السلام عليكم
أخي الفاضل د.وائل أبو هندي.. يجب أن تعذرني لأنني طرقت الباب من هنا ولم أطرقه من المكان الذي يطرقه الجميع.. لأن مشكلتي جدّ غريبة ولا أستطيع أن أصبر لذلك الحين الذي حددتموه في تنبيهاتكم لمشاغلي الحياتية الكثيرة.
أبدأ باسم الله معكم في عرض مشكلتي راجياً من أهل الاختصاص أن يرسموا الأفق في نهاية الطريق الذي أسلكه..
أنا شاب في أوائل العشرينيات من عمري، مررت بمرحلة المراهقة بتقلبات عاطفية ونفسيّة كبيرة.. كان من آثار هذه التقلبات أنني فشلت للمرة الأولى في حياتي في مجال الدراسة.. تخيّل يا دكتور أنني نجحت حتى الثانوية العامة في جميع مراحلي الدراسية ولم أرسب في مادة واحدة طوال هذا العمر... لكنني حين دخلت الحياة الجامعية أصبت بانتكاسات نفسية شديدة كان على أثرها أنني رسبت في ثلث المساقات التي درستها!.
أدمنتُ الانترنت، أدمنت الغياب عن محاضراتي الجامعية، أدمنتُ العلاقة المتوترة مع والدي وما زال هذا التوتر حتى هذه الساعة.. هو لم يفهمني، وأنا لم أتقبل منطق تعامله مع الحياة إذ أنه معقّد في حياته يكيل بمكيالين.. رجل جبان يعجز عن المواجهة.. في آخر حوار لي معه تواقحت لأبعد درجة فأخبرته بحقيقته التي أراها بعيني بكل جرأة فكان أن طردني من البيت ثمّ عدت.. فكانت النهاية أن خاصمني وانتهى الأمر لأن يهجرني بعد أن علم بفشلي في دراستي الجامعية... نحن الآن منقطعان تماماً اجتماعياً فلا أشعر بقربه الأبوي أبداً ولا هو يهتمّ بي.. لكنني ما زلت أعيش في بيتنا رغم شعوري العميق أن أبي تبرأ مني.. والغريب في الموضوع أن كلّ هذه العلاقة المنقطعة منذ نحو سنة أو أكثر لا تهمني.. بل على العكس، فقد أخبرت أمي أنني مستمتع في حياتي لبعد أبي عن حياتي وعدم تدخله في تفاصيلها اليومية!
لست أشعر بالندم أبداً لبعدنا عن بعضنا بعكس علاقة كل ابن ووالده، بل أحبّ أن تبقى علاقتي به كما هي الآن (لا سلام ولا كلام ولا اجتماع على مائدة ودخول حين يخرج وخروج حين يدخل)..
نقطة أخرى مفصليّة في حياتي، الحبّ رغم أن هذه الكلمة لم تطرق بابي مذ وعيت على هذه الدنيا، إلا أنها طرقت بابي منذ شهور قلائل مع فتاة عربية من دولة مجاورة عرفتها من خلال الانترنت.. عرفت فيها كلّ المعاني السامية.. كلّ الحبّ والحنان الذي افتقدته في حياتي وجدته لديها.. تمسّكت بها بشدة يا دكتورنا الفاضل، وهي على تدينها والتزامها الشديدين وإظهارها أن علاقتها بي هي علاقة أخوة في الله فقط وليست ـأي العلاقةـ تخرج عن هذا الإطار، إلا أنها في لحظة ما اعترفت بشوقها إلي.. اعترفت أنها تلتصق روحياً بي..
في بادئ الأمر اتفقنا على الصراحة مع بعضنا، من ناحيتي احترمت هذه الصراحة وبنيت عليها ثقتي الكاملة.. فأعطيتها رقم موبايلي، وعرفت أمي بطريق معين أنني على علاقة بفتاة عربية، فسرقت شريحة موبايلي واتصلت على الفتاة ووبختها بشدة.. بل دعتها لتتركني لأنني حسب تعبيرها ـ لي تجارب كثيرة مع أخريات ـ وهو كلام تعرف الفتاة أنه مغلوط لأنها تعرفني وتعرف كل شيء عني... وهذه هي الحقيقة.
أخبرتها الفتاة أنها مريضة جسدياً وأن أيامها قليلة في هذه الدنيا، وهي فعلاً مريضة بمرض معيّن يجعل من حياتها جحيماً ويمنعها من الاستمرار بالمستقبل في حياة زوجية أو ما إلى ذلك من أمور تطمح إليها كل فتاة.
مسبقاً كنت أعرف كل هذه التفاصيل عنها، ورضيت بها.. نويت أن أرتبط بها لأنني وجدتها تفهمني وأفهمها، ناهيك عن أنها غيرت فيّ الكثير الكثير.. وبدوري حرصتُ أن أكون وفياً قدر وفائها لي.. فلم أتخلى عنها رغم أن والدتي قالت أنها ستغضب عليّ إن علمت أنني رجعت لهذه الفتاة..
تواصلنا لشهور أخرى دون علم والدتي... وتقدّم للفتاة عريس دون مستوى تفكيرها ومستواها الاجتماعي.. دون درجة تدينها وهي لا تعرفه ولا تعرف ماضيه، اتفقت معها أن تتابعني بأخبارها لنتمكن من تجاوز هذه الأزمة... واستطعنا بطرق معينة معاً أن نلغي أمر زواجها وارتباطها..
لكنها بعد هذه القضية اختلفت جداً معي، تقول أنها قررت أن تلغي المهاتفة بيني وبينها ـ رغم أنني لم أتجاوز حدودي معها على الإطلاق.. بل كنت شهماً معها لأبعد حد تتصوره ـ.. أخبرتها أن ما تريده هو ما أريده.. وان كان أمر الموبايل سيزعجها فلتلغيه وهذا الذي حصل.. ثمّ قالت أنها ستغيب ولم تقل لماذا ستغيب.. وصبرت على فراقها دون أن أنبس ببنت شفة قط..
لكنني أحس أن فتاتي ـ حلمي الجميل ـ ستتفلت من يدي.. أشعر أنها تريد أن تبتعد عني رغم أنني أؤكد لك أنها تذوب حباً فيّ بل وتراني قدوة في حياتها فتقف لجانبي وأقف لجانبها... كررت لي كثيراً أنني غيرت في حياتها الكثير.. وأنني شيء ملتصق بروحها لا تستطيع الاستغناء عنه.. وأنا كذلك أراها في نفسي..ستقول وما نهاية هذه العلاقة!
أخبرك أنني صارحتها بالقول أنني لن أتزوج منها.. لأن ليس لدي أي إمكانات مادية تسمح لي بالارتباط بها.. ناهيك عن طبيعة أهلي المحافظة التي تعارض زيجات تبدأ بمثل هذا المشوار.. ولا أغفل القول أنها تماثلني سناً ولديها من الأمراض ما الله به عليم!
لا أعرف إلى أين تتجه علاقتي بها .. ولست أميز إن كانت تسعى للانسحاب بهدوء من حياتي ـ كونها تكره جرح مشاعري ـ أو إن كانت ظروفها تمنعها من لقائي كما اعتدت ذلك !
ومن ناحية أخرى لا أعرف كيف أوفق بين دراستي التي عدت لها مؤخراً وبين أهلي وبين حبيبتي... أشعر أنني مشتت بين هذا وذاك.. والأدهى أنني إن فقدت هذه الفتاة فلديّ شعور أنني لن أحبّ بعدها فتاة أبداً إذ أن عواطفي ومشاعري وهبتها لهذه الفتاة الطيبة ولم أخرج حجم هذه العواطف والمشاعر لأي أنثى طيلة حياتي مذ وعيت.. وكما يقولون "ما الحب إلا للحبيب الأول".. لذا قررت ألا أتزوج لأنني سأظلم أي فتاة سأرتبط بها إذ لن أهبها حبّي الحقيقي ولن أعترف لها بماضيّ مع فتاة أخرى قضيت معها فترة كافية لأحبها وتحبني..
سؤال أخير.. هل علاقتي بهذه الفتاة محرمة شرعاً! .. هل محادثتي إياها بشكل رجولي خال من الصبيانية والشهوانية أمر حرام! .. وهل حبي لها وحبها لي دون رابط يربطنا علاقة عشق محرمة! ... وهل تؤكد لي صحة القول القائل "لا أخوة في الله بين الرجل والمرأة"؟ وهل يعقل أن أتزوج أو أحبّ غيرها بوفاء حقيقي وحبّ حقيقي!!
وافر تحياتي دكتور، وأعتذر على إطالتي.
بوركت
22/11/2006
رد المستشار
أخي العزيز؛
بقدر ما آلمني ما جاء في رسالتك بقدر ما أثارت داخلي العديد من التساؤلات والملاحظات مثل :
لماذا تتفجر خلافاتك مع الآخرين (الأب، الأم، الحبيبة) فجأة؟
لماذا يتخذ الآخرون دائما اتجاها ضدك دون إبداء أسباب لذلك؟
لماذا تقوم والدتك بسرقة شريحة تليفونك رغم أنها تستطيع معرفة الاسم دون سرقة الشريحة؟
أخي الحبيب؛
هل أثيرت هذه التساؤلات بداخلك من قبل؟ فإذا لم تكن قد أثيرت فهل ترى أنها منطقية وتحتاج أن تعطيها مساحة من تفكيرك واهتماماتك؟
أخي
ألمح من حديثك وجود توتر شديد في علاقاتك بالآخر سواء كان الأب أو الأم أو الحبيب، وأكاد أن أخمن بعدم وجود علاقات اجتماعية مشبعة في حياتك مع صديق أو زميل أو قريب. كما أرى أنك تري دائما الجانب المظلم من حياتك فقط (نصف الكوب الفارغ) فلم تتحدث في رسالتك عن أي إنجازات، أو أشياء إيجابية فعلها لك الآخرون.
حتى حين سردت علاقتك بفتاتك اهتممت بسرد السلبيات (رفض الأم، مرض الفتاة، عدم استعدادك للزواج) ولم ترى إيجابيتك في الارتباط بفتاة تعاني من مرض ما، وما بثثته فيها من روح جديدة وقدرة على الصمود والمواجهة.
أخي
إن الله لا يحاسب البشر على النوايا سيئة كانت أم حسنة، لكن على ما فعلوا من سلوكيات مفيدة أو مضرة، فهل ترى في علاقتك لفتاتك ضررا لها أو خداعا أو سوء نية، هل غيرت في حياتك إلى الأفضل أم لا، هل أنجزت جديدا بعد علاقتك بها، هذا هو ما أفضل أن يشغل تفكيرك.
صديقي أنصحك بأن تساعد نفسك على إعادة التنظيم الداخلي لشخصيتك عن طريق التدريب على أن تذكر في كل موقف تقابله شيء واحد إيجابي على الأقل، وأن تهتم بتنظيم نفسك على المستوى المحيط بك من خلال الاهتمام بالجانب التعليمي وهذا يعقبه العمل مما يجعلك تتمتع بالثبات المادي، وأن تنضم سريعا إلى مجتمع الإيجابيين عن طريق قراءة السير الذاتية للآخرين أو مخالطة المجدين ممن حولك، واجعل لكل نشاط من حياتك وقتا محددا سواء كانت المذاكرة أو الإنترنت أو محادثة أصدقائك..... وحاول أن تتعلم في كل يوم شيئا جديد وأن تقلل بقدر المستطاع المسلمات من حياتك وتبحث عن أسباب لكل مشكلة تواجهها فمعرفة السبب تسهل كثيرا من معرفة الحل، جرب هذا واستعن بالله وهو الموفق.