صعوبات اجتماعية : لأنني بنت!
قصة نجاح، إلى المرحلة التالية
السادة موقع مجانين المحترمين أرسلت إليكم سابقاً مشكلة بعنوان صعوبات اجتماعية وكان ردكم أحد العوامل التي ساعدتني على التخلص من مشاكلي. لم تكن مشاكلي تنحصر في رفضي لكوني بنت. كنت أعاني بشكل رئيسي من طريقة تفكير نكدية سوداوية لا ترى إلا الجوانب السيئة في الحياة، إضافة إلى بعض السلوكيات السيئة مثلاً أدع لغضبي أن يتحكم بي دون أن أحاول السيطرة عليه، وكما قال الأستاذ علاء كنت أفتقر بشكل كبير إلى المرونة والتسامح.
لقد اكتشفت أن هذه الطريقة في التفكير هي التي أوصلتني إلى الاكتئاب ولذلك لم أحقق النجاح الكامل بعد انتهاء العلاج لأنه اقتصر على العلاج الدوائي. أستطيع القول أنني الآن، وبعد خمسة أشهر من العلاج الدوائي (بجرعة داعمة) إلى جانب الجهود الكبيرة التي بذلتها للحصول على علاج سلوكي ومعرفي من خلال جمع الأجوبة والمعرفة من كافة المصادر المحتملة، ومحاولاتي المضنية لتغيير سلوكي وطريقة تفكيري، تمكنت من تحقيق نقلة نوعية!
أنا نجحت..!! بفضل كرم الله تعالى ومساعدته الدائمة لي. كنت أتوجه إليه بالسؤال فيرسل لي الجواب رأساً بطريقة ما! كم أحبك يا رب! أرسل لي تعالى الأجوبة من خلال موقعكم في بعض الأحيان، من خلال أصدقائي وأقاربي، من خلال طبيبة نفسية رائعة تعرفت عليها.
الآن بدأت أكتشف فلسفة جديدة للحب: حب الله وبالتالي حب كل ما خلقه ودبره لنا، ومن خلال هذا نحب الحياة ونحب الآخرين، والحب يفتح لنا الطريق إلى السعادة، وفي معظم الأحيان كنت أنجح في أن أكون إنسانة سعيدة ومتفائلة وواثقة وفي تبني سلوك هادئ ومرن.
طبعاً لم أحقق النجاح الكامل بعد إلا أنني عرفت طريقي وأنا الآن أسير على هذا الطريق. الحمد لله! لكن القصة لا تنتهي هنا. أنا فقط انتهيت من مرحلة بنجاح، وصار علي أن أنتقل إلى المرحلة التالية وهي على ما أظن أكثر صعوبة وتعقيداً لكنني مهيأة لها وعلى أتم الاستعداد والثقة بالنجاح: المرحلة التالية تتمثل في علاقتي مع خطيبي والمسألة باختصار شديد هي أنني أريد أن أساعده على تحقيق النجاح الشخصي والمهني الذي يستحقه لكن بطريقة لا تنتقص من رجولته واحترامه في نظري.
أنا وهو نحب بعضنا حباً شديداً، وكنا أصدقاء أعزاء لفترة طويلة قبل أن تصل علاقتنا إلى الخطبة والزواج وأنا مؤمنة أنه يمتلك مقومات هائلة للنجاح لكن البيئة التي نشأ فيها لا تساعده أبداً على تطوير مهاراته وتوسيع آفاقه.
أسرته محبة ومتماسكة لكنها تقليدية ومحافظة وضيقة الأفق، وهو ترك الدراسة في نهاية المرحلة الثانوية مع أنه كان طالب متفوق لكي يشارك والده في العمل في التجارة (حتى هذا العمل محدود وضمن إطار ضيق فهو يكتفي بشراء المواد من تجار الجملة ثم يبيعها بالمفرق، وحتى لو كان هناك توسع أفقي فليس هناك أي مجال لتوسع عامودي). هو بذل بعض الجهود للخروج من بيئته الجامدة، وأهمها كان المشاركة في نشاطات جغرافية وسياحة بيئية وهذا أعطاه مجالات أوسع ومع ذلك فإن ارتباطه القوي بعائلته وضعف الخلفية العلمية لديه جعله يخاف من أي تغيير كبير لأنه لا يحب أن يخرج كثيراً من نطاق عائلته وما ألفه فيها.
