التلبس بالجن مسرحية نعيشها حتى البكاء
السلام عليكم..
الأستاذ الدكتور/ وائل أبو هندي حفظه الله، أتممت قبل قليل قراءة تعليقك على المشكلة المعنونة بـ "التلبس بالجن: مسرحيةٌ نعيشها حتى البكاء!"، ولي بعض الملاحظات التي أتمنى أن تكون سببا لتأصيل أعمق للقضية مثار الجدل.
سأبدأ من حيث نقطة الاتفاق، وهي أن للسحر والجان تأثيرا، وحضرتك ذكرت أنه ليس هناك دليل شرعي أو علمي يربط بين تلك الأعراض والسحر أو الجان، فإن كنت تقصد دليلا خاصا لكل حالة يشك صاحبها أن به مسًّا من جان، أو نحو ذلك، فأوافقك على ذلك.
أما عموم الربط بين الجان والسحر وبين الأعراض النفسية أو الجسمية، فيحضرني ما ورد في البخاري من سحر النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث وإن أنكره بعض العلماء (باعتباره آحادا يخالف ما تواتر قرآنا من عصمته صلى الله عليه وسلم من الأذى، وهو اجتهاد منهم لم يوافقهم عليه غيرهم) فقد أثبتته جماهير كثيرة من العلماء، وعليه يثبت شرعا صورة من صور الأعراض التي قد يصاب بها بعض من ابتلوا بذلك. كما أن آية البقرة تظهر صورة واضحة من التخبط أو الصرع كما سماه ابن كثير وغيره من العلماء.
لدينا تراث متراكم يتناول هذه المسألة كما ذكرت حضرتك، ولكنك رغم قولك إنك لا تقبل أو ترفض الربط بين السحر أو الجان والأعراض النفسية أو الجسمانية، فإن لهجة حديثك عن (سحر الجنون وسحر المحبة وسحر التفريق إلخ...) في المشاركة المذكورة تخالف هذه (الحيادية)..
المسألة يا سيدي كما تعلم محل خلاف بين العلماء (أقول هذا وأنا لا أذهب إلى التفريق بين علماء أهل السنة وغيرهم، إذ إن القدرية فيما أعلم هم من يضيق الدائرة في هذه الأمور، ولهم اجتهادهم في ذلك، وإلغاؤه تعنت كما أن إلغاء قول الجمهور تعنت كذلك). فما بالك يا سيدي تعتمد قول القائلين بنفي التلبس، ثم تعود وتتحدث عن عدم القبول والرفض؟
ما تؤكد عليه يا سيدي من الاحتياط في مثل هذه الأمور سديد لاسيما في عصر كثر فيها أدعياء العلم والصلاح، خاصة في مثل هذه العلوم (الباطنة) إن صح التعبير، ولئن كان الصحابة قد عرفوا مثل هذه الأمور بل عاقبوا الساحر كما نقل الإمام القرافي عن حفصة رضي الله عنها في جارية لها سحرتها، فإن الدائرة تضيق الآن في عصرنا، مع ثقافة مجتمعية تهويلية، وزيف كثير، يختلط فيه الصالح بالطالح، ورغم ذلك فينبغي ألا يستفزنا هذا الوضع إلى الخروج عن (الحيادية) التي بمقتضاها أقول لك يا سيدي إن هناك من أهل العلم والصلاح من يورث هذا العلم إلى من يتوسم فيه أنه سينفع به، فلا تسدنَّ الباب واجعله مواربا ليجد (المبتلون فعلا) منفذا يعبرون منه إلى طريق الشفاء بإذن الله.
وبقيت مسألة أخيرة أرى من الواجب بيانها، وهي أن السحر إنما يقع بإذن الله على جهة الابتلاء للساحر والمسحور معا، وأن الرقية الشرعية نفعها أيضا بإذن الله كسائر الأدوية، فأثرها قد يتخلف، لحكمة أراداها الله، نص على ذلك بعض العلماء،
ولا يحضرني الآن أين قرأت هذه المسألة.
