معطوب.. لكن طامع في الشفاء التام. دلوني
بسم الله الرحمن الرحيم؛ "اللهم صل على سيدنا محمد الذي ملأت قلبه من جلالك وعينه من جمالك فأصبح فرحا مؤيدا منصورا وعلى آله وصحبه وسلم تسليما والحمد لله على ذلك". "اللهم صل على سيدنا محمد طب القلوب ودواؤها وعافية الأبدان وشفاؤها ونور الأبصار وضياؤها وعلى آله وصحبه وسلم تسليما".
أما بعد، الدكتور وائل ومجموعته السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ورمضان مبارك كريم... وقبل كل شيء أريد أن أهنئكم على هذا الموقع الفريد والمتميز والذي أراه لبنة ثابتة في ملء فراغ كبير في التوجيه النفسي على المستوى العربي والإسلامي... وهذا التوفيق في الإرشاد وهذا النفع العميم في العلم وهذا العمل الجماعي الخالص لدليل وعلامة على القبول والرضا من الله عز وجل.. فيا سعدكم ويا بشراكم...
فيما يتعلق بمشكلتي، فسأبدأ من الآخر: المشكلة والعائق الوحيد والأوحد في حياتي الآن هو أني وقد ناهز عمري 28 سنة، استجمعت من التجارب والمعلومات والمعارف وتأثرت بمنهج غدا لصيقا بحياتي وكياني ومنطبعا في تفكيري ووجداني؛ وكلما أعقد العزم على التطبيق والممارسة أمضي في ذلك أياما (15 يوما كأقصى حد) حيث تبدأ مداركي الفكرية والروحية تتفتح وآفاق وأطراف حياتي الآنية والمستقبلية تتسع وتتزن أموري شيئا فشيئا، وتنصلح أحوالي الداخلية وعلاقاتي مع الناس... كل هذا يجعلني أشعر بسعادة عارمة وباستبشار عميق...
إلا أنه موازاة مع كل ما ذكرته أشعر كأني بلغت قمة، ثم أبدأ تدريجيا في التقهقر على مستوى آخر من المستويات العصبية والنفسية وذلك بالظهور المتوالي للأعراض التالية (إذا ما أصررت بالطبع على المواصلة والمثابرة):
- أبدأ أشعر وكأن دماغي ينكمش وعقلي أصبح غير قادر على المواصلة مع ظهور اضطرابات وعسر في التنفس.
- قلق عميق عند الاستلقاء على الفراش ليلا للنوم: أشعر أن دماغي مشغل ولا يريد الوقوف للاستسلام للنوم العميق.
- بداية الأرق في الأيام الأولى حيث أبدأ أستيقظ باكرا مع الشعور والشكوى من عدم الراحة ومن عدم استعادة الطاقة.. وإن واصلت غير آبه بهاته الأعراض يشتد الأرق في الأيام المتتالية إلى أن يزج بي ذلك في حالة من الإنهاك الفكري والنفسي والقلق العائق.. ثم الشعور بالإحباط والاكتئاب وخيبة الأمل خصوصا عندما أبدأ بالتفكير أن طموحاتي وآمالي لن تتحقق أبدا لأني أعلم أن سنة الله في خلقه أن النتائج المرجوة من أي عمل قصدي أو مشروع لن تؤت ثمارها إلا بعد السير على الدرب قدما حتى النهاية من غير النكوص والتخاذل.
إني واع بأن لكل طريق في هذه الحياة أشواكها وعثراتها، ثم يستعيد الإنسان نشاطه وعزمه فيتابع السير... لكن حالتي غير ذلك لأنه زيادة على التعثر والسقوط بسبب الأعراض التي ذكرتها، فإني أجد الباب مسدودا أمام نفسي لدرجة أن مجرد التفكير في طموحاتي يزج بي في قلق وأرق واضطراب نفسي شديد تتدنى بسببه كل المستويات خصوصا العقلية والعصبية والعاطفية منها حيث "أغرق" في تشتت الفكر وعدم القدرة على التركيز وتلعثم في التلفظ والتعبير وضعف في الذاكرتين القريبة والبعيدة... فلا أجد نفسي بعد ذلك إلا مُضطَرا ومُقهَرا على نسيان كل شيء من انشغالاتي والتأجيل المتكرر لكل مشاريعي الشخصية حيث لا أرتاح إلا بعد العيش بنمط العبث واللامسؤولية والتسلي، يعني لابد أن "أعيش على هواي" كما يقولون؛ إذَّاك أبدأ أسترجع استطاعتي للنوم ويخف عني عبء القلق ويرتاح عقلي ودماغي.. ثم أبقى على هذه الحالة حتى أملها لأني أَفقد أو قل أُفْقَد المعنى الذي يحيا به الإنسان الطموح السوي المعافى المستقيم... أحاول أن أغير من استراتيجيتي وأحرص على الرفق في تناول الأمور والسير قدما بمقتضى التدرج، لكن ذلك لا ينفع سوى في تأجيل النوبة أو النكسة زمنا قليلا.
