أهلي في موقع مجانين
في البداية أود أن أتقدم بجزيل الشكر لجميع العاملين في هذا الموقع الناجح، ولفريق المستشارين؛ لما تقومون به من خدمة الشباب المسلم عبر هذا الموقع، وتقديم الكثير من الحلول للشباب في صراعهم مع الحياة. ونسأل الله تعالى أن يضع كل جهودكم هذه في ميزان حسناتكم يوم الحساب، وأن تكونوا من الذين قال عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة".
في البداية أود أن أعرض على حضراتكم مشكلتي التي لم أجد تشخيصا لماهية نوعها. أنا شاب أبلغ من العمر (22 عاما)، أنهيت المرحلة الثانوية بتقدير جيد جدا. ومشكلتي بدأت بعد مغادرتي أبواب المدرسة، وبدأت الهموم والمشاكل تتثاقل على كاهلي شيئا فشيئا، وأول ما واجهني من هذه المشاكل هو تأخري سنة كاملة عن الالتحاق بمقاعد الدراسة الجامعية؛ وذلك بسبب الظروف المادية القاسية التي تعاني منها العائلة، لقد مضت هذه السنة من الألم الهم والحسرة ولاسيما بسبب تفوقي في الرحلة الثانوية، لقد كانت معاناتي لا توصف حينما أكون جالسا في البيت لا دراسة ولا عمل يمكنني من تحصيل ما يساعدني للالتحاق بمقاعد الدراسة، وكذلك عندما كنت أرى زملائي في المدرسة وقد التحق كل منهم بجامعته وأنا لا حول لي ولا قوة. لقد كنت أتطلع إلى أبواب الجامعة بلهفة وحب شديدين، وأخيرا تمكنت من دخول الجامعة بتيسير من الله تعالى بالرغم من الظروف المادية القاسية.
عموما التحقت بالجامعة ودخلت كلية الهندسة، ومن أول يوم دخلت به الجامعة بدأت رحلة معاناة جديدة لم أكن أتوقعها، ولم أعمل حسابات لها. بدأت رحلتي هذه بالفشل في الامتحانات الدراسية، بالرغم من الجهد الذي كنت أبذله، وساعات الدراسة الطويلة، "صدقوني زملائي في الجامعة كانوا يلوموني على كثرة الدراسة"، وأنا كنت مهتم بالدراسة لأني تجرعت المر حتى تمكنت من الالتحاق بالجامعة، ومع ذلك لم أشعر باليأس، فقد كنت النتيجة الأولى، وأستعد للمرة القادمة لعلها تكون أفضل، ولكن للأسف الشديد تكون النتيجة سيئة مرة أخرى، وهكذا على مدار سنتين أمضيتهما في الجامعة، لقد كنت أشعر بفشل كبير، وبعدم الثقة بالنفس، وكنت أشعر وما زلت بأنني إنسان دون قيمة وفاشل ولا أستحق النفقات المالية.
لقد أمضيت السنتين في الجامعة ولم أستطع التخصص في أحد فروع الهندسة، وحسب القوانين المعمول بها في الجامعة، إذا أنهى الطالب عددا معينا من الساعات أو "المساقت" في كلية معينة، فإن ذلك يؤدي إلى إعطائه تحذيرا أكاديميا، وبعد ذلك أن لم يتمكن من التخصص في أي مجال في الجامعة يتم فصله كليا من الجامعة.
وأخيرا بعد هذه المعاناة، قررت أن أترك كلية الهندسة والتحق بكلية الآداب للتخصص في اللغات والترجمة، صدقوني كان ذلك القرار قاسي جدا علي لاسيما انه يتعلق بمستقبلي، لقد اتخذت هذا القرار بناءً على الرغبة في هذا التخصص أكثر من أي تخصص آخر بالجامعة، وبموافقة وتشجيع الأهل الذين قدروا وضعي وقدموا لي الدعم النفسي والمادي، وكانوا دائما يقدمون لي الدعاء عسى أن يحل الله هذه المعضلة على مدار هذه الفترة.
بعد اتخاذ هذا القرار كنت أتطلع إلى حياة أكاديمية أفضل، وراحة نفسية أكبر بالرغم من الفرق في التخصص الجديد من ناحية القيمة العلمية ومدى توفر فرصة العمل لكلاهما بعد التخرج. وطبعا حسب القوانين المعمول بها في الجامعة، إذا انتقل الطالب من كلية إلى أخرى، فيتوجب عليه أخذ "مساقت" كمقدمة للتخصص الذي يريد الالتحاق به في تلك الكلية.
وطبعا أنا كطالب في الجامعة، أنزلت عدد من المساقت في اللغة الإنجليزية وكلي أمل بأن أتمكن من التخصص بناءً على المجموع العام في هذه "المساقات"، وأن تنتهي مشكلة أنني لست محسوبا على أي تخصص في الجامعة والتي تؤرقني كثيرا وتهددني بالفصل من الجامعة.