والله أعلم.
18/2/2007
رد المستشار
الأخت العزيزة؛ أهلا وسهلا بك، وشكرا على مشاركتك القيمة الدسمة، والتي نتفق معك على أغلب ما جاء فيها إجمالا، وإن اختلفنا في بعض التفاصيل، ولعل أوضحها وهو بيان وجود فارق بين المس واللبس، فبينما أرى أن القرآن الكريم يؤكد وجود إمكانية تأثير الجن على الإنسان فإن معنى المس لم يرد في نص القرآن ولا السنة المؤكدة، ويظل قطعنا بحدوث المس لشخص أو حالة بعينها أو تفسيرنا لكيف يكونُ ذلك المس، ويبقى دائما أبدا ضربا بالغيب ولن يزيد عن ذلك! والحقيقة التي نؤمن بها هي أن الجن من عالم الغيب الذي يحدد العلاقة بين الشاهد والغيب هو الشرع وليس الوهم وليس رغبة الناس، فإذا قرأت القرآن الكريم وقرأت السنة النبوية لن تجدي أبداً أن هناك دليلاً واحداً صريحاً في أن هناك أدنى علاقة ما بين الإنس والجن إلا علاقة الإغواء والحرب بين إيمان وكفر.
ثم إن هناك نقطة في منتهى الأهمية هنا، وهي الفارق اللغوي بين معنى المس الذي يرد بأكثر من معنى في القرآن فمرةً بنصب وعذاب، ومرةً بالضر، وهكذا، ولكن المس لا يعني اللبس، بل يستحيل أن يكونَ بمقدور الجن أن يتلبس بالإنسان، إلا إن كنا سنرفع التكليف عن ذلك الإنسان! فكلمة تلبس وإلحاقها بمعنى المس هي بدعة من أكبر البدع التي انتشرت في أوساط المجتمع المسلم، كلمة مس لا تعني إلا الجس باليد، أو الإغواء بالوسوسة، أو الإيحاء بالأباطيل والزور والبهتان، هذه كل معانيها اللغوية، وليس هناك قاموس عربي أو معجم لغوي يقول مطلقاً إن معنى كلمة مس هو أن الشيطان جعل الإنسان كاللباس، ولبسه وتحكم فيه وصار يتصرف كما لو أنه هو نفسه الإنسان، هذا غير موجود، لا في اللغة، ولا في القرآن، ولا في الحديث، ولا حتى في حياة النبي –صلى الله عليه وسلم- كلها وجدناه أنه لقي رجلاً وفعل معه ما يفعله هؤلاء المشعوذون الذين ينتشرون في المسلمين اليوم باسم الدين على أن هذا نوع من العلاقة ما بين العالم الذي نعيشه وعالم غيبي نعلق عليه همومنا ومشاكلنا.
فأنا إذن أومن بأن هناك مسًّا من الشيطان للإنسان، وتأثيرا عليه في سلوكه، ولكنني أرفض أن نقول بأن امرأة ما تخرج من بيتها لتتصرف كابنة ليل عدة أيام ثم تعود إلى البيت، ويفسر ما حدث بأن "جنيا كافرا تلبس بها"! هذا كله دجل كما قال مولانا الشيخ الشعراوي رحمه الله.
وأما ما يرد عن تعرض سيد الخلق عليه الصلاة والسلام للسحر، فقد روى البخاري في صحيحه (10/192).. ومسلم في صحيحه (4/1719) عن عائشة رضي الله عنها قالت: "سُحر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يهودي من يهود بني زريق.. يقال له لبيد بن الأعصم.. قالت: حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله.. حتى إذا كان ذات يوم -أو ذات ليلة- دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ثم دعا.. ثم دعا.. ثم قال: يا عائشة.. أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه.. جاءني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي.. فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي.. أو الذي عند رجلي للذي عند رأسي: ما وجع الرجل؟.. قال مطبوب.. أي مسحور.. قال: من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم.
