سلام الله عليكم ورحمته تعالى وبركاته،
أعطر تحية حب ومودة أهديها لهذه الصفوة الصالحة من أهل الخير والعون، ودعواتي لكم أن يكون التوفيق حليفكم دائما، اعذروني إن أطلت عليكم ولكني من متابعتي لكم المستمرة أراكم تطلبون دائما التفاصيل حتى يسهل عليكم التحليل والرد، وآمل أن تتفهموني بسعة صدروكم المعتادة.
من نهاية الموضوع أصبحت الآن إنسانا "باحثا عن المرايا"، نعم أبحث عن المرآة أينما ذهبت لأرى شكلي وهندامي وأؤكد لنفسي أني وسيم و"أشيك" عليها، أبحث عن الأسطح العاكسة في الشوارع لأرى وجهي وأتأكد من أني ماذا؟ لا أعرف، لأتاكد أني أنيق أو وسيم أو شيء كهذا.
أرى أن ذلك قمة ضعف الثقة أو انعدامها من داخلي لكنه أصبح شعورا وفعلا لا إراديا بحتا يصدر فجأة دون علمي، فقدت القدرة على التركيز تماما في دراستي، لا أتمكن من القراءة المتواصلة لخمسة أسطر، فقدت القدرة على الخيال والإبداع والتفكير أو حتى الاهتمام بنفسي.
أرتاح للفراغ وأتعب بسرعة شديدة، شارد الذهن عصبي لحد كبير، والله مر عليَّ عامان دراسيان وأنا لا أذكر محاضرة واحدة ماذا قيل فيها من تشتتي وضعف قدرتي على التحكم بنفسي حتى اللذة الطبيعية التي نجدها في نشاطاتنا اليومية فقدتها.
أما من بداية الموضوع أو بالتحديد مرحلة ما قبل الجامعة التي تزامنت مع غربتي بالخليج مع الأهل أذكر أني كنت إنسانا هادئ الطبع صاحب خيال وافق واسع، أجيد الرسم والتصميم على الحاسب (برامج الجرافيك والثري دي)، وكثيرا ما كنت أجلس وحدي لأرسم منظرا طبيعيا أو أصمم شيئا أعيش فيه مع خيالي، لاحظ أنها أعمال تتطلب الصبر والوقت وهذا ما فقدته.
قليل الخروج مع أصدقائي خارج البيت؛ لأنه لدي ما يسليني ويلهيني بالبيت من أدوات وأجهزة وخيالي... حتى لو خرجت معهم كنت قليل الكلام، ليس بمعنى أني انطوائي بل بالعكس كنت محبوبا جدا -رغم هدوئي- من قبل زملائي وأساتذتي وأهل البلد كنت أندمج معهم والذين عادة ما يحصل بينهم وبين المقيمين تنافر وتضاد.
كنت إن تعرضت لموقف سخيف من زميل فسريعا ما كنت أنساه فورا (كانت نعمة كبيرة)، كان همي الشاغل علمي وثقافتي، كنت الأول دائما حتى أصبحت الأول على مستوى الدولة في الثانوية وعلى جامعة الدول العربية في مسابقة للمتفوقين.
أجيد الإلقاء والإذاعة على الجمع (جزء من توكيد الذات وفي نفس الوقت يتناقض مع حالة الرهاب لدي) ولله الحمد نحن أسرة مقتدرة ماليا من الأثرياء ونشغل مناصب كبيرة اجتماعيا ووالدي يعاملني معاملة رقيقة جدا جدا منذ صغري، والله لا أذكر مرة أنه ضربني أو حتى وبخني بالعكس، لو شعر أن كلمة سوف تغضبني فلا ينطقها، لم أسمع منه كلمة "لا"، لم أر مثله أبدا، يعاملني كصديق يستشيرني لم يتركني أحتاج شيئا منذ صغري وحتى الآن وطلباتي مجابة من الألف للياء، كان أيام امتحاناتي يعد أدواتي بنفسه وينتظرني ويترك أعماله ليستقبلني بعد الامتحان ويهدئ من توتري حتى أستطيع إكمال باقي الامتحانات.
ما بين البداية والنهاية أقر وأعترف أني صعب التكيف على المحيط، بمعنى أني رد للفعل وليس لي فعل، إن تقبلني المحيطون وبدءوا مكالمتي أندمج معهم وأكون اجتماعيا جدا ولبقا ومهزارا، لكني لا أستطيع أن أعكس الدور وأكون أنا المقدم على مصاحبة أحدهم أو مجاراته يجب هو أن يعطيني ضوءا أخضر.
هل هذا رهاب أم أنه طبعي الهادئ لكنه يضايقني أحيانا؛ لأنه يعيق تواصلي مع من أريد أن أصاحبه وهو غير مبال بي؛ فتجدني أستميت لأجذب الأنظار إليَّ وأستميت أكثر إن لم أفلح في هذا، بمعنى أن جزءا مني شخصية هستيرية حساسة سطحية يهتم بالمناظر والضحكات وبالتالي متقلب الحال بتقلب المناظر، لا أهتم بالجوهر الذي أمامي، بمعنى أن المحرك الأساسي في حياتي العاطفة وليس العقل.