أنا حصرت "قوى الإعاقة" لديه في النقاط التالية:
• أنه مثل كل الشباب العربي مستسلم للظروف ويعاني من الإحباط وفقدان الحافز.
• ابتعاده عن العلم لفترة طويلة خلق لديه نوع من "الصد المعرفي" إذا صح التعبير فهو يكره التعلم ولا يحاول أن يقرأ أو يدخل الإنترنت ويبرر هذا إما بضيق الوقت أو بالقول أن "هذا كله كلام نظري لا ينطبق على الواقع وهو إنسان واقعي".
• لديه بعض الرواسب من التقاليد السخيفة والقناعات الخاطئة التي لا يحاول أن يخضعها للتحدي والنقاش (مثلاً يحق للرجل ما لا يحق للمرأة).
• هو لا يعرف كيف يتعامل مع مشاعره، ولا يعرف كيف يشرح نفسه لي، ويرفض الحوار معي إذا حاولت أن أفهمه من الداخل لأن هذا الحوار مرهق بالنسبة له.
أما عن الميزات التي يتمتع بها وهي كثيرة: فهو ذكي جداً، حنون ومحب ورجل عائلة، صاحب كلمة وموقف وملتزم، متدين، يعرف تماماً كيف يتعامل مع الناس، يملك الإصرار، الصبر، ضبط النفس، يحب مساعدة الآخرين ولو على حسابه...
وهناك أمور كثيرة نشترك بها، فنحن كلانا نعشق الطبيعة، نحب الحياة البسيطة الهادئة، نحب الحياة والمرح، لا نحب المظاهر وننظر إلى جوهر الأمور.. لكن أنا أجد أن عالمي غني جداً -والحمد لله- بالمعرفة والعلم والانفتاح والتطور، خاصة وأن عملي مع منظمة دولية في مجال البيئة يفتح لي من الآفاق ما لا يحدها إلا السماء.. أنا حاولت كثيراً إدخاله إلى عالمي بكل الوسائل لكنه كان يقابلني بالصد والرفض، وهذا يخلق لدي الشعور أننا نعيش في عالمين مختلفين وأننا نفتقر إلى لغة حوار مشتركة وأرضية مشتركة وأنني أشعر أحياناً بعدم احترام له وللعالم الذي جاء منه وأخشى أن يكون شاعراً بعدم احترامي هذا.
أنا أعلم أن الاختلاف بين الزوجين يمكن أن يكون مصدراً لغنى وثراء كبير في حياتهما إذا تم استغلاله بصورة صحيحة، (مثلاً أنا أفكر بصورة استراتيجية وهو يدقق في التفاصيل وهكذا نكون متكاملين) لكن مع ذلك لا بد لنا برأيي من توسيع المساحة المشتركة بيننا وبناء مزيد من التفاهم. هو أيضاً بحاجة إلى بناء ثقته بنفسه وثقته بي حتى لا يعاني من حالات التوتر والقلق التي تصيبه أحياناً كثيرة ربما بسبب أسلوبي التوجيهي المباشر فأنا بحاجة إلى طريقة أوجهه بها وأساعده دون أن أشعره أنه طالب في مدرستي وأن كل لقاءاتنا وأحاديثنا هي عبارة عن محاضرات ألقيها عليه فيزداد نفوراً مني خصوصاً أنني بدأت أشعر أنه يبتعد عني لهذا السبب.
المشكلة هي أنه أحياناً لا أتغلب علي طبيعتي القديمة الحادة فأتفوه بكلمات جارحة له فيها إنقاص لرجولته واستخفاف لنشاطاته ولا أعرف كيف أصلح الوضع بعدها .. أحاول معه لكنه وقتها يكون في حالة انتقام لكرامته المجروحة فيبتعد عني. نحن قطعنا حتى الآن شوطاً طيباً، صحيح أننا لم نحقق بعد نتائج ملموسة لكننا نسير في هذا الطريق.
