حد يحاول يساعدني
أنا كنت بنت جميلة ودمي خفيف جدا وكان كل الناس بيتصاحبوا علي عشان جمالي وخفة دمي وكان كثير من الأولاد معجبين بيه بس أنا مكنتش بهتم أنا كان يكفيني أني أسخر منهم في وجههم وهم يسخرون مني يعني بنرخم على بعض وأنا كنت بستمتع بذلك جدا فوالله ديه كانت هوايتي المفضلة بس مكنش في بيني وبين أي ولد علاقة يعنى عمري ما وقفت مع أحد أكلمه في أمور عادية.
وكانت حياتي حلوة أوي وسعيدة وعمري ما طلبت حاجه ومكنش عندي أي مشاكل وكنت عارفة أيضا حقوقي على ديني في الصلاة والعبادات وكنت بحب ربنا جدا، والصراحة أنا شخصيتي في البيت مش كده نهائي فأنا مبكلمش بابا نهائي لأني من صغرى مشوفتوش حتى سن 4 ولما أتى من السفر كان بيحاول يعلمني الأدب لأني كنت شقية جدا فكان بيستعمل نوع من القسوة عليّ، والصراحة كان عنده حق فأنا والله العظيم كنت أشقى من الأولاد ولا أنكر ذلك، ومع عائلتي مثل بابا تماما لا أتكلم مع أحد ويكفيني أن أرد على قدر السؤال بدون كلام زائد.
المهم عدت السنين وأنا في ضحك متواصل بدون انقطاع وكانت الدموع مبتشفش عيني حتى انتقلت إلى مدرسة جديدة في سن ال15،....... السنة الأولى في تلك المدرسة قضيتها بسلام وبضحك أيضا متواصل نوعا ما ولكن افتقدت عنصر الرخامة على الصبيان واشتقت لهم كثيرا بالرغم من أنني لم أحبهم في يوم من الأيام ولكنى عوضت عن ذلك على البنات، وفى السنة الثانية من المدرسة تفرقت عن كل أصحابي وكان كل الفصل لا يعرف معنى الضحك فحاولت إضحاكهم ولكنهم لم يراسلوني في الكلام وكأنني أكلم نفسي فصبرت أملا في أنهم سوف يتغيرون.
ولكن بعد أسبوع من هذا الصمت فوجئت بأنني ليس أنا فالضحك لم يخطر على قلبي قط وحاولت أن أعود لأمرح معهم ولكنني لم أعرف وحسيت في نفسي وفى أعينهم بنوع من الاستظراف وكل ما أحد يقابلني من أصحابي القدامى يقولون لي أنك لم تعودي تضحكين كما كنت ويزيدون ألمي فتعقدت جدا، وبقيت أمشى في الشارع كالمجنونة أمشى وأنا واضعة يدي على وجهي حتى لا يراني أحد من أصحابي ويقولون لي ذلك ثانية فإني ليس أنا فكل يوم وأنا عائدة من المدرسة أكون باكية ولم أستطع طبعا أن أحكي لأحد يخفف عني في البيت حتى لا يلاحظون ذلك في شخصيتي، ولأني لا أكلمهم أصلا.
وتطورت عقدتي النفسية أني قضيت عايشة على الذكرى فقضيت أتذكر ما كنت أفعله وأنا مع أصحابي وكل ذكرى معها بكاء منقطع النظير، وتطورت المشكلة أنه لم يوجد في حياتي أي جنس آخر أكلمه فإني لا أكلم الأب نفسه فمن أكلم بعده فقل تديني وأصبحت أفكر فيما كنت أفعله في الأولاد فقط.
ثم بدأت فترة التخيل -فاني أصبحت أتخيل أني دائمة التكلم مع الأولاد وعندما أتفرج على التلفاز وأرى رجلا يتكلم حتى ولو قليل مع امرأة يهتز قلبي بشدة وأتمنى أن أكون مثلها وتنزل إلي كمية رهيبة من -الإفرازات ووصلت الحكاية أنني أصبحت أتخيل حتى في الصلاة ولم يصبح عندي وقت اسمه عبادة غير الصلاة فأصبح عندي وقت بالساعات اسمه تخيل علاقات حب وكلام مع الأولاد ووقت اسمه ذكرى مع دموع غزيرة، فإني أصبحت فاشلة في ديني وأفشل في دنياي التي لم تعد سوى مسرحا للبكاء.