قال: في أي شيء؟ قال: في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر.. قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذي أروان.. قالت: فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه.. ثم قال يا عائشة: والله لكأن ماءها نقاعة الحناء.. ولكأن نخلها رءوس الشياطين.. قالت: فقلت يا رسول الله أفلا أحرقته؟.. قال: لا.. أما أنا فقد عافاني الله وكرهت أن أثير على الناس شرًّا.. فأمرت بها فدفنت" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويقول فضيلة الشيخ الشعراوي رحمة الله عليه: هذا الحديث قد أثار جدلا كثيرا بين العلماء وبنيت عليه الكثير من الممارسات، وهنا نقول باختصار: "كون محمد صلى الله عليه وسلم سحره اليهود.. هذا ليس اتهاما ضده.. ولكنه تحدٍّ للإنس والجان بأن يفعلوا أقصى ما يستطيعون ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم.. والله جل جلاله سينصره عليهم.. ولو أنهم لم يستعينوا بالسحر والجان لقالوا لو استعنا بالسحر لكانت لنا الغلبة عليه.. ولو أن الحق سبحانه وتعالى أبطل السحر قبل أن يقع لقالوا لو أن السحر لم يبطل لكان لنا معه شأن آخر.. ولكن الله سبحانه وتعالى شاء أن يستعان عليه بالسحر والجان.. وأن تسحر عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم –كما سحرت عينا موسى من قبل– ثم يدله الله جل جلاله على مكان السحر ليبطله.
على أن السحر الذي تعرض له رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم كان من نفس نوع السحر الذي تعرض له موسى عليه السلام وهو سحر التخيل الذي يؤثر على العين وحدها، ولا يؤثر على العقل أو القلب ولا باقي أعضاء الجسم.. وإن كان الله قد أعطى بعض خلقه القدرة على الاستعانة بالشياطين في إيذاء البشر فإنه قد احتفظ لنفسه سبحانه وتعالى بإذن الضر.. وطلب منا أن نستعيذ به من السحر".
يقول تعالى: "وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله" [البقرة: 102]، وهذا الحديث – كما ذكرنا- قد بنى عليه كثير من الناس أفعالا لا يقرها الله ورسوله فأصبح هناك قوم وظيفتهم عمل السحر، وفك السحر، وزاد روادهم من العامة وبعض الخاصة بحجة أن السحر ورد في القرآن، وورد في الحديث، وزاد من خبثهم أنهم يخرجون ما يدعون أنه سحر محاطا ببقايا شعر لكي يشبه ما ورد في الحديث.
ولو تأملنا الأمر جليا لوجدنا أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) حين سحر توجه إلى ربه، ولم يتوجه إلى عراف فدله الله عليه، أي أن المسألة نوع من الوحي والكشف الخاص بالرسول صلى الله عليه وسلم، وقد نهانا عليه الصلاة والسلام في أحاديث صريحة (سنذكرها لاحقا) عن الوقوع في خطأ العرافة والكهانة طلباً لفك السحر أو دفع الحسد أو إخراج الجن، وقد ورد السحر في كتاب الكبائر للإمام الحافظ شمس الدين الذهبي على أنه الكبيرة الثالثة (بعد الشرك بالله وقتل النفس). وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "الكاهن والساحر كافران" (الكاهن الذي يدعي معرفة الغيب، والساحر يدعي التأثير في الأحداث وتغيير القدر، وكل هذه أباطيل).
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، وقاطع رحم، ومصدق بسحر" (رواه الإمام أحمد في مسنده)، وعن بجالة بن عبدة أنه قال: "أتانا كتاب عمر رضي الله عنه قبل موته بسنة أن اقتلوا كل ساحر وساحرة" (رواه البخاري)، فالسحرة يشيعون الفتنة والهلع في نفوس الناس، كما أنهم يشيعون التفكير الخرافي الذي جاء الإسلام لمحاربته.