كيف وصلت لهذه الحالة السيئة اجتماعيا ودراسيا ودينيا... سأسرد لكم مراحل انتقالية وصلت بي لهذا الحال:
* العام الأول التحقت بكلية قمة في بلدي بعد غربة منذ الطفولة، مجال لم أحبه أبدا، لكني دخلته إكراما لأهلي، والدي بالغربة "فجأة" ترك لي فراغا نفسيا كبيرا، لم أعرف كيف أملؤه، لكني ولله الحمد كنت صارما منذ عامي الأول الذي غالبا ما يقضيه الطلبة "تفاريحي" في "التعارف والأولاد والبنات واللعب والشِّلَل..."
كنت جادا جدا أنتبه لمحاضراتي دائما بالصفوف الأولى جريء مع الدكاترة أتعرف عليهم، لدرجة أن الدكاترة عرفوني بجدي وعلمي ومجهودي، لدرجة أن أحد الدكاترة كان يسأل عني أثناء المحاضرة عندما لا يجدني، ولدرجة أن رئيس القسم بحث عني يوم امتحان الشفوي ليريحني من هم الممتحنين من خارج كليتنا ويمتحنني عنده.. بدون واسطة بيني وبينه غير مجهودي.
أحب الشهرة جدا ولفت الأنظار، وعلى هذا الأساس بدأت أشرح لزملائي بالمعامل حتى ولو كان على حساب أعصابي ووقتي ومجهودي في سبيل الحصول على الثناء والشهرة ولكن كنت أبرر -لنفسي المتعبة من ذلك- أن هذا للأجر والثواب.
لم أعرف عالم البنات منذ صغري، حتى جارتي كانت ملكة جمال أرسلت لي خطابا كدعوة للحب والعشق، وما كان ردي إلا أن ثار غضبي وأهنتها وأنا بمنتهى الفخر والسعادة أمام أهلي وأختي صديقتها بالطبع.
وبالتالي عشت بالكلية بعيدا كل البعد عن البنات واجتماعي جدا مع الأولاد وخدوم لهم، لا يهمني المناظر (أما الآن فأنا أحب المنظرة جدا) مثلا كانت ملابسي متواضعة جدا، مع أننا مقتدرون، وكنت أسمع كلمات العتاب من أهلي وزملائي بأن أحسن مظهري حتى محمولي مع أنه حديث لم آخذه معي أبدا؛ لأنه لا استخدام له ضروريا في كليتي (الآن أستمتع وأتباهى به أمام البنات)، ظللت هكذا وأخذت سمعة جيدة، أحد عيوبي المميتة أني أهتم جدا لرأي الآخرين بي وأحزن بشدة إن لم يكن رأيهم كما أصبو إليه.
* بالنسبة للبنات كنت رومانسيا جدا أنظر للبنت أنها ملاك من السماء، ملاك رحمة ورقة ونعومة وأنوثة، لا يجوز لكائن من كان أن يمسه بسوء وأن أسخر نفسي لخدمة زميلة لي مثلا لو طلبت مني ذلك دون أدنى محاولة مني لجرها في حوار تعارفي أو حوار ودي كما رأيت من أصدقائي... هذا كان مبدئيا، أذكر زميلة شرحت لها أكثر من ثماني مرات ولم أعرف اسمها حتى الآن في عامي الثالث، قد أكون شاذا في نظرهم لكنها كانت متعة لدي أن أنظر للبنت أنها مخلوق مصان، هكذا الظاهر، إني لم أكن أحب كلام البنات (أما الآن فأنا مدمن)، لكن من قرارة نفسي كنت أبحث عن الحب، مثلا رأيت زميلة لي أحببت هدوءها وطبعا وتدينها فهرعت لصلاة الليل، وأطلت فيها ونذرت لله لكي تكون من نصيبي، وبدأت أتتبع حركاتها وسكناتها لدرجة أني عرفت بيتها وخطر ببالي أن أصارحها.
شهر واحد فقط وتحول هذا الإحساس لفتاة أخرى، شهر آخر واتجه نظري للثالثة دون أي كلام أو تعارف مجرد خيالات واسعة قليلا، بدأت أكتشف أني أحب البنات جدا لمجرد أنهن بنات، أجلس يوما سعيدا لأني ضحكت مع بنت قد تقول عليَّ تافه، بدأت أبحث عن رأي الدين في الحب (كانت مرجعيتي الدين في كل شيء أما الآن فلا)، هكذا البنات في عالمي مجرد خيالات وأفكار رومانسية لا أحب لها أن ترى النور لأني كنت أدرك أن الوقت ليس هو المناسب.
* قرب الامتحانات جاءتني فتاة مع زميلتها تطلبان مني المساعدة، قدمت ما بوسعي لهما ولم أكن أعرف أنها معجبة بي، تكرر اللقاء وأنا أشرح وأمشي دون حتى أن أعرف اسمها... بدأ يراودني شعور متبادل بينها وبين زميلتها يوم أحب زميلتها (في خيالي طبعا) واليوم التالي أحبها هي، وفي كل يوم يتجه دعائي في صلاة الليل أن يرزقني حب هذه.
