السحر والجن
السلام عليكم؛ أنا شاب متزوج حديثا، وأراعي الله في كل أفعالي، والحمد لله؛ فقد فوجئت بتعرضي لعملية ربط، وبحكم عملي في المجال الطبي أعلم أنها ربط، وليست حالة عضوية.. فهل يجب إبطال العمل حتى أشفى؟ وهل يجب إخراج الجني الموكل بهذا العمل من جسدي حتى أشفى، أم أن الرقية الشرعية بدون إبطال العمل أو إخراج الجني كافية بإذن الله؟ وما هي شروط من يؤديها؟ وهل ممكن أن تحتاج مداومة لعدة أشهر لكي يزول الربط ويتم الشفاء بإذن الله؟
أنا أؤمن بأن كل شيء يتم بقدر الله عز وجل، ولكن تنتابني هواجس بأن هذا ربما يكون غضبا من الله علي، مع علمي أن الخير والشر فتنة من الله، مصداقا لقوله تعالى "وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَة" [الأنبياء: 35].
لقد سمعت د. أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر في البرنامج الديني "قبل أن تحاسبوا" على قناة "اقرأ" يقول بأن بعض الآراء في هذا الأمر تقول بأنه بما أن القاعدة الفقهية تقول: "إن الضرورات تبيح المحظورات"؛ فيمكن طلب المساعدة ممن لديه القدرة على فك هذا العمل، بالطبع بواسطة القرآن، والحق يقال.. فقد عقّب قائلا: "إنه لا يميل إلى ذلك الرأي، وإنما فقط الالتجاء والدعاء والتضرع إلى الله، واستخدام ما في القرآن العظيم من آيات تتعامل مع السحر والسحرة".. فما هو التعقيب على ذلك؟
لقد قرأت أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد تعرض للسحر على يد يهودي يدعى لبيد، وأن الله عز وجل أنزل إليه ملكين دلاه على مكان السحر، وقرأا عليه سورتي الفلق والناس، وكانت تحل عقدة عند قراءة كل آية، وعندما قرأا 12 آية تم بفضل الله انحلال الـ12 عقدة، واستعاد المصطفى صلى الله عليه وسلم عافيته.
أفيدوني ما الذي يجب عمله لفك الربط (العمل) بين الزوجين؟
أفادكم الله، وجزاكم عني وعن كل من يتعرض لهذا الأمر عظيم الأجر والثواب لما نواجهه من آلام نفسية يعلم الله وحده مدى قسوتها.
رد المستشار
الأخ السائل العزيز؛
مع أنني لا أستطيع أن أخفي استغرابي لحجبك بعض المعلومات المهمة جدا الخاصة بحالتك الشخصية عنا، وكأنك تريد مناقشة الموضوع أكثر من رغبتك في أن تحل المشكلة.. فإنني مضطر لأن أسألك تعليقا على قولك: "فوجئت بتعرضي لعملية ربط": كيف فوجئت؟ ومتى؟ هل في ليلة الدخلة أم بعدها؟
كما أنني يهمني أن أعرف كم طالت مدة عجزك عن الإيلاج في عروسك؟ وهذا يهمني؛ لأنه يعطي فكرة عن الأبعاد النفسية والاجتماعية لهذه الحالة العارضة إن شاء الله، ولا بد أنك بحكم عملك مع المرضى تعرفُ أن للمرض آثارا نفسية واجتماعية على المريض وأسرته، ولعل هذا يحملنا إلى التساؤل عن تفسير قولك: "وبحكم عملي في المجال الطبي أعلم أنها ربط وليست حالة عضوية".. فماذا تعني هذه المقابلة بين الربط والحالة العضوية؟ هل تقصد ذلك فعلا؟
إذا كان هذا هو مقصدك يا أخي العزيز؛ فإنني أقول لك: إن هناك نوعا من الربط أو العجز الجنسي هو أكثر الأنواع شيوعا، ويعرفه كل طبيب نفسي، ولا أحد يجادل في ذلك، ويمكنك أن تقرأ عن الأسباب النفسية المحتملة بالنقر على الرابط التالي:
العنة : فشل استجابة العضو الذكري
وأما النقطة التي ما زال بعضهم يجادل فيها بغير حق فهي العنة الناتجة عن الأسباب الغيبية، التي وردت الإشارة إليها في محكم التنزيل من المولى عز وجل: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ} (البقرة: 102).
ففضلا عن أن الفهم الشائع لكيفية التفريق هو الحالة التي تسمى بالربط، فإن من الممكن أن تكون هناك أساليبُ أخرى للتفريق، كما أن أحدا لا يستطيع أن ينكر إمكانية أن يكون الربط ناتجا عن سبب غيبي، وتفسير هذه الآية الكريمة يشيرُ إلى كفر من يتعلم السحر، ومعنى ذلك أنك إن لجأت لمن يفك لك السحر فقد لجأت لكافر، ولا يجوز الذَّهاب إلى الكهَّان؛ فقد روى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم:
"من أتى عرَّافا، فسأله عن شيء، فصدَّقه بما يقولُ؛ لم تُقبل صلاته أربعين يوما" (رواه مسلم في صحيحه)، وفي رواية أخرى وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: "مَن أتى كاهنا فصدَّقه بما يقولُ؛ فقد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم" [عند أبي داود بلفظ: "فقد برئ"؛ بدل: "كفر"، وأحمد في مسنده بلفظ: "فقد برئ"، ورواه الترمذي أيضا].