لقد أعطيتكم فكرة عامة لما أعاني منه حاليا، لكنه لابد أن يتبادر إلى ذهنكم سؤال توضيح وتفصيل وتاريخ المشكلة مع المحاولات العلاجية لها... فلنبدأ إذن وأرجوكم أن تتحملوني فهذه وصاياكم في "صفحة الإرشادات لطريقة إرسال الأسئلة أو المشكلات النفسية".
نشأت في أسرة متوسطة المستوى المعيشي والثقافي وتتكون من أب مهندس كهرباء وأم أستاذة للغة العربية. أنا الابن الأكبر والبقية ثلاث أخوات.. عشت طفولة ومراهقة طبيعية جدا؛ كنت مشتغلا فيها آنذاك بكثرة الألعاب الرياضية حيث مارست وببراعة هوايات كثيرة مثل التنس والسباحة وكرة القدم وأشياء أخرى.. المهم أني كنت في غاية الحركة والنشاط.
في 13 من عمري كنت قد أحرزت 3 ميداليات في فن الكراطي وذلك في إحدى البطولات المحلية التي أقيمت في مدينة الدار البيضاء. قبل أن أنتقل إلى بداية مرحلة الشباب أود أن ألقي الضوء على شيء مهم: منذ مرحلة الطفولة كنت ألاحظ بين الحين والآخر تخبط والدتي في مشاكل القلق والأرق والاضطرابات النفسية... علمت بعد ذلك أنها أصيبت بأرق وقلق شبه مزمن منذ سنة 1981 (مباشرة بعد وضعها الثاني لأختي حيث أن والدتي من مواليد سنة 1956)، كان عمرها آنذاك 25 سنة وهو نفس السن الذي أصبت فيه بأزمة القلق والاكتئاب؟؟!!
منذ 14 من عمري بدأت أداء الصلاة ولله الحمد بسبب تأثري بأحد الصالحين اللذين كانوا مواظبين على صلاة الجماعة في مسجد حيي. ابتداء من سن 16 تفتح ذهني ووجداني على المكتبة الإسلامية خصوصا كتب حجة الإسلام أبي حامد الغزالي رحمة الله عليه الذي أثر في بشكل جذري وقوي بكتابه الموسوعي "إحياء علوم الدين" حيث صادف ذلك العهد حماسة واندفاع فترة بداية الشباب، عندها كنت لا أجد الراحة إلا في العزلة والعكوف على قراءة الكتب.
في سن 17 من عمري انكشفت أسرار قدر هذا التعلق بهذا الإمام الجليل لألتقي بشيخي وأستاذي في التربية الروحية الشيخ العارف بالله سيدي حمزة القادري البودشيشي والذي بدأت من خلاله أتعرف على مدرسته في التربية الصوفية والتي بناها على كثرة الذكر بجميع أنواعه، سرا وجهرا وفردا وجماعة في سبيل تزكية النفس قصد التحقق بوصف العبودية الذي هو المفتاح الأعظم لسهولة تطبيق الشريعة والتخلق بالأخلاق المحمدية..
لكن في نفس الوقت الذي انتسبت لطريقته لقيت معارضة ومضايقة شديدة ومستمرة من طرف كل من والِديَّ وعائلتي الكبيرة، وذلك بدعوى الانتماء لمنظمة إرهابية خصوصا وأن ذلك الوقت (1997-1998) صادف وبرزت فيه الهجمات الإرهابية على السياح الأجانب عندكم في مصر وتأجج الصراع بين "الجماعات الإسلامية" والسلطة في الجزائر مما أدى إلى قتل العديد من الأبرياء... المهم أني كنت أمارس أورادي وأقرأ كتبي خفية تحت التهديد والضغط من لدن والدي الذي أتفهم الآن تصرفه وخوفه آنذاك بكل تقدير.