كانت خيالاتي منفصلة تماما عن الواقع، بمعنى أنهما لم تشعرا لثانية واحدة أني أريد أن أتعرف عليهما بينما أنا من داخلي متيم وحالم وعاشق... بدأتا تكرران عليَّ طلب المساعدة وأنا لا أستطيع الرفض مع أن الامتحانات على الأبواب... لا أدري لماذا هل كنت مستمعا بهما أم أني كنت لا أعرف كيف أتعامل مع هذا المخلوق الغريب القادم من المريخ (في رأيي حينها) فكنت أجيب طلبهما لدرجة أني مرضت من رائحة المواد النفاثة ونمت في المستشفى مدة قبل الامتحانات.
بدأت هذه الفتاة تطلب الكتاب، ثم ترسم لي وردة، وردة غيرت حياتي تماما، وردة أضاعت مني الكثير... بدأت فعلا أحبها حبا جنونيا، أحسست أني سأموت إن لم تكن من نصيبي من كثرة تعاملي معها شعرت برقتها وعذوبة صوتها لا تفارق مسامعي صورتها في كل مكان في أكل وشربي في وجوه أهلي وأصحابي حتى لو رأيتها من بعيد ينتفض قلبي فرحا، لكني فوجئت أني عاجز تماما عن التعبير لها عن شيء أو حتى مجاراتها بالكلام كل ما أفعله أستميت في الشرح معها على حساب أعصابي، وأرجع لبيتي أدعو الله أن يرزقني حبها، وأدعوه أن تبدأ هي معي بالكلام والحب؛ لأني مع الأسف لا أعرف كيف أفعل، وكيف أبدأ معها!!!!.
والله يا إخوتي جلست أبكي وأبكي طوال الليالي على سريري، وأنا أكتم كل هذا في قلبي، لدرجة أني تمنيت أن يعود أبي من السفر كي أحكي له؛ فهو الوحيد الذي كنت أحكي له كل كبيرة وصغيرة... بالفعل انهارت رجولتي وصلابتي وعقلي وانهار كياني كله... لكني تجدني أتماسك أمامها وأشعر بوحش بداخلي يمنعني من إظهار شيء لها، وكان يمنعني حتى من إلقاء السلام عليها (وأنا نفسي أسلم وأكلمها)؛ وهو ما جعلها تعتقد أني رافض لها وجعلها تنسحب قليلا في تعاملها معي.
في نفس الوقت كنت أحسب أن من حولي سيحكم علي بحكم سيئ إن رآني أكلم بنتا أو بنات، أعرف أن عقلي كان موهوما بشيء من الأفكار المسمومة، أتت الامتحانات علي وأنا منهار تماما... انحطت درجاتي ضاع ترتيبي ذهل الجميع، والدي والدكاترة وزملائي، آه يا عمري ضاع مجهود السنة في لا شيء... أحسست أنها السبب، أحسست أنها تلاعبت بي.
كتبت للدكتورة فيروز فقالت لي أن أصبر حتى أتمكن من الزواج منها ونصحتني بكلام جميل، لكن مع الأسف بعد ما انتهت الامتحانات نظرا للفترة الكبيرة بين إرسال المشكلة وتلقي الرد... ما زاد الطين بلة أني كنت أراجع أيام الامتحانات في مكان منعزل بعيدا عن أعين الناس فوجئت بها تنتظرني هناك، وتكلمني بحب شديد، وتفتح معي كلاما وكأنها تغريني بشكلها وكلامها وضحكاتها وانهبل عقلي من حينها أكثر فأكثر.
قابلتها يوم النتيجة وأنا منهار، حاولت أن تبدأ هي وتحاورني حوارا لطيفا، وقالت لي إنها تحكي لأهلها عني.. وبدأت تطربني بكلام معسول، لكنها لم تعرف أنها كانت تخاطب إنسانا منهارا عصبيا من الداخل؛ وهو ما دفعني لصدها، أو بالأصح لم أستطع أن أعبر لها عن حبي لها كان تفكيري مشوشا مصدوما من نتيجتي المخزية.
أخذت رقم هاتفي ولم تعطني رقمها، بعدها سمعت من أصدقائي أنها تفتخر أمام صديقاتها بأنها تعرفني وأنها تحسنت منذ عرفتني، بينما أنا كنت أسأل نفسي أسئلة سخيفة جدا، مثل أيعقل أن تنظر لإنسان مثلي "ثقته معدومة".
* عشت طوال الإجازة في حالت سكوت وخمول وصمت رهيب لا أكلم أحدا، ولا أريد أن أسمع أحدا حتى والدي عندما حضر لم يعرف أي شيء، وبررت كل شيء بأني كاره لهذه الكلية.. كنت أفكر بها ليل نهار أتخيل كل أغنية حب كحوار بيني وبينها، انتظرت أن تكلمني لم تفعل... حسبت كل رنة هاتف تأتي لنا أنها هي لكن في كل مرة يخيب ظني، جلست وحيدا مصدوما بنتيجتي المخزية في الكلية.. كل يوم كنت أصاب بحالة هستيرية من البكاء والسبب لا يعرفه أحد سواي غير الله، عشت مع نفسي... كل هذه تصرفات لا إرادية بحتة.
* العام الدراسي الثاني مشتت الذهن شارد الفكر لا أركز أبدا مع المحاضر، وربي العظيم فاتت سنة كاملة لم أستطع أن أجمع محاضرة واحدة من كثرة شرودي.. أدخل المحاضرة كالمجنون أبحث عنها أين تجلس (وأنا على هذا الحال لمدة عامين أبحث عنها بالمدرج).
جاءت لتكلمني فوجئت بحالة رهاب واضطراب وأني أتجنبها أكثر من مرة إلى أن جاءت الفرصة وقلت لها معاتبا لماذا لم تطلبيني بالهاتف في الإجازة، بررت لنفسها، لكني حاولت مكالمتها بعد ذلك ولكن بشيء من الرهاب الشديد، رهاب الجنس الآخر كما عرفته منكم.
بدأنا نتبادل النظرات فعلا بدأت أشعر بحبها لي، بدأت ألمح لها في كلامي، فجأة وجدت هذا الصنم بداخلي ينطق ويتكلم ويعبر لها عن إعجابه بطريقة ما وراء الكلمات، بدأت تنظر لي نظرة غريبة، خليط من الحزن والفرحة أصابتها نفس الحالة التي أصابتني، حتى صارحتها بحبي لها وقالت لي بأني أستحق من هي أفضل منها فهي ريفية متواضعة، لكني كنت أتحرك بالعاطفة البحتة بعيدا عن العقل.
فوجئت فعلا أنها ليست كما كنت أتصور فهناك من هي أفضل منها، لكن لا أدري لماذا كنت متمسكا بها في كل ثانية من يومي، هل فعلا حب، أم لأنها الوحيدة التي اخترقت هذا الحصن المنيع، أم لأني أعاني من رهاب الإناث وأخاف في اللاوعي ألا أجد من يحبني غيرها، أم ضعف في الثقة وعدم قدرتي على تكوين علاقات مع البنات؟ لا أدري أرجوك أجبني يا دكتور.
انسحبت قليلا كي أدرك نفسي، خاصة أن امتحانات منتصف العام على الأبواب وأنا أمضيته كله في التفكير فيها، كانت تريد مكالمتي كل يوم بالجامعة لكني لا أستطيع فأنا منتظم، بدأت تخاف أن أبتعد عنها، حاولت أن تختلق فرصا لكي أكلمها كأن تبعد صديقاتها وتبقى وحدها لكني لم أكن أقدر، كنت أبدأ بالاضطراب والقلق وتبدأ الأفكار التسلطية القهرية بالظهور وأتجنبها لا أدري لماذا مع أني كنت متيما بها وأحبها من كل فؤادي.. مما أغضبها مني، كانت تغضب من أقل شيء، قامت بحركة لأغار عليها مثلا أو ما شابه وأكلمها لكني فوجئت برغبة كبيرة بالانتقام؛ حيث إني تذكرت التدني في الدرجات الذي حصل لي العام الماضي.
كيف انتقمت منها؟ انتظرت قرب امتحانات منتصف العام وطلبتها في موعد ولم أحضر، أصابتها صدمة كبيرة حسبتني أرفضها، جلست أمامي في لجنة الامتحان ترقب مني نظرة تفسر لها ما حدث وظلت تبكي طول لجنة الامتحان أمامي فكان كرسيها بمسافة قصيرة عني، لكني أحسست "بسعادة كبيرة جدا جدا" وقتها لا أعرف لماذا؟
بدأت أعود لطبيعتي وأدرس ورجعت لي كل ملكاتي، أصبحت هادئ الطبع حصلت على التركيز الشديد مرة أخرى وراحة البال انتظمت حياتي، لكن مع الأسف أجلت مادتين بالطبع بسببها ودخلت الباقي بقوة وجدية.
بدأ التيرم الثاني وأنا أكلم غيرها ووجدت نفسي أنفتح على عالم البنات بقليل من الخبرة وأعرف هذه وتلك، وكان يصاحبني حب التملك لها لكنه سرعان ما ذهب.. بدأت أستمتع بعذاب حبيبتي أمامي لا أدري لماذا، مع أني أحبها، لكن حاولت أن أذيقها ما كنت أشعر به في بداية معرفتي بها؛ فالانتقام كان هو الأهم لا، أدري أكنت على حق أم لا، لكني كنت سعيدا جدا؟ قاطعتها شهرا حاولت أن تكلمني عن طريق صديقاتها وفي كل يوم تحاول مناظرتي مرة بنظرة عتاب وأخرى بنظرة حانية، والله كنت أحبها لكني لا أقدر أن أساعد نفسي حتى أساعدها فأنا متأخر في المواد بشكل مصيبة، علاوة على أن تأجيل المواد شيء مزعج.
* بعد مدة عندما ذهبت روح الانتقام رجعت لها وكلمتها لكن في إطار المجموعة كأصدقاء، لم أر منها أي علامة وكأن شيئا لم يكن، وجدتها عادية جدا، توقعت أن تنهرني أو تصدني لكنها كانت مقلة بالكلام جدا ليس كما كنا من قبل، بدأنا نتعامل كأصدقاء، بدأت أحن لها كحبيبة ولنظراتها وبسمتها ورقتها معي، بدأت أتذكر رومانسيتها التي ذهبت بالفعل الآن معي لكني وجدتها مختلفة عني بكثير، لم أهتم كثيرا، لكن وجدتها مرة تكلم زميلا وحدها فنظرت إليها بنظرة غيرة كبيرة شعرت هي بها فسلمت عليها بعدها ووجدتها تعتذر لي وتبرر وقوفها بجانبه وتطلب مني ألا أغضب، تحرك فؤادي مرة أخرى ووجدت نفسي أغازلها بكلامي المعسول الخفيف وأنجذب لها مرة أخرى لكنها هنا بدأت تنفر مني، أنا حساس جدا فطلبت منها مرة أن نتكلم فاعتذرت فغضبت عليها، ذهبت بعدها لأعتذر وأطلب منها أن نتلكم قليلا لكنها تهربت، تحججت لها بأن السنة انتهت وأني لن أراها، تهربت مني حتى وجدت نفسي أتذلل لها وأتوسل لها أن نتكلم معا وهي ترفض حتى وصل الأمر أني لحقتها بالشارع وصدتني شر صدة.
* قرب الامتحانات بعدما تهربت مني أحسست بإهانة شديدة، فلم أتعرض في حياتي أبدا لهذا الموقف ولا حتى من والدي، ولكنه كان من البنت التي أحبها، ظهرت لي الكوابيس التي أفزعتني من نومي طوال ليالي الامتحانات، مرة أخرى تدنت درجاتي بشكل فظيع لأني كنت أفكر بهذه الحادثة طوال الوقت، أشعر أني منذ تعرفت على هذه الفتاة وأنا في دوامة من الانتكاسات الدينية والدراسية والحياتية.
• الآن عامي الثالث (لاحظ سيدي سيطرة الفكرة لمدة أعوام) ما زلت منجذبا لها أبحث عنها في كل مكان، أتردد كثيرا عندما أغادر الكلية، قد أجلس فيها وقتا بدون داع لعل وعسى أن أقابلها، قابلتها مرة اسـتأذنت وذهبت ولم ترد عليَّ.
ما دفعني للكتابة لكم هو أن أحد الجدد على كليتنا من المحولين وجدته بجوارها في المدرج يحاول التعرف عليها بمنتهى البساطة وراحة البال؛ لأنه لا يعاني من الرهاب مثلي ويعرض عليها مهارته في كتابة الشعر الغزلي.. تذكرت حينها العذاب الذي عشت فيه كي أكلمها، آه آه من طريقة تعاملي مع الأشياء كم هي معقدة وصعبة، أشعر أني أهوى تعذيب نفسي والآخرين معي بل أتلذذ بهذا.
ماذا أفعل؟ كيف أنساها؟ هل أقول لها أن نبقى أصدقاء وننسى الماضي كحل وسط؟؟ أم أن هذا إهانة لي؟ هل أوسط زميلتها بيننا؟ هل أنا عندي رهاب حاد من الإناث وبالتالي شديد التمسك بها؟ أنا الآن أعرف بنات كثيرات لكنهن دون المستوى عندي رهاب من الجميلات مع أنه لا ينقصني شيء، مقتدر، لا أقصد علاقة بالحرام، لكن أقصد التعامل اليومي المعتاد بالجامعة.. أشعر أنها حالة رهاب عامة من كل شخصية لها "توكيد ذاتي" عال ليس لدي...
كانت زميلة لي جميلة أشرح لها لكنها كانت ترد عليّ على قدر السؤال، ولا أعرف كيف أفتح معها حوار بينما تجدها منفتحة جدا مع غيري، هل هذا لأني جدي في حياتي؟ هل علامات الرهاب تعيق تعاملي؛ إذ تجدني منتهى اللباقة والأناقة في الكلام مع الأولاد والبنت متوسطة الجمال مما يزيد مني رونقا وجمال؟ مرت عليَّ فترة أحاول التقرب فيها من بنت عمتي وجدتها ترد عليَّ على قدر السؤال؛ وهو ما أزعجني وأغضبني منها جدا وتذكرت حينها نفس تهرب هذه البنت مني.
* ذهب كل شيء لا تفوق لا خيال لا راحة، بل لا صلاة لا عبادة لا لذة للحياة، مدمن على العادة السرية قد تصل لمرتين يوميا.
أصبحت كأناس تمنيت أن أكون مثلهم وأكلم بنات، ولكن فوجئت أنهم هم كانوا يتمنون أن يكونوا مثلي هادئ الطبع مرتاح البال منتبها لدراستي... كل همي معرفة البنات والسرحان والشرود والرجوع للحبيبة الأولى (حتى هذه التسمية أشك فيها هل فعلا حبيبة؟) شلل تام أصابني في قواي حالة عامة من الملل والاكتئاب، أرجوكم أنا إنسان أنعم الله عليَّ بالكثير، لكن الشيطان تلاعب بي من كل جانب، أعينوني.
* أصابتني حالة غريبة للبنات عامة ولهذه البنت خاصة، ذاكرتي قوية جدا لهن، فمثلا أذكر من ثلاث سنوات عندما كنا في صالة الامتحان الشفوي ماذا كانت ترتدي، وماذا قالت لي وقلت لها.. لكن ضعيف الذاكرة جدا في موادي الدراسية لا أذكر ما أخذته اليوم بالمحاضرة مع أني كنت مركزا فيها.
أنا متقلب الحال جدا جدا؛ فأنا هستيري، بمعنى أني إن رأيتها في زينتها أشعر برغبة كبيرة أن أكلمها، لكن أخشى أن تصدني، بينما لو رأيتها من غير زينتها أبتعد عنها وأنفر، لكني ما زلت منجذبا لها جدا جدا أفكر دائما، ساعدوني أرجوكم.
هل هذا عقابي لأني رومانسي وخيالي وحساس، أشعر أني تافه جدا ولا أستحق حتى المساعدة، أريد أن أخرج من هذه الدوامة وأعيش حياتي مستمتعا كبقية أصدقائي.
* نصحني والدي الذي يعرف القليل عن هذه التفاصيل أن أعتبرهن كلهن "بروفة" أجرب معهن أو أكتسب خبرة من التعامل معهن، وألا يهمني شيء كائنا من كان أو يحزنني شيء؛ لأن حياتي الحقيقية العملية لم تأت بعد، ولأني صاحب هدف في هذه الكلية، ولكم مني أخلص الدعاء بالتوفيق والعافية، وشكرا،
ولكم مني أعطر تحية حب لكم في الله،
وفقكم الله وسدد خطاكم.
26/2/2007
رد المستشار
الابن العزيز، أهلا وسهلا بك على صفحتنا استشارات مجانين، الحقيقة أن إفادتك الطويلة هذه، رغم طولها، وامتلائها بتفاصيل المشاعر والتحليلات الشخصية من جانبك، تفتح من الأسئلة أكثر مما تفيد في الإجابة عليه، خاصة أنك رغم افتتاحك لها بما يعني: من الآخر مشكلتي هي كذا.... وذلك حين قلت: (من نهاية الموضوع... أصبحت الآن إنسانا "باحثا عن المرايا")، وفسرت المرايا بداية بالمرايا أي الأسطح العاكسة وفهمناها نحن هكذا، رغم ذلك لم تواصل وصف ما توقعنا، وإنما أخذتنا بعد ذلك في رحلة طويلة بين المرايا حتى أننا فقدنا المسار مرارا، فبعد أن كانت المرايا هي الأسطح العاكسة إذا بها المرايا في عيون الآخرين، إلى أن ألفيناك تجعل المرايا مراياك أنت الداخلية حين تسأل كيف أبدو في عيون الآخرين؟
والواضح أن الأمرَ يتعلق بتعويض انكسار في نفسك، لست تدري مصدره، ولا أنا بالطبع على وجه التأكيد -وإن كنت أخمن أن مصدره الاكتئاب- ولكنني سأحاول توضيح بعض الأمور لك.
على ما يبدو يا بني أن في لغتك أو طريقتك في التعبير لونا من التضخيم للمشاعر والأوصاف، فقد توقعنا بعد قراءة ما وصفته بأنه نهاية الموضوع أننا سنجابه مشكلة موسوس بالمرايا، أي أن لديك فكرة تسلطية بأن تنظر في سطح عاكس لتتأكد أنك على ما يرام، وذلك ما ينتج من انطباع عند قراءة قولك: (نعم أبحث عن المرآة أينما ذهبت لأرى شكلي وهندامي وأؤكد لنفسي أني وسيم و"أشيك" عليها... أبحث عن الأسطح العاكسة في الشوارع لأرى وجهي وأتأكد من أني ماذا؟ لا أعرف... لأتاكد أني أنيق أو وسيم أو شيء كهذا...)، ما أشبه تلك الكلمات بكلمات من يعاني من وسواس التشوه (Body Dysmorphic Disorder)، أو وهام التشوه الجسدي؛ فالحقيقة أن أفصحهم لن يصف معاناته بكلمات أبلغ من كلماتك تلك، ثم ماذا بعد ذلك في إفادتك عن المرايا من هذا النوع؟ لا شيء!
أخذتنا بعد ذلك في رحلة طويلة مع ما واكب انتقالك من المرحلة الثانوية إلى الجامعية، واعتماد الأسرة عليك في غياب والدك، وقصصت لنا حكاية تعلقك بزميلتك، بكافة مراحلها داخلك وبينكما، وكيف أثر ذلك عليك، ولكنك رغم كل ذلك احتفظت بمستوى قريب من مستواك، قد يكون اضطرا رك لتأجيل مادتين علامة على صعوبة ما تمر به الآن من خبرات، لكنني أراك تكيفت بشكل معقول إلى حد كبير، إلا فيما يتعلق بما سأشرحه لك لاحقا، ولكن لا تنسى أنك قلت: (ظللت هكذا وأخذت سمعة جيدة...).
من الواضح أيضًا أنك كنت متميزًا كطفل ثم كمراهق، وكتلميذ ثم كطالب، وأنك حافظت على الكثير من مقومات تميزك معك، لأنك تملك بالفعل قدرات وملكات تؤهلك لذلك، إلا أنك مع الأسف سقطت في فخ معرفي شعوري يتعلق في جزء منه بإدمان الحصول على استحسان الآخرين، وكذلك بزهو ما وافتتان بنفسك أكثر مما يتعلق بشيء آخر، وقد قلت عن نفسك: (أحب الشهرة جدا ولفت الأنظار)، وفي نفس الوقت تضخم داخلك الخوف من أن يرى الآخرون بك عيبا، وتضخمت في مرايا عينيك أيضًا عيوبك العابرة التي تضبطها في نفسك؛ فأنت دائم التأكد من أنك على ما يرام، فما تزال تبالغ في خوفك من العيوب وتقييمك لها، حتى إنك انتقيت أسماء كبيرة لها مثل رهاب الجنس الآخر، أو رهاب الإناث أو البنات، وحقيقة الأمر غير ذلك يا بني، فشرط اعتبارنا للرهاب رهابا ليس أن تخاف ولا أن تضطرب في وجود من ترهبه أو ما ترهبه، وإنما أن تتجنبه أو على الأقل تكابد الأمرين إذا عجزت عن تجنبه، أي أن تجنب أو محاولة تجنب ما ترهبه هي شرط تشخيص الرهاب إضافة إلى ضرورة أن يؤثر ذلك على حياتك بالسلب.
كل ما عانيته أنت فيما يتعلق بمشكلة البنات هو بعض القلق الزائد في تعاملك معهن والذي نراه ناتجا عن افتقارك للتوكيدية في تعاملك معهن بسبب عدم تعودك على ذلك في الصغر، وكذلك بسبب الطريقة التي تفكر بها والتي تنظر بها لنفسك وللآخرين، وأنا هنا أحييك على قولك: (ما بين البداية والنهاية.... أقر وأعترف أني صعب التكيف على المحيط، بمعنى أني رد للفعل وليس لي فعل...)، فهذا تحليل نافذ فعلا لكنه يجب أن يواجه بما يدحضه ويبطله فكرًا وفعلا، وبهذا أستطيع أن أطيل تحيتي لك، أتدري كيف؟
إنك تتهم نفسك بالعجز عن المبادأة في المواقف الاجتماعية، ولو أنك تذكرت طفولتك وسنوات مراهقتك الأولى والمتوسطة وقبل ظهور البنات كقوة ضغط نفسي في حياتك، لوجدت أنك كنت تمتلك ما هو أكثر من المبادأة، ألم تقل: (أجيد الإلقاء والإذاعة على الجمع جزء من توكيد الذات وفي نفس الوقت يتناقض مع حالة الرهاب لدي)، أهناك ملق على الجمع لا يمتشق حسام المبادأة؟ إذن فالصحيح هو أن تقول لنفسك: إنني كنت أمتلك زمام المبادأة، لكنني ربما بسبب معاناتي الأخيرة أشعر بافتقاد القدرة عليها، أو أفتقد الثقة في وجود تلك القدرة، لكنني حافظت على كثير من منجزاتي رغم كبوتي، إذن هي كبوة ولكل جواد كبوة عابرة إن شاء الله، فقط عليك أن تقبل بأن من الممكن أن تخطئ! تذكر جيدا يا بني أن الخطأ ممكن لأنك إنسان.
وأما كيف أثرت طريقة تفكيرك والطريقة التي تنظر بها لنفسك وللآخرين في تضخيم مشكلة البنات فبدأت بخوفك من تقييم البنات السلبي لسلوكك في حضورهن، ولأنهن، خاصة في ظروف مراهقتك ومشاعرك الجنسية الفائرة في تلك السن، يعتبرن عقبة بصدق، إلا أن ما كان يحدث منهن تجاهك، كان مشجعا لأنك كنت متميزا وأنت الذي كان يعجز عن مقابلة الجذب بالمد لسبب بسيط هو أنك لم تأخذ قرارا بعد -وهو ما يتناقض مع رؤيتك المفرطة التعميم لنفسك كرد فعل لرأي الآخرين فيك- فقد كنت تواصل المضي فيما أنت ماض فيه رغم محاولات شغلك عنه، وكنت ولدا صعبا عليهن، وكان زملاؤك حاسدين لك، وربما اتهمت بالغرور والتعالي من البنات.