أعلم أن مشكلتي ليس لها حل ولكن حاولوا بأي شيء ولا تقولوا لي حاولي التكلم مع أبيك
فإني لم أعرف أكلمه في فترة مرحي أَفسأكلمه وأنا هكذا.
01/09/2006
رد المستشار
الابنة العزيزة أهلا وسهلا بك على مجانين..... قلما أصبحت تشدني سطور الاستشارات الإليكترونية منذ فترةٍ وأنا كذلك، ولكن في سطورك هذه ما شدني ربما لأنك تعبرين تعبيرا رائعا عن كيف يتداخل الاكتئاب في حياة الإنسان وتفاصيلها متلصصا وممتزجا مع ما يبدو من حياة الإنسان "وكأنه رد فعل طبيعي"، وكذلك وجدتك تعبرين بنفس الطريقة عن التغير الطبيعي من الفتاة اللاهية الصغيرة إلى الأنثى المكتملة النمو بيولوجيا أو جسديا، فتحكين لنا عن بداية انجذابك الطبيعي تجاه الجنس الآخر وما يحدث من تخيلات وكأنما هو تغير مستغرب في حالتك!
أولا لم توضحي لنا بشكل منطقي مقبول سبب خصامك لأهل بيتك، ماما وبابا وإخوتك؟؟ ولماذا تأخذين كل هذا الموقف؟ حتى ضرب أبيك لك –والذي قد نختلف فيه معه - قدمت أنت لنا فيه مبرراتٍ شبه منطقية في حين لم تقدمي أي تبرير لموقفك أنت!!، فهلا فسرت لنا السبب؟
إلا أنك قدمت لنا وصفا رائعا بريئا لفتاةٍ مرحة تذكرنا بكثيراتٍ من بناتنا المحبوبات المؤدبات السويات في المجتمع لولا ذلك التناقض -الذي كنت تخفينه بينك وبين نفسك- بين "أنت" الاجتماعية و"أنت" الأسرية، ولا أدري كيف كنت تحتفظين بعلاقة طيبة مع ربك في حين تعيشين كأن بمعزل عن أمك وأبيك وإخوتك؟...... هذا هو ما يعطي الطبيب النفسي انطباعا باضطراب انفعالاتك وربما بعض أفكارك عن نفسك منذ ذلك الوقت الذي تصفينه وكأنه أجمل أيام أنت الاجتماعية.
ويقودنا ذلك إلى محاولة تكوين انطباع عن "أنت" الحقيقية في نظرك أنت والتي تظهر لنا تتحرك مخفيةً بداخلها ما تعتبره هي عقدًا نفسية تستطيع حلها اجتماعيا من خلال مجموعة مهاراتٍ في التواصل الاجتماعي وهي مهتمةٌ بأن تكونَ شخصية مرحةً قويةً، لكنها في داخل أسراتها قليلة الكلام لا تعبر عن مشاعر -وربما حتى- ولا أفكار، واستمرار حضرتك بهذا الشكل سنوات الطفولة المتأخرة، إضافة إلى معاناة المراهقة والتعرض لكروب تغيير المدرسة والرفيقات،........ وما تزال أسرارٌ بينك وبين نفسك لم تبوحي بها...... كل هذه مؤشراتٌ تدل بشكل أو بآخر على اضطراب علاقتك بنفسك وشعورك الدائم بالمعاناة فهل نحن نتكلم عن خلطة اضطرابات انفعالية في الطفولة، مثلت تهيئة إلى اضطراب اكتئاب؟ يبدو ذلك انطباعا وجيها يا صغيرتي لكنه ليس خطيرا على أي حال.
ربما شكل انطوائك الأسري عاملا محفزا للجوء إلى الخيال إلى أحلام اليقظة والذكريات كآلية تعويض وهروبٍ في نفس الوقت، -وما زلت على نفس الحال حتى وأنت مكتئبة-.... فتتخيلين أشياء مفرحة لتتبعيها بالبكاء وتتخيلين أشياء جنسية مثيرة لك لتتبعيها بمشاعر الذنب والخوف من الله، وتصفين ما آل إليه حالك بقولك (ولم يصبح عندي وقت اسمه عبادة غير الصلاة، فأصبح عندي وقت بالساعات اسمه تخيل علاقات حب وكلام مع الأولاد ووقت اسمه ذكرى مع دموع غزيرة)، إذن تقلصت عباداتك لتقتصر على الصلاة التي أصبحت تتخيلين فيها أيضًا....