يقول الشيخ الشعراوي في حكم السحر: "إن الذي يستعين بالسحر إنما يستعين بقوة أكبر من قوة الإنسان.. واستعانته به تحدث خللا في المجتمع البشري.. تماما كالذي يملك مسدسا وسط مجموعة من الذين لا يملكون سلاحا.. فإن قوته تغريه على الظلم والبطش. ولذلك فقد حرم الله الاستعانة بالسحر، واعتبره نوعا من الكفر؛ لأن الساحر يعتقد أنه بذاته وعلمه يستطيع أن يسيطر على غيره في الكون".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اجتنبوا السبع الموبقات" قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات" (متفق عليه).
انظر كيف جاء السحر بعد الشرك مباشرة لما فيه من الحرمة الشديدة، فلا يتعلم السحر مؤمن، وقد جعل الله السحر فتنة لمن أراد أن يتبدل الكفر بالإيمان وما له في الآخرة من خلاق، وربما يسأل سائل: إذا كان السحر يحمل كل هذا الشر فما هي حكمة وجوده؟
والإجابة هي أن الله سبحانه وتعالى قد شاءت حكمته أن يبتلى الإنسان بالخير والشر مصداقا لقوله تعالى: "ونبلوكم بالشر والخير فتنة" (الأنبياء: 35)، ومن سنة الله في الكون أن يجعل قوى الشر تقابلها قوى الخير لكي يختار الإنسان من بينها ثم يحاسب على اختياره، إضافة إلى أن وجود هذه القوة الخفية التي لا يملك الإنسان دفعها عن نفسه بنفسه يجعله يلجأ إلى ربه مستعيذا منها.
وأرى -كما قلت أكثر من مرة- أن علينا حين نواجه بظاهرة مرضية تظهر لنا في عالم الشهادة، علينا أن نتعامل معها بمعطيات عالم الشهادة، بغض النظر عن تفسيرنا لها فلا مانع من تفسير أمرٍ ما بالحسد مثلا، لكن هذا لا يعني أننا لن نعالج التهاب لوزتي الطفل (المحسود)؛ لأن الحسد قوة غيبية من معطيات عالم الغيب، لكن التهاب اللوزتين موجود في عالم الشهادة أي أنه من معطيات ذلك العالم الذي نتعامل مع معطياته بمثلها أي بالعرض على الطبيب المتخصص، وأخيرا أنقل لك هنا عن أخي الدكتور محمد المهدي، خلاصة البحث المتروي في هذا الأمر:
(1) إن الجن والسحر والحسد قوى خفية ثابتة بالكتاب والسنة، ولا يعلم كنهها إلا الله سبحانه وتعالى، وهي لا تضر ولا تنفع إلا بإذن الله ولحكمة يعلمها سبحانه، واتقاؤها يتم باللجوء إليه وحده دون وساطة من كهان أو عرافين أو دجالين مهما اختلفت صفاتهم ومهما تستروا خلف لافتات دينية أو شبه دينية.
(2) إن ادعاء المعالجين الشعبيين (مهما اختلفت أسماؤهم) بأن حالات معينة بها مس من الجن أو تأثير سحر أو حسد إنما هو نوع من الظن الذي لا يقوم على دليل من العلم التجريبي أو من الشرع، وهو تجرؤ على الغيب الذي اختص الله سبحانه وتعالى وحده بمعرفته.
(3) إن الممارس لمهنة الطب النفسي يلاحظ أن معظم الحالات التي تتردد للعلاج لها مسار مرضي محدد وتسلسل منطقي واضح واستجابة معقولة للأدوية المتاحة رغم قصورها.
وإذا كانت هناك نسبة من الأمراض النفسية ما زالت أسبابها الحقيقية غامضة فهذا يدعونا إلى البحث والدراسة للوصول لأسبابها وليس أضر علينا من إلقاء كل الأمراض على تلبس الجن أو السحر أو الحسد؛ لأن ذلك يوقف حركة الاجتهاد والبحث البشري ولو كان الحال هكذا لما اكتشف علاج مرض واحد. وهذا الاجتهاد الإيجابي نوع من السعي والأخذ بالأسباب الذي حث عليه صحيح الدين.
