السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في الحقيقة مشكلتي مشكلة وحالتي النفسية "تعبانة" جدا مشكلتي بدأت مثل أي فتاة والدها متزوج بأخرى لكن هذه الأخرى التي أخذت "الجمل بما حمل" كانت دائما تتوعد وتهدد بأن تجعل أبناءها أحسن وأفضل من أبناء الأولى.. إلى هنا عادي مشكلة مكررة عن حقد زوجة الأب، لكن أن تكون زوجة الأب ساحرة نعم ساحرة..
كنت أنا وإخواني نراها تذهب إلى المقابر وتدفن أسحارها هناك لوالدي ولنا، لكن من يصدقنا لا أحد لأن والدي متيم بها حتى الموت، آمنا بالله وقلنا القدر لكن المشكلة هي أنني عندما كنت صغيرة كنت أحس بأن هناك أحدا ما يجامعني، نعم لكنه مخفي لا أراه ولكن أشعر به، حاولت إخبار أمي لكن خفت لأنني صغيرة وغير متأكدة مما يحدث..
ومرت الأيام وشعوري بهذه القوة التي تجامعني موجودة إلى أن جاء يوم قمت فيه من النوم وأنا لا أتنفس، كنت أموت.. ذهبنا إلى الطوارئ، كل شيء سليم لا يوجد سبب لهذه الخنقة، وفي الصباح عاد كل شيء كما يرام.. لكن عانيت شهرا كاملا من وسواس الموت، كنت لا أنام باليل حتى يطلع النهار، كنت أشعر وأسمع بصوت يقول لي: ستموتين..
ويجن جنوني أبكي وأصرخ لكن لا أحد من أهلي يهتم بي، الكل مشغولون بحياتهم، وعندما أشرح لهم يصرخون تفهات.. ولم تنتهِ الحالة إلا عندما سكنا بيتنا الجديد، ذهب الوسواس لكن الجماع لا لا لا.. وعندما بلغ عمري 16 سنة قلت سأقاوم هذه القوى وقاومتها في اليقظة؛ لأنني كبرت، لكن ظل هذا الشعور يراودني في المنام، وعندما استفسرت قالوا ربما احتلام لم أعترض حتى أخذ الخطاب يتقدمون لي، والعجيب أن أهلي يرفضون رفضا جنونيا وعندما يوافق أهلي الخطاب يهربون.
هنا شكت أختي الكبرى وأخذتني إلى عرافة سودانية على سبيل الدعابة.. وهنا قالت هذه الفتاة يسكنها جني اسمه الريح الأحمر، موجود عن طريق سحر، وهو متزوجها ويخرب كل سبل الزواج، وأيضا -لأنني والحمد لله جميلة- بي عين.. والجني لا يتأثر بالقرآن الكريم وووو… جنون في جنون ما قالته صحيح حصل فعلا، لكن ذهبنا إلى قارئ قرآن وقرأ 40 يوما ثم قال: بها عفريت سحر، وإنه لا يستطيع أن يكمل؛ لأنه سيسافر، ومررنا أنا وأختي على أكثر من قارئ ومشعوذ وخسرنا ما يقارب 40 ألفًا دون جدوى..
طبعا إخواني الكبار لا يعترفون إطلاقا بوجود السحر أو الجن؛ لذلك لم نخبرهم إلا أن تعرفت على شاب وأخبرته بكل شيء وتمسك بي وحصل زواجي كالمعجزة، وثارت ثورة إخواني وزوجة أبي، لكن سبحان الله تم الزواج، واعتقدت أنها النهاية، لكن دخلت في نحس في موضوع الحمل وتم بعد معاناة ومن ثم دخلت في دوامة من المرض آخرها جلطة في الرئة عند الولادة.. كل أسبوع مرض حتى ساءت العلاقة بيني وبين زوجي ومن الأمراض القولون وعملية المرارة والجلطة والاختناق وخروج العين وبروزها للخارج والتهاب الأعصاب بجوار الفك وشد في جهة القلب وتشنجات عند سماعي القرآن…
أخبروني عن قارئ للقرآن، وحضر وقرأ علي، وحضر الجني ونطق على لساني، وقال: إنه عن طريق سحر، ومرة يقول: إنني عندما كنت صغيرة سقطت على والده وقتلته وتلبسني انتقاما لوالده..