لذا أجلت الموضوع أو قل "المشروع" بعد عناد بات غير مجديا إلى وقت مناسب؛ فانسقت لمدة 3 سنوات تقريبا في كل ما يترامى عليه معظم الشباب من اللهو والتعلق بالزينة والمظهر وكثرة ممارسة الرياضة إلى أن بلغت 21 سنة حين حصلت على دبلوم متخصص في تسيير المقاولات أهلني لدخول الوظيفة العمومية.. إذَّاك عاودني الحنين إلى تلك المحاولة الروحية القدسية حيث انضممت فعليا في مدرسة شيخي المبارك ملتزما قدر الإمكان بالحدود الشرعية ومواظبا على الأوراد الفردية خصوصا (الهيللة) وتلاوة القرآن وحضور مجالس الذكر التربوية على الأقل مرتين في كل أسبوع.. هنا اعذروني أيها الإخوة في الاحتفاظ بما كنت أحياه من معان سامية لأنه أمر خاص ودقيق وسأدخل الآن في بداية الأعراض المرضية:
- بعد 6 شهور من الممارسة الروحية عانيت من أزمة وسواس قهري (وساوس العقيدة) لمدة 4 أشهر انتهت بفضل ملازمة الصلاة على النبي المعروفة بالصلاة الطبية (المذكورة أعلاه).
- بعد 6 شهور أخرى من الاتزان والاستقرار النفسي، أعترف أني كنت مندفعا شيئا ما خصوصا عندما عاودت الدراسة من جديد حيث أحرزت على باكالوريا حرة أهلتني للدخول في سلك دراسات الحقوق الجامعية باللغة الفرنسية... ابتداء من هذه المرحلة بدأت المشاكل تظهر تدريجيا جدا حيث كنت أسهر الليالي وأواصل البقاء في محل عملي من الصباح حتى الليل دون أخذ أي وقت للراحة؛ وذلك قصد تمكيني من المدارسة في أوقات الفراغ خصوصا أني لم أكن أتنازل عن المحاولة المتكررة في التوفيق الناجح بين مهنتي بالوظيفة وممارستي الروحية التربوية وإشباع طموحاتي الفكرية والثقافية العامة وممارستي للرياضة.. لذا سأسرد لكم تباعا الأعراض والمشاكل التي بدأت تظهر منذ بداية سنة 2002:
- بداية اضطرابات في الشخصية ظهرت في عاطفة جافة اتجاه أفراد عائلتي وعسر في الانسجام مع الناس.
- بداية إدمان على بعض العادات السيئة (الدخول على المواقع الإباحية) التي ما كنت ألبث أن أجاهد نفسي في تركها إلا وأعود إلى ارتكابها؛ وذلك على شكل دوري كل شهر تقريبا.
- بداية اضطرابات النوم حيث حرمت وإلى الآن من نعمة النوم العميق ونعمة القيلولة.. على سبيل المثال: أخذت على نفسي منذ أزمة الاكتئاب في سنة 2004 أن ألتزم بالقيلولة ظهرا لمدة أقلها نصف ساعة. منذ شهر مايو 2004 إلى يومنا هذا، لم أستطع النوم إلا مرات قليلة جدا؟؟!!
- بداية ظهور آثار الإعياء والإرهاق المزمنين بشكل تدريجي جدا: اصفرار الوجه - وجه شاحب - عينان غائرتان - نقص في الوزن - نحول في الجسم - وسواد فـي الجفـون.
- تدني مستوى علاقاتي الاجتماعية حيث بدأت أفقد شيئا فشيئا حس الانسجام والتوافق مع الناس، بل تطور في بعض الأحيان إلى سوء الظن المرضي بالآخرين، خصوصا عندما أكون تحت وطأة التعب وقلة النوم.
- فقدان تدريجي لرغبة الاطلاع الثقافي حيث ما كنت أفتح كتابا لقراءته إلا وتداهمني الوساوس التي تحرمني متعة القراءة.
بدأت الأعراض الآنف ذكرها في التطور والخطورة منذ شهر غشت 2003. وإليكم المحطات الرئيسية:
- شهر غشت 2003: اشتداد اضطرابات النوم حيث أصبحت سريع التأثر بالضوضاء إذ لم أعد أستطع النوم إلا بعد السكون التام في المنزل.
- في شهر رمضان 2003: فقدان شبه كلي للنوم العميق في الليل مع عصبية زائدة في التعامل مع الناس+ ظهور بعض أعراض الأرق في الليل.
