السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
سيدي الدكتور وائل الفاضل.. قرأت الملاحظة أعلاه أن هنا لا تستقبل الأسئلة، لكن أرجو أن تعتبروا سؤالي هنا استثناء.. لأني لا أستطيع الإرسال إليكم الجمعة، لا يتوفر عندي انترنت في المنزل، وما شاء الله بسبب الإقبال السريع على موقعكم فإن الأيام الأخرى لا يمكن الإرسال بها أيضا،، وسؤالي هذا مخزن عندي منذ أكثر من سنة... أرجو أن تجيبوا، أو أن تغيروا يوم استقبال الأسئلة.
أولا: كنت أتساءل دائما هل أنا وحدي من يقلق ويفكر بشأن الكمال، ما هو وكيف الوصول إليه في كل شيء، أفكر دائما بالمستقبل وكيف يجب أن أكون وما الذي يجب أن يتغير في وماذا سيحدث، لدرجة أنني لم أعد أعيش الوقت الذي أنا فيه، أنا فيه جسميا فقط، لكني لا أدرك أني أهمل (الآن) لأبقى دائما في دائرة المستقبل، وكلما يتقدم الزمن أسبقه أنا.
لكن من خلال الأسئلة في الموقع هنا، هناك الكثير من يسأل مثلي، وأريد هنا أن أضع الأسئلة من أجل أن أحصر المواصفات لأقيم، ثم لأغير ما يستوجب التغيير وأكتسب الجديد وأرجو الإجابة أن تكون قائمة بالمواصفات:
1- كشاب (ذكر/أنثى) في مرحلة بداية العشرينيات ما هي الخطوط العريضة (والرفيعة إذا ممكن) التي يجب توافرها في الشخصية، وفي الأعمال اليومية.
2- كأنثى أو فتاة، ما هي الأنوثة، وما هي مواصفات البنت المثالية، ما هي الأمور التي تميز البنت (وليس الذكر كالأنثى)، وأخيرا ما هي الأمور التي تجذب الرجل للبنت
3- ما هي أيضا صفات الرجل المثالي.
• هناك صفات لا دخل للإنسان بها وهنا عليه الرضا بقضاء الله والله تعالى يعطي في جوانب ويأخذ من أخرى.. ولكن أسأل عن ما يمكن تغييره. خاصة أنه في هذا العمر ما يزال الواحد منا في فترة الإعداد، وهي فرصه قبل أن يبدأ هو بإعداد غيره عندما يفتح بيت.
• ربما ستقول ليس هناك أيزو للكمال أو المثالية، وهو نسبي بلا شك، وكل إنسان يختلف عن غيره، لكننا وفي كل مكان نجد ما يدور على ألسنة الناس يقر بأن هناك نموذج مثالي والناس تندرج تحته: هذا قد حاله، هذه نازك وناعمة، هذا أهبل، على البركة، هذا شخصية، هذا مهيوب...
ثانيا: سمعت بمقولة "قل لي بم تفكر أقل لك من أنت"، وأن الأفكار التي تخطر ببال الإنسان هي التي تعرف من هو.. وأنا حين حصرت أفكاري وما الذي يتردد على بالي وجدت أني أفكر
1- إما بقلق عن نفسي وما الذي سأفعله وما الذي يجب أن أفعل...
2- بالزواج وأنسج في الخيال مواقف كلامية وغيرها وأفكر بأمور تربية الأطفال والتدبير ومع أن أمامي لأتزوج 5 سنوات على الأقل والمشكلة أني أتسلى بهذه الأفكار فأنا التي لا أمنعها. والدراسة لا أفكر فيها بمعنى أني أنجزها كما هي بدون أن أقلق بشأنها.
كنت سابقا في فترة الإعدادية أفكر بقضايا كبيرة، في الدين والسياسة، أما الآن فانا لا أفكر إلا في هذين الأمرين تقريبا: كيف أغير نفسي (النقطة الأولى) لأتزوج(النقطة الثانية) بحيث يكون وضعي مثالي عنده علما بأني حين أفكر بالزواج فهناك إنسان معين ولكن لا احد يعلم ما لذي سيحدث بالمستقبل.. أنا أعلم أن ما أفعله بالاسترسال بالتفكير خطأ، لكن أريد أن يطمئن عقلي وقلبي بأن تشنع هذا لدي وأن أعرف لم هذا فعلا خطأ، وهل الناس لا يفكرون هكذا دائما أم كل الناس هكذا.. وثانيا ما الذي أفعله عوضا عن ذلك وأستبدل هذه الأفكار بأخرى، بماذا؟؟ بذكر الله في نفسي؟ هذا كلام نظري لأنني عمليا لا أستطيع حصر فكري بالصلاة فكيف أفعله خلال النهار؟؟
وهل هذا شكل من أشكال عدم الاتكال على الله والقلق بشأن رزق الله والقدر يعزى إلى نقص الإيمان بالله، إن وقتي مليء بالدراسة والدوام والعمل المنزلي والعمل خارج البيت وأشارك بأنشطة (لكن التفكير الذهني يبقى مستمرا وهذا هو بيت القصيد، أنا لا أحب الاختلاط بالناس كثيرا مع أني أفعله لكن أحب أن أبقى وحدي أغلب الوقت وأرتاح وأنا وحدي أكثر.. وأحب أن أبقى سهرانة في الليل وحدي.. أو أنام أول الليل وأبقى مستيقظة آخره؟؟ هل هذا يؤثر؟
أتمنى أن لا تكون الإجابة بأني مصابة بوسواس قهري وفقط (وأظن أني مصابة) بل أتمنى يا دكتور وائل لو تجيبني عن أسئلتي، وأشكركم جميعا الشكر الجزيل وأرجو أن يفك الله كربكم في القيامة كما تفكون كربنا هنا.
