السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
جزاكم الله خيرا على ما تقدمونه لقرائكم وجعله في ميزان حسناتكم يوم القيامة أنا متابع منتظم لموقعكم من حوالي سنة تقريبا ومشكلتي هي –وأعتذر عن الإطالة فيها-:
أنا طالب في الصف الثالث الثانوي علمي وأريد أن أدرس الطب النفسي وأخدم ديني وأمتي به وأكون مثلكم خاصة وأني أحب هذا التخصص كثيرا ولي قراءات كثيرة عنه وأحب مساعدة الناس على حل مشاكلهم وتفريج كربهم ونسبتي عالية في الفصل الأول والحمد لله 99% ولكن واجهتني صعوبات وهي:
كان والديّ شبه موافقين على دراستي ومستعدين لحمل تكاليفها المرتفعة –حيث أنه لا يمكنني دراسة الطب في الجامعات الحكومية في بلدي لأن شهادتي الثانوية من بلد خارجي–، ولكن حدث ما جعلهما يغيران رأيهما وهو أنه ضُبطت صور ومقاطع سيئة جدا في جهازي عدة مرات وفي كل مرة أعاهدهما على عدم العودة ولكني أعود ولا أثبت على توبتي –علما بأن عائلتي ملتزمة وأنا أحفظ نصف القرآن ومظهري ملتزم– فمن بعد ضبطي أصبحا يرفضان فكرة دراستي في بلدي خوفا علي من الانحراف خاصة أن الجامعة مختلطة والفتن كثيرة وهما لن يكونا معي بل سأسكن لوجدي أو مع بيت أهل أحدهما -وأنا حياتي بكاملها كانت في السعودية ولا أنزل لبلدي سوى معهما في الإجازات-، ولا يريان أن لي صلة بالله.
فأنا صحيح أني محافظ على الفرائض والصلوات في المساجد ولدي عاطفة جياشة لخدمة ديني والدعوة إلى الله ولكني لا أقوم الليل ولا لي ورد يومي من القرآن وأفعل معاص في السر، وأني قد خيبت أملهما فيّ فهما يريداني أن أكون من الأتقياء لله، وقد حاولت مرارا وتكرارا إفهامهما أنني في أزمة المراهقة وسوف تمر وأن المراهق لا يحس بالروحانيات... الخ..... ولكن لا فائدة ويقارنونني بأقراني الذين مرت مراهقتهم بسلام دون أن نسمع عنهم مشكلات.
صراحة لا أخفيكم أني قد فكرت في الانتحار-لأن الدنيا كثيرة الهموم والمصائب وفوق هذا سنحاسب على كل ما فعلناه من معاص وأخطاء، والدنيا فسدت، وأنا أحس نفسي أنني منافق فأنا أمام والديّ وأهل شيء وأمام نفسي شيء وأمام أصدقائي شيء ثالث - ولكن طبعا هذه فكرة مرفوضة تماما فلست على استعداد لأن أتحمل العذاب الأخروي الناتج منه، فما رأيكم ونصيحتكم لي ولوالدي وأرجو أن يكون الكلام الموجه لهما منفصل، حيث أنهما مثقفان وأصحاب تخصصات عالية "مهندس وطبيبة".
وإذا لم يوافقا فهل أدرس علم نفس أو علم اجتماع وهل لهما مستقبل وظيفي أم لا؟ أو أدخل هندسة أو إدارة أعمال –حيث إنه يمكنني دخول هذه الكليات في السعودية إن شاء الله بينما الطب فشبه مستحيل- وإذا وافقا فهل سيمكنني أن أندمج مع مجتمع بلدي –سوريا- بسهولة حيث إنه مختلف تمام الاختلاف عن السعودية حرسها الله خاصة من ناحية الاختلاط بين الجنسين وكثرت الفتن والفساد وموقف الناس والدولة من التدين والمتدينين.
نقطة أخرى قد تفيدكم وهي أني ذو عاطفة جياشة –رومانسي– ولكن طبعا مع أصدقائي وأقاربي فقط، فهل هذا له علاقة باختياري للتخصص؟
وجزاكم الله خيرا
وأعتذر عن الإطالة
23/03/2007
رد المستشار
الأخ الفاضل؛
يبدو لي أن لديك تخطيطاً مبكراً نسبياً قياساً لأناسٍ من نفس عمرك ولتخصصٍ طبيٍ نوعيٍ مستغربٍ في مجتمعنا، وهذا يشير إلى ناحيةٍ إيجابيةٍ جيدةٍ في شخصيتك، أضف على ذلك أن همّك ليس نفسك فقط وإنما الأمة والدين وذلك بقولك ((وأريد أن أدرس الطب النفسي وأخدم ديني وأمتي به وأكون مثلكم خاصة وأني أحب هذا التخصص كثيرا ولي قراءات كثيرة عنه)).
ومن الصفات الشخصية للطبيب النفسي الجيد:
• قدرة جيدة على التعاطف (فهم المشاعر الذاتية ومشاعر الطرف الآخر).