وحسب خبرتي الشخصية التي لا أستطيع تعميمها وكذلك حسب خبرة من سألت من الأطباء النفسيين المسلمين؛ فإن أغلب الحالات تكونُ لأسباب نفسية، أهمها القلق والاكتئاب، وغير ذلك من الأسباب التي تجدها في الرابط الذي أحلناك إليه.
ولكننا كأطباء نفسيين وإزاء حالة بعينها نادرا ما يشغلنا سؤال: هل الأمر بسبب السحر أم غيره أم هو بسبب خلل نفسي؟ لأننا نعرف أن التعامل الأمثل في جميع الأحوال إنما يكونُ باللجوء إلى الله عز وجل وسلوك المسالك الشرعية في العلاج، وليس من بين المسالك الشرعية أن تلجأ لمن يدعي العلم بالغيب؛ أي من يقول لك: إنك بالتأكيد مربوط بفعل الجان، وإنه سوف يخرج الجني منك، ولو حتى ادعى أنه سيفعل ذلك بالقرآن؛ لأنه ادعى العلم بالغيب وبلا دليل.
وأما النقطة الأهم هنا فهي ما يفهم من كلامك وأنت تقول: هل يجب إخراج الجني الموكل بهذا العمل من جسدي؟ معنى هذا أنك تعتقد أن جنيا في جسدك! وهذا منافٍ لكثيرٍ مما ورد عن فقهائنا وأئمتنا، فضلا عن أن الجني لا يحتاج أن يسكن في جسدك لكي يحول بينك وبين القدرة على الانتصاب أو الإيلاج! إن هذه الوظيفة يا أخي في الرجل من أكثر وظائفه قابلية للتأثر بالملابسات والظروف والمشاعر والأحداث، وقد يترتب على الفشل للحظة من الخوف والتوجس من تكرار الفشل ما يؤدي إلى الفشل لفترةٍ طويلة بالفعل؛ لأن خوفه مما حدث يجعل قلقه أشد من أن يسمح للانتصاب بالحدوث.
ولكي تفهم ما أقصد، وفي موقف من لا يعرف شيئا عن توقيت بداية أو ظروف حودث هذا العرض لديك؛ فإنني سأضرب لك بعضا من الأمثلة الشائعة جدا في عملنا اليومي؛ فهذا شاب تزوج حديثا، وكان في الأسبوع الأول مسرفا جدا في مجامعة زوجته، وفجأة حدث الفشل في حدوث الانتصاب أو الإبقاء عليه، ولاحظ شيئا من الأسى في عيني زوجته، وبعدها فقد القدرة كليا على الانتصاب، وراح يفكر فيما قد تفكر زوجته فيه، وفيما قد تظن عنه، وإلى أي حد سيؤثر ذلك على علاقته بها؟ وهل سيكملان الزيجة أم لا؟.. وهكذا، ونفس هذا الشاب يقول لنا: إنه أكد له العارفون (الكاذبون) أنه مربوط، ولكن أحدا لم يستطع فك الربط، وهذا الذي أتكلم عنه يمكن أن ينعم الله عليه بالشفاء بعد عدد من جلسات العلاج المعرفي السلوكي، ودون ذكرٍ للأمور الغيبية.
وأما إشارتك إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر؛ فرغم أن ردنا هو "نعم"؛ حيث ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحِرَ؛ فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحِرَ، حتى ليُخيَّلُ إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله، وأنه قال لها ذات يومٍ:
"(أتاني ملَكان، فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال: ما وَجَعُ الرجل؟ قال: مطبوبٌ. قال: ومن طبَّه؟ قال: لبيدُ بن الأعصم، في مُشطٍ ومُشاطةٍ وجُفِّ طلعةِ ذَكَرٍ في بئر ذروانَ" [رواه البخاري في صحيحه].. فإن ذلك لا يعني أنك مسحور، ولا يعني أن لك رخصة في أن تلجأ لغير الله؛ فالرسول صلوات الله عليه وسلم لم يلجأ إلا لرب العزة، وهذا هو الوحيد المسموح به لك؛ لأن الأمر مهما اختلفنا أو اتفقنا عليه؛ فإنه غيبي وسيبقى غيبيا، وليست هناك رخصةٌ لك في الذهاب إلى من يدعي العلم بالغيب أو القدرة على تسخير الجن أو غير ذلك؛ حتى لو قلت لي: إنه يعالج بالقرآن، وإنه لا يتقاضى أي أجر.. إلى آخر ما يقال من حجج.
وبمنتهى البساطة أقول لك" إن من يقول لك إنه متأكدٌ أنك مسحور أو أن بك جنيا فهو يدعي العلم بالغيب ولا جدال في ذلك.. فما حكم من يدعي العلم بالغيب؟
وأما سؤالك عن الرقية الشرعية ومن يقوم بها، وهل تفضل المداومة عليها؟.. وغير ذلك من أسئلة نراها تخص إخواننا المخصصين في العلوم الشرعية من بين مستشارينا وكلهم مدعوٌّ للمشاركة؛ وإنني أحيلك إليهم؛ فهم أقدر على الرد عليك.