(4) من الصعوبة على أي شخص أن يجزم بأن حالة معينة هي مس للجن أو سحر أو حسد، ولم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه عالج كل الحالات على أنها مس جن أو سحر أو حسد، ولكنه عالج بكل الوسائل المتاحة في عصره، فقد عالج بعض الحالات بالعسل، وعالج أخرى بالكي، وعالج بالحمية، وعالج بحبة البركة، وعالج بالحناء، وعالج بالعصابة للرأس... إلخ. وأمر صحابته بالذهاب للطبيب وهو رسول الله ودعاؤه مستجاب، ولكنه يعلمنا الأخذ بالأسباب، إذن فالتعميم والتعتيم الذي يمارسه بعض المعالجين الآن ما هو إلا جهل بالدين أو الطب أو كليهما معاً.
(5) إن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن إتيان الكهان والعرافين ونهى عن تصديقهم، وما يفعله الكثيرون من المعالجين البدائيين اليوم لا يخرج عن كونه "عرافة" أو "كهانة"؛ لأنهم يجزمون بتلبيس الجن، والجن غيب عنا، والجزم بالغيب عرافة (حتى ولو تستروا بشعارات ورموز دينية أو شبه دينية)، والمريض المسكين حين يذهب إلى أحدهم فهو يرمي نفسه في المجهول.
(6) إن الاستعاذة من الجن ومن السحر ومن الحسد أمر بسيط علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقراءة المعوذتين وآية الكرسي وباقي أدعية الصباح والمساء وبتقوية العلاقة بين الإنسان وربه دون الحاجة إلى وسيط، وهذه الأدعية يقرؤها الشخص المريض نفسه أيا كان نوع مرضه أو يقرؤها عليه أحد أقاربه أو أصدقائه، ولا يكون هناك شخص بذاته يتولى هذه المهمة ويتخذها وظيفة وإلا أصبحت كهانة صريحة.
(7) ليس هناك ما يمنع بل إنه من الضروري الجمع بين أخذ الدواء الذي يصرفه الطبيب المتخصص والدعاء وقراءة القرآن والرقية الشرعية التي علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكل هذا من أمر الله، أما الأخذ بشيء مع إهمال باقي الأشياء فهو من قبيل الاختزال، فالإنسان جسد وروح ولا يمكن الفصل بينهما، وللجسد ما يفيده، وللروح ما يلائمها.
وأما قولكِ:
(المسألة يا سيدي كما تعلم محل خلاف بين العلماء)، فردنا عليه هو أن القائل الأبرز بالتلبس هو ابن تيمية مجتهدا، ومضطرا (على أغلب الظن) بسبب وجوده في زمن انحطاط الأمة الأول وشيوع الخوف والتخلف؛ نظرا لبدء الهجمة التترية على أمتنا، وابن تيمية هو أول من ثبت عنه استخدام الضرب في إخراج الجني من جسد المريض، وهو من نقل عنه معظم القائلين بالتلبس، فإذا كان هناك اختلاف بين ما نقول وبين ما يقول بعض العلماء فإن الأمر يرجع بالبحث إلى ابن تيمية وكلهم آخذٌ عنه، وهو رحمه الله كان عالما كبيرا أثر في توجه الفكر العقدي الإسلامي وما يزال، ونحن لا نقول أكثر من أن هذا كان اجتهاده، وهذا ما أملته عليه معطيات عصره الذي يشبه عصرنا (وإن كنا أسوأ حالا والله فيما أرى)، ولكننا نرى أن إغلاق هذا الباب هو الخيار الأفضل إلى أن يتمكن الباحث المسلم من النهوض لبحث الأمر بطريقة بعيدة عن الأهواء، وصالحة للتعامل مع معطيات عالم الشهادة، أما أن يترك الأمر لكل من هب ودب فأمرٌ لا ولن أرضاه لأمتي، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وكل نفس بما كسبت رهينة، وأشكركِ جدا على مشاركتك البناءة، ولا تنسينا من الدعاء.