• رغبة قلبية صادقة لمساعدة الآخرين.
• قدرة جيدة على التواصل مع الآخر.
• الحيادية وتقبل الآخر مهما كان.
• المرونة النفسية كالتعامل مع أصغر الأعمار وأكبرها.
وأنت حسب ما تذكر تتوفر فيك هذه بعض الصفات المذكورة في الأعلى، فمن الصفات المهم تواجدها عند من يتخصص بهكذا اختصاص هو ما ذكرته بقولك ((وأحب مساعدة الناس على حل مشاكلهم وتفريج كربهم))، فالحقيقة أن مهمة الأخصائيين النفسيين حقيقة هي تفريج الكروب ومداواة الآلام النفسية، ولا أعلم أقسى منها على بني آدم، حتى أنه من شدة الألم النفسي يكون الموت في بعض الأحيان الدواء الشافي
كفى بك داءاً أن يكون الموت لك شافياً وحسب المنايا أن يكن أمانيا.
الأخ الفاضل:
الخطوة -كما تعلم- لتعلم هذا اللون من الطب هو دراسة الطب العام، وفيه تتعلم ألوان مختلفة من العلوم الطبية الأخرى، وسوف تختبر خلال دراستك الطبية حبك وشغفك بدراسة الكتب وتطبيق هذه العلوم في المشافي، وعندها ينضج حبك لهذا الفرع ويزهر وقد يثمر بدخولك هذا الفرع، أو يخبو وتتجه لعلمٍ آخـــر تحبه أكثر.
دع لسنوات الطب أن تضع حبك للطب النفسي على المحك. وتذكر أن اختيارك لتخصصك مهما كان هو اختيار فردي بحت، وأشعر أن المسألة التي ذكرت تشوش على هذا الاختيار.. وهي المسألة الأهم في نظري ونظرك.
الأخ الفاضل؛
لابد لك من جلسةٍ هادئةٍ مع نفسك أولاً لتصطلح معها وتنهي معركتك ضدها، والتي أعلنت صراحةً أنك تريد قتلها!!
الأخ الفاضل:
من قال لك أن الإنسان حينما يعصى الله ويظلم نفسه يفعلها أمام الناس؟
فكل مسلمٍ حينما يظلم نفسه ويرتكب المحرم شرعاً يفعله سراً، والذي يفعل المعصية جهراً حسب ما أعلم اسمه المجاهر بالمعاصي وهي أسوأ أنواع المعاصي. وتبدل حالك لا يعني أنك منافق كما قلت ((وأنا أحس نفسي أنني منافق فأنا أمام والديّ وأهل شيء وأمام نفسي شيء وأمام أصدقائي شيء ثالث))، لكنا حسب رأيك كلنا منافقون. لكن تغير حالنا أحياناً نحو المعصية هو عن ضعفٍ أمام الشهوة الجامحة المستعرة في نفوسنا، وليس عن تكبرٍ على الله تعالى.
المهم غلبة الحال في الخلوة، هل نحو المعصية أم نحو الطاعة؟
ثم من أخبر أهلك بحال أصحابك في خلواتهم، عندما قلت بمقارنتك مع أقرانك ((ولكن لا فائدة ويقارنونني بأقراني الذين مرت مراهقتهم بسلام دون أن نسمع عنهم مشكلات))، من قال لهم ذلك؟!
ثانياً: لابد لك بعد أن تصطلح مع نفسك أن تجلس مع أبويك وتحاورهم بهدوء حول رغباتك ومستقبلك، وأن تعيد بناء الثقة معهم، بإظهار تفهّمك لحرصهم عليك وإبعادك عن مصادر الفساد، وصدقني لن تعدم الوسيلة!، فالوسائل كثيرة لإعادة بناء تلك الثقة، لأنه –ببساطة- ((إن مصدر حرصهم الشديد عليك هو محبتهم الشديدة لك!!))
أما قولك ((هل سيمكنني أن أندمج مع مجتمع بلدي –سوريا- بسهولة حيث إنه مختلف تمام الاختلاف عن السعودية حرسها الله خاصة من ناحية الاختلاط بين الجنسين وكثرت الفتن والفساد)).
أظنك تستطيع ذلك، لأنه هنالك تجارب حية لدىَّ شبابٍ سوريين درسوا معنى الطب في سوريا وأهلهم في السعودية وكان مثال الخلق والعلم وحصلوا على ترتيب على مستوى الكلية!!
ومن العوامل التي ساعدتهم هو أن هيئ لهم الله بيئة آمنة من أقارب وأصدقاء صالحون عاشوا بينهم حتى أنهوا فترة دراستهم للطب أو غيره وهم من المتفوقين!!
ومن العوامل التي تجذب إليك الآخرين من المحبين هذه الخصلة الرائعة فيك عندما قلت ((وهي أني ذو عاطفة جياشة –رومانسي– ولكن طبعا مع أصدقائي وأقاربي فقط)).
أخيراً أتمنى لك التوفيق والخير
وتابعني بأخبارك
ويتبع >>>>>>>>: أنا والطب النفسي والصور!! م