ونحن الآن علي مشارف نهاية الفصل الذي يفترض أن أتخصص بعده مباشرة، ولكن للأسف يا إخواني لم اشعر بتحسن ملموس قي وضعي الأكاديمي، فما زالت صعوبة المواد كما هي والمعاناة والخوف من القادم والمستقبل مستمرة، وأنا خائف جدا من قضية الطرد من الجامعة. ونتيجة لذلك تجول في خاطري أفكار وهواجس توصلني لحد الجنون، وتدعوني للتفكير في الانتحار خصوصا حينما يتم فصلي من الجامعة "كيف سأقابل المجتمع؟" "ماذا أقول لأهلي؟"، ولكني مسلم وأعرف ما معنى الانتحار في ديننا الإسلامي.
وأخيرا: هناك عدة أسئلة وأفكار تجول في خاطري، أود من حضرتكم التعليق عليها وعلى المشكلة.
- لماذا كل ذلك يحصل معي، تأخري عن الدراسة سنة كاملة وقبلت، وأيضا أوضاعي الأكاديمية السيئة، هل أنا من المغضوب عليهم، أنا ملتزم دينيا والحمد لله، أصلي وأصوم، لا أغضب الوالدين، لا أعمل المعاصي التي أرى غيري الكثير من الطلبة غارقين فيها كالزنا وشرب الخمر وغيرها من المعاصي، ومع ذلك أمورهم الأكاديمية على ما يرام، أشعر بأن الله غير راض عني، وأن ذلك هو السبب.
- لماذا أنا لست سعيدا في حياتي، من أول يوم دخلت به الجامعة لم أجد حلاوة وهناء في العيش، كثيرا تنتابني مشاعر الألم والحسرة حينما أرى بقية زملائي سعداء في حياتهم الأكاديمية (لا أحسدهم على ذلك والله)، ولكن أسأل نفسي كثيرا لماذا أنا لست مثلهم، هم يدرسون ويلاقون نتائج طيبة، بينما أنا أدرس والنتيجة تكون الفشل.
- أنا أشعر بأنني إنسان محترم في علاقاتي مع الآخرين، وأحظى بحب الناس، لم أذكر أني حقدت يومًا على إنسان، لم أكره خيرا لا أحد، لماذا أنا أستحق كل هذه المعاقبة.
- لماذا هذا الفشل، لا أريد أن أكون إنسانا فاشلا في الحياة، أنا أدرس وأجتهد ولكن النتيجة الفشل، أشعر أحيانا كثيرة أنني وقعت في الحسد، هل ذلك ممكن، وكيف يمكن معالجة الحسد، أنا أقرأ القرآن يوميا، وأدعو الله كثيرا ليحل أزمتي، وأتعوذ من الشيطان الذي دائما يعدني بالفشل.
- هل أنا غبي إلى هذا الحد، أنا إنسان فاشل لا قيمة لحياته، أتلومني حينما أفكر بقضية الانتحار، ذلك ليس من فراغ ولكن بسبب الطريق المسدود التي قد أصل إليها، ولكن الانتحار إثم عظيم عاقبته نار جهنم، وأنا أطمح للحياة الآخرة كثيرا؛ لأني لا أجد الدنيا إلا هما وتعبا وخوفا، أسمع كثيرا وقد توصلت إلى قناعة أن الحياة لا قيمة لها، وهذا يدعوني إلى عدم الطموح في شيء من هذه الدنيا، لا في الزواج، ولا في العمل، ولا في الدراسة، ولا بالتوفيق بأي شيء في هذه الدنيا.
وأنا أعتقد أنه حتى لو كان الإنسان سعيدا بشيء من هذه الأشياء، فإنه يجد شيئا ينغص عليه تلك السعادة؛ ولذلك أنا لا أتوقع أن أجد طعما لأي شيء في هذه الدنيا، وهذا يدعونني كثير لطلب الموت من الله لأرتاح من هذا العذاب في الدنيا.
أحيانا أشعر بنقص في قيمتي، حيث أبدا أقارن بين كلية الهندسة والتي تعتبر من أفضل التخصصات بالجامعة، وأنا الآن أصبحت في كلية الآداب التي هي التخصصات قيمة حسب رأي الكثيرين، كثيرا عندما يعرف أحد زملائي أو أصدقائي وأقاربي بما حصل معي يعلقون على ذلك بالقول: "أنت مجنون، حد يكون في الهندسة وأنزل لمستوى الآداب، المجانين ما يعملون هذا الشيء".
والكثير الكثير من قبيل هذه التعليقات، وأنا بصراحة أشعر بالخجل من ذكر ما أدرس بالجامعة، وأشعر بالنقص وعدم الثقة بنفسي، ومع ذلك أنا لست نادمًا كثيرًا على التغيير، أنا فقط أريد أن تمشي أموري الأكاديمية بغض النضر عن نوع التخصص.
