أفكار كثيرة متداخلة.. تفقدني التركيز على شيء محدد
أنا طالبة جامعية على وجه تخرج عمري 23 سنة.. أعاني من مشكلة التحدث لنفسي باستمرار وأصبحت الأفكار تهجم علي بدل أن تراودني.. ربما كان كل الناس يتحدثون إلى أنفسهم عندما يغلقون عليهم غرفهم، ويمثلون أمام المرآة... لم أكن أقوم بشيء من هذا قبل أربع سنين عندما كنت أسكن الغرفة مع أختي الكبرى التي كانت تتحدث لنفسها أحيانا أمامي وأضحك عليها. وبعد أن غادرت بدأت أحادث نفسي كثيرا في الغرفة لأنني وحدي..
وبدأت في السنوات الأخيرة مع العزلة الطويلة وقلة الداخلين للغرفة أحادث نفسي حتى خارجها في الصالة مثلا وفي السيارة وأحيانا أحاثها في الجامعة بدون صوت ولا تمتمة لكن أصبح في الآونة الأخيرة أتحدث معها في المحاضرة وأمام الأصحاب ولم أكترث كثيرا رغم علمي باستغراب من حولي، إلى أن بدأت أختي تنبهني وأمي تنبهني لأنني ما إن أجلس معهم حتى أحادث نفسي وأضحك عاليا معها وأحيانا كثيرة أحرك يدي وأجلس أو أقف..
أصبحت الأفكار تسيطر علي وتسحبني سحبا وتهجم على عقلي فتخرجني من بين الناس بقوة تأثيرها فأتمتم، وتسيطر على حركاتي أحيانا فمثلا عندما أكون سائرة في الممر في الجامعة أتخيل أن كلبا يهجم علي بغتة فأقوم بإسراع الخطو قليلا ثم الانحراف يمينا تجنبا لشيء ما وهو مؤثر خيالي لا وجود له. أحيانا في المحاضرة يسألنا الدكتور سؤالا فأبدأ في التفكير مع نفسي ومناقشة السؤال مع نفسي فأحرك يدي وشفتاي بالإجابة حتى نبهني الدكتور بكلمة للجميع في المحاضرة فانتبهت ولكن سرعان ما عدت لحالتي بعد فترة.
قد أكون مبالغة في تصويري لوضعي ولكن الذي دفعني لذلك هو استيائي من نفسي وأنني أصبحت لا أركز في كلام من حولي لي دائما خصوصا إذا كان المخاطب شخص قريب مثل أختي، تحدثني فأستمع لها ثم وبسرعة تخطر علي فكرة أخرى فأذهب معها دون أن أرد عليها.
أفيدوني ما السبب في هذا وما هي الخطوات التي ستخلصني مما أنا فيه.. مع العلم بأن كل أفراد أسرتي يمارسون هذه العادة وكأنها وراثة من الجد حتى الحفيدة، وكنت أراها وقد اعتدت عليهم هكذا رغم عدم وجود هذه الصفة بي من طفولتي ولكنها بدأت واستفحلت حتى طالبوني بإيقافها، أما هم فربما يستطيعون السيطرة على نفسهم أمام الآخرين.. وأعتقد أن عدم اكتراثي لمن حولي سبب في زيادتها.
جزاكم الله خيرا..
وأنتظر منكم الجواب الشافي والله المستعان.
25/10/2006
رد المستشار
بسم الله الرحمن الرحيم
أهلا ومرحبا بك معنا على مجانين؛
الأخت الكريمة طالما قدرت يداك على أن تكتبي لنا مشكلتك فهذا مؤشر إيجابي أما ثاني المؤشرات الإيجابية في رسالتك فهي أنها متماسكة وبلغة مفهومة وواضحة وهذا بالفعل شيء مبشر. الحوار موجود عندنا بأشكال عدة فنعلن عن وجودنا بالحوار فنحاور الآخرين ونحاور أفكارنا ونحاور أنفسنا، ومن منا لا يتحدث مع نفسه كلنا نحدث أنفسنا ونحاورها وتحاسبنا وقد تنصحنا وقد تأمرنا بالسوء ولقد حدثنا القرآن الكريم عن هذه النفس فهناك النفس الأمارة بالسوء والنفس اللوامة النفس اليقظة التي تحاسب نفسها باستمرار (لا أقسم بيوم القيامة ولا اقسم بالنفس اللوامة) ويأخذ الضمير دور هذه النفس وثالثا النفس المطمئنة التي نتمنى كلنا أن نصل بنفوسنا إليها هذه النفس العاقلة المرتاحة والمريحة والتي قال الله لها ارجعي إلى ربك راضية مرضية ويأخذ العقل الناضج الواعي دور هذه النفس.
إذن هذا هو كلام القرآن الكريم عن الأنفس التي بداخل الناس وهي قوة الضبط والردع والتوجيه سلبا كان أم إيجابا وهذا عندنا جميعا، وهذه النفس تعلن عن وجودها باستمرار وتظهر لنا وهذا لا يأتي إلا بالحوار أو ما ندركه ونفسره على أنه كلام أو بمعنى آخر الصوت الآخر بداخلنا، ونحن نلجأ للحوار مع نفسنا كثيرا وليس دائما، ساعات في اليوم وليس كل اليوم، وفي غير ذلك فنحن نعيش في العالم الخارجي من حولنا ونقوم بمهامنا وأعمالنا ونلعب أدوارنا كل هذا في تناغم وسلاسة دون إعاقة شيء للآخر.
أما أن ينسحب الإنسان إلى ذاته ويصادقها ويستغني بها عن العالم من حوله فهذا هو الخطر بعينه حيث يبدأ الإنسان في الانغلاق على نفسه وهذا الانغلاق أشبه بالدوامة التي تجرف ولا تبقي وتبدأ هذه العلاقة الحميمة بين الإنسان ونفسه تأخذ شكل الوجود بما فيه من أفكار وسلوكيات فتأتي بأفكار جديدة لا علاقة لها بما حولنا.
وكسرا للملل بين الإنسان ونفسه قد يأتي بأشخاص آخرين غير حقيقيين يتعارك معهم أو يحبهم يكنون له الكره والمكائد أو العكس ثم يقفزون من الداخل إلى الخارج فيراهم المريض ويتحدث لهم ويستجيب لكل ما في هذا العالم بحواسه وهو بالطبع في مثل هذه الحالة مريض عفاك الله من مثل مرضه.
الحديث مع النفس بمثل هذا الشكل ليس شيئا مطمئنا كما أن تاريخ مثل هذا السلوك في عائلتك قد يفسر لنا ما أنت عليه فربما كان سلوكك هذا هو محاكاة لهم أو قد يكون غير ذلك وكنت أتمنى أن نعرف هل هناك أحد في عائلتك حصل معه كما سبق وأوضحت، لا أريد أن أجعل الصورة قاتمة أمامك فكما قلت المؤشرات الإيجابية في رسالتك مطمئنة ولكن استجابتك سلوكيا لمثل هذا الحديث الدائم مع نفسك وانسحابك وانغلاقك عليها بمثل هذا الود والرضا حتى مرت عليك السنون وعدم تواصلك بشكل جيد مع من حولك هو حقا ما لا يعجبني.
عليك بأن تخرجي نفسك وتساعدي نفسك فربما يحدث ما لا يحمد عقباه، أشركي نفسك أكثر وأكثر في النشاطات الاجتماعية مع الأصدقاء والأسرة، لا تجلسي لوحدك وإذا كانت رأسك مزدحمة بالأفكار فالورق يتسع لملايين الأفكار فحاولي أن تكتبي على الورق هذه الأفكار أو تعبري عنها برسومات واستبدلي صداقتك لنفسك بصداقتك مع آخر مع صديقة أو مع أمك أو أختك
هذه أول خطوة في خطة الإنقاذ وتبقى الخطوة الأهم وهي زيارة الطبيب النفسي والتي لا أرى لك عنها غنى.
إني أستبشر في الأمر خيرا إن شاء الله ولكن لا تهملي هذه النصيحة، ولا يسعني في آخر الرد إلا إعطاءك رابطين لقراءتهما وبداخل هذين الرابطين روابط أنصحك أختي بقراءتها أيضا:
الكلام أمام المرآة : جنونٌ أم لا؟!
الكلام مع النفس: بين الطبيعي والمرضي
مع دعائي لك بالشفاء