فتح حوارٍ نفسي: مع ذات السؤالين!
السلام عليكم
أنا صاحبة مشكلة: فتح حوارٍ نفسي: مع ذات السؤالين! شكرا لكلمات حضرتك وإطرائك يا دكتور وائل.. وأسأل الله تعالى أن يجعل جهدي هذا خالصا لوجهه.. آمين..
شخصية ابنة أختي عندما كانت طفلة كانت قوية جدا.. ولكن هذه السمنة جعلتها تعاني ضعفا وانزواء وانطواء.. والآن زال هذا السبب.. فهي تريد أن تنطلق من جديد.. جلست معها وتكلمت وقلت لها بأن الإمساك بالدين طيلة الحياة أمر شاق وليس هينا, ولن نبقى كل حياتنا على الحال الذي يكون عليه المرء في بداية هدايته.. تكلمت كثيرا.. فهدأت ولكنني أجد أن التيارات التي حولها أقوى منها لأنها ضعيفة جدا من الداخل ولا تقوى على مقاومتها.. العقل والفكر هما ما يستطيع المرء به الثبات في وجه الأزمات.. هي تشاهد صديقاتها وكيف يعشن وماذا يلبسن وتريد أن تكون مثلهن.. بل لقد أرادت في العام الماضي أن تجرّب الحب, لأنها وجدت كل زميلاتها لديهن"البوي فرند".. أما هي فلا.. ولكن استوقفتني رغبتها هذه في أن تحب في مقابل أنها تحتقر الجنس.. ما تفسيرها؟؟؟
لأنه وكما ذكرت حضرتك يحتاج الموضوع إلى أخذ المعلومات منها هي شخصيا.
رد المستشار
الأخت العزيزة ذات السؤالين، أهلا وسهلا بك، أسعدتني متابعتك هذه، خاصةً وأنها وضحت نقاطًا كثيرةً من النقاط التي كانت غائبةً في استشارتك الأولى، وسوف أرتب الإجابة معك خطوةً خطوة:
منسب كتلة بنت أختك الآن=19.1 كجم/المتر المربع، وهو ما يعتبر مناسبا للوزن الجدولي المشهور فما بين 18.5 كجم/المتر المربع و 24.9 كجم/المتر المربع هو ما يسمى بمنسب كتلة الجسد الطبيعي ولكن هذا مع الأسف لا يعني أن هذا هو الوزن المناسب لطبيعة جسدها، فالوزن المناسب لطبيعة جسد ما نستطيع أن نقول أن الخبير الوحيد به بعد الله سبحانه وتعالى هو الجسد نفسه!، إلا أن الغريب في حالة بنت خالتك تلك هو أنها عندما بدأت الحمية المنحفة لم تكن أصلا بدينة لأن حساب منسب كتلة جسدِها في الوقت الذي بدأت فيه الحمية، عندما كان طولها 1.58 مترا، ووزنها 85 كجم، منسب كتلة جسدها حين ذاك كان 25 كجم/المتر المربع، أي أنها لم تكن أكثر من صاحبة وزن زائد Overweight، وهذا يعني أنها لم تكن بدينةً أصلا مع شديد الأسف.
وأما ما هو واضحٌ جدا في إفادتك فهو دور الوالدين والأم خاصةً في إذكاء نار الحمية المنحفة حول بناتهن، ربما خوفًا عليهن، وربما لأنهن يحسبن الوقاية من البدانة ممكنة، وهم في كل ذلك متأثرون بالطبع بالمناخ الثقافي الإعلامي لصورة الجسد المثالي كالذي في الصورة!
فقد عاشت هذه البنت المسكينة في نار الحمية المنحفة منذ بدأت تعي أنها أنثى لها جسد تحاسب عليه في مجتمعنا، المهم أنك تقولين حتى بلغت وزن 70 كجم عندما كان عمرها ثلاثة عشر عاما، تقولين هذه العبارة وكأنها أمرٌ غريب أو دليل على بدانتها المفرطة! مع أن طولها في ذلك الوقت (وأنت لم تذكريه)، كان غالبا نفس طولها الحالي، وربما أقل ببضعة سنتيمترات، ولنقل كان طولها مترا ونصف المتر مثلا على أقصى تقصير، فهل تدرين منسب كتلة جسدها كم كان؟
لقد كان 31.1 كجم/المتر المربع (بالنسبة للطول الذي خمناه، وكانت غالبًا أطول) أي أنها كانت فقط في أولى درجات البدانة والتي تسمى بالبدانة الخفيفة، ومعنى أن طولها في ذلك الوقت كان أقل من طولها الحالي بثمانية سنتيمترات هو أنها كانت في مرحلة نمو وعدم استقرار للجسد! ولعل ما أشير إليه هنا هو ما عبرت عنه كلماتك أنت حين قلت في إفادتك (أما في طفولتها وهي في سن 3 و4 سنوات فقد كانت ممتلئة الجسم ولكن ليس بشكل قبيح بل بشكل جميل..
أما في طفولة المرحلة الابتدائية فلا أستطيع أن أقول أنها كانت بدينة جدا.. ولكنها كانت بدانة متوسطة.. يعني واضحة.. لا أذكر كم كان وزنها وقتها ولا طولها..) فهل يكونُ من الصحيح أن نقيس جسدا في مرحلة من عدم الاستقرار والنمو بقالب جامد كقالب منسب كتلة الجسد؟ وهل يصح أن نحكم عليها بأنها ستكونُ بدينةً بينما هي في مرحلة المراهقة، لقد كان من الممكن جدا بعد تلك الفترة أن يضبط جسدها نفسه ينفسه، بمجرد أن تنتهي سنوات النمو!، لكن خوف أهلها أولا، وخوفها هي ثانيا من شبح البدانة كان حاضرًا، ربما بسبب معاناة سابقة لأحد أفراد الأسرة مع البدانة.
