السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مشكلتي قد تبدو مضحكة بعض الشيء، إلا أنّي بحاجة لحلّها.. مشكلتي هي دقّة ملاحظتي، فأنا أرى دائما ما لا يراه الآخرون، ومعظم ما أرى مساوئ الأشياء..
لتسهيل القضية سأضرب بعض الأمثال:
1- وزّع أحد أقاربي بطاقات كتب عليها اسم متجره والوقت (الساعات) التي يفتح فيها المتجر يوميّا، فلم تكد البطاقة تلامس يدي حتّى سألته عن سبب كتابة (Samedi) -أي السّبت- من دون الحرف الأخير (i) فاستغرب الأمر؛ لأنه كان يوزّع البطاقات منذ أكثر من أسبوع، ولم يلاحظ الخطأ أحد. علما أنّي لو سئلت حينها عن مضمون البطاقة لما عرفت، إلا أني رأيت الخطأ أوّلا.
2- قام زميل لي بتحديث أحد البرامج (Windows Media Player) على حاسوبي، وطلب منّي رؤيته، فلم يتجاوز لمسي للفأرة (الماوس) الدقيقة، حتّى وجدت مشكلة في البرنامج، فأخذ يضحك قائلا: "والله أمرك غريب، لو أنّك تعمل في شركة (مايكروسوفت) لتخلّصت الشركة من كلّ مشاكلها".
3- انزعاجي التام من ظهور "علي أن نعاود استقبال أسئلتكم بإذن الله يوم الجمعة" على موقعكم بدلا من "على أن نعاود..."، أي استبدال "على" بـ "علي"، أو أي خطأ لغوي في أي موقع أو في كلام أيّ إنسان، وأنا شديد التّعليق على هذا الموضوع.
قد تتساءلون وأين المشكلة في كلّ هذا؟
بدأ من حولي (وخاصة من يعرف "عقدي") يتذمّر عند رؤيتي للأخطاء، سألني أحدهم: ما رأيك في هذه اللوحة؟ منتظرا منّي أن أقول إن خطّه رائع بعد أن أكّد له الجميع ذلك، فكان جوابي: أين نقطة الـ (ز) في: إنّا أنزلناه في ليلة القدر...؟ (علما أنّ الجميع صدم برؤيتي لما لم يره أحد، إلا أنّي أزعجت المعنيّ).
حاولت تجاهل الأخطاء كثيرا، إلا أنني لم أستطع ذلك،
أرشدوني أثابكم الله.
12/2/2007
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
أهلا بك أيها الأخ؟ أو الابن العزيز؟ لا أدري.... فالداخل لنا من خلال بريد المشاركات نادرا ما يذكر عمره، وأنت لم تذكر، ولذا أقول أخي أو ابني، أحييك على كتابتك العربية الصحيحة وعلى التشكيل الذي يسعدني أن أجد من يحسنه أو يهتم به مع الكتابة الإلكترونية.
أحيانا يكون من المفيد أن تصحح للناس أخطاءهم مثلا لو أنك في شركة أو بنك أو متجر أو ما شابه، حيث يكون لاكتشافك ما قد يضرّ بالمصلحة إغفاله قيمة كبرى، كذلك إذا تقدم لك أحدهم طالبا منك توضيح الخطأ من أجل تداركه وإصلاحه، فلك أن تجاهر بوجود الخطأ لمن يطلب منك أو من يتحداك أن تكشف له خطأ فيما صنعه، وقد يكون لاكتشافك الأخطاء والهفوات فائدة وميزة تعود عليك وعلى الآخرين في مثل تلك الحالات، لكنك مع الأسف لم تقتصر على ذلك في سلوكك مع الناس من حولك.
وأحيانا أكثر يا أخي أو ابني النجيب، يكون مؤلما للناس أن تقعد لهم "على الواحدة" كما نقول في مصر، فهلا ذكّرت نفسك عند لحظة اكتشاف الخطأ بأن الكمال لله وحده؟ وتذكيرك نفسك بذلك يمنع عنك إعجابك بنفسك، وأهمية إثباتك لقدراتك غير عابئ بفضحك عيوب الآخرين دون ضرورة أو حتى دون داع مناسب! ذلك أننا إذا رأينا تميزك وتفوقك في القدرة على "اكتشاف التائهة" -مقارنة بالآخرين- نعمة من الله عز وجلّ وهو فعلا كذلك، إلا أنك إن لم تهذب تلك القدرة صارت كجمال الهيئة الذي يصاحبه كبر في النفس فيكون نقمة على صاحبه أو صاحبته.
