الثقة بالنفس تكتسب لا تورث
الضياع: حقيقة أم وهم
السلام عليكم................ أنا صاحب مشكلة: "الثقة بالنفس تكتسب لا تورث"، أولا أشكركم على هذا الرد الرائع وهذه المتابعة تأتي لإخباركم بتفاصيل أكثر عني أرى من الضروري ذكرها كذلك لأركز على جوانب لم تركزوا عليها في ردكم. طلبتم مني أن أرجع إلى السبب الحقيقي لعدم الثقة بالنفس، هذا الطلب لم يكن سهلا لأنه استغرق معي وقتا كثيرا. وتوصلت بالنهاية إلى السبب الحقيقي: مشاهدة الخلافات بين الأهل وإحساسي أني السبب فيها منذ الصغر، كذلك أن أبي كان يضربني (ويضرب أمي أحيانا أمامي) مما كان يؤثر علي كثيرا وأحس بالدونية والنقص. إذا نتيجة هذين العاملين تولد لدي أمرين خطيرين: عدم الثقة بالنفس والإحساس أني سبب أي مشكلة ليس فقط في البيت إنما في كل شيء!!!!!
والأمر الثاني أن العلاقة التي تربطني بالآخر هي: "أنت أعلى مني وأنا دونك لذلك يحق لك كل شيء ولو على حسابي"، خوفا من تسبب أي مشكلة. هذان الأمران سببا لي العزلة والانزواء عن الناس والشعور بالتهديد كل الوقت ووضع نفسي في حالة استنفار.
بعد معرفتي بالأسباب بدأت كما أرشدتموني بالبحث عن الحل فأعدت بناء علاقات قوية مع أهلي، خصوصا مع أمي ،وقد بدأت حديثا أبني علاقة طيبة مع أبي خصوصا تولدت لدي قناعة أن المشاكل التي كانت تنشب بالماضي بين أهلي هي نتيجة صعوبات الحياة وهي أمر طبيعي في أي علاقة زوجية.
أما بالنسبة لعلاقتي مع الآخرين فقد حاولت أن أتحسن ولكن هذا الجانب لم أوفق في تطويره كثيرا لذلك أرجو مساعدتي فيه وسأعطيكم التفاصيل التالية: أني عندما أبدأ بعلاقتي بالآخرين أكون في داخلي وأشعر بالضيق وأحاول أن أتظاهر بعكس ذلك. التفكير أن غيري أعلى مني ويملكون أشياء لا أملكها وأفكر في غيري وأنسى نفسي للأسف. شيء آخر هو أني أشعر بالكبت والتقييد (خصوصا بعد فهمي الخاطئ للدين أنه جاء ليقيد الإنسان والذي عزز هذا التفكير قراءتي للكتب الليبرالية وما إلى ذلك) فلا أستطيع أن أعبر عن مشاعري بحرية، ليس فقط عن مشاعري إنما عن نفسي أيضا.
يوجد ملاحظة يكررها الآخرون عني ولكني لا أنتبه لها أني أتدخل في شغلات ليست لي وعندما أتذكر هذا الموقف أرى أن قصدي كان الاندماج والتفاعل مع المجتمع ولكن للأسف يساء فهمي فلماذا هذا؟ كذلك ألاحظ على نفسي أني أحب أن أتعرف على سلبيات الآخر وأمسكه عليها مما يسبب نفور الآخر فكيف أتخلص من هذه العادة القبيحة؟
لا أدري فلو أن الذين حولي عرفوا أني أكتب هذه الرسالة لما صدقوا؛ إذ أنني لا ينقصني شيء فأنا والحمد لله متفوق في دراستي وقد حصلت مؤخرا على علامة كبيرة في امتحان الدخول للجامعة مما يؤهلني لأي شيء لكن أفكاري السلبية التي طالما حاولت التخلص منها ما زالت تسيطر على عقلي وللأسف أكرر أن الفهم الخاطئ للدين ممكن أن يضر وخصوصا أن بعض المتدينين يشيعون هذا الفكر (مثلا: ممنوع التحدث والنظر إلى الفتيات وممنوع......).
أمر آخر هو لم تركزوا عليه في ردكم الكريم السابق هو ما يخص علاقاتي العاطفية فهي متقلبة وغير متزنة أشعر أحيانا بالاشتياق الشديد إليها وعندما أحدثها أخاف أن أظهر هذه المشاعر فأرتبك ولا أعرف كيف أتصرف (في بعض الأحيان فقط) مع أنني أستمتع بالحديث إليها وهي كذلك إلا أنني أشعر بالذنب من أعماقي، وأظن أني أرتكب مخالفة شرعية خصوصا أن الفتاة ليست محجبة وأخاف أن أنزلق إلى مزالق الشيطان من حيث لا أدري فهذا التردد يقضي علي ويسيطر علي. يوجد أمر آخر أريد رأيكم فيه وهو تحديد الهدف في الحياة فأنا لا ينقصني ذكاء ولا اجتهاد ولكن ينقصني تحديد الوجهة وفي قسم تأكيد الذات الذي أتابعه باستمرار وبرنامج صناع الحياة الذي كان يبثه عمرو خالد قبل سنتين لي هدف ببناء مجتمع صالح ولكن أحيانا أخاطب نفسي وأقول أولا عليك أن تتخلص من الأفكار السلبية وأن تصلح نفسك جيدا وتعدها لتحقيق هذا الهدف.
وعلى الصعيد الشخصي فأنا محتار في اختيار المهنة بعد أن فتحت كل المجالات أمامي. فكيف أختار؟ وأخيرا أود أن أذكر أني أريد أحدا يقدرني فالإنسان مهما بلغ من التدين يظل يحتاج إلى أحد يقدره ولكن هذا أمر لا يطلب فكيف أحصل عليه. أريد أن أشكركم من أعماق قلبي على ما تقدموه لي من إرشاد وأقول لكم أني أسمع لإرشاداتكم بتلهف وأقول لكم جزاكم الله ألف خير
وأذكركم بالآية الكريمة: "(....... وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً.... )(المائدة: من الآية32)
فأنتم تساعدون في صقل شخصية فاحرصوا على أن تكون إرشاداتكم تربي على القوة والاستقامة والاعتدال. وبارك الله في جهودكم المباركة
19/01/2007
رد المستشار
أخي العزيز "محمد"؛
تحية طيبة لك مرة أخرى، ونحن سعداء بمتابعة الكتابة لنا عن أحوالك وبالتفصيل، ولتكن إجابتي حسب ما أراه أكثر أهمية بالنسبة لشاب متفوق دراسياً مثلك:
أولاً: مشكلة الاختيار لوظيفة المستقبل
ولمعرفة أفضل عمل يناسبك في المستقبل عليك أن تعرف ما تحبه من أعمال وما تحب أن تدرسه وتقرأ عنه باستمرار، أو تحب ممارسته دائماً، وبلا كلل أو ملل، ثم عليك أن تعرف إمكانياتك وقدراتك؛ ثم تختار نوع الدراسة المؤهلة لعملك المستقبلي أو لوظيفتك المستقبلية بعد ذلك.
ثانياً: أما طلب التقدير والإعجاب والثناء من الناس
فيعتبره علماء النفس أخي العزيز أن طلب الإعجاب من الناس هو علامة على الضعف والعجز؛ وهذا يتفق مع رأي الدين كثيراً، فمرجعيتك يجب أن تكون دائما من اقتناعك بما تفعله من خير لوجه الله تعالى، وهو ما نطلق عليه: "الإخلاص لله"؛ هذا الإخلاص الذي يجعل من ثناء الناس عليك أو ذمهم لك متساويين في نظرك!!!، فالمهم هو رضا الله عليك، وليكن رضا الله عن كل ما تقوم به من خير هو غايتك ومبتغاك، وهذا لا يمنع أبدا أن نخطئ كبشر ثم نستغفر دون إصرار على الخطأ، ولكن يبقى توجهك كله في حياتك لله تعالى؛ فأنت تتفوق لترضي ربك، وترفع من شأن نفسك وبالتالي من شأن أمتك. وأنت حين تفكر في الارتباط بفتاة صالحة تقصد من ذلك تأسيس بيت ذي دعائم قوية، يُربى فيه الأبناء على الخير، وعلى البر والتقوى، وعلى التمسك بتعاليم عقيدتهم ودينهم.
أخي الفاضل "محمد"؛
أشعر أنك تقف على مفترق طرق، ومن المهم لمن يقف مثل هذا الموقف أن يكون عارفاً لما يريد وإلا فإن كل الطرق متشابهة بالنسبة لك، ويمكنك أن تسلك أي طريق عند هذا المفترق الخطر، فقد يكون الطريق عندئذ هو طريق الندامة، وقد يكون طريق من يذهب ولا يرجع أبداً، وقد يكون طريق السلامة؛ و هو الطريق الذي أتمناه لك ولكل من هو واقف مثلك في هذا المفترق الدقيق الزلق، واعلم أخي العزيز أن تصحيح الأفكار السلبية لدينا لا يمنعنا أبداً من أن نسعى نحو الطريق الصحيح؛ فتصحيح ما لدينا من أفكار سلبية قد يستغرق منا العمر كله والحياة بأكملها، وكما يُقال دائماً أول الغيث قطرة؛ فعليك أن تبدأ في اختيار طريق الخير وخلال مسيرتك فيه قم بإصلاح أفكارك السلبية واحدة تلو الأخرى، فالعمر لحظة وإن طال، والكيس من يقطع الوقت ولا يدع الوقت أبداً يقطعه، وإياك إياك من التسويف!!، فهو عدو الإنسان اللدود، فلا تنسى طريق الخير، والذي سيؤهلك إلى السلامة والنجاة بإذن الله ليس في الدنيا فقط، ولكن في الدنيا والآخرة.
ثالثاً: بالنسبة لموضوع تدخلك فيما لا يعنيك ورد فعل الناس
غير الطيب عليك فهذا أمر متوقع لأن الناس لا يحبون من ينصحهم ولو بالخير، والأفضل هو إسداء النصيحة بصورة غير مباشرة؛ كأن نحكي عن قصة شخص كان يقوم بخطأ مثل الخطأ الذي يفعله الشخص الذي تود أن تنصحه، ثم ما حدث من أذى ومضار لهذا الشخص نتيجة قيامه بمثل هذا الخطأ، وتصبح النصيحة مجرد قصة ترويها لمن تريد نصحه؛ وهنا قد يتقبل هذه النصيحة غير المباشرة؛ وقد لا يتقبل، وأنت في نفس الوقت قدمت النصيحة إليه بصورة جميلة وشيك، أليس كذلك؟!!!.
أما إذا كان لديك قدر من الفضول لمعرفة أسرار الناس، وإحساسك بالسعادة عندما تعرف عيوب وعورات الآخرين فهذا يتطلب منك التوبة والإقلاع عن هذا العمل، ولا تنسى أمر نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم: "بأن تحب لأخيك ما تحب لنفسك"، فهل تحب لنفسك أخي الحبيب أن يطلع الناس على عيوبك وعوراتك؟؟؟!!! أعتقد وبالتأكيد لا...
أما قولك: (الأمر الثاني أن العلاقة التي تربطني بالآخر هي: أنت أعلى مني وأنا دونك لذلك يحق لك كل شيء ولو على حسابي، خوفا من تسبب أي مشكلة)، فأنا لم أستوعبه منك جيداً أخي الحبيب!!!؛ ورغم هذا فقد آلمني هذا القول وقلَّب عليَّ المواجع؛ وذكّرني بموقف الصهاينة الجدد منا نحن العرب والمسلمين!!!، فهل يُعقل أخي الفاضل أن الله سبحانه وتعالى إذا أعطى أحداً منا قوة وفضلاً وقدراً وسلطاناً أن يتعالى ويُحقِّر ويُذِل عباد الله من الضعفاء؟؟!!، ولنا في قارون عبرة وعظة عندما بغى على قومه -بعد أن آتاه الله من مفاتيح الكنوز ما ينوء بحمله مجموعة من الرجال الأقوياء- فكيف كانت نهايته أخي العزيز؟؟!!، لقد خسف الله به وبداره الأرض!!. أخي العزيز نحن لا نطلب القوة والغنى والعلم من الله عز وجل للتسلط على عباد الله، بل لنساعد المحتاج، ونؤازر الضعيف، وننشر الخير وندعوا إليه، ونعمر الأرض ونملأها خيراً وفضلاً وبراً.
وإلى هنا أكتفي بهذا القدر من الردود على أسئلتك الكثيرة العميقة المفيدة، وكما قيل: "خير الكلام ما قل ودل". ومنتظر منك أخي الإيجابي رسالة أخرى بعد عدة أشهر – بإذن الله، أعطانا الله وإياك العمر– تخبرنا فيها بمقدار تقدمك في التغلب على الأفكار السلبية، وتحسن أحوالك، وعملك على نهضة أمتك؛ لتكون وبجدارة من أفاضل صنَّاع الحياة، وفقك الله أخي الحبيب وهداك إلى طريق الخير والرشاد.
ويتبع>>>>: أنت على مفترق طرق!! م1