وأصبحت تغرقين في أحلام يقظةٍ يعقبها الندم! مع أن أغلبها لا يستدعيه، لأن أحكام الشرع تتعلق بأفعال المكلفين الإرادية ولا يكونُ إراديا في حالة أحلام اليقظة الجنسية إلا أن يسترسل فيها الإنسان بملء إرادته، وهذا سلوك يعتمد حكمه الفقهي على تحليل نفسية وعقلية صاحبه وعلى عواقبه -أي عواقب الاسترسال في التخيلات- بمعنى هل يصل مثلا إلى الاستمناء بالتخيل؟ ويأخذ حكم الاستمناء أو الاسترجاز في حالة البنات، يعني... أود أن أقول لك أن شعورك بالذنب ربما مبالغ فيه لأن حكم التخيلات الجنسية في مثل حالتك ليس تحريما قطعيا! ولأن حضرتك مسلمة يعني باب الاستغفار مفتوح وكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، واقرئي في فقه الاستغفار ما يوضح لك أكثر.
إلا أنك تبكين ما تزالين ودموعك غزيرة بعد تذكر ما يقصد منه أن يفرحك، وهذا وغيره أوصلك إلى الشعور بالفشل دينا ودنيا -لا قدر الله- حتى أيقنت –مخطأة- أن مشكلتك ليس لها حل!، فمن قال لحضرتك أن مشكلتك ليس لها حل؟؟
من أين أتيت بكل هذا الفشل واليأس -أزاله الله عنك- يا صغيرتي من أين؟
ما تسمينه أنت عقدة نفسية يسميه الطبيب النفسي اكتئاب! وهو مرض يعالج بسهولة بفضل الله، واقرئي في ذلك:
الاكتئاب الدائم أم عسر المزاج؟
الاكتئاب والتركيز أم عدم الثقة بالنفس أيهم أولاً؟
مللٌ وصراخ واكتئاب: ولا تقولوا كذا!
عسر المزاج، والاكتئاب
فقدان الطعم والمعنى جوهر الاكتئاب
الاكتئاب الجسيم لا الأعظم!
الاكتئاب وأشياء أخرى؟!!!
وأنصح بأن يتم التعامل العلاجي مع أفكارك وطريقتك في رؤيتك لنفسك وللآخر ولابد من إصلاح الخلل الذي يبدو مزمنا دون أسباب واضحة في علاقتك بأسرتك، والذين لا ندري موقفهم من صمتك الطويل فيما مضى وحاليا، ولا ندري أيعلمون شيئا عن بكائك الغزير، بما يعني إما أنك بارعة في كتم مشاعرك وانفعالاتك أو أنهم أقصد أفراد أسرتك غير موجودين أو كلٌّ لاهٍ بليلاه، لا أدري ولكن أظنك تحتاجين علاجا معرفيا للاكتئاب، إلى جانب علاج عقَّاري ربما لاكتئابك الشديد الأخير مثلما تحتاجين إلى مداومة على علاج نفسي تدعيمي وربما احتاجت الأسرة كلها علاجا أسريا يا ابنتي!
إذا كانوا تركوك تحملين كل هذه المعاناة طوال سنوات ولم يفكروا بالاقتراب منك ومحاولة الأخذ بيدك، ولا أدري هل كانت يوما ما لديك صديقة تعرف أسرارك ومشكلاتك؟ أم اقتصرت أنت الاجتماعية على الفتاة المرحة القوية التي لا تظهر انفعالاتها ولا عقدها لأحد كائنا من كان؟؟
نصيحةٌ أخيرة هي أنك لابد أن تحكي للطبيب النفسي المعالج عن كل شيء بما في ذلك شخصيتك المرحة القوية النشيطة التي كانت قبل أن يغلبك الاكتئاب وكذلك احكي له ما أخفيت عنا من أسباب جمود علاقتك مع أسرتك والتي ما تزال تحول بيننا وبين الفهم الكامل لحالتك، وحبذا لو تابعتنا بالتطورات.