السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أشكر لكم جهودكم الجبارة راجية من الله لكم النجاح والتوفيق؛
أتمنى أن تساعدوني في حل هذه المشكلة، وهي أنني منذ أكثر من 3 سنوات أعاني من وساوس كثيرة، بعض منها على شكل أفكار تشككني في الإسلام، ومع بداية هذه الأفكار كنت أشعر بشيء يتكون على صدري يجعلني لا أشعر بالراحة، ولا أشعر بنفس الخشوع الذي كنت أشعر به سابقا عند قراءة القرآن وعند الصلاة.
وعندما سألت شيخا قال لي بأن الذي على صدرك هو شيطان وسيزول بقراءة القرآن، وفعلا عندما قرأت القرآن شعرت أن نصف الذي كان على صدري قد زال، ولا تقولوا لي بأنك تتخيلين وجود هذا الشيء كما يقول أهلي لأنه شيء محسوس، ولكنني للأسف لم أواظب على قراءة القرآن؛ الأمر الذي جعل الشيء الثقيل يعود.
أنا متضايقة جدا خصوصا أن شهر رمضان على الأبواب، حيث إن الأفكار تزيد في رمضان بشكل غير طبيعي. وهناك أيضا فكرة أخرى تضايقني كثيرا، وهي أنني أخاف على كل الذين أحبهم أن أصيبهم بعيني، الأمر الذي يجعلني دائما أردد بسبب وبلا سبب "تبارك الله"، ولكن الأفظع من ذلك أن الشيطان أصبح يوسوس لي بأن أحسد، وللأسف أن أحسد أقرب الناس لي. أقسم بالله أنني أحاول جاهدة رد هذه الوساوس، ولكن بلا جدوى، ودائما أشعر بتأنيب الضمير تجاه أهلي، وكيف يمكن أن أضرهم وقد قدموا لي كل ما أريد.
إنني أكره نفسي، وأشعر أنني إنسانة منافقة، ولكن ماذا أفعل؟ وعندما راسلت "اسألوا أهل الذكر" قالوا لي بأنك تعانين من أعظم أمراض القلوب التي يصعب التخلص منها، إذن فكيف يمكنني التخلص منها أم أنني أعيش هكذا مدى الحياة؟
أرجوكم ساعدوني ولا تتركوني أضيع،
وآسفة على الإطالة.
8/9/2003
رد المستشار
الأخت السائلة؛
ليس فيما تشتكين منه شيئًا صعب الشفاء بإذن الله وتوفيقه، فكما قلت أنت هي وساوس بعضها من الشيطان، وهي تلك التي كانت تزول باستعاذتك بالله من الشيطان الرجيم، وبعضها من الوسواس القهري، فأنت إذا صح فهمي وهو بإذن الله صحيح، لديك حساسية عالية للوسوسة في بعض الأمور، ولذلك أصابتك بعض الأفكار التسلطية التي هي من جنس الوسواس القهري، وهي التي لا تزول بالاستعاذة وإنما تحتاج أيضًا إلى الدواء، وعند هذا الحد أنصحك بأن تنتقلي إلى الإجابات السابقة التي تتناول موضوع الوسواس القهري من كل جوانبه التي تهمك بفضل الله تعالى، وكلها على صفحات استشارات مجانين:
كرات الزئبق والوسواس
أعتقد أنه وسواس قهري؟!: جائز جدا!
بين الرقاة - مس قرين؟؟! أم وسواس قهري؟؟!!!
وسواس مجانين! متابعة لمشكلة ما!
الوسواس القهري بين الفقهاء والأطباء نسخةُ مجانين!
وأما الذي تشتكين منه من شعورك بثقل على صدرك يحرمك من الشعور بالراحة ومن الخشوع في الصلاة، فما هو عند الطبيب النفسي إلا علامة من علامات الاكتئاب التي يصفها المريض، وهي في حالتك في الحقيقة عرضان لا عرضا واحدا:
الأول: هو الشعور بشيء ما ثقيل يضغط على الصدر ويحرم المرء من الراحة حتى في أخذ نَـفَـسه.
والثاني:هو فُقْـدان الشعور بالخشوع أثناء مناجاة الخالق عز وجل، سواء في الصلاة أو في غيرها، وهذا واحد من علامات الاكتئاب أيضًا؛ لأن الاكتئاب الشديد -أعاذنا الله منه- يسلب الإيمان.
ولكنك عندما قرأت القرآن استرحت بعض الشيء يا أختي السائلة، أليس ذلك ما يجول في خاطرك؟ أنت بالفعل استرحت لسببين:
1- هو أنك قرأت القرآن الكريم بنفسك، ولم يقرأه عليك الشيخ، وإنما اكتفى –جزاه الله خيراً- بأن نصحك به، وذكر الله عز وجل يطمئن القلوب والله تعالى يقول: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}، إذن فالذي حدث أن قلبك اطمأن بذكر الله تعالى وزال عنك جزء من ذلك العرض الاكتئابي، ولكن الاكتئاب ما يزال عنيدًا.
2- أن اكتئابك من النوع الخفيف أو المتوسط الشدة بإذن الله تعالى، وليس من الشدة إلى الحد الذي يمنعك حتى من القدرة على قراءة القرآن -أعاذك الله- من مثل هذا الاكتئاب الشديد.
ولكن عليك بالرغم من أنه اكتئاب خفيف أو متوسط الشدة أن تتناولي أحد عقاقير الماسا (وهيَ عقارات علاج الاكتئاب التي تزيد من تركيز السيروتونين في المشابك العصبية في مناطق معينة من المخ البشري، فيمكنها الله تعالى ويمكننا بها من ضرب عصفورين خبيثين، وهما الاكتئاب والوسواس القهري بحجرٍ واحد هو الماسا)، وعليك من أجل ذلك أن تستشيري أقرب طبيب نفسي لك.
وأما الجزء الأخير من رسالتك فقد هيج في نفسي الكثير من المشاعر، حيث أني أختلف كثيرا في وجهة النظر مع من قام بالرد عليك من صفحة "اسألوا أهل الذكر"، عندما استشرته عن الفكرة التسلطية التي تعذبك بإلحاحها عليك، وهي أنك تحسدين، حتى أصبحت ترددين "تبارك الله" بسبب وبلا سبب كما قلت، وأحب أن أقول لك قبل كل شيء: إنه يوجد دائمًا سبب لكي نقول تبارك الله، وأنت دائمًا تثابين على قولك "تبارك الله" ما دمت ترين لقولك هذا سببا في خلق الله "تبارك الخالق في كل ما خلق".
وأما ما أودُّ إيضاحه في حالتك هذه، فهو ما يلي:
أولاً: أنت مسلمة قلبها مملوء بالحرص على ألا تغضب ربها، وقلب كهذا لا يمكن أن يكون مريضًا، ولا يمكن أن يكون فريسة سهلة للشيطان (أي للوسواس الخناس)، وهذا رأيي الشخصي المتواضع، أقوله وأنا مسئول عنه أمام الله عز وجل، بل إنني أسأل بصوت عال كل من يحكم على قلب كقلبك بأنه يعاني من أسوأ أمراض القلوب التي يصعب التخلص منها، كما قلت في إفادتك أن أحدًا من صفحة اسألوا أهل الذكر قال لك! أسأل من قام بالرد عليك: كيف لم ير قلبك كما أراه؟
ثانيًا: ما تعانين منه هو وسواس قهري بالثلث! وليس وسواس نفس ولا وسواسا خناسا، (وأظن أن الفرق الآن بين هذه الأنواع الثلاثة واضح لك إن كنت قد قرأت ما أحلتك إليه من مشكلات سابقة على استشارات مجانين)؛ فالفكرة التسلطية هي أنك تحسدين أو ستحسدين من تحبين، وأنت تجابهينها وتحاربينها بقولك: "تبارك الله" بسبب وبلا سبب (كما قلت لي في إفادتك)، وهذه التي بلا سبب (على الأقل)، هي الفعل القهري الذي تفعلينه مرغمة لتقللي من القلق الناشئ عن إلحاح الفكرة التسلطية عليك!
ثالثًا: علاجك بفضل الله تعالى ممكن وإن شاء الله ناجح وساحق وماحق، باستخدام أحد عقارات الماس أو الماسا من مضادات الاكتئاب الكثيرة، وهو ما يستطيع أقرب طبيب نفسي لك أن يكتبه وتتحسنين إن شاء الله خلال عدة أسابيع من الاستمرار على العقار الموصوف.
رابعًا: أحب أيضًا أن أقدم شيئًا من التبرير لصاحبنا الذي قام بالرد عليك من صفحة اسألوا أهل الذكر، وشيئًا من اللوم على المسئولين عن مفاهيم الصحة النفسية في بلادنا العربية التي تتكلم لغة الضاد؛ لأنهم لم ينشروا مفاهيمهم بين الناس.
فأما التبرير فهو أن صاحبنا الذي رأى في حالتك حاسدة أو موسوسة بالحسد إنما قرأ كتبًا مكتوبة من تواريخ بعيدة عن الوسواس، والوسواس حسب الفهم الإسلامي القديم (قديم بالنسبة لفهمنا اليوم، ولكنه كان إبداعًا يحدث لأول مرة في التاريخ في وقته، حيث وضّح طبيعة الشيطان وطريقة عمله لأول مرة في تاريخ الفكر الإنساني الديني، مقارنة بالأديان التي سبقته)، المهم أن القراءة للكتب العربية التي تتكلم عن الوسواس تقسم الوسواس عند صاحبي إلى قسمين: وسواس الشيطان ووسواس النفس, ويوضع الوسواس القهري مع وسواس النفس فإن رآه مرضًا رآه جنونًا، نعم هكذا كان الفهم لمن يجدون ويجتهدون من الفقهاء، وما زال مع الأسف، لسبب بسيط هو عدم وجود كلام مكتوب ومتخصص عن اضطراب الوسواس القهري باللغة العربية.
وأنا هنا ألقي باللوم على أساتذة علم النفس وعلى معظم الأطباء النفسيين العرب المسلمين؛ لأنهم تعلموا العلم ولم ينقلوه لأهلهم باللغة التي يفهمونها، مع أن هذه مسئوليتهم أمام الله، وأمام أنفسهم وأمام عقولهم التي لست أدري كيف تستطيع الفصل بين ما يؤمنون به وما يتعلمونه ويعلمونه بالإنجليزية لطلابهم، ولا يجدون الوقت لكي يفكروا في ذلك، فإن فكروا وصلوا إلى حل مع أنفسهم واكتفوا بجعله سرًّا!
وأكتفي بهذا القدر من اللوم لأعود إليك وأبشرك بأنه رغم السنوات الثلاث التي عانيت فيها من الوساوس، فإن حدوث الاكتئاب في حالتك هو بشير بالخير إن شاء الله؛ لأن خبرتي الشخصية تقول: إن استجابتك للماسا ستكون إن شاء الله سريعة ورائعة، وأتركك في رعاية الله، داعيا الله لك بالشفاء والتوفيق والفوز في الدنيا والآخرة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ويتبع>>>>>>> : االوسواس والحسد وحال اللغة العربية م