13/3/2007
رد المستشار
السلام عليكم؛
كموسوسة حقيقية يفترض أن تكون لديك أفكارك الخاصة عن المثالية والكمالية ويزعجك ويتعبك السعي لتحقيقها فلماذا تهمك فكرتنا عنها؟ رغم إشارة معظم سطورك إلى تفكير وسواسي وشخصية قهرية إلا أن هناك بعض اللفتات تجعلني أظن أن أسئلتك قد تكون ناتجة عن القصور الشائع في التربية القيمية والنفسية بين أولادنا أو أنك متأثرة بما قرأت على مجانين والتأثر بهذا الشكل نوع من الوسوسة فالأثر المطلوب هو الوعي لا التقليد.
لم تقدمي معلومات تفيدنا بأثر نمط التفكير أو الشخصية القهرية على حياتك فالشخصية القهرية لن تصبر على سؤال جاهز لديها لسنة ووساوس بهذه الدرجة لا بد أن تترك أثرا على علاقاتك أو دراستك وهو ما تفيدين بعكسه وأنك قادرة وناجحة في علاقاتك وأنك فقط تفضلين الوحدة وتفضليها ليس دليلا على الوسوسة فقد يكون مثلا تملص من قواعد التعامل مع الآخرين.
سنفكر معا وأجيبك على أسئلتك على أن يكون اتفاقنا إن لم تقنعك الأجوبة التالية بحيث تستخدمينها في تفكيرك في الفترة القادمة يكون واجبا عليك الذهاب لطبيب نفسي. القضية ليست خطأ الاسترسال في التفكير بل الانشغال فيما لا ينفع فيذكر أن العلماء انشغلوا بنقاش حول جنس النملة التي كلمت سيدنا سليمان سنوات طويلة بينما المهم في الموضوع هو قدرة سيدنا سليمان على فهم لغة مختلف الخلائق والتي هي نعمة من الله أو أن كل المخلوقات تتواصل لفظيا فهل تفكيرك من هذا النوع؟؟
أرى جل أسئلتك وجيه ومنطقي جدا قد لا تنسجم مع ما هو متوقع من نضج مناسب لعمرك ولكنك لست وحدك. قد يكون السبب في انشغالك بأسئلتك وشغلها لمساحة من تفكيرك هو عدم قدرتك على مناقشتها مع أحد بطريقة مرضية والسؤال المعلق والمفتوح هو بطبيعته سؤال ملح لدى كل البشر وإلا كنا اعتبرنا كل المخترعين المنشغلين باختراعاتهم موسوسين.
استبعد أن تكوني مصابة بالوسواس القهري كما شخصت نفسك فلا بد أنك قرأت من ضمن ما قرأت على الموقع شروط اعتبار الفكرة وسوسة مثل اعتراف الفرد بأنها فكرة غير منطقية ولكنه لا يستطيع وقفها وأنت أفكارك تدور حول قضيتين يجب على التربية أن تزودك بأجوبة عليها يمكن أن أقسمها إلى شقان يتناول الأول هويتك من أنت وما تريدين أن تكوني ويتعلق الشق الثاني بالمرغوبية الاجتماعية والتي هي هدف طبيعي للناس جميعا, كما أنك قادرة على وقفها.
تختلف معاير الحكم على سواء السلوك وباختلافها يختلف الحكم النهائي على نفس السلوك فمثلا معيار التقييم الذاتي هو الرضا عن النفس فهل أنت راضية عن نفسك عما حققته بالفعل أو عن تلك الأهداف التي تسعين لتحقيقها فالرضا عن الذات وحب الآخرين دليل للصحة النفسية فهل أنت راضية عن ذاتك بصورة عامة وقادرة على حب غيرك أم أنك مشغولة بنفسك طوال الوقت وعندها تطل علينا الأنانية برأسها والتي هي تمركز الإنسان حول ذاته وحرصه على نيل مطالبه بغض النظر عن الآخرين والتي قد تكون السبب في إرسالك للرسالة عن غير طريقها وطلبك بتغيير موعد استقبال الأسئلة لتناسب ظروفك.
لا يستطيع أحد أن يقول أن أحد المعايير أدق من غيره أو أصدق فبعيدا كما أكرر دائما عن الثوابت الدينية والخلقية الخيارات واسعة ومتاحة للجميع اختاري منها ما يناسبك بعد أن تقرري ما تريدين أن تكوني عليه فوجود فلسفة في الحياة من دعائم الصحة النفسية لأنها تسهل على الفرد تنظيم جهوده ويمكنك مثلا اختيار المعيار الاجتماعي الذي يرى الصواب والمثالية هو ما يوافق عليه مجتمعك وبالتالي تختلف الصورة من ثقافة لأخرى, وهناك المعيار الإحصائي الذي يرى أن المثالي هو الشائع بين الناس. وهكذا يصبح ما يجب تغييره هو ما يقف دون تحقيقك لأهدافك.
لا صورة مثالية كما تظنين للفتى ولا للفتاة فإن هذا تضييق على خلق الله ويقول رب العالمين وجعلناكم شعوبا وقبائل يعني مختلفين فليس هناك معايير للنجاح في الحياة مثل معايير الانتظام في الجيش, البعض يفضل الفتاة الجميلة والبعض يفضل التافهة والبعض يرى الجمع بينهما أولى. أما بالنسبة للشاب المثالي كما أجابت طالباتي على هذا السؤال كان الالتزام الديني بالإضافة للأدب والقدرة المالية.
ما يجذب الرجل للمرأة ناحية حسية وناحية اجتماعية اعتمادا على عمر الرجل فكلما كان أصغر وأقل ثقافة كان اعتماده على النواحي الحسية أعلى وتختلف المعايير الحسية حسب الطبقات الثقافية ففي الثقافة الدنيا يعتبر الامتلاء شرط للجمال بينما تعتبر النحافة شرط في الثقافات الأكثر تعقيدا والمتأثرة بالعولمة ولكن السبب الحقيقي في جميع حالات الانجذاب هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها فكما خلق لهم أعين ينظرون بها جعل لهم أهواء يميلون بها ولها. نستطيع في بعض الأحيان التعرف على سبب الانجذاب ويعجز الناس في أغلب الأحيان عن تفسيره ولذا تسمعين تفسيرات مثل الكيمياء والتجاذب الحسي وتفسيرات أكثر بساطة مثل النصيب.
يحكم على سواء الشخصية الناضجة في مرحلة الرشد وهي المرحلة التي تبدأ بعد انتهاء المراهقة وتنتهي بالوصول للشيخوخة من خلال وضوح وتحقيق الأهداف والثقة بالنفس والمثابرة ومعايير الأخلاق التي تخرج عن نطاق الذاتية أي المتفق عليها.
لا توجد صورة مثالية للرجل أو المرأة ولكن توجد أدوار مقسمة اجتماعيا بينهما ومتفق عليها وتكون المثالية القيام بها مثل إنفاق الزوج على الأسرة وتربية المرأة للأطفال. ولكن هناك فرق بين المثالية والطبيعية فالطبيعية تسمح بتعدد الأوضاع إذا تزوجت ولم تنجبي فأنت غير مثالية ولكنك طبيعية وإن تزوجت وفقد زوجك عمله فهو غير مثالي ولكنه طبيعي. لا يستطيع أحد أن يبلغ المثالية في جميع الجوانب ولذا يجب أن يرتب أولوياته في الحياة ويسعى للتفوق في المجال الأكثر أهمية بالنسبة له فالبعض قد يكون تسجيل رقم قياسي جديد هو الأهم حتى إن كان في مجال لا يهتم به سوى قلة من البشر ولكن تميزه يسعده هو.
طبعا أوافقك على وجود هذه التصنيفات للناس والسعي لنيل رضا المحيطين هو ما يعرف بالميل للمرغوبية الاجتماعية ولكن انتشار الخطأ لا يجعل منه صواب فلينشغلوا هم بالتصنيف وانشغلي أنت بما يسعدك ويرضي ربك فرأيهم لن يغير من رزقك ولا قدرك شيء.
ليس لطريقة تفكيرك علاقة بمدى إيمانك والمحك الأول للحكم على سواء أفكارك من عدمها كما ذكرت هو قدرتك على وقفها, أما سؤالك عما يحل مكانها فأجيبك بأن بعض وظائف الإنسان لا تتوقف بعدما تبدأ بالعمل مثل القلب الذي لا يتوقف عن ضخ الدم إلا عند الموت وكذلك عقل الإنسان الذي يبدأ العمل منذ خلقه ولذا يقال أن البيئة الجنينية تؤثر على الطفل ويستمر عقلنا في التفكير وهو صورة من الحديث مع النفس وتوجيهها بطريقة تلقائية غير مقصودة وحتى أثناء النوم لا يتوقف التفكير في الأمور التي ندركها كأحلام.
إذن ترين أني استمتعت بالسباحة الفكرية معك ولكني وصلت لشاطئ فهل فعلت؟ إن لم تفعلي عليك بمراجعة طبيب يصف لك بداية دواء يريحك من عناء مطاردة الأفكار ثم يساعدك من خلال العلاج المعرفي.