أنا فقط أحتاج إلى بعض التعليمات: Guidelines حتى لا أضيع الوقت في المحاولة والخطأ. أعتذر عن الإطالة ولكن أحببت أن أتبعكم بآخر ما استجد معنا من أمور شكراً لكم وجزاكم الله كل الخير.
أختكم لارا
23/03/2007
رد المستشار
صديقتي؛
أولا يجب أن تنتبهي إلى أنكما لا تعرفان معنى الحب حقيقة بعد... ربما بشيء من الصبر والرغبة في التعلم والرغبة في الاستمرار معا سوف تتعلمان وتعلمان بعضكما البعض ما هو الحب.
أقول كل هذا لسببين: الأول هو أن خطيبك متعسف وفي نفس الوقت لا يقدر أو لا يريد شرح مشاعره أو التعبير عنها ولا يريد أن يوسع مداركه ولا يريدك أنت أن تنطلقي في الحياة كما ينبغي لك ولا يريد إيجاد لغة حوار ويحتمي وراء الأفكار الذكورية عن ما يحق للرجل ولا يحق للمرأة.
الثاني هو أنك لا تحبينه كما هو وإنما تحبين ما تعتقدين أنه سوف يكون عليه إذا ما استمع إلى نصائحك ونفذها..إنك تنتقدينه بطريقة حادة، وقد تقولي لنفسك أن هذا لمصلحته ومصلحتكما معا وأنك تريدين الخير له أولا، وإنما لماذا تصرين على أن تكوني المدرسة التي فرغ صبرها مع تلميذها الكسول أو الذي تعتقدين أنه كسول. نتج عن هذا صراع سخيف وغبي حول السلطة بينكما.. تحاولين تأكيد السلطة عن طريق الانتقاد ويحاول تأكيد سلطته عن طريق الذكورة... لقد تركتما الحب وتنميته وتنمية بعضكما البعض من أجل ما يعتقده كل منكما عن ما هو الذي يجب على الآخر فعله... لقد تركتما استكشاف نفسيكما واستكشاف الحياة من أجل إرساء قواعد كل منكما على حياة الآخر وكأن كلاكما يقول (على الأقل في بعض الأمور) "أنا من يعرف الحقيقة ومن يعرف الصواب وإن كنت تحبني سوف تفعل ما أراه صحيحا"...لا بأس من هذا طالما كان هناك منطق واضح وراء ما تريدانه وبالتالي سوف تقدران على تقريب وجهات النظر...
ولكنكما لا تستخدمان الرفق والمنطق في إقناع الآخر... أصبحت العلاقة مجرد صراع سلطة... ومن البديهي أن يبتعد عنك لأنه يحس بالدونية أمامك علميا وذهنيا ومنطقيا وأنت لا تتوانين في تذكيره بهذا عن طريق محاصرته كلاميا حتى يعترف بأن رأيك سليم وسديد.. لماذا تتوقعين أن يريد أي شخص سواء رجل أو إمرأة أن يستمر في علاقة يحس فيها بهذا وينتقد فيها كثيرا.
إن أفقك واسع وأفقه ضيق ولا يريد توسيع أفقه ربما لأنه يخاف من هذا لسبب ما أو لأن كبر الذكورة وغرورها يمنعه من هذا (وهذا خوف آخر) وربما لأنه يائس من جدوى أي من هذا... وربما كل هذا في وقت واحد...
عليك أن تقرري ما إذا كنت تودين الاستمرار معه كما هو وليس كما تريدين أو تأملين أن يكون أولا ثم بعد ذلك سوف تقدرين على مساعدته برفق وتفهم إذا كان يريد ويرغب في توسيع مداركه، وإن كان لا يريد هذا فعليك تحديد ما إذا كنت سوف تحترمينه على المدى الطويل أم لا. لكي يكون هناك حب، لا بد من وجود الأربعة الآتية بالتبادل بين الطرفين وفي نمو مستمر: المعرفة، الإهتمام، الاحترام، والمسؤولية.
وفقك الله وإيانا لما فيه الخير والصواب.