- في شهر يناير 2004: زيادة مستوى القلق لدي لدرجة أنه في غالب الأحيان عندما كنت أستلقي على الفراش للنوم، تبدأ ضربات قلبي تتصاعد مع شعور عميق بالخوف وعدم الاطمئنان.
- ابتداء من شهر أبريل 2004، عشت كابوسا مفزعا من الأرق والقلق الشديد خصوصا بالليل... انتهى بي هذا المأزق (في خضم امتحانات السنة الثالثة جامعي) بتاريخ 05 مايو 2004 إلى أزمة اكتئاب حاد فقدت بسببه كل قواي... أستطيع أن أسميه انهيار عصبي كلفني التوقف المؤقت عن دراستي والتطارح على الفراش لمدة 10 أيام حيث أني كنت أشعر أني مررت على حافة فقدان العقل (والعياذ بالله).
عولجت مستعجلا من طرف طبيب عام بحقنة كبيرة من الكالسيوم وحقنة أخرى (لا أتذكرها) لرفع ضغط الدم الذي كان منخفضا جدا... ثـم بعد ذلك التزمت علاجا مزدوجا بمضادات الاكتئاب عقارamitriptyline ثلاثي الحلقات وحقن المانييزيوم؛ وذلك لمدة 4 أشهـر...
بعد الخضوع للعلاج، استرجعت شيئا ما صحتي؛ ولأول مرة منذ 3 سنوات أشرق وجهي واختفى منه الاصفرار وسواد الجفون واستطعت بفضل الله أن أجري الامتحانات التي فاتتني استدراكيا وأن أنجح فيها بامتياز. لكن مع ذلك لم يكن التحسن إلا عرضيا حيث لازلت أعاني وإلى الآن من مشاكل لم أجد لها شفاء تاما.
بعد وقف العلاج في شهر سبتمبر 2004 والتحسن النسبي الذي طرأ علي، عاودت محاولاتي في تحقيق طموحاتي (الروحية والمعرفية والرياضية) التي سرعان ما كانت تتبخر بسبب عدم قدرتي على المواظبة على الأعمال الموصلة إليها.. وإليكم المثالان التاليان:
- عندما أعود إلى الالتزام اليومي بأورادي وأذكاري، لا أستطيع أن أستمر إلى ما فوق 10 أيام حيث أبدأ بالشعور بالعجز والضعف العصبي والإحباط والقلق والخوف العميق الذي، إن واصلت التزامي بأذكاري غير مكثرت، يتطور إلى هلع مؤشره تصاعد ضربات القلب وعودة الأرق بسببه. كل هذه الأعراض تزجني في اكتئاب دوري قد يمتد بي إلى 4 أيام خصوصا عندما أبدأ أفكر في خيبة أملي وفي حال الناجحين والموفقين من الناس حولي.
- عندما أعود لممارسة الرياضة أجدني غير راغب فيها كما كنت، ولا أجني إلا ثمرات عكسية من مزيد من الإعياء والأرق اللهم إلا بعض النتائج الجيدة التي تأتي دائما متأخرة... خلاصة القول أنه إلى غضون شهر رمضان من سنة 2004، لا بد أن "أحيا على هواي" (كما قلت أعلاه) ولا أفكر في أي من مستقبلي وطموحاتي إذا أردت أن أهنأ بحياتي..
* تجربتي مع عقار Paroxétine:
في شهر ديسمبر 2004 أي بعد شهر رمضان الذي أُحْبِطتُ فيه كثيرا وتحت ضغط العوائق النفسية والعصبية اللا منتهية، قررت المتابعة الطبية عند أحد أطباء الأمراض النفسية والعصبية. بعد الاستشارة الأولى شخص الطبيب حالتي بما كتبه حرفيا على الملف الطبي « Troubles de panique mineure » والذي أترجمه "اضطرابات هلع خفيفة" وقال لي بأن لدي حظوظ وافرة جدا للخروج من هذا المأزق إذا اتبعت العلاج بعقار Paroxétine المؤثر على السيروتونين لمدة شهرين + شهرين آخرين للفطام.
استطعت أن أستعيد نشاطي، لكني لم أكن أشعر بالشفاء الجذري... إلا أنني ارتكبت أخطاء في تطبيق العـلاج:
الخطأ الأول: أوقفت الدواء بقرار شخصي بعد شهر ونصف دون أن أخضع نفسي للفطام، فأصبت جراء ذلك بما يسمى "أعراض التوقف المفاجئ" « Discontinuation Symptomes » حيث حدث لي اضطراب عظيم في دماغي وعدم توازن لدرجة ظهور بعض الآثار كالتلعثم في الكلام...
الخطأ الثاني: بعد مراجعة الطبيب النفسي، اضطررت إلى إعادة متابعة العلاج لشهرين آخرين ثم بعد إتمام المدة أدخلني الطبيب في مرحلة الفطام لشهرين آخرين (نصف حبة كل يوم).. بعد إتمام شهر ونصف من الفطام قررت شخصيا مرة أخرى إيقاف الدواء بسبب غلائه وتوق نفسي إلى الاستغناء عنه... بعد 20 يوما من الإيقاف رجعت لي الحالة المرضية من جديد: قلق + اكتئاب+ إحباط (لقد كنت في خضم امتحانات الإجازة ومررت بأصعب الفترات في حياتي). فكان أن عاودت الاستشارة عند الطبيب الذي وبخني لذلك وقال لي بأن لي حظ غير عادي في الخروج من المأزق. لذا فقد اتبعت العلاج بالعقار منذ فاتح مايو 2005 إلى فاتح سبتمبر 2005.
لكن بعد الانتهاء من مدة شهرين (مدة غير كافية في تقديري) بالماسا الباروكستين، رجع لي القلق المعمم والاكتئاب تدريجيا جدا لدرجة منعتني من اتخاذ أي قرار كيفما كان وتطبيقه.. لذلك اتجهت في علاج مشكلتي إلى التغذية والطب البديل وذلك بعد أن تمت اتصالات على الانترنت والتلفون بيني وبين الطبيب المشهور الدكتور جميل القدسي الدويك مكتشف نظام الغذاء الميزان الذي يعرض حاليا برنامجه في كل من قناتي اقرأ والرسالة الفضائيتين www.foodinquran.com .. بعد أداء تكلفة إعداد البرنامج العلاجي الغذائي، أرسله إلي لعلاج حالة القلق والاكتئاب التي شرحتها له بدقة في ملف طبي سري.. إلا أنني لم أستطع الاستمرار في تطبيق البرنامج الغذائي لأكثر من 12 يوما بسبب أني كنت أقضي جل أوقاتي في تحضير الوجبات الخمس اليومية الطبيعية مع مقادير وترتيب محدد ومع صعوبة تتجلى في لزوم ترك كثير من العادات الغذائية التي لم أستطع تركها بالكامل... المهم أني أحببت أن أطلعكم على هذه المحاولة العلاجية رغم عدم نجاحها في علاج الحالة...
استشرت بعد ذلك أحد الأطباء المختصين فقط في جراحة الأعصاب، ففاجئني بأن علي أن أخضع للتحليل النفسي الذي قد يدوم لسنوات... استسلمت لهذا "القدر المحتوم" في الدخول لهذا المجال الذي لا أعرف عنه شيئا والذي قد يستنـزف كل شبابي دون تحقيق الخلاص والخروج من هذه الورطة. سمعت بأحد المحللين النفسيين المتخرجين من جامعة نيس الفرنسية للطب النفسي فبدأت معه "العلاج" ؟؟ بالممارسة التقليدية للتداعي الحر. استمرت الحصص 3 أشهر ما كنت أشعر بشيء من التقدم إلا مؤقتا بعد كل حصة لما كنت أعبر فيها عن كل دواخلي وأسراري؛ لكن سرعان ما بدا أن ذلك مكلفا ولن يجدي شيئا خصوصا عندما اطلعت على كتاب أثار ضجة بفرنسا "الكتاب الأسود للتحليل النفسي" فتركت هذا النوع من العلاج وفوضت أمري إلى الله... أعيش يوما بيوم لا تطلع لي ولا أمل في الحياة بالمعنى الذي أردته اللهم إلا تلك الفترات التي كنت أقضيها مصليا في المسجد أشكو فيها علتي إلى العلي القدير.. كنت أشعر مثل شعور ذلك الرياضي الطموح في إنجاز قياسات هائلة، لكن كلما حرك رجليه أو إحداهما وجدها مكسورة لا يستطيع السعي بها أكثر من أمتار قليلة..
القرار الذي اضْطُرِرْتُ إلى اتخاذه هو أن لا أتخذ قرارا لأنه سيولد لي الأسى والحزن والقلق؛ لذا كنت أتسلى كثيرا بالمشي والتنـزه في أطراف المدينة وحدائقها وذلك طبعا بعدما أتم مدة عملي الوظيفي اليومي الذي كان نعمة علي إذ كان يشغلني، وفي أوقات الفراغ أسلي نفسي في الدخول على الانترنيت إلى كل موقع يشدني إليه بمعلومات جديدة. هنا أقف هنيهة لأصف لكم بعمق حالتي النفسية:
ابتداء من الشهور الأربعة الأخيرة من سنة 2005 وإلى نهاية الشهور الأربعة الأولى من سنة 2006 (8 شهور)، وبعد معاناة كما تُقَدِّرون دامت قرابة 4 سنوات، كنت أمنع نفسي من الفكر في آمالي وإذا ما بدأت أفكر مثلا في كيفية تنظيم وقتي وشغله بالمفيد، يداهمني القلق المحبط والإحساس بالعجز والضعف.. لذا "تركت كل شيء" وأقضي أيامي كالتائه الذي بداخله قلق دفين.. هذا القلق كان يخرج فيطفو على السطح كلما مثلت أمامي مظاهر الإبداع الإنساني خصوصا عندما أدخل المكتبات فأرى فيها ما ترك الرجال من إبداع وإثراء للفكر الإنساني والإسلامي خاصة. في تقديري أن هذا القلق كان طبيعيا لأني لم أستطع أن ألبي حاجاتي على المستويات التالية:
- المستوى الروحي: لم أقدر على مواصلة أورادي التي هي بمثابة أكسجين الروح وبالتالي لم أستطع توسيع مداركي.
- المستوى الفكري: لم أكن أستطع ملازمة قراءة كتاب واحد إلى آخره حيث كنت أشعر بالملل رغم علمي بفائدتي ورغبتي للاغتراف منه.
- المستوى الاجتماعي: علاقاتي الاجتماعية وخصوصا العائلية كانت تتسم بالجفاء والجفاف العاطفي الذي لم أستطع تجاوزه.
- المستوى الجسدي: لم أقدر على المواظبة على الرياضة بشكل منتظم لأنها كانت تأتيني بنتائج عكسية خصوصا الأرق وعدم استعادة الطاقة بعد الجهد الجسدي...
في غضون هذه الفترة تكررت المحاولة في النهوض بمستوى حياتي ثلاث مرات دامت كل منها 15 يوما على أكثر تقدير... في كل مرة كنت وبسبب ظرف من الظروف أتجاهل "أعطابي" وأجدد العزم على المضي قدما وبمقتضى التدرج في العمل على التسامي المتوازن بين المستويات الأربعة التي ذكرتها، جاعلا من المستوى الروحي السيد والقائد لباقي الأبعاد الأخرى... حقيقة ما أقضي 3 أيام حتى تختفي معظم الأعراض وأبدأ أحيا من جديد وأذوق طعم السعادة... لكن مع مضي الأيام أبدأ أستشعر بقدوم النكسة مرة أخرى التي أقع فيها لا محالة مهما اتخذت من حيل لتجنبها (كالتسلي والترويح عن النفس بعض الشيء).
- في شهر أبريل 2006 وبعد قضاء الإحياء السنوي لمولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بصحبة شيخنا شفاه الله وعافاه، قررت المكوث بداره ريثما يتيسر لي لقائه للشكوى له واستشارته في الأمر... بعد أن فسرت له ما أعاني، قال لي على التو: "الذكر ما يداوي الأعصاب، لابد تشوف طبيب أعصاب" ويعني به الطبيب النفسي... امتثلت لأمره باحثا عن أحد الأطباء النفسيين المقتدرين لأجده البروفيسور كمال الرضاوي الذي كان قد عين سابقا نائبا لرئيس الجمعية العالمية للعلاج النفسي. استشرته في حالتي فشخصها باكتئاب داخلي المنشأ + قلق معمم + اضطرابات تسلطية قهرية Troubles obsessionnels compulsifs فأعطاني عقار Sertraline.
أعتقد أن تشخيصه صحيح خصوصا تلك الاضطرابات التسلطية القهرية، إذ منذ بداية الأعراض سنة 2002 إلى يومنا هذا كانت تأتيني بين الحين والآخر بعض الوساوس القهرية أو قل بعض الأفكار التسلطية التي أخذت وجها آخر عما كانت عليه في الأزمة الأولى للوسواس القهري الذي أشرت إليه أعلاه؛ حيث كانت تحوم حول ثلاث محاور رئيسية: الذات الالهية- القرآن والمقام المحمدي- شخصية شيخي وسيرته... حقيقة كنت أعاني منها عندما تستبد بي، لكن سبحان الله "رب ضارة نافعة". لقد نهضت هذه الأفكار التسلطية بي إلى البحث العلمي الحثيث في ثقافتي الإسلامية الصوفية حيث زادت دعامات عقيدتي علميا بسبب توسيع اطلاعي على كل ما ينتابني من شكوك، رغم أن الاطمئنان النفسي الذي كنت أجنيه منه كان دائما عابرا.. حتى أصبحت أكثر وعيا بأني فعلا مريض وأحتاج علاجا ناجعا.
لذا أنا في إتباع العلاج بعقار Sertraline في الشهر الثالث: التحسن بطيء، لكنني أشعر أني في الاتجاه الصحيح بازدياد قدرتي يوما بعد يوم على التحكم في حالتي.. الأمل في الله كبير وأطمع منه تعالى بالشفاء التام، وهذا ما جعلني أكاتبكم قصد نصحي وتوجيهي لإكمال ما ترونه ضروريا من الأسباب الناجعة...
- لماذا كل هذه المعاناة بسبب أني أردت تحقيق طموحاتي، وما السبب في هذا العجز أو (العطب)؟
- إذا افترضنا أن طموحاتي غير واقعية وصعبة التحقيق، فلماذا، بعد تغيير منهجيتي في كل محاولة أقع في الورطة نفسها؟
- ما السبيل إذن لاستخراج الطاقات الدفينة التي يملكها كل إنسان والتي بها قد يتجاوز هذه الأعراض؟
- علما أن تغذيتي متوازنة وجيدة وأمتنع قدر الاستطاعة عن كل ما أعلم أنه ينهك صحتي... فلماذا إذن أشعر بالضعف والعجز والذي يظهر آثاره حتى على جسمي ونموه؟
- عندي تخوف كبير من الآثار التي قد يتركها عقار Sertraline على صحتي بصفة عامة؛ إذ رغم أنني أتناوله بعد الأكل مباشرة، أشعر في بعض المرات بمغص وتحرق شديد في أعلى بطني... زيادة على ذلك فقد سمعت مباشرة من أحد المختصين بالطب البديل بأن مضادات الاكتئاب يمكن أن تحدث سرطان القولون علما بأن الطبيب الذي أتعالج عنده أشار لي بأن العلاج سيدوم 6 أشهر على الأقل.
قبل أن أختم، أخبركم أني عازب ولكنني في بحث متواصل عن زوجة صالحة التي دائما إن وجدتها أجدها أكبر مني سنا...
ملحوظة هامة: أنا لست مستعجلا ردكم على رسالتي... لذا أحيطكم علما أني مستعد لزيادة أية معلومات أو تفاصيل أخرى إضافية ترونها جديرة بالدراسة...
أشكركم مسبقا
والله يوفقنا وإياكم.
29/09/2006
رد المستشار
أخي المريد
تحية طيبة وبعد؛
طلب الشفاء التام من مرضك النفسي يكون من الله تعالى، وهو على كل شيء قدير، وليس من الطبيب النفسي الذي هو وسيلة للتوجيه ووضع قدم المريض على الطريق السليم في علاج مرضه النفسي المزمن.
هل تعلم أخي العزيز أن معظم كتب ودوريات الطب النفسي تعتبر أن الشفاء من أعراض الوسواس القهري بالعقاقير مثل الماسا (السيرروكسات والفافيرين والبروزاك والسيبرام واللسترال) بنسبة 70% تعتبر درجة عالية جداً من الشفاء؟ والنسبة المتبقية من الأعراض تعتمد على استخدام العلاج بالعقاقير لأكثر من عام كامل مع استخدام العلاج النفسي مثل العلاج السلوكي والمعرفي في نفس الوقت وذلك حتى لا تعاود أعراض الوسواس القهري المريض بعد توقفه عن العلاج بالعقاقير، أي يحدث انتكاسة لأعراض المرض، وبشرط أن يأخذ المريض جرعات منتظمة وكافية يومياً من الأنافرانيل أو الأدوية التي ذكرتها من قبل.
صديقي وأخي العزيز لا تنزعج من كلامي ولا تتضايق ولا تحزن، فقد تعلمت من خبرتي مع مرضى الوسواس أن أكون حريصاً في كلامي ووعودي، لأنني قد أنسى ما وعدت به ولكن مريض الوسواس لا ينسى أبداً وعدي له كطبيب، لذا فشعاري مع مريضي بالوسواس هو: "الصراحة راحة للطبيب وللمريض". وكثيراً ما نجد كأطباء نفسيين مريض الاكتئاب مثلاً سعيداً جداً عندما يتحسن بنسبة 50% وممتناً وشاكراُ للطبيب المعالج، أما مريض الوسواس فقد يتحسن بنسبة 70% وعندما يسأله طبيبه عن درجة تحسنه؟ تكون إجابته عادة: لسه تعبان ومتضايق، نفسي يا دكتور أخف تماما من مرضي المتعب ده!!!!.
ولكن ميزة مريض الوسواس أنه غالباً شديد الولاء والوفاء لمن يعالجه إن وثق به، وكذلك يلتزم بتعليمات ونصائح طبيبه المعالج أكثر من غيره من المرضى النفسيين.
أخي مريد من الواضح أنك عانيت معاناة شديدة من مرضك النفسي في خلال الأربع سنوات المنصرمة، ولكنك والحمد لله قد بدأت في وضع قدميك على الطريق الصحيح للعلاج؛ بعد استماعك لنصيحة شيخك وتوجهك للبروفيسور كمال الرضاوي، فتشخيصه لحالتك يتناسب مع ما ذكرته باستفاضة عن نفسك، وكذلك العلاج الذي وصفه لك، ولكن مهم جداً المتابعة الدورية معه والالتزام بالعلاج الموصوف الذي من الواضح أنك بدأت تتحسن كثيراً بعد تناوله –وليس بطيئاً- فمن فضلك لا تحاول أن تأخذ قرار وقف العلاج – كما فعلت من قبل – إلا بعد مشاورة من وصف لك العلاج، ولو طلب منك الاستمرار على علاج ما ولو لأشهر بعد شفائك من أعراض الاكتئاب والقلق والوسواس فافعل.
وإذا أردت أن أنصحك بشيء لمساعدة العلاج فهو محاولة إيقاف الأفكار الوسواسية الدينية لديك عند بداية تفكيرك فيها، وأن لا تتركها تزداد وتتشعب في عقلك، واستعن على ذلك بآيات وأحاديث الشفاء من القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة وهي كثيرة، يمكنك أيضاً متابعة برامج العلاج السلوكي والمعرفي للوسواس القهري والاكتئاب وهي موجودة على صفحات الموقع بكثرة. ولو وجدت معالجاً نفسياً متخصصاً في العلاج السلوكي المعرفي قريباً منك فلا مانع أبداً من استعانتك بخبرته في هذه الجهة العلاجية.
أخي الكريم أثرت نقطة في رسالتك على قدر كبير من الحساسية ومن الصعب أن أمررها بدون مناقشة ألا وهي أن هناك آراء نظرية وليس أبحاثاً تشير إلى أن استخدام مثبطات استرجاع السيروتونين الانتقائية (ماسا) - وليس كل مضادات الاكتئاب كما ذكرت - قد تؤدي إلى حدوث سرطان القولون وغيره، وفي الحقيقة قد قرأت هذا الرأي وسمعته من بعض الزملاء منذ عدة سنوات، ونظريتهم في ذلك أن معظم هذه العقاقير تقوم بتثبيط وتنشيط الإنزيم الكبدي ب 450 وذلك نتيجة للتفاعلات الكيميائية مع عقاقير ومواد غذائية أخرى تدخل الجسم البشري مما قد يؤثر على إضعاف القوى المناعية للجسم وبالتالي التعرض للإصابة بالسرطان، ولكننا في الحقيقة ننتظر نتائج أبحاث أكثر تكون عملية وضابطة وعلى أعداد كبيرة ممن يتناولون هذه العقاقير (ماسا) لفترات طويلة، وخصوصاً أنه من الثابت علمياً أن الشخص المعرض للضغط النفسي لفترات طويلة (كالمرضى النفسيين) وبدون علاج هو أكثر عرضة لأمراض المناعة وكذلك التعرض للإصابة بالسرطان.
وحتى ذلك الحين من ظهور نتائج تلك الأبحاث من فضلك استمر على علاجك مع طبيبك النفسي ومن فضلك كذلك: "لا داعي لإطلاقك العنان للوسوسة والشك في علاجك أيضاً".
واقرأ أيضًا:
العلاج المعرفي للاكتئاب(8)
برنامج علاج ذاتي لمرضى الوسواس القهري(4)
خلطة الوسواس والاكتئاب والهلع
ذكي-متفوق-موسوس-ومكتئب: خلطة شائعة