ساءت حالتي سنة ونصفا.. وهذا القارئ يقرأ مرة واحدة في الأسبوع.. والجني لا يريد الخروج والقارئ يقبض الأموال ويماطل ويماطل.. هلكني وثقل رأسي وكثرت عندي الأمراض دون جدوى، وعند سؤاله يقول لي: اسكتي لأنه ربما خرج من عينيك أو أذنك..
قارئ القران يقول: إن الجن يستطيعون إيذائي؛ تدهورت علاقتي مع زوجي.. أصبح يستهزئ بي ويقول عند أي مشادة: "حضر الإسكندر".. يقصد الجني..
أرجوكم ساعدوني: هل ما يحدث حقيقة أم خيال؟ ما هذا الجني الذي لا يحرقه القرآن؟ ماذا يحدث؟ وإذا كان وهمًا إذن فلماذا حياتي متعسرة؟ لماذا كل هذه الأمراض؟ والأهم من ذلك من الذي يتكلم بلساني عندما يقرأ المطوع العماني؟
أنقذوني أنقذوني..
أولادي الثلاثة لا أنتبه لهم من كثرة حيرتي أنقذوني.
13/2/2007
رد المستشار
السلام عليكم يا أختي، أنا لا أخفيك منذ بداية ردي، كم آلمتني رسالتك، وكم أثارت في نفسيَ من شجون، وكم أشعرتني بالدور الذي يجب أن يضطلعَ به أطباءُ النفس المسلمون في عالمنا العربي؛ لأنني أرى في إحجامهم عن الدخول في مهاترات التلبس بالجان كسبب لما يعرفونَ أسبابهُ من أمراضٍ واضطراباتٍ نفسية مع الألوف المؤلفة من أهلينا ومن كبار مثقفينا ومن شيوخنا الأجلاء الذين يؤمنونَ ليس فقط بوجود الجن والسحر والحسد، كما أكد قرآننا الكريم الذي لا يأتيه الباطل، ولا بوجودِ تأثيرٍ للجن والسحر والعين فحسب وهوَ أيضًا ما يؤكدهُ القرآنُ الكريم والسنةُ النبوية المطهرة، وإنما يؤمنونَ أيضًا بأن الأمراضَ والأعراضَ الغريبة التي تظهرُ على الإنسان (خاصةً الأمراضَ النفسية والعصبية وعامةً كل ما يحارُ الطب في التعامل معه) هي نتائجُ التلبس بالجن أو السحر أو العين، وهنا يقع الخلاف بينهم وبين الطبيب النفساني.
أنت يا أختي امرأةٌ مسلمةٌ متزوجةٌ وأم وعمرك حول الثلاثين سنة، وتدخلينَ على الإنترنت أي أنك امرأةٌ متعلمة، بل أنت واحدة من العقول العربية التي نحنُ في حاجةٍ إليها لكي تكونَ صفحاتُ الإنترنت العربية تعبيرًا عن أمةٍ متحضرة بالمعنى الإسلامي للتحضر، والذي هو التحضرُ الفكري الذي ينجحُ فيه المسلمون في الفصل أو على الأقل تحديد العلاقة بين عالم الغيب وعالم الشهادة، وأنا أنصح عند هذا القدر من ردي الذي لم أركز فيه على مشكلتك بعد أن تقرئي إجابات سابقة على هذا الموقع هما:
السحر والحسد والشياطين وقول الأطباء النفسيين
السحر والحسد والشياطين وأمة المساكين
هو يقول ونحن نقول أين البحث العلمي
الجن الأحمر والزار: التفارق والغيبة والتملك
الجن المخفي: التفارق وادعاء العلم بالغيب
وستتعرفين من خلال تلك الروابط الرد على كل الأدلة القرآنية التي يطوعون تفسيراتها بشكلٍ مفضوح لتعنيَ أن الجن يمسُّ الإنسانَ ويؤثرُ فيه، ويدللونَ على ذلك بالأمراض النفسية (ويوسعون الدائرةَ بعد ذلك بشكل مَـلْـوُوحٍ لتشمل أشياء كسحر الجنون وسحر المحبة وسحر التفريق وسحر التخييل وسحر النزيف وسحر تعطيل الزواج وسحر الربط وسحر الانسداد إلى آخر ذلك من معتقدات) والكلام بينَ القوسين يقالُ لك هنا يا أختي لأول مرة وليس موجودًا في الإجابات السابقة.