وأخيرا: هذه مشكلتي، وأرجوكم لا تقولوا لي يجب عليك أن تدرس، فأنا أدرس ولم أقصر في ذلك، وعذرا على الإطالة، ولكنني أردت أن أشرح كافة تفاصيل المشكلة حتى تتمكنوا من إعطائي الموعظة المناسبة حول المشكلة، وهذه التساؤلات التي تشعرني باكتئاب شديد وتنغص علي حياتي. ابنكم المعذب.
20/4/2007
رد المستشار
الابن العزيز؛
أهلا وسهلا بك على صفحتنا وشكرا على ثقتك، أسأل الله أن يسرع بخلاصك من عذابك يا من وصفت نفسك بالمعذب، وهو إن شاء الله وإن طال من قبل فلن يطول بعد قراءة ردنا الذي ننتويه عليك ولا نحسب أنه سيكون موعظة بقدر ما سيكون توجيها، نسأل الله أن يوفقنا فيه.
تذكرني رسالتك هذه بكثيرين من المرضى يعيش الواحد منهم طويلا في صراع بين التزامه واكتئابه، وإن لم يدر بالأخير ولم يوضحه مثلما وضحته أنت، حتى أنك خلصت إلى أن فكرة الانتحار راودتك، ولكنك ألفحت في التخلص منها واستغفار الله لا ينسى هنا يا بني، فالانتحار أو قتل النفس لحظة انفلات اكتئابي، في علاقة الإنسان المسلم مع خالقه سبحانه.
المهم أنك كنت أوضح في تعبيرك عن الاكتئاب والفشل، لكنك مثلك مثل كثيرين ترى نتائج الاكتئاب الطويل –وهي الفشل الذي يولد الفشل ولا يكف عن توليده-، تراه ولا ترى سببه الحقيقي... فأنت مكتئب يا بني مع الأسف، وسأشرح لك ما يتوجب عليك فعله في آخر ردي عليك، ولكنني سأرد أولا على تلك التساؤلات والأفكار التي تجول بخاطرك:
أنت تقول إنه غضب الله معاذ الله أن يكون وأنا أقول لك إنه اكتئاب= مرض نفسي باطن= عليك أن تطلب العلاج؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله"، وقال صلى الله عليه وسلم: "عباد الله تداووا ولا تداووا بحرام" صدق صلى الله عليه وسلم، دع عندك التفكير النكدي، واعلم أنه الاكتئاب الجسيم أو الاكتئاب الدائم أي عسر المزاج وهما احتمالان تشخيصيان مبدئيان وربما يخفي الفضاء الإلكتروني كثيرا منك يا بني.
لست سعيدًا مقارنة بالآخرين هو حكم لا يصح أن نقبله من مكتئب دون مناقشة، والإجابة تكون لأنك لا تعالج اكتئابك، ومسألة كونك لا تستحق، فتعني أنك تنسى أن الابتلاء لا يشترط أن يصيب من يستحقه، واقرأ في ذلك ومن على صفحتنا استشارات مجانين: أبو حامد الغزالي يعاني الاكتئاب.
لست أدري أنا ماذا أدخل احتمال بين احتمالاتك يا بني؟ أكل هذه السنوات التي ضيعتها في فشل يتبعه فشل هي نتيجة الحسد؟ فهل على الفقر الذي أخر التحاقك بالجامعة أم على ترك كلية بعد التعثر فيها والانتقال لكلية أخرى ربما رآها كثيرون أقل منزلة من الأولى، على أي شيء يكون الحسد، وحتى لو هو الحسد فهل معنى ذلك أن تقعد تبكي وأنت تراقب الفشل؟
كذلك تأخذنا في اجتراراتك الاكتئابية حتى تصل إلى لا قيمة الحياة؟ وتنسى أن القيمة الأكبر في حياة المسلم ليست الحياة وإنما بالموقف الذي سيجمع الله فيه الخلق، ورغم ذلك عليك أن تعيش لدنياك كأنك تعيش أبدا؛ لأن إحسان عملك في الدنيا هو الطريق الصحيح للفلاح في الدنيا والآخرة، وفي الأثر "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً"، المهم أنك مطالب بالإحسان سواء في تخصصك الجديد أو غيره، فكيف السبيل لإحسان وأنت مكتئب فاتر الهمة مثبط القدرات والطاقات، عليك أن تتحرك إذن في طلب العلاج من طبيب نفسي متخصص يستطيع تقديم العلاج المعرفي والعلاج الدوائي أيضًا، بعدها ستحسن إن شاء الله عملك وسيكتب لك الله الفوز والنجاح سواء في تخصصك الأدبي أو غيره يا بني.وأهلا وسهلا بك