السلام عليكم؛
أكتب بناءً على طلب صديقتي فقد طلبت منى أن أكتب مشكلتها لأن زوجها يرفض ذهابها للطبيب النفسي، هي متزوجة من عامين ولديها طفل جميل وزوجها حنون كما تقول عنه وتصف حياتها معه بأنها أكثر من أن تتمناها أي زوجة، مشكلتها كما تقول أنها تشعر بأنها تمثل حياتها أي أنها تشعر بحياتها وكأنها شريط سينمائي تتفرج هي عليه من الخارج وأنها لا تشعر بابنها فهي ترعاه لأن هذا هو المفروض وتقلق عليه لأن الأم من المفروض أن تقلق على ابنها.
لقد تحولت كما تقول إلى آلة لا تشعر بل تفعل ما هي مبرمجة عليه، كما فقدت اهتمامها بكل شيء حتى لقد رفضت عرض زوجها بأن تدرس الكمبيوتر وهي التي حاربت أهلها كثيرا ليسمحوا لها بإكمال تعليمها، وهي لا تعاني أي مشاكل في حياتها الزوجية باستثناء المشاكل الاقتصادية الموجودة في كل الأسر المصرية، كما أنها في بداية حياتها الزوجية كانت تتمنى ألا تنجب في بدايتها لكنها لم تستطع التصريح بهذا... أنا صديقتها منذ الدراسة الابتدائية لذلك أنا أعرف عنها كل شيء.
لقد عاشت مقهورة داخل أسرتها طوال حياتها، أسرة متزمتة لا وجود للآراء داخلها، كما كانوا يبخلون عليها بالأشياء البسيطة التي كنا نحتاج إليها في طفولتنا، مثلا لا شيء أسمه شراء حقيبة المدرسة التي كنا نتفنن في انتقائها بل كانت شنطتها دائما من القماش الرديء تخيل منظر الكتب داخلها في الشتاء، لا مصروف كلنا كنا نأخذ مصروف بسيط للغاية لكننا كنا نذهب بمصروف في جيوبنا أما هي فلا.
المدرسة كانت بعيدة جدا عن منازلنا لكننا كنا نذهب منها وإليها ماشين توفيرا لمصروفنا أما هي فكانت مضطرة لأنها لا تملك نقود المواصلات حتى في أوقات النوات لا تفكر بأن حال أسرتها بسيط لأن أسرتها كانت تفوق أسرتي ماديا لكنه البخل على البنات اللاتي يعتقدن أن الحنان يفسدهن ببساطة كانت محرومة على الرغم من قدرة أسرتها المادية المعقولة. حتى اسمها اختاروه ليعذبوها به طوال حياتها فهو اسم كان يسبب لها الكثير من المضايقات من أصدقائها وكان مسبب لها عقدة فظيعة حتى إنها كانت تغيره من تلقاء نفسها إذا تعرفت على أناس جدد لقد قالت لي بالحرف أنها تكره أمها.
لقد ضربها أبوها ذات مرة فسقطت من شباك المنور وكانت النتيجة تجبيس جزعها كله لفترة طويلة أثناء الدراسة وتعانى من التفرقة بينها وبين أختها فهي تعامل على العكس تماما نتيجة تغيير أفكار الأسرة.... لكن بعد ماذا؟؟!!
أنا أخاف عليها من الانهيار الذي أحس أنها مقدمة عليه خاصة أن زوجها يرفض تماما الذهاب للطبيب النفسي ويقول لها عليك بالقرب من الله وهذا يكفيك ولا فائدة من إقناعه.
أرجو الإجابة سريعا
وجزاكم الله خيرا
09/03/200
رد المستشار
حضرة الأخت الكريمة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
ألقي عليكِ التحية أولاً، لأنكِ ساعي الخير، حيث كتبتِ نيابة عن صديقتكِ صاحبة المشكلة، فالسلام عليكما ورحمة الله وبركاته.
لقد تأثرنا بطفولة صديقتك التي لم تكن باهرة على ما يبدو، وهذا ما أثر في بناء شخصيتها التي تعاني ما تعانيه الآن. أما بالنسبة إلى ما مضى؛ فقد لا نستطيع أن نغير فيه أي شيء سوى أننا قد نستفيد من الذكرى لمقارنتها بالحاضر، والشكر الدائم لله على ما أنعم علينا من زوجٍ صالح وولدٍ عساه أن يكون صالحاً وباراً وأن لا يعاني ما عانته والدته في طفولتها.
وبالنسبة للحاضر: إنها لا تحس طعم الحياة بل تشعر كما ذكرت بأنها تمثل حياتها كشريط سينمائي، وإنها لا تشعر بابنها . هذا مؤسف حقاً.
إننا نسمي هذه الحالة في الطب "anesthesie affective" أي عدم الإحساس العاطفي أو بمعنى آخر شلل عاطفي. قد يترتب على هذه الحالة نوعان من العلاج:
1- العلاج بالعقاقير؛ كأدوية الكآبة النفسية، والمهدئات العصبية الخفيفة.
2- العلاج النفسي والذي يتمثل بتغيير نمط التفكير كأن نتحول إلى الإيجابية في الحياة والنظر إلى النصف الممتلئ من الكأس، كأن نتذكر الماضي ونشكر الله على ما نحن عليه الآن. فنستمتع بوجود الشريك معنا ونقدر ذلك بأن نغدق عليه من المحبة والشعور ما يملأ المنزل فرحاً وغبطة. وكذلك الأمر بالنسبة للطفل الذي يجب أن نرى فيه الشاب الذي سوف يحمل ارفع الشهادات والمفخرة لوالدته التي تعبد الله وهي تطعمه وتربيه.
لا يجب أن نغفل عنصراً أساسياً في العلاج النفسي، وهو العبادة: وهذه الكلمة يجب أن تكون بدون زيادة ولا نقصان. فليس من العبادة أن نبقى طوال النهار على بساط الصلاة مع إغفال الطبخ وأعمال المنزل، كما وليس من العبادة الانقطاع الكلي عن المجتمع لقراءة القرآن والدعاء بل العبادة بقدر متوازن بين كل ذلك.
الحديث يطول، وأهمه أننا ندعو لصديقتك بالتوفيق، والسلامة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
*ويضيف الدكتور وائل أبو هندي الأخت العزيزة أهلا وسهلا بك على مجانين، وشكرا لثقتك الطيبة ووساطتك في الخير إن شاء الله، إذن فقد علمنا الدكتور قاسم كسروان بأي توصيفٍ يصنف الطب النفسي الفرنسي French Psychiatry، ما نسميه نحن (الدارسين على النهج الأمريكي) عرض اختلال الإنية Depersonalization، وهو ما يقابل في كثير من الأحيان تعبير الخدر الانفعالي أو العاطفي Affective Anesthesia ، وإن كان وصف اختلال الإنية أشمل.
وأقول عرضا –وليس اضطرابا- بقدر ما نعرف عن صديقتك، لأننا نعرف أن اختلال الإنية قد يكون عرضا ثانويا –أو مبدئيا- لاضطراب نفسي آخر كالقلق أو الاكتئاب أو قد يكونُ جزءًا من اضطراب نفسي آخر كاضطراب الوسواس القهري أو غيره، أو قد يكون اضطرابا مبدئيا قائما بذاته لا تقلقي فكل ذلك قابل للعلاج بفضل الله، لكنني أظن أن على صديقتك أن تطالب بحقها في العلاج النفسي ودمت بخير تفعلين الخير ويكرمك الله بخير منه جزاء.... فتابعينا وشاركينا.