مأزق كبير أنت فيه، ولا أخفيك أنك وضعت مستشارك فيه، فكم يزعجني استبدال الألف المقصورة "ى" بالياء الشامية "ي" في كتابات من حولي ومن يكتبون لنا على الموقع، حتى أنني اشتكيت من عربية المصريين ولكنني أصححها حامدا شاكرا وطامعا في ثواب من الله.
أسبح وأنا أصحح الأخطاء يا أخي - لمن الكمال؟ إنه لله وحده فلا تسأله إلا عنده، أما أن تطلب الكمالية والإتقان بهذا الإفراط في الدنيا فتوجه لن يريحك ولن يريح من حولك.
والحقيقة أن مشكلتك ليست في قدرتك النافذة على اكتشاف الأخطاء أو عدم الاتساق مع النموذج المثالي الذي تتخذه للأشياء وتهتم جدا به، ولا هي في عدم قدرتك على تجاهل وجود الأخطاء؛ لأنها موجودة لا جدال، وإنما المشكلة في عدم سكوتك عن انتقاد الناس كلما أخطئوا حتى أصبحت بينهم في كل شيء وكل موقف كالباحث عن "القطط الفاطسة" -كما نقول في مصر أيضا-!.
كم تكون مؤلمة للآخرين أحيانا تلك اللقطات التي تلتقطها ولا تستطيع السكوت عن فضحها.
تقول إنك شديد التعليق على الأخطاء اللغوية، والحقيقة أنك شديد التعليق ليس فقط على الخطأ أو الأخطاء اللغوية في المواقع، ولكنك غالبا شديد التعليق على كل الأخطاء، وهذا ما أقول لك بوضوح: إنه سلوك لا يحتمل عادة بين البشر؛ لأنه لا بشر بلا أخطاء.
وأما ما لم تقله فهو أنك شديد التعلق بمثال متخيل غير موجود على الأرض؛ لأنه "نموذج مجرد" نتخيله ونسعى إليه -ولكن في حدود ما يطاق، ولسنا نتعلق به رغم نزوع في النفس البشرية للتعلق بالمثال الكامل للكمال، تذكر هنا أن الكمال لله وحده، وأنك إذا زدت عن الحدّ المعقول في طلبه في الدنيا غالبا ما تضل وتعاني إما معاناة نفسية أو اجتماعية، أو كلتاهما.
ولب مشكلتك إذن هو ذلك الانتظار للكمال، هي وسوسة بطلب الكمال أو وجوب الكمال ولست تطلبه من نفسك فقط ككثيرين من الموسوسين، ولكنك تطلبه أيضا من الآخرين، وهذه السمة موجودة في أصحاب الشخصية القسرية، ولصاحب هذه الشخصية علاقة ما بالوسواس القهري.
ومن المهم أن تنتبه إلى نقطة مهمة يبدو أنك تعرفها، ولكنك لم تستفد من معناها وهي دليل على ما قلته لك من أنك متعلق بنموذج غير موجود، فأنت حين يعرض عليك شيء ما، لا يعنيك من ذلك الشيء إلا وجود الخطأ من عدمه فكأنما وصل اهتمامك بكيف يجب أن يكون الشيء إلى حد إهمال ما هو كائن أصلا فيما عدا الخطأ الذي تقوم بفضحه.
والمثال واضح في إفادتك في قولك: (علما أنّي لو سئلت حينها عن مضمون البطاقة لما عرفت، إلا أني رأيت الخطأ أوّلا)، وكثيرا ما يصرفك الخطأ الشكلي عن مضمون الشيء، وربما حتى لم يتح لك صاحبه أن تكمل ملاحظتك لما انتقدت العيب فيه.
من المهم بعد ذلك أن أقول لك: إن ما قلته أنا في هذا الرد ليس أكثر من بعض الإشارات إلى جوانب الخلل في طريقة تعاملك مع الكون والأشياء، لكنني لا أستطيع الجزم بكونك صاحب شخصية قسرية أو اضطراب شخصية قسرية.
وربما لديك بعض أعراض الوسواس القهري خاصة أن قولك (حاولت تجاهل الأخطاء كثيرا إلا أنني لم أستطع) قد يكون ذا معنى عند مناقشته مع الطبيب النفسي، ففي جميع الأحوال لا بد من أن تستعين بعد الله بطبيب نفسي ذي خبرة في العلاج السلوكي المعرفي، وأنا في انتظار متابعتك بعد أن تقرأ ما أحلتك إليه من مواضيع لعل في إفادتك القادمة ما يعطينا انطباعا أوضح.