والمهم هنا هو أن نوضح لك وللمتصفحين أن تطبيق معادلة منسب كتلة الجسد على الأطفال والمراهقين لا يستطيع أن يمثل لنا مقياسا مناسبا، ولكننا لا نملك غيره للأسف لأن الأطباء وغيرهم لا يملكون طريقةً موضوعية لقياس البدانة أصلاً، وأكثر الطرق موضوعيةً هي طريقة منسب كتلة الجسد تلك لكنها لا يجب أن تعامل كحقيقة أو كمبدأ علمي صالح لكل الحالات!
وأما الأهم فهو أن كثيرين ممن يقعون ضحية لمتاهة الحمية المنحفة ليسوا بدينين أصلا وأن الانشغال الزائد بالوزن، أو أصبح يسمى بالوعي بالوزن Weight Consciousness، أو وسواس الوزن Weight Obsession ، يتسببُ في تطويع حياة أعداد متزايدة من البشر وتدويرها حول مراكز التنحيف، دون أن تكونَ هنالك حاجةٌ أصلا لذلك، والواضح جدا في هذه الحالة كيف عاشت الأم في صراع مستمر مع بنتها الطفلة/المراهقة لسنوات طويلة حول كلي ولا تأكلي دون أي داع حقيقي، إلى أن آمنت البنت نفسها بنفس مقولات الأم عن الأكل وضرورة التحكم فيه وضبطه لأن ذلك يعني ضبط الجسد، فهذه هي الثقافة السائدة.
نصل بعد ذلك إلى ما ذكرته عن العقار الساحر الذي كانت تتناوله لكي يمنع امتصاص الدهون، والذي تبدو فكرته جميلةً على اعتبار أن دهون الطعام هي العدو الأول والأولى بالمواجهة ممن يخافون على أوزانهم لأنها هي مصدر دهون الجسد أي البدانة، ومع الأسف فهذا الكلام غير صحيح، والعقار الذي تتكلمين عنه أيضًا مع الأسف غير آمن فضلا عن أنه لا يحقق فعلا ما يدعيه حتى في حالة الجدة التي تأخذه لكي يقلل الكولسترول! فأما لماذا أو كيف يكونُ الكلام غير صحيح فمبني على أن استبدال الدهون في الطعام بالبروتين كما يفعلون في أغذية الحمية المخفضة السعرات، لا يؤدي إلا إلى أننا نأكل أكثر لأننا لا نشعر بالشبع الذي تشعرنا به الدهون والسكريات ببساطة وسلاسة.
وأما عن اتهامي لمانع امتصاص الدهون بأنه غير آمن، فسوف أحكي لك كيف عرفت ذلك، فقد برزت في السنوات الأخيرة الدعاية لما يسمى بمانعات امتصاص الدهون والتي تقوم فكرتها على محاولةِ اعتراض طريقِ الطعام بعدَ مضغه والاستمتاع به وابتلاعه وذلك من خلال استخدام مثبطات هضم أو امتصاص الغذاء خاصةً الدهون التي يفشلُ معظمُ المكافحين في الاستمرار على اجتنابها، فيكونُ الحلُّ هو منعُ هضمها أو منعُ امتصاصها من الأمعاء، من خلال تثبيط عمل الإنزيمات التي تعمل على هضمها، فتكونُ النتيجةُ عدمُ تحلل الدهون ثلاثية الجلسريد Triglycerides، إلى أحماض دهنية حرة فيتعذرُ امتصاصها، وتخرجُ مع الفضلات، وهناكَ من الأعشاب المستخدمة لمنع امتصاص الدهون أعشابًا تتحدُ مع الدهون الغذائية لتمنع امتصاصها ومن بينِ المواد المستخدمة لهذا الغرض ما يسمى بالكيتوسان Chitosan ،وهو مادةٌ ليفية تصنع من قشور الكركند أو جراد البحر Lobsters وسرطان البحر أو السلطعون Crabs وكذلك من قشور الجمبري Shrimps .
ويقومُ بالاتحاد مع الدهون ومنع امتصاصها فتخرجُ مع الفضلات، وفضلاً عن ضآلة ما يقوم به استخدام الكيتوسان من منعٍ لامتصاص الدهون بحيث يكونُ له تأثيرٌ واضح بالفعل في إنقاص الوزن فإنهُ أيضًا يتسببُ في فقد الفيتامينات الذؤوبة في الدهون Lipid-Soluble Vitamins وهيَ فيتامين "أ" وفيتامين "د" وفيتامين "هـ" وفيتامين "ك" واختصارًا نسميها أَدْهَـكْ، (A,D,E,K)، كما أن هناكَ من التقارير ما يشيرُ إلى إضراره ببعض ميكروبات الأمعاء المفيدة.
وهناك من عقاقير منع امتصاص الدهون ما يعمل بطريقةٍ كيميائية تمنع امكتصاص الدهون من خلال تثبيط عمل الخميرتين (الإنزيمين) اللتين تقومان بتحليل الدهون الغذائية إلى أحماض دهنية حرةٍ وهما الليباز المَعِدي والليباز المعقدي Gastric and Pancreatic Lipases حيثُ تفرزُ المعