استشارة
تقول الفتاة أنني ملتزمة وعمري23 وغير متزوجة مشكلتي هي؛
(عندما أنام أتخيل أنني مخطوبة، يأتي عندي خطيبي، وألبس له أجمل الثياب وأفتنها، وأبدأ معه المداعبات المثيرة لي)
فهي تخاف من الإثم وأن تكون حالة مرضية توجب العلاج.
16/10/2003
رد المستشار
الأخت المعلمة الفاضلة أهلا وسهلاً بك، وشكرًا على زيارتك لموقعنا، وعلى ثقتك بصفحتنا استشارات مجانين، إن ما نفهمه من طريقة عرضك للسؤال هو أنك تسألين بخصوص إحدى الطالبات لديك، ومن الجميل أن تهتم المعلمة بشؤون البنات اللاتي تقوم بتعليمهن في هذا الزمن، فمثل هذه النماذج المشرفة من العلاقة بين الطالبة ومعلمتها قليلةٌ إن وجدت على امتداد مجتمعنا العربي، اللهم إلا باستثناء البلدان التي قد تستطيع إيجاد فرص عملٍ للخريجات حديثي السن داخل أجهزتها التعليمية، إذن فأنت في البداية نموذج مشرف.
ولكن لنا أن نسألك أولاً عن نفسك من أنت، وما هو التخصص أو المادة التي تدرسينها، وكيف يكونُ عمر الطالبة23 عاما وعمر معلمتها بين العشرين والخامسة والعشرين ولنقل أن عمرك خمسة وعشرون عاما بالتمام والكمال، عمرك ما يزال قريبا من عمرها، فهل أنت معلمةٌ في مكان، وهي طالبة في مكان آخر؟ أو بمعنى أصح في مرحلةٍ دراسية غير التي تدرسينها؟ أم أنها طالبةٌ أنت معلمتها الرسمية بالفعل؟ ولكنها طالبةٌ تعثرت طويلاً لسببٍ أو لآخر. لسنا ندري إجابةً عن هذه الأسئلة.
ورغم ذلك فإننا نرى في المشكلة التي تطرحينها موضوعا في منتهى الأهمية ويحتاج أن نقول فيه طبا نفسيا وفقها إسلاميا، ما مكننا الله من ذلك، ونحن قد ندعي لأنفسنا أننا أطباء نفسيون يحاولون صوغ طب نفسي إسلامي، ولكننا لا ندعي في الفقه الإسلامي أكثر من أننا أطباءُ نفسيون مسلمون يظنون (وظنهم بالله خيرٌ) أنهم فهموا ذاك الفقه، فوجدوهُ أكثر تمشيا مع طبيعة نفس الإنسان التي يعالجونها، وبدءوا بعد ذلك يقولون آراءهم مجتهدين في الدين لا متفقهين، فنحن لا ندعي أننا نرقى إلى مرتبة تكريم رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتفقه في الدين: فقد أخرج في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) صدق صلى الله عليه وسلم.
وعلى الرغم من حالة التحفظ السائدة في مجتمعاتنا، فإن من الواجب علينا أن نفهم حقيقة ما يدور في مجتمعنا من ظواهر، وما يعتمل في عقولنا من أفكار، وما يدور في أنفسنا من خواطر ومشاعر وانفعالات، وأن نتعلم أن نواجهها بصراحة وموضوعية، وأن نتعامل معها بمنتهى الشفافية والمصداقية، وذلك لنستطيع أن نتعامل معها وأن نضبطها بما ينسجم مع ذواتنا الداخلية ومع علاقاتنا الاجتماعية بشكل لا يتضارب مع منظومة قيمنا الإسلامية ولا يتعارض مع أعراف مجتمعاتنا المحلية.
أنت تتحدثين عن طالبةٍ عمرها ثلاثة وعشرون عامًا غير متزوجة وتعاني من أنها ـ قبل الدخول في النوم على الأرجح ـ تتخيل بعض التخيلات الجنسية Sexual Fantasies المثيرة، فهي تقول: (عندما أنام فأتخيل أنني مخطوبة، يأتي عندي خطيبي، وألبس له أجمل الثياب وأفتنها، وأبدأ معه المداعبات المثيرة لي)، والحقيقة أن قولها عندما أنام يجعلنا نشك في كون الموضوع حلما من أساسه!
لكننا سنردُ على أساس أنها تتخيل قبل النوم ونحاول أولا توضيح تلك التخيلات أو الخيالات الجنسية ووظيفتها وحكمها الفقهي أيضًا، والتخيلات الجنسية هي عبارة عن مجموعة من الأفكار الجنسية التي تقوم بدور إثارة الرغبة الجنسية، والمفروض في التخيلات عموما بغض النظر عن محتواها أنها خبرةٌ بشرية عامةٌ وطبيعيةٌ، وتعتبرُ جزءًا من عملية التفكير أي أن لها وظيفةً معرفيةً مهمة، والمفروضُ فيها أيضًا أنها تقومُ بوظائفَ نفسيةٍ مهمة فالتخيلات قد تشبعُ بعضَ الحاجات النفسية للإنسان وتقوم بنوعٍ من التعويض لنقص موجودٍ في الواقع، ومادامت هذه التخيلات في حدود تحكم الفرد وتقوم بوظيفتها فإنها تقعُ في النطاق الطبيعي للتفكير البشري.
إلا أنها إذا زادت عن الحد الذي يسمحُ للشخص بأداء دوره في الحياة لأنها تشغلهُ مثلاً أو لأنهُ لا يستطيعُ أن يفرقَ بينَ ما هوَ من التخيلات وما هو من الواقع فإنها تصبحُ علامةً على وجود اضطرابٍ نفسي يحتاجُ إلى علاج. وأما التخيلات الجنسية بالتحديد فلابدَّ أنها ككل أنواع التخيلات أي أنها ليست استثناءً ما دامت في الحدود الطبيعية، بمعنى أن لها وظيفةً معرفيةً كما أن لها وظيفةً نفسيةً لإشباع الحاجات التي لا يسمحُ الواقعُ بإشباعها إلا أنها في مجتمعاتنا العربية لا يمكنُ أن تُـأخَـذَ بهذه البساطة لأن الكثيرين من الناس يعتبرونها حرامًا ويسرفونَ في محاسبة أنفسهم عليها رغم أنهُ:
روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "عُفي عن أمتي ما حدّثت به نفوسها ما لم تتكلم به أو تعمل به" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن أبي هريرة رضى الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يقول للحفظة إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها فإن عملها فاكتبوها" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كما أن الكثيرين في مجتمعاتنا أيضًا يرجعون التخيلات الجنسية للشيطان (الوسواس الخناس) أي أنهم يدخلونها من باب الوساوس الشيطانية والتي تستلزمُ الاستعاذةَ بالله تعالى من الشيطان الرجيم، ونادرًا ما يرجعها أحدٌ إلى وسواس النفس لأنهُ عيبٌ طبعًا أن يعترف المؤمنُ التقيُّ أمامَ نفسه حتى بأن نفسهُ توسوس له بوساوسَ جنسية، رغم أنهُ في حالة عدم زوال هذا النوع من التخيلات بالاستعاذةِ، وهوَ ما ينفي كونها من فعل الوسواس الخناس، فإنها غالبًا ما تكونُ من وسوسة النفس مادامت لا تحملُ في محتواها إلا متعلقاتٍ بالرغبة الجنسية الطبيعية والتي لا تصطدمُ برغبات النفس الطبيعية، وإنما بالقيمة الدينية التي تحثُّ المسلمَ على العفة.
ولذلك يمكنُ في مجتمعاتنا أن يعرضَ على الطبيب النفسي من يشكو من مثل هذا النوع من التخيلات الجنسية، خاصةً من الشباب غير المتزوجين وهم كثرةٌ!، لأنهُ يرى فيها ما لا يتناسبُ مع إيمانه وتمسكه بدينه أي أنهُ لا يريدها بينما يرحبُ معظمُ الغربيين بهذه التخيلات بل ويعتبرونها من التخيلات الممتعة والمحفزة للأداء الجنسي.
وإذا رجعنا إلى تخيلات تلك الطالبة فإن فيها من البراءة ومن السواء النفسي ما يجعلنا نستغرب من شكواها، وأقول لك بصدق أن البنت غير المتزوجة في عمر الثالثة والعشرين، إن لم تكن تواتيها هذه التخيلات من وقت لآخر فإنها هي صاحبة المشكلة وهي التي يجبُ أن تشتكي منها، أي أن ما تقوله الفتاة طبيعي تماما.
لكننا في نفس الوقت لابد أن نحاول البناء عكسيا من كلامها الذي يبين أنها تشعر بالذنب، لأن من الممكن أن يكونَ التخيل عندها مفرطًا بحيث تصل إلى الإرجاز (أي قمة النشوة الجنسية) أي أنها تسترجز بالتخيل (أي تمارس العادة السرية بالتخيل) وبالمناسبة فإن ممارسة العادة السرية بالتخيل منتشرةٌ أكثر بين البنات منها بين الأولاد حسب خبرتنا الشخصية، فكثيرات هن البنات اللاتي يسترجزن (أي يمارسن الاسترجاز) دون أن يستخدمن أيديهن، ولعل هذا هو ما يشعرها بالذنب، وهنا نحيلك أولا إلى ردنا السابق: الاسترجاز وأصل الشعور بالذنب بعده! م.
فلنفترض أن تلك التخيلات الجنسية تضايقها، فماذا يجب أن نفعل لكي نضبط "التخيلات الجنسية"؟
أولاً: يجب أن تدرك الفتاة أن التخيلات في حد ذاتها ليست المشكلة لأنها تشكل جزءا طبيعيا من نشاطها الجنسي، ولكن المشكلة هي في نوع هذه الخيالات ودرجة سيطرتها عليها ومدى قدرتها على سلبها إرادتها ووعيها وسلوكياتها، معنى ذلك أن عليها أن تقاوم ميلها للاسترسال وراء تلك التخيلات ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، وفي غير ذلك نقول لا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
ثانيا: بما أنها كنت غير متزوجة فإنه يجب عليها أن تدرك أن أي إحساس بالإثارة الجنسية إنما ينبع من المخ والمخ فقط! فنحن نستثار بناء على الأفكار التي نستدعيها إما بإرادتنا أو من خلال تعرضنا لمثيرات جنسية خارجية.
وفي كل الأحوال باعتبار أن مصدر الأفكار الجنسية والإثارة الجنسية هو المخ نفسه وأن أفكارنا والحالة الذهنية التي نكون فيها هي أساس الرغبة الجنسية، فإنه من السهل القول أننا في الحقيقة نستطيع التحكم بمحتوى هذه الأفكار، وبدرجة الإثارة الجنسية، وباتجاه هذه الإثارة. لذا فنحن نؤكد على قدرتنا على ضبط رغباتنا الجنسية من خلال ضبط المحتوى الفكري والحالة الذهنية ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.
ثالثا: عليها أن تدرك أن الجنس في جوهره حاجة بيولوجية لا يمكن التخلص منها أبدا، ولا يمكن إشباعها تماما وللأبد، فهو في ذلك مثله مثل الحاجة إلى الطعام، فمهما أكلنا لن نشبع، ومهما شبعنا سنجوع، ومهما غيرنا من أصناف الطعام سنظل نشتهي ذلك الصنف الذي لم نتذوقه! وبالتالي فإن حل مشكلة تلك الفتاة الأمثل هو الزواج، ونسأل الله أن يرزقها بالزوج الصالح، ولعل في قولها أتخيل أني مخطوبة، ثم يجيء خطيبي ما يعبر أصدق تعبير عن حاجتها الطبيعية للزواج، ولا أدري لماذا لم تقل أتخيل أني متزوجة؟ ربما هو نوع من الخجل.
إذن فليست في حالة هذه الفتاة أيةُ علاماتٍ مرضية، كما أن الحكم الفقهي في التخيلات الجنسية واضح في كلامنا السابق.
* وأما النقطة الأخيرة التي نود التعليق عليها فهي احتمال أن يكون الأمر متعلقًا بالأحلام الجنسية، أي أن ما تحكي الفتاة أنها تتخيله إنما يحدثُ أصلا وهي نائمة وحكمه هنا يكونُ كحكم النائم أي أنها مرفوع عنها القلم، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (رفع القلم عن ثلاث: عن الصغير حتى يكبر، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق)- رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم عن عائشة بإسناد صحيح، ورواه أحمد وأبو داود والحاكم عن علي وعمر بألفاظ متقاربة، ومن طرق عديدة يقوي بعضها بعضاً.
كما أخرجه الترمذي بلفظ آخر: عن علي بن ابي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المعتوه حتى يعقل" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنى ذلك أننا غير مسئولين عن أحلامنا حتى الجنسية منها وبغض النظر عن محتواها.
وفي النهاية نشكرك مجددا على ثقتك في صفحتنا استشارات مجانين وندعوك إلى مشاركتنا ومتابعتنا وأهلا بك دائما.
ويتبع >>>>: تقول الفتاة: تخيلات جنسية؟ أم استرجازٌ... مشاركة