فخ الصورة: أول الملف
فتيات فتيات
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته؛ أنا صاحبة مشكلة (فخ الصورة: أول الملف) إن لساني يعجز عن وصف شكري لكم فلم أتوقع أبدا أن تحظى رسالتي بهذا الاهتمام ولكن هذا ما تعودت عليه منكم وليس غريب
لقد ساعدتني كثيرا على ربط المعايير بداخلي بعد أن كانت ارتبكت كل المعايير بداخلي ولم أعد أعلم أين الخطأ وأين الصواب في هذا الزمن...... إن نظرة أي رجل لواحدة من تلك الفتيات تجرح أي فتاة في أنوثتها وتقلل من قيمتها في نظر نفسها قبل أي أحد.
إنني أوجه من خلال رسالتي هذه لكل رجل أن يحاول مراعاة شعور حبيبته في هذه النقطة لأنها بالفعل وإن لم تقل فهو جرح لها بكل المعايير.
وأرجع وأعذر الشباب لأنه رجل ويجد أمامه فتاة توحي له بكل شئ جميل إذا كان شعرها طويل وجميل يتخيل نفسه (لا تؤاخذني في التعبير) وهى تلبس ما لا يستر جسمها في حجرة النوم وشعرها منسدل على كتفيها يتمنى لو أنها معه في غرفته ليستمتع بهذا الجمال وحده وأنا أعذرهم فنحن لا نتعامل مع ملائكة....
صدقني كلما حاولت أن أتجاهل هذه المشكلة أجدها أمامي تؤرق حياتي فعندما قرأت رسالتك استرحت كثيرا ولكنى بمجرد غلق جهاز الكمبيوتر عاودتني الفكرة بكل اضطراباتها بل إنني دخلت في أشياء أسوأ مثل :
لماذا لم يخلقني الله جميلة حتى لا أجد أي امرأة أجمل منى أو لماذا لم تهيئ لي الظروف لأكون مثلهم وأفيق من كل هذا بالاستغفار وحمد الله على كل شئ فأنا أفضل من غيري بكثير ودائما والدتي تقول لي انظري لمن اقل منك وليس الأحسن حتى تحمدي الله وتشعري بالنعمة التي أنعمها الله عليك حقا (َخلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ)، صدق الله العظيم
صدقني عندي أفكار كثيرة وكان مقصدي بقولي في الرسالة السابقة: (إلى بقية) أي إلى بقية في أفكار أخرى ومشاكل أخرى
أدعو الله أن يساعدكم على المهمة التي على عاتقكم وأن يوفقكم إلى ما يحبه ويرضاه وأن يحجب عنكم مشاكل قراءكم ولا تقعوا في أي منها في يوم من الأيام، ولو أنه لا أحد يخلو من المشاكل،
وإلى بقيه ..............
12/10/2003
رد المستشار
الأخت العزيزة صاحبة المتابعة أهلا وسهلا بك، أسعدتنا متابعتك كثيرًا، ونشكرك على إطرائك لصفحتنا، ونتمنى أن نكونَ دائما عند حسن ظن زوار موقعنا وسائلينا في مشكلاتهم، ونحن نرحب بك وبأفكارك ومشاركتك الدائمة معنا.
وسنناقش معك السبب الأصلي وراء معاناتك ومعاناة كثيرين مثلك وهي ثقافة الصورة، فما حدث يرجع أساسا إلى انتشار الصورة، فقد دفعت أهم من معطيات الحضارة الغربية الحديثة، وهي ثقافة الصورة بالكائنِ البشري إلى التعلق بنموذجٍ واحدٍ للجمال، وهذا النموذج نموذجٌ معادٍ تمامًا لطبيعة الجسد الأنثوي، لأنه في نحولٍ مستمرٍّ على مر السنين (وهو نموذج يتطلب مقاييس غير طبيعية بالنسبة لأكثر من 90% من النساء على أفضل تقدير)، وقد سبقَ هذا المناخُ الثقافيُّ المعادي للبدانة الطبيعية في المرأة تبلورَ العولمة، كمفهوم حديثٍ، بزمنٍ طويل حيثُ بدأ منذ انتشار الصورة المطبوعة (الجرائد والمجلات) ثم المنقولة عبر الشاشات المتتالية (السينما، التليفزيون، الكومبيوتر والآن شاشة المحمول).
وكما يقول الزميل المستشار الدكتور أحمد عبد الله: حدثَ في القرن العشرين أن ارتبط تحرر المرأة من قيود الأسرة والأمومة بسيطرتها وتحكمها في جسدها وفي علاقاتها بالرجال من حولها، وارتبط هذا كله بالنحافة التي صارت عنوانًا للتحرر، وإثارة الرجال، وتوالت بعد ذلك آلاف الوسائل التي كرّست هذه الصورة الذهنية عن المرأة الجميلة، ونحن عندما نترجم كلمة Model إلى عارضة نغفل أن معناها الأصلي "نموذج"، لقد أصبح جسد العارضة أو ملكة الجمال، وما شابه هو عنوان الجمال، ومعياره المستقر في الأذهان، واستقر معه أن هذا الجسد هو الطريق للنجاح في العلاقات الاجتماعية والجنسية.
ثم أن منجزات وتوجهات الحضارة الغربية في ذات الوقت حولت ذلك الجسد من كيانٍ يتمتعُ بالقداسة والخصوصية والستر التي كانت تضمن لصاحبه أو صاحبته حريةَ التصرف فيه في حدود ألا يؤذيه، إلى كيانٍ عارٍ من القداسة ومن الستر ومن الخصوصية بالتالي، وقد تحققَ ذلك التغير كنتيجةٍ للتغير على عدةِ محاورَ تتعلقُ بعلاقة الإنسان بجسده، فمن الجسد المبهم المليء بالأسرار إلى الجسد الذي نعرفُ تركيبَ كل عضوٍ وكل خليةٍ وكل ذرةٍ فيه، ومن الجسد الخاص الذي يعتني به صاحبهُ ويحافظُ عليه ويغطيه ليكشفهُ ويمنحهُ إذا شاءَ متى شاءَ ولمن يختار، إلى الجسد الاجتماعي المتعري الذي لابد أن يلتزمَ بالمقاييس التي يطلبها المجتمع لأن التزامه بتلك المقاييس يضمنُ له القبول والنجاح بوجهٍ عامٍ في ذلك المجتمع ،
كما ندعوك إلى قراءة المقال التالي على موقعنا أيضًا في باب البدانة والنحافة تحت عنوان :
رؤية المرأة لجسدها من منظور اجتماعي
وأيضًا: أكذوبة الوزن المثالي
ومن هذين المقالين ستعرفين علامات وأسباب عدم الرضا عن صورة الجسد خاصةً بين البنات والنساء، ويحضرني هنا ما حكاه لي أخي الدكتور أحمد عبد الله من طرف حوارٍ دار بينه وبينَ شابةٍ إيطالية حيث قالت له أنها تحسد المرأة المسلمةَ كثيرًا فسألها لماذا فكانَ ردها لأن المرأة عندكم ليسَ لها Public Body أي ليس لها "جسد اجتماعي".
كما ندعوك إلى قراءة مشكلةٍ منشورةٍ على استشارات مجانين تحت عنوان :
أسير اليأس: عرض الأزياء والقلب الحجري
وفي ذلك الإطار انطلق السباق المحموم ولم يتوقف، بحثًا عن الجمال الأسطوري، وتنوَّعت السبل والوسائل للحصول على ذلك الجسد الرشيق الذي نراه في الصور فيُدير رؤوسنا وعقولنا طموحًا إليه؛ بدءًا من أنظمة الغذاء والتغذية المنضبطة ببرنامج محدد يحسب السعرات، ويحدد الأنواع بحيث تساوي "الجسد الرشيق"، أو أصبح هو "الجسد الصحي"، ويتم السعي لهذا المثال رغم اختلاف قابليات الجسد وطبيعته من إنسان إلى آخر؛ سواء من ناحية ميله إلى البدانة أو النحافة، أو سُرعة أو بطء عمليات الاستقلاب (التمثيل الغذائي) فيه، علما بأننا إذا طبقنا مقاييس الجسد المثالي النموذجية فقط على الجسد طولاً وعرضا ووزنا أي دون التعرض لمقاييس الجمال الأخرى كحجم الثديين أو شكل وحجم الشفتين أو الأنف أو غيره، فإن أقل من خمسة بالمائة من النساء تتوافق طبيعة أجسادهن مع النموذج المطروح في أي مجتمع من المجتمعات، فما بالك لو طبقنا أيضا مقاييس ومعايير الجمال الأخرى.
وانتشرت مع هذا السباق أمراض مصاحبة لأنماط غذائية غير متوازنة، وكلنا قد سمع عن أمراض مثل البوليميا أو النهام العصبي، وهو المرض التي كانت الأميرة "ديانا" مُصابة به، وفيه يُصاب الإنسان بنوبات متكررةٍ من الأكل الشره (تسمى نوبات الدقر Binge Eating) فيأكل كميات ضخمة من أنواع متعددة ثم يتقيَّأ كل ما أكله؛ ترجمة لخوف دفين من السمنة!! كما أن أمراضَا أخرى زادت معدلات حدوثها وانتشار أعراضها حتى أضافت إلى التشخيصات النفس/عضوية في الطب النفسي بابًا كاملاً يُسمى: اضطرابات الأكل Eating Disorders !!، كما يسميها البعض حديثا باضطرابات الحمية المنحفة Dieting Disorders، بسبب الانتشار المرعب لأعراضها بين متبعي أنظمة الحمية المنحفة المختلفة، ورغم أن معدلات حدوث وانتشار هذه الأمراض ما زالت أكبر بكثير في الدول الأوربية وأمريكا أي الغرب بصفةٍ عامة، إلا أن الأعداد تتزايد في بقية أنحاء العالم. والبركة في "العولمة"!!
وكما يقولُ فوكو فإن "هدفَ الغذاء في الماضي كانَ إشباعَ الرغبة وضبطها، ولكنه تحتَ وطأةِ النزعة الاستهلاكية المعاصرة أصبحَ هدفهُ هوَ إيقاظُ الرغبة وأصبحَ الحضورُ الخارجيُّ للجسد من خلال التجميل والرياضة، أهم من ضبط الجسد من الداخل" ، كما أننا لا نستطيعُ إغفال العلاقة بين بروز الحركات النسوية في منتصف القرن التاسع عشر وانتشارها على مستوى العالم بعد ذلك وبينَ بروز الاتجاه لضبط الوزن والنحافة كتحدٍّ للسمنة المرتبطة بالخصوبة، في حين ترتبطُ الرشاقةُ بالجمال المثير للشهوة، وأصبح النجاحُ في اكتسابِ قوامٍ رشيق يعدُّ إنجازًا هائلاً يستدعي الحفاظَ عليه بالتمارين الرياضية والوصفات الغذائية وكل ما من شأنه الحفاظُ على المقاييس المثالية للجسد الجميل من وجهة النظر تلك،
كما أننا لا نستطيع فهم أو مناقشة مفهوم التعلق بالجسد/النموذج المثالي بمعزل عن فكرة الموضة المتغيرة كل حين، الشاطحة في كل اتجاه، العارية أحيانًا، والغريبة أحيانًا أخرى، فهذه الفكرة كما ابتعدت بالملابس عن وظيفتها الأولى؛ وهي ستر الجسم ووقايته من الحر أو البرد، وبالغت في وظيفة الزينة، وجعلت الملابس ميدانًا لاستعراض الثراء والمكانة الاجتماعية، جعلت الإنسان يتحول بالتدريج من باحثٍ عن ما يناسب جسده من ملبس إلى باحث بل لاهث خلف جسدٍ يناسبُ الموضة أو الزي المطروح والمتاح على الموضة، وهكذا أصبح التحكم في الجسد وضبطه واحدًا من أهم ما يشغل حياة الإنسان الحديث ويستنفذ طاقاته ويستوعب أمواله أيضًا.
وأما ما لا يعرفه كثيرون مع الأسف فهو أن معظم ما تقوم عليه أساليب الدعاية سواءً للتنحيف أو لأدوات ووسائل التحكم في الجسد وكذلك أدوات الزينة، معظم ما تقوم عليه تلك الأساليب كذبٌ يقدم على أنه حقائق علمية، ويتم _ بصورةٍ علميةٍ أيضًا _ التستر على نتائج الدراسات التي قد توضح الحقيقة للمستهلك، فهذه هي شريعة الدولار، ونحن نحاول من خلال موقعنا هذا ومن خلال دراساتٍ نقوم بها، وبعض الكتب التي سننشرها قريبا أن نفند تلك الأكاذيب وأن نعرض على خلق الله ما تتم المداراة عليه بصورةٍ علميةٍ!، وستجدين كثيرًا من الإشارات والتعريف بجوانب ذلك العمل في ردودٍ سابقة لنا على استشارات مجانين بعنوان:
فتح حوارٍ نفسي: مع ذات السؤالين!
وفي النهاية نذكرك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله لا ينظرُ إلى أجسادكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظرُ إلى قلوبكم" صدق رسول الله عليه الصلاةُ والسلام أخرجه مسلم في صحيحه. فاسألي الله جمال القلب والقالب،
وتابعينا، ولا تنسينا من الدعاء.