وقد ذكرتُ لك كل هذه الأنواع الموجودة في تراثنا غير المسؤول عن مصادره وعن عقله، لسببٍ بسيطٍ هوَ أنني أعرفُ أن مريضةً مثلكَ دارت على أصناف وأشكال الشيوخ من جنسيات عربية مختلفةٍ رجالاً ونساء وسحرةً ومحضرينَ بالقرآن (فهذا أفضل اسمٍ لهم كما يتراءى لي الآن)، وسمعتْ منهم بالتالي تفسيراتٍ كثيرة وأسماء أسحارٍ كثيرة، فسحر المحبة مثلاً لا بد صنعتهُ زوجةُ أبيك وألقته في المقابر لكي يهيمَ أبوكِ بها عشقًا كما ذكرت في بداية مشكلتك، وكأنك نسيت أن القلوبَ بيد الله عز وجل، وكذلك الأرواح ما تعارفَ منها اتفق وما تنافرَ منها اختلف.
وليسَ المحضر بالقرآن وجنه أو الساحرُ وجنه هما اللذين يعبثان بالقلوب كما ظننت، ولكنك إذا تأملت هذا الأمر ستجدينهُ بلسما يهدئُ من جروح أمك، فزوجها إنما يتركها ويهملها ويتزوج عليها ليسَ لعيبٍ أو نقصٍ فيها أو حتى فيه هو نفسه لأنهُ إنما فعل ذلك واقعًا تحت تأثير السحر، يا له من تفسيرٍ يسمحُ لهما هما الاثنان -والله- بعدم رؤية أنفسهما كمسؤولين عما يفعلان أمام الله وأمام الناس!
وأما بالنسبة لك أنت فإنهُ واحدٌ من الخيارات المفتوحة أمامك للتعبير عن رفضك لما حدثَ، وعدم قدرتك على التأقلم معه، خاصةً وأنت في حضن أمك المجروحة، لماذا لا ترينَ مرضك هذا تعبيرًا عن ذلك، وأما ما ترتبَ على ذلك فهو الكثيرُ من العطف من الآخرين إلى أن ملوا منك بقاءكَ مريضةً يُـنْـكرُ الأطباءُ عليها مرضها بنفيهم وجود سبب عضويٍّ لذلك المرض، ويحدثُ ذلك في كل مرةٍ تشتدُّ فيها معاناتها، وتنتظرُ هيَ فيها من الأطباء اعترافهم بأنها مريضة.
لقد عانيت طويلاً من إهمال أهلك لهذا السبب، ورغم ذلك لم تتخلصي نهائيا من الوهم القديم، نجحت وأنت عندك ستةَ عشر عامًا، عندما أصبحت قويةً في التخلص مما سميته أنت بجماع الجني (الريح الأحمر) لك أثناء النهار، لكنهُ استمرَّ خلال الليل، ومعنى هذا أنك تمكنت بقوة إرادتك من تحديد الوقت الذي يفعل فيه الجني ما يشاء، فأصبح ينتظرُ أن تنامي ويفعلُ ما يشاءُ بعد ذلك! وتقبلت تفسيرات الآخرين بأنه احتلام على مضض لا أدري له سببا إلا عدم رغبتك في الإقلاع عن الاقتناع بالخزعبلات!
كان المفروض منذ البداية اللجوء إلى طبيب نفسي مختص، لكنني أعرفُ أن اللجوءَ للطب النفسي أمرٌ يرفضه الكثيرون في مجتمعنا لأسبابٍ عديدةٍ منها القضية التي ينفخُ فيها الشيوخ وأدعياؤهم عن كفر الطبيب النفسي، وأنه من أتباع فرويد، فما يعملُ الشيوخُ والمعالجون بالقرآن أو من يدعونَ أو يحسبونَ أنهم يعالجون بالقرآن على نشره بينَ البسطاء من الناس في مجتمعنا هوَ أن الطبيب النفسي لا يؤمن بأثر القرآن ودوره في العلاج، وأنه منكر لأثر الجن والسحر والعين، وهو افتراءٌ ينتج عن سوء نيةٍ أو عن جهل بحقيقة الأمور.
وعلينا قبل أن نناقش هذا الاعتقاد الخاطئَ أن نبيِّنَ أن الإيمان بالجن والسحر والعين يمكن أن ننظر إليه على ثلاثة مستويات:
(1) الإيمان بوجود الجن وحقيقة السحر والعين.
(2) الإيمان بتأثير الجـن والسحر والعين.
(3) الإيمان بالأعراض التي يصفها بعض الشيوخِ والمعالجين بالقُرْآنِ لأثر الجن والسحر والعين.
فالأول والثاني يجب الإيمان بهما دون شك أو نظر، ومن أنكرهما فهو منكر لصريح الكتاب والسنة.
وأما الثالث فلم يرد في الكتاب ولا في السنة وصف تفصيلي لأعراض معينة لكل من أثر الجان والسحر والعين بمثل ما يتناقله الناس، وإنما هي اجتهادات من بعض الخلف بشكلٍ خاص.
ولعلنا هنا نقف مع ذلك الاعتقاد الخاطئ عدة وقفات:
أولاً: تضع طبيعَـةُ تخصص الطب النفسي من يتخصَّصُ فيه من بين الأطباء في وضع من يتعامل مع مشاعر وأفكار الناس وخبراتهم التي تختلف عما يتعامل معه الأطباءُ في جميع تخصصات الطبِّ المختلفة من علامات ترى بالعين وتجس باليدين ويضعه تخصصه هذا في موقف من يستشعرُ ما لا يقاس أي أنه أكثرُ احتكاكا من غيره بالأمور الغيبية؛ وأكثرُ قدرَة على حدسها
ثانيًـا: أن الأطباء النفسيين المسلمين يختلفون بشكل كبير في إيمانهم بتلك الغيبيات عن غير المسلمين.
ثالثًـا: أن بعض الأطباء النفسيين غير المسلمين يؤمن بتلك الأمور الغيبية، فما بالك بالأطباء النفسيين المسلمين؟
إن نقاش أحد الأطباء النفسيين للمستوى الثالث (ماهية الأعراض) لا يعني إنكاره للمستويين الأول والثاني (وجود أو تأثير تلك الأمور الغيبية)؛ ولذلك إنه إذا ما حاور طبيب نفسي بعض الشيوخِ حول المستوى الثالث فإن أول سؤال يواجهونه به هو: هل تنكر وجود الجن والسحر والعين وتأثيرها (المستوى الأول والثاني)؟؟!!. ولذلك يضطر ذلك الطبيب إلى توضيح تلك المستويات الثلاثة، وأنه مؤمن بتلك الأمور الغيبية وتأثيرها، ولكنه يسأل عن دليل شرعي أو علمي يربط تلك الأعراض التي يعاني منها مريض ما بأنها حدثت بسبب أحد تلك الأمور الغيبية.
ورغم عدم وجود دليل واضح يربط تلك الأعراض بسببها الغيبي الذي يفترضه بعض الشيوخِ فإن العقلاء من الأطباء النفسيين لا ينكرون احتمالية ذلك، كما أنهم يتوقفون عن قبوله في آن واحد. ولقد أدى هذا الاعتقاد عند بعض الشيوخ إلى التأثير على النظرة الاجتـماعية العـامة للطب النفسي، لما لهم من تأثير فعال، خصوصاً على بسطاء وعامة الناس، وهم العدد الأكبر في الشعوب عامة.
إن وجود طبيب نفسي واحد أو أكثر ينكر تأثير تلك الأمور الغيبية، بل ربما ينكر وجودها أصلا، فإن ذلك لا يعني أن كل الأطباء النفسيين كذلك. فالأطباء النفسيون مثلهم مثل غيرهم من الناس، حيث إن هناك بعضاً من الناس –من غير الأطباء– ينكرون تلك الأمور الغيبية جملة وتفصيلاً. ولست هنا أعلل لأولئك الأطباء فهـم مخطئون ولا شك، وإنما أرفض وصم جميع الأطباء النفسيين بإنكار تأثير الجن والسحر والعـين.
قد تكونُ زوجةُ أبيك بالفعل قد ذهبت إلى المقابر ووضعت فيها أشياء تحسبُ هيَ أنها أسحارٌ ستجعلُ أولادها أحسن من أولاد ضرتها أي أمك الزوجة الأولى، مع أنني كنتُ أظنُّ الزوجةَ الأولى أولى بالحقد أو لعلني مخطئٌ في هذا الظن، المهم أن الله الذي لا يضرُّ مع ذكر اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء كانَ موجودًا أيامها كما هو موجود من الأزل إلى الأزل ولا يغيبُ سبحانهُ عن عباده، وقرآنهُ الذي يعصمنا ويدفعُ عنا البلاءَ بما في ذلك السحر وكل الخبائث كانَ موجودًا أيامها وهو موجودٌ إلى يوم الدين؛ لأن الله سبحانهُ تعهد بحفظه جل جلاله، وأنت مسلمةٌ وما عرفته في الإسلام هو أن العلاقةَ فيه مباشرةٌ بين العبد وربه (أي أنها دونَ وساطةٍ كما هو الحالُ في الأديان الأخرى) ليسَ عندنا وسيطٌ يقربنا من الله زلفى، فلم يكن ولن يكونَ ذلك في الإسلام الصحيح.
ومعنى ذلك أنك ما دمت تعرفين القراءَةَ، فأنت تعرفين كيفَ تقرئين القرآن الكريم، وهذا واجبك سواء كنت مريضةً أو سليمة البنيان أو مريضةَ النفس، ما استطعت إلى ذلك سبيلا، أليسَ ما أقولهُ هو ما تعلمناه في المدرسة، أنا وأنت!
إذن عليك أنت بقراءة القرآن، فإن لم تكوني عارفةً بالقراءة فعلى أحد محارمك، زوجك أو أبيك أو أخيك مثلاً أن يقوم بقراءة القرآن عليك؛ لأنه ليسَ في الإسلام مهنةٌ تسمى قارئ قرآن يستعملُ الآيات القرآنية كتعاويذ سحرية يؤثر بها في الجن، قد يكونُ هناكَ قارئُ قرآن يرتل القرآنَ أو يجودهُ ليسمعه المسلمون فيخشعون لصوت القرآن الجميل، لكن ليسَ هناكَ قراءَةٌ للتأثير في الجن، ولدى كل طبيب نفسي حكاياتٌ تشيبُ لها الأبدان عما يقع فيه هؤلاءُ المحضرونَ بالقرآن من ممارسات فظيعة ما أنزل الله بها من سلطان!
ثم إنك أخطأت وما زلت على نفس الخطأ عندما ترددت على المحضرين بالقرآن وعلى المحضرين بالسحر أو السحرة بوجه عام دونَ علم إخوتك؛ لأن هذا في حد ذاته وضع تضعان نفسيكما فيه في موقف يسمح بالتغرير وبالخداع لكما من قبل الدجالين، وها هيَ النتيجة أربعون ألف درهم راحت في حرام، ولم تفدك بشيء!
ثم إنك عشت سنين طويلةً وأنت تحسين بأن هناكَ قوة تجامعك، وهذه في الطب النفسي بالمناسبة اسمها هلاوس حشوية، تحدثُ أكثرَ ما تحدثُ في حالات الاضطرابات الانشقاقية التحولية Dissociative Conversion Disorder التي كانت تسمى فيما سبقَ بالهيستريا وغير الأمريكانُ اسمها لكي يغيروا أسماءَ كل شيءٍ له تاريخٌ بعيد.
المهم أنهُ حتى رغم ما ذكرت من هلاوس سمعية (كما قد يرى بعض الأطباء النفسيين، فيذهبونَ في تشخيصهم لك بعيدًا) فإن ما وصفته أنت عندما قلت (كنت أشعر وأسمع بصوت يقول لي: ستموتين ويجن جنوني أبكي وأصرخ لكن لا أحد من أهلي يهتم بي) لا يعدو أكثر من هلاوسَ سمعيةٍ كاذبةٍ Pseudo- Hallucinations تحدثُ أيضًا في مريضات الهيستريا حتى وإن اختلفنا مع الأمريكان؛ لأن هذه الحالات أقل حدوثًا عندهم، وليسَ في الأمر أيضًا ما يجعلُ ما وصفته أنت بوسواس الموت، إلا نوع من القلق انتابك بعد نوبة الهلع الوحيدة التي أصابتك وذهبت على إثرها للمستشفى، ليسَ في أمره ما يجعلهُ وسواسًا؛ لأن الأمر لا يعدو خوفًا أصابك بعد تلك النوبة ولم تستطيعي التخلص منه رغم تأكيد الأطباء لك أن كل شيء على ما يرام، وكان الخوف خوفا من تكرار النوبة مرةً أخرى، ومن خصائص نوبات الهلع المعرفية أن يصاحبها خوفٌ من الموت أثناء النوبة. والخوفُ الزائد على الصحة هوَ أحد استعمالات الناطقين بالعربية لكلمة وسواس، فأنت تقصدين وسواس الخوف العابر على الصحة الذي يختلفُ عن الوسواس القهري نوعيا وكميا، كما يختلفُ عن وسواس الخوف غير العابر على الصحة.
إذن فنحنُ على أرض الهيستريا ما نزال، وعندما حدثَ تغيرٌ في حياتك متمثلاً في تغيير محل الإقامة حدث الشفاءُ من القلق التوقعي ومن الخوف العابر على الصحة، وبرئت منهما، ولكنك لم تخلصي بعد من الجماع، والغريب أن أحدًا من أهلك لم يصدقك ولم يساندك؛ لأنهم غير مقتنعين بهذه الأمور، فقد قلت أنت في سؤالك (لا أحد من أهلي يهتم بي الكل مشغولون بحياتهم، وعندما أشرح لهم يصرخون تفهات ولم تنته الحالة إلا عندما سكنا بيتنا الجديد ذهب الوسواس لكن الجماع لالالا)، وأنا أفهم من ذلك أنك كنت داعيةً إلى طريق الخزعبلات، وما يشفع لك من وجهة نظري ليسَ إلا أنك جزءٌ من مجتمعٍ كل من فيه مستعدون تحت ضغط كربٍ من كروب الحياة أن يصدقوا مثل هذا الكلام (رغم أنهُ شركٌ بالله).
لكنني لا أستطيعُ أن أنسى أنك مسلمةٌ تدخل على الإنترنت، لا أستطيعُ إعفاءك أنت من المسؤولية مع الأسف! لكن أهلك كانوا أفضل منك عندما لم يصدقوك فهم على الأقل قللوا من مساحة وعمر التخبط الذي عشته أنت بين المحضرين بالقرآن والسحرة والعرافين.
ثم تعالي إلى الحسد، أنا لا أدري هل قال لك أحدٌ: إن الحسد يفعلُ فينا شيئًا لم يكتبهُ اللهُ لنا؟ قالوا لك إنك محسودة، فأنت كما قلت والحمد لله جميلة أيضا، فهل تحتاجُ الجميلةُ المسلمةُ أن تذهبَ إلى محضرٍ بالقرآن ليخبرها أنها محسودة، إنهُ هوَ نفسه يحسدك ويحسد نفسه عليك ما دمت جميلةً كما تقولين، وما يعصمنا من الحسد إلا إرادةُ الله، إن شاءَ أثر فينا الحسدُ وإن شاءَ مر كأن لم يكن، هل كانت هذه أول مرةٍ تحسدين فيها؟ هل أنت لا تحسدين الآن ويحسدُ زوجك عليك، كامرأةٍ جميلة، ألا يمكنُ أن يكونَ مرضك هذا مانعًا للعين بدل أن يكونَ ناتجًا عنها!
ثم لا بد أن يكونَ أحدهم قد شخص فيك سحر تعطيل الزواج وربما بحكاية الجني المسمى بـ"الريح الأحمر" هذي تعذبت كثيرًا وهربت كثيرًا من مواجهة الأمور على حقيقتها يا أختي، والحمد لله أنه حدثَ أنك تزوجت، وقد يكونُ أحدهم شخص فيك سحر النزيف أيام حصل الحمل بصعوبةٍ كما ذكرت، وقد يكونُ بعضهم تكلم عن ربط المرأة أو سحر الانسداد، والله أعلم، لكن هناكَ من قالوا لك إنك دست على أبي الجني فقتلته؛ وهذا انتقام ابنه منك! يا له من ابن بار!
المهم أن الله سبحانه وتعالى أنعم عليك بالزوج الصالح الذي تمسك بك وتزوجك وكأنك أخرجت الجني بنفسك، ولكنك رغم ذلك لم تقلعي عن طريقتك في التفكير واستمرت مسرحية تفسير كل ما يصيبك على أنه من فعل الجني حتى الجلطة في الرئة التي هيَ واحدةٌ من المضاعفات الطبية التي تحدثُ بعد الولادة لأسباب طبية بحتة ليس فيها شيءٌ واحدٌ يجهله الأطباء لكي يجوز إرجاعه إلى الجن، وأما القولون العصبي الذي أشرت إليه فإنه مرضٌ نفسي جسمي يحدثُ بسبب التوتر المستمر في الحالة النفسية، وهذا بالتأكيد حال من تعيش في عالم من الأوهام ولا تجد حولها من يشاركها اعتقاداتها، إن زوجك قد وصل به الضيق إلى حد عدم الاكتراث بك وبشكاواك وإلى حد السخرية أحيانًا عندما يقول لك: "الإسكندر حضر".
هل يا ترى يعرفُ زوجك حكاية المحضر بالقرآن الذي يستنزفُ مالك الآن أم لا؟ هل أنت مستمرةٌ في نفس الخطأ القديم؟ وهل تنوين خسارةَ أربعين ألفا أخرى وفي حرام؟!
يا أختي، اتقي الله في نفسك وزوجك وبيتك، واعلمي أن الله سبحانهُ وتعالى هو المتصرف الوحيد، واذكري حديثه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم في وصيته - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عباس: "يا غُلامُ إني أُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجاهَكَ، إذَا سَألْتَ فاسألِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فاسْتَعِنْ باللَّهِ, وَاعْلَمْ أنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ على أنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا على أنْ يَضُرُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُوكَ إِلا بِشَيءٍ قد كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأقْلامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ" رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح وفي رواية غير الترمذي زيادة "احْفَظِ اللَّهَ تَجدْهُ أمامَكَ، تَعَرَّفْ إلى اللّه في الرَّخاءِ يَعْرِفْكَ في الشِّدَّةِ، وَاعْلَمْ أنَّ ما أخْطأكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَمَا أصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَاعْلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وأنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وأنَّ مَعَ العُسْرِ يُسراً" صدقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
وفي النهاية أقول لك: إن الجني المزعوم ليسَ موجودًا فيك أصلاً لكي تخافي من خروجه من عينيك أو من أذنيك أو من أي مكان، ولا يستطيع إيذاءك بالعمى ولا بالأورام ولا حتى بالبرد والزكام، يا أختي أنا أنصحك بالاقتراب من الله والاعتماد عليه والاستنجاد به والكف عن زيارة أو استقبال الدجال الجديد (الذي يحضر بالقرآن)
اقرئي أنت القرآن حتى ولو كنت تتعبين أو تتشنجين بسبب ذلك؛ فما ذلك إلا بسبب لجوئك للشيوخ الذين يتعمدون الإيحاء لضحاياهم من المسلمين بمثل هذه الأشياء كالتشنج عند سماع القرآن أو الأذان لكي يكونَ ذلك مدخلاً لادعائهم بأن عليه جنيا كافرا أو يهوديا أو مسيحيا في البلاد التي يوجد فيها مسلمون ومسيحيون، واذكري جيدًا أن هذا التشنج عند سماع القرآن لم يحدث لك إلا بعد زيارة الدجالين وليس قبل ذلك! وإن كنت مخطئًا ردي عليَّ بأنني مخطئ!
كما أنصحك بأن تلجئي بعد الله إلى أقرب طبيبٍ نفساني متخصص، وبلدكم فيه العديد من الأساتذة المتخصصين، وأرجو أن تخبريني بما عزمت عليه وما هداك الله إلى تحقيقه والله معك.
التعليق: السلام عليكم هذه استشارة قد ترقّبت جوابها من الدكتور وائلما إن قرأتُ عنوانها، ولما قرأت "الملحمة" التي في السطور وتجسيد هذه الحالة لحالة "عقل جمعي" وليس مجرد حالة فردية شاذة، حتى زاد فضولي لطريقة معالجة طبيب نفسيّ لمثل هذه الأقوال التي كما قال الدكتور تقع تحت عالم "شبه غيبي" فلا هو بالملموس حتى يُبهَت فيه الخرافيون وأصحاب المزاعم والمبالغات، أو يتيه فيه المرضى أنفسهم! ولا هو في عالم "غيبيّ" تماماً قد وصلنا منه عبر ديننا شيء يُمكن الاعتماد عليه، أو يُمكن أن يبقى "غيبيّا" بمعنى الكلمة لا يؤثّر بشكل ملموس على حياتنا وواقعنا.. وأنا حقيقة أعجب للمتعلمين المدافعين عن تلبس الجنّ وكل تمظهرات السّحر كيف يتحدثون ولا يعلمون أبجديات الاضطرابات النفسية، مثل الهستيريا التحوليّة التي اكتشفتْ منذ قرن من الزمان! أزمة وعي وتعلّم حقيقيّة!
كل تلك الملحمات والمشاكل والأعطاب والتي ينسُبها الإنسان بكلّ سهولة لسبب يراه مركز الشرور وآفة الآفات وجامع قوانين الطبيعة، وهو السحر أو الحسد ! وقد يشيب العلماء والباحثون دون يجدوا علاقة محترمة مقبولة بين السبب والنتيجة (العزو السببي) ثم نأتي نحن ببراعة ومجازفة منقطة النظير نحسمها بجملة وفكرة !
- عندي هنا تساؤل بخصوص السحر دكتور وائل، الذي يجب أن يُنظر في تأثيره نفسه وليس مجرّد وجوده الذي نتّفق عليه (على أن يحدّد أي الأشكال هو)، إذ أنّ كلّ ما فيه أنّه سحر للأعين ولا يغيّر طبيعة الأشياء حتى إن كانت جماداً لا إرادة لها ولا تعقيد فيها، ولو كان للسحر أثر مماثل لما ننسُب إليه الآن في مجتمعاتنا، لكان أولى بذلك الأثر الخيميائيون الذين أفنوا أعمارهم لتغيير طبيعة المعادن الخسيسة لتصير معادنَ أرقى وأغلى ثمنا. وكأنّي أرى التمنّي نفسه يتكرر بطريقة أخرى! تغيير طبيعة الأشياء بضربة سحرية بعيدا عن قوانينا الجامدة القاهرة لكلّ زعْم ! فقد أردنا أن نجعل المرفوضة اجتماعيا أو نفسيا مقبولة بالسّحر، والفاشل ناجحا، والعقيم ولودا...كما أراد القدامى تحويل معدن غير مرغوب فيه إلى ذهب أو فضّة يتهافت الناس عليه! وقد فاتتنا بنية الإنسان وثَباتُه البنويّ وطُرقُ تكوّنه وتغيّره أيضا عبر "طبقات" تاريخه وتفاعلاته، كما فاتتْهُم طبيعة تكوّن المعادن وشروط ظهورها في طبقات الأرض !
وأعود إلى سؤالي هنا، والتفريق بالسحر بين الزوجين، وقد وُصف بالعلم، أي احتواؤه على معرفة ما، فما هي طبيعة التفريق بين الزوجين هنا؟ هل هي وساوس وسحر أعيُن كما في الآيات الأخرى "وسحروا أعين الناس" ؟ أم هلاوس كما في حديث البخاري عن سحر النبي صلى الله عليه وسلم فكان يخيّل له أنّه فعل الشيء ولم يفعَلْه (على اختلاف في الحدَث) أم أنه تسلّط على المال والأولاد والذهن والجسد !؟ وأيّ سحر هذا الذي يصمُد أمامَ عبادة وتضرّع وقراءة قرآن ؟ وكأنها معركة بين إله النور والظلام في المانوية، وليس بيْنَ عبد وخالقِه القائل فيه "إنّ كيد الشيطان كان ضعيفا"!
هذا على افتراض أن السحر هو نشاط يدخل في الشياطين بالضرورة، ونحن نعرف سحرا يأكله المسحور ليكون مجرّد تسمّم يسقُط به شعره ويهزُل جسده، ومع ذلك يدّعي الرقاة أنّه سحر من عالم آخر! وهنا إشكال الاصطلاح واضح. -بالنسبَة للحسد، والذي يُربَط بالعيْن بطريقة تلقائية، مع أنّ الحسد وشرّ الحاسد لم يُذكر معه قوّة خارقة تخرج من عينه، ولكنّه إذا حسد أقدم على أقوال وأفعال مؤذية ولها تبعات، وهذا حدود فهمي للحسد والحسّاد، ولا دليل دينيّ يوضّح أن للحاسد قدرة خارقة ليضرّ بها الناس ! واستدلال بآية مثل "وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون" على أنّه تعبير على وجه الحقيقة استدلال غاية في الضّعف، إذ لو كان لهم قدرة لفعلوا ذلك، وحتى إنْ عُصِم النبي عليه الصلاة والسلام، فلن يُعصم منهم كلّ المؤمنين، إذ قد عُصم منهم في الأذية الجسدية والتي أتمّوها ووُجدتْ حقا لديهم! ولم يُعصَم المؤمنون الآخرون ومنهم من قُتِل ! وهذا يعني أن الآية مجرّد تعبير مجازيّ على شدّة الحنق جراء سماعهم ما يكرهون وسط مجالسهم، فضلا على أنّ كلمة "يكاد" مع عدم التحقّق تعني غياب القدرة على فعل الشيء والله أعلم، مثل قوله تعالى: "يكاد سنا برْقِه يذهب بالأبصار" ولكنّها لا تعمى ! وكان الله في عون الأخت المكلومة، وكان الله في عون الذين يحاربون هذه التصوّرات!