الوسواس القهري
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ أرجو الرد على سؤالي أقصد معاناتي فأنا أعاني من الوسواس منذ 3 ونصف تقريبا بدأ معي عندما بدأت في التدين في الوضوء والصلاة وهنا أنا مختلفة عن كل الحالات التي قرأتها من قبل فأنا بمجرد ما أفكر في الوضوء أبدأ فيما يشبه مدافعة الريح وأعني هنا أنا لست مصابة بسلس الريح وأنا عادية تماما في الوقت العادي ولكني بمجرد ما أفكر في أني سأتوضأ أبدأ بهذه الحركات التي تحدث عندما يدافع شخص ريحا، وأركز تركيز شديد جدا جدا مع أدنى حركة في دبري وهذا يتسبب في خروج أشياء صغيرة لا أشعر بها إلا بالتركيز الشديد، وأنا عندما أشعر بهذه الحركات أجلس لقضاء حاجتي فلا يخرج أي شيء أبدا وهذا عذبني.
فأنا لا ألبث أن أغسل يدي لأتوضأ حتى أعيد ذلك مرات ومرات حتى أني في بداية الأمر كنت آخذ أكثر من نصف ساعة في الوضوء وهناك وساوس أخرى متعلقة بالوضوء ولكني الحمد لله ما أن أسمع الحكم الشرعي فيها من شيخ حتى أتركها مثل نسيان عضو معين أو نسيان عدد المرات ولأني كلما أتغلب على أمر يأتي آخر.
وكذلك كان الوسواس في الصلاة شديد جدا في البداية فكنت أشك في عدد الركعات هل ركعت أم لا هل سجدت أم لا ولكني بالعلم الشرعي وأقوال العلماء الحمد لله تغلبت على هذه الأشياء ووسواسي الآن في الصلاة أضعف بكثير من الأول أما الوضوء فهو عذابي حيث حرمت الصلاة في المسجد أو الذهاب لأقاربي وكرهت الجامعة أيضا لأني لا أستطيع الصلاة فيها فأنا يلزمني دخول الحمام وغسل نفسي بعد قضاء حاجتي بشكل جيد جدا فأغسل حتى وسط ظهري وأسفل فخذي خوفا من تطاير النجاسات علي ثم الوضوء ثم الصلاة التي تأخذ وقتا ويجب أن أرتدي ملابس تغطي القدمين وأتأكد أن ثيابي لم تلوثها المجاري التي تملأ الشوارع ومما جعلني لا أحب الذهاب للكلية أن دراستي طبية فأدرس مثلا الجهاز التناسلي للرجل والمرأة وكل شيء يخص هذا المجال وأنا لا أحب أن أذاكر هذه الفروع لأني أخاف جدا من ثوران شهوتي.
ليس هذا فقط فأنا لا أحب أن أقرأ المقالات المتعلقة بالاغتصاب أو شيء له علاقة بهذه المواضيع لأني لا ألبث أن أخاف من ثوران شهوتي فأدفعها فأخاف أن ينزل مني شيء وأنا عادة ينزل مني سوائل مختلفة عادية ولا أميز بينها وبين الجنابة فأغتسل حتى أنا أخاف من قراءة سورة يوسف حتى لا أغتسل وكنت أحيانا أغتسل في اليوم 3 مرات والمشكلة أن ما أخاف من قراءته أو مذاكرته أحلم به فأقوم أغتسل خوفا من الاحتلام.
وأنا أتعالج من الوسواس منذ سنة تقريبا ولكني انقطعت بعد أربع أشهر تقريبا ثم عاودت منذ شهرين تقريبا وآخذ أنافرنيل حبتين صباحا وحبتين مساءا 25 مجم وهناك تقدم ولكن أنا خجلت من إخبار طبيبي بهذه الأشياء فلا أمارس علاج سلوكي قوي ولكن هناك تقدم
أرجو الإجابة عن سؤالي.
علاقاتي بمن حولي ممتازة-أمي وبعض الناس في عائلتها مصاب بالوسواس.
29/09/2006
رد المستشار
أختي العزيزة المعذبة؛
مشكلتك وصفها أجدادنا من علماء المسلمين في كتبهم وبإسهاب واستفاضة وأذكر منهم ابن قيم الجوزية في كتابه "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان"، وابن قدامة المقدسي في رسالة له عن الوسواس، وبالطبع هما تحدثا عن كثير من أعراض الأفعال القهرية المتعلقة بالوضوء والصلاة والاغتسال والنية وغيرهم ولكن بالتأكيد فإن هناك اختلافا بين العلاج في ذلك الزمن البعيد وبين وقتنا المعاصر.
أما مسألة ثوران شهوتك عند قراءة سورة يوسف "عليه السلام"، أو عند دراسة الجهاز التناسلي للرجل أو المرأة، فما ينزل من سوائل منك لا يوجب الغسل، وفي ذلك يقول سيدنا علي رضي الله عنه: ""كنت رجلا مذاءاً (أي كثير إفراز السائل الدقيق اللزج الذي يحدث مع الشهوة وهو المذي)، فخجلت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فسأل صحابي عن المذي والودي وهما من السوائل التي تُفرز قبل المني عند ثوران الشهوة فقال صلى الله عليه وسلم "أغسل مذاكيرك وصلي"، أي أن الغسل فقط عند نزول المني وليس للسوائل الأخرى التي تصاحب ثوران الشهوة.
وبالنسبة للموسوسين فقد خفف عنهم الفقهاء أحكام الصلاة والطهارة، وذلك بالطبع من حكمة هؤلاء الفقهاء لعلمهم بأن هؤلاء المرضى مسلوبي الإرادة –بالنسبة لتكرار الوضوء والغسل والصلاة- بدرجات مختلفة، ومن باب الدفع بأخف الضررين نجد الكثير من علماء المسلمين يطلبون من الموسوس الذي يشك بأنه مصاب بسلس البول مثلاً أن يضع في ملابسه الداخلية قطعة قماش نظيفة ويصلي بعد أن يتوضأ لكل فرض من الفروض الخمسة، وخلاصة القول أن هناك تساهلاً في أمور العبادات التي يوسوس فيها المريض. ومن حِكَم الخالق في فرض العبادات علينا الوصول إلى تقوى الله عز وجل وعمارة الكون وصلاح حال البشر والمخلوقات وليس أبداً لتعذيب أنفسنا.
نصيحتي لك أختي الفاضلة هي الانتظام في تناول عقار الأنافرانيل –وقد تحتاجين إلى زيادة الجرعة أو إنقاصها وفقاً لما يراه طبيبك النفسي المعالج من زيادة أو نقص في أعراض الوسواس- وعدم التوقف عن تناوله وعلى الأقل لمدة عام –وهي مدة قابلة للزيادة– بالإضافة إلى مدافعة الأفكار الوسواسية ومحاولة إيقافها ولو بصوت عال (بأن تلك الوساوس أفكار خاطئة ولابد من التوقف عن التفكير فيها)، وذلك لأن الأفكار الوسواسية يتبعها دائماً أفعال قهرية إن لم يستطع المريض إيقافها ودفعها بعيداً عن مخيلته، ثم يكتئب المريض بعد قيامه بتلك الأفعال القهرية!!؛ وهكذا يصبح الوسواس والأفعال القهرية ثم الاكتئاب دائرة مغلقة لابد من كسرها عند أي نقطة فيها؛ مستخدمين كل الأسلحة العلاجية المتاحة: من دواء كيميائي، أو علاج سلوكي معرفي من استرخاء ومواجهة الأفكار الوسواسية وفعل عكسها – إذا كنت لا ترغبين في الذهاب لكليتك فاذهبي، وإن كنت تكرهين قراءة مواضيع معينة فلتفعلي، وإن حدث شك في خروج ريح منك وأنت لم تسمعي صوتاً أو تشمي رائحة فلتصلي ويكفيك وضوءاً واحداً لكل فريضة من الفرائض الخمس كما قال العلماء، ولتقذفي بشكوكك إلى الجحيم- وذلك كله بالطبع بعد أخذ الأنافرانيل لمدة شهرين أو ثلاثة بانتظام.
وستجدين أختي الطيبة الكثير من برامج العلاج السلوكي والمعرفي المتعلقة بالوسواس على صفحات الموقع حاولي الاستفادة منها، كما أنصحك أختي الفاضلة أن تستعيني بساعة حائط في مكان الوضوء والاغتسال؛ بحيث تعتمدين على الوقت الذي تقضينه في كل منهما؛ وليكن مثلاً هدفك هو الوصول إلى إتمام الوضوء في خمس دقائق وعشرة دقائق للغسل ويكون ذلك الإنجاز بالتدريج على أن تخرجي فور انتهاء الوقت المحدد حتى ولو شعرت أنك لم تكملي وضوئك أو غسلك، ولتستعيني بوالدك أو إحدى أخواتك –غير الموسوسات- مثلا في طمأنتك لصحة وضوئك وغسلك وصلاتك.
من الأفكار التي يمكن استخدامها أيضاً: سجلي هذه الإجابة وغيرها من الإجابات التي تُشعرك بالاطمئنان ومساعدتك في مواجهة الوساوس على شريط كاسيت بصوتك واستمعي إلى هذا الشريط أكثر من مرة يومياً وبالذات قبل أدائك للعبادات، ولا تنسي الذكر والدعاء لنفسك -وممن تتوسمين فيهم الخير- لك ولغيرك بالشفاء من هذا الابتلاء... اللهم آمين.... آمين....