ولكن كل ذلك مع الأسف لم يكن حلا لمشكلتك، لماذا؟ لأنك تحب البروز والظهور فيما أنت متميز فيه، وتحب أن يراك الآخرون متميزا "مسألة إدمان استحسان" وتحسب ألف حساب لكل هفوة قد تصدر منك، لأنك لن تتحمل غير الاستحسان في العيون، وحبذا لو عيون أفراد الجنس الآخر، وتأمل قولك: (أحد عيوبي المميتة أني أهتم جدا لرأي الآخرين بي وأحزن بشدة إن لم يكن رأيهم كما أصبو إليه)، وهنا أجدني مضطرا إلى مطالبتك مرة أخرى بأن تكونَ مستعدا للخطأ؛ لأنك إنسان من بني آدم، والمفترض أصلا أن نراعيه قبل كل ما عداه في سلوكياتنا كمسلمين، هو كيف يراني الخالق سبحانه وتعالى، لا كيف تراني مخلوقاته، فهناك قول مأثور لا أذكر قائله، لكن القول يستدعي كثيرا من التأمل، وأريد منك أن تتأمله: (دوام النظر إلى الخالق، ينسي ملاحظة المخلوق) أي سماء يأخذك فيها هذا القول الجميل؟؟
إذن فخوفك من أن تخطئ حرمك شجاعة الإقدام على التجربة، ولذلك لم تكتسب ما يكفيك من التوكيدية في التعامل مع البنات، تلك التوكيدية التي يفترض أنها تكتسب بالتجربة، فهل تعرف ماذا تعني التوكيدية؟ إنها تعني أن تكونَ قادرا على الشعور بأنك حر في التعبير عن آرائك ومشاعرك تجاه نفسك والآخرين، فتمدح من يستحق المدح إذا أحسن، وتنبه من يستحق تكرار المحاولة إذا أخطأ، أن تكون قادرا على أن تقول: الله كم جميل منك هذا، أو تقول أليس من الأفضل أن تفعل كذا... ويمكنك أن تفعل... بطريقة أفضل؟
لديك بعض أعراض القلق والاكتئاب المختلطة يا بني، فأنت تسرف كثيرا في التفكير في أشياء والخوف من أشياء في غير وقتها، بما يجعلني أوافق والدك -والذي يعرف القليل عن هذه التفاصيل- في أن حياتك الحقيقية العملية لم تأت بعد وأنك صاحب هدف في هذه الكلية، فهذا نعم التوجه في المرحلة الزمنية التي تعيشها الآن، وإن كنت أخالف الوالد في مسألة البروفة بكل تأكيد، إلا إن كان يقصد ما مضى من علاقات!
ثم تذكر قولك مقارنا حالك القديم بحالك الحالي (.. لا يهمني المناظر، أما الآن فأنا أحب المنظرة جدا، مثلا... محمولي مع أنه حديث لم آخذه معي أبدا؛ لأنه لا استخدام له ضروريا في كليتي، الآن أستمتع وأتباهى به أمام البنات)، وكأني بك تغيرت من حال إلى عكسه، من ناحية آليات سلوكك الواعية، فهل صاحبَ ذلك تغير ما في مزاجك؟
أخشى عليك أنا من الانفلات الاكتئابي، أي الانفلات الذي يصاحب المزاج الكئيب؛ لأنه غالبا ما يكون مصحوبا بالانغماس في أفعال كالعادة السرية أو غيرها من الذنوب فكأنه انفلات يصيب المرء في علاقته بدينه وربه، ويختلف في ذلك كثيرا عن الانفلات المصاحب بالمرح، والانفلات الاكتئابي في سن كسنك يستدعي طبيبا نفسيا، تحتاج أن تتحالف معه من أجل تغيير كثير من طرق تفكيرك، وكذلك علاجك مما أشتبه في كونه اكتئابا.
تسأل لماذا هي بالذات؟ قد تكون الإجابة "لأنك في اللحظات التي خبرت فيها ما تسأل عنه كنت تحبها؟" وبهذا يصبح التعبير عن المشاعر أصعب آلاف المرات، وتسأل وتسأل عن أناس لا نعرفهم، ولا نجد في محاولة الإجابة على أسئلتك في ذلك الأمر ما يفيدك الآن، كما تسأل عن ذاكرتك الفوتوغرافية فيما يتعلق بالبنات، وكأنها أمر مستغرب، بينما ذاكرتك في معلومات الدراسة مخيبة للتطلعات، وأنا أقول لك إن الذاكرة الانفعالية تختلف عن الذاكرة المعرفية خاصة فيما يتعلق بالمعلومات الدراسية، ولا سيما في كليات القمة، وتسأل أيضًا عن تقلب الحال وعن... وعن...
والأمور حين تصل إلى حد أنك تترك الصلاة أو تفتقد حلاوتها فإن خوفنا عليك من الاكتئاب الجسيم: عندما يسلب الإيمان فإننا نطلب منك أن تفعل الأولى ثم الأولى، والأولى الآن هو عرض نفسك على أقرب طبيب نفسي لتقييم الحالة!
أما بعد يا بني فإن التفاصيل والتساؤلات الواردة بشأنها في رسالتك أطول من ألم بها إلماما كلها، واعذرني إذا نسيت الإجابة على سؤال فرعي من أسئلتك أو أكثر،
وتابعني بالتطورات.