوقهم بمنظري الغير حضاري ثم أني كنت دوما أعشق السباحة لأن في بلدي كان هناك مسابح نسائية اعتدت الذهاب إليها طوال طفولتي وشبابي وعندما كبرت لم أستطع أن أسبح ولو لمرة واحدة مع زوجي وأولادي لأن المسابح مختلطة فكنت أجلس بالحر تحت الشمس وكأني خادمة أو مربية الأطفال.
وعندما أخرج إلى غداء عمل مع المدير وفريق العمل أو علي أن أحضر مؤتمرا سنويا للشركة وأمسية عشاء صاخبة توزع فيها الجوائز، كنت أدعو الله أن لا يذكر اسمي لكي لا أرى تلك النظرات في عيون الناس، كانت صديقتي الرومانية التي تشاركني الغرفة تقلد على لبسي لكونه محتشما مع أنه أنيق وجميل وكانت لا تصدق بأني أخفي جمالي بهذا القماش فوق رأسي وكأني من كوكب آخر.
جاءت يوما زميلة إيرانية معي في العمل وقالت إنها تريد أن تصارحني بأنها خلعت الحجاب وعندما سألتها عن الأسباب التي جعلتها تتخذ مثل هذا القرار الصعب قالت بأنها تريد أن تشعر بأنها إنسانة عادية لا ينظر الناس إليها وكأنها شيء غريب أينما ذهبت، ثم استطردت تقول بأن ابنها في الصف الثامن صار يستحي منها أمام أصدقائه ومدرسته مع أنها شرحت له الأسباب والواجبات وهو يعلم بذلك ولكن لا يريد أن يكون مختلفا عن باقي الأولاد.
وهذه حقيقة أخرى فالناس على العموم حتى المسلمين وفي الغرب على الخصوص لجهلهم أو لتعصبهم يحكمون على الشخص لمنظره بعيدا عن كفاءته وعلمه وثقافته أو محتواه الإنساني، وهذا ما كنت أستشعر بحق مع زميلي المسلم وهو من أصل غير عربي وملتزم ، كان دوما يعبر لي عن احترامه وتشجيعه بصورة غير مباشرة، ولكني كنت أرى الفرق بين نظرة الناس لي وله فنحن الاثنين ملتزمين والحمد لله واستطعنا بفضل الله أن نقنع الشركة بإعطائنا غرفه تكون مصلى لنا، نحن الاثنين نشغل مراكز مرموقة ولنا سمعة طيبة بين الموظفين ولكن نظرة الناس له تختلف عن نظرتهم لي فأنا أضع الحجاب وهو لا يحمل أي رمز ديني يجعل المقابل يشعر باختلافه ولذلك تقبل الناس له ونظرتهم تختلف بالنسبة لي أو أي امرأة محجبة.
أقسم بالله أنه جهاد ليس بالسهل في دنيا العري والخلاعة والمظاهر السطحية والقيم الهابطة، تمنيت لو لم يكن الحجاب تشريعا ربانيا لكان خفف علي عبئا كبير في حياتي اليومية ولكني أدرك بأن الحياة دار ابتلاء وعمل وجهاد وعلى ذلك يقاس الناس، وما يزيد الموضوع إيلاما أن كثير من المسلمين يجادل في أن آيات الحجاب بأنها غير واضحة وليست صريحة ولا أخفيكم سرا بأن الشيطان قد وسوس لي كذا مرة بمصداقية الحجاب.
وتضرعت إلى الله بشدة أن لا أكون قد ضللت وخصوصا أني كما قلت ثقتي ليست قوية بما يقوله العلماء وأهل الفتوى ولكني استعذت من الشيطان وفوضت أمري إلى الله فأنا لا أستطيع أن أخالف ما أجمع عليه علماء المسلمين وكل ما أريد أن أكون صادقة بحق مع الله فلا أدعي حبه والإيمان ثم اختار بين شرائعه وأوامره كما ياستهويني ويحلو لي، أحاول جهدي أن ألتزم بنقاء بعيدا عن العادات والتقاليد بكل تعاليم الإسلام حتى وإن كان فيها صعوبة وشدة.
أرفض بشدة تلك التقاليد التي يحاول العرب أو غيرهم فرضها على الإسلام وأحاول أن لا أقع فيها فأنا عندما التزمت فإنما كان لرجوعي إلى الإسلام وليس إلى قبيلة ما أو بلد ما ولذلك أحرص كثيرا على أن أميز بين الاثنين لكي يبقى ديني مصدرا للراحة والسكينة التي وجدتها عندما كنت أبحث عنه، أشعر بالحزن والظلم في نفس الوقت بأن أصنف في خانة كثير من المحجبات اللاتي لم يعرفن غير حجاب الشعر ولا يدركن أن حجاب القلب أولا ومن ثم يكون حجاب الجوارح والشعر.
شعرت بالتفرقة في العمل وبالذات بعد الحجاب ونظرة الناس للمسلمين بعد أحداث سبتمبر ولازلت أحاول أن أتكيف قدر المستطاع ولكن الحمل ثقيل والمعاناة النفسية كبيرة، واليوم أنا أمام تحدي أصعب من العيش كمحجبة في مجتمع غربي مع إني أؤمن بأن العيش في بلد عربي لن يخفف متاعبي وهذا موضوع آخر لا يتسع له الحديث في هذا المقام، أما هذا التحدي فهو ابنتي فأنا أتمنى أن تنشأ على حب الله وطاعته وان تستشعر رضاه من صغرها ولكن بنفس الوقت أخاف عليها من ذلك الضغط النفسي وتأثيره على شخصيتها وتكوينها في المستقبل، ولا أريد أن أجبرها وأخاف في نفس الوقت أن أكون مقصرة في حقها ولا أدري ليومي كيف أتعامل مع هذا الموضوع وهذه كانت المرة الأولى التي غبطت فيها من ليس لهن بنات.
قد تتساءل عن دور زوجي، وأقول أنه رجل مثقف وعلمي، يصلي ويصوم والحمد لله، عندما صارحته برغبتي بالحجاب وكان قد لاحظ التغيير الذي بدأ يطرأ على اهتماماتي وشخصيتي أثناء بحثي ودراستي عن الإسلام ولكن لم يعارضني وبقي صامتا يراني من بعيد خائفا أن تتحول حياتنا إلى كتلة من التعقيدات والحرام ثم جاء موضوع الحجاب فلم يستسيغه أبدآ ولكن بنفس الوقت لم يستطع أن يعارض لأنه يخاف الله ويعلم بأن مخالفته إثما، هدأت من مخاوفه وقلت له أعطيني فرصة وسأثبت لك بأن تديني لن يكون عقبة في حياتنا بالعكس فقد أكدت له بأن زوجي وأولادي سيكون أكثر المنتفعين لأني أتقي الله في معاملتكم وأرجو الأجر في ذلك.
أثبت له مصداقيتي عبر الأيام، فقد غيرت كثيرا من أخلاقي وأسلوبي في التعامل لعلمي أن الله مطلع علي وخوفي أن أكون منافقة في ادعائي بحبه ولازلت ليومي أجاهد كثيرا وأشعر أحيانآ بالقسوة مع نفسي كيف أهذبها لكي تكون كما يريد ربي وليس كما أريد أنا وبين هذا وذلك هناك معاناة وألم وصعوبة وضغط نفسي ليس بالهين ولكن أحتسب عند الله وأرجو أن أصل إلى البر بأمان وسلام في نهاية رحلتي مع عائلتي وأحبابي وكل من أحب الله بصدق وإخلاص.
05/05/2006
رد المستشار
أحسنت إلي هذه الصفحة حين جلست تتأهلين وتكتبين خبرة لم يتطرق إليها أحد"في حدود علمي"!!
في أعقاب أزمة قانون منع الحجاب في فرنسا، كنت قد أوصيت أخواتي وزملائي في إسلام اون لاين، فمن لهم أو لهن احتكاك مباشر في معالجة الأسئلة والإشكالات والأحداث التي توالت حينئذ، بتشجيع الكتابة عن خبرة الحجاب، قلت لهم: لماذا لا تعرضون هذا الجانب الإنساني من القضية؟! وأزعم أن عرض هذا الجانب سيكون له أثر السحر في نفوس الكثيرين.
وحقيقة يا أخي أنني مللت من القول بأننا لا نجيد فهم ديننا، ولا العالم من حولنا، وبالتالي تظل مساحات شاسعة مهجورة لا يتطرق إليها أحد بالفهم أو بالتعامل، وأكاد أتساءل: هل نحن أصلا نراها؟! مللت من القول بأن أغلب الغربيين قد فقدوا الاهتمام بدين الكنيسة أو الكنائس الأساسية، وبالتالي الدين السمي، وقد تدخلت هذه العلاقة المضطربة تاريخنا بالدين ومؤسساته الرسمية في تعاملهم مع مسألة الدين بشكل عام، وموقفهم من العلاقة بين الدين والحياة في تفاصيلها اليومية، حتى وصل البعض إلى قناعة إلى أن الدين هو موضوع من ميراث التخلف في مسار الإنسانية، وإنه مجرد شكليات ومظاهر ووجع دماغ، وبالتالي "قلته أحسن" كما نقول في مصر والحقيقة أن الدين الرسمي والتاريخي الذي عاشته أوربا لقرون هو شيء لا يشجع على استمرار الاهتمام، أو لفت الانتباه، أو الاكتراث، أو صرف الوقت والجهد للبحث فيه أو عنه، وبالمقابل فإن كثيرين يبحثون مثلما بحثت، ولكن عن روحانية جديدة لا كنيسة فيها ولا كهنوت!! وهم يتحرون مثلك، وقد يتساءلون: أين الله، والحقيقة؟ والتوازن والعدل بين المادية والروحانية؟
ملايين، بل ربما بلايين الأرواح المعذبة تتخبط بحثا عن سبيل، ونحن وسط هذا العالم نقف حيارى مثل البلهاء لا نفهم، وربما لا نرى الذي يحدث بالضبط، وما الذي يمكننا عمله بالتحديد؟! لا نحن نفهم موقف أوربا من الدين جملة، ولا جذوره، ولا مسار هذا الموقف التاريخي, ولا معنى تحررهم من قيوده: كيف حدث؟ ولماذا؟ وإلى أين وصل؟!
ثم نحن ننكر عليهم بالتالي نظرتهم القاصرة المندفعة لنا، ولمواقفنا، ولما هو نحن، وللعالم المختلف عنهم من حولهم، نلومهم على القصور والتقصير أو العنصرية أو الظلم، وهذا حق في أغلبه، ولكن متى—نمتلك الشجاعة على الاعتراف بأين يكمن الخلل فينا بالضبط؟! وما يحتاج إلى العلاج؟ وكيف!! ثم نبدأ.
ورسالتك يمكن أن تكون بداية وخطوة أولية، أضعها تحت أنظار الجميع لتكون شاهدا على خبرة مسلمة تبحث عن الحق، وعن الاستقامة، وترجو وجه الله، وهي مدركة أن هذا ليس سهلا ولا واضحا ولا بسيطا، إنما تكتنفه تحديات رأيت أنت أغلبها، وكتبت تصفين بعضها.
يا أخي نحن مصابون بأمراض مهلكة منها الانغلاق الفكري والتبسيط والسذاجة والبلاهة، وكلها يمكن رؤيتها بوصفها ضمن متلازمة، داء "البدائية" الذي نعاني منه، ورسالتك هي صرخة هادئة ضد كل هذا.
رسالة سيفهمها من ألقى السمع وهو شهيد، من كان له قلب يعي، وعقل يدرك، أما كتل الغافلين فسيرون أنك تضيقين وسعا، وتتكلفين في غير موضع، وأن المسائل أبسط من هذا بكثير!! شكرا لك على استجابتك، وأطرحها نموذجا لعلنا أو بعضنا على الأقل، يبدأ في تشغيل عقله، وحواسه، ومستقبلاته ليدرك كيف يعيش ونعيش، وكيف يمكن أن نفكر ونتفاعل، وكيف يمكن أن نسأل أنفسنا قبل أن نندفع كعادتنا لتكرار الأسئلة والإجابات الجاهزة سلفا!!
لا أجد دافعا لتعليق أطول، رغم ثراء سطورك، ربما أعود إليها مرة أخرى، وربما تكتب لنا المزيد من الأخوات عن "خبرتي أو قصتي مع الحجاب"، بما يتجاوز الأنماط والكليشيهات، وينفذ إلى الأعماق كما في محاولتك الرائدة والمشكورة، تحياتي.
ويتبع>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>> الحجاب والهوية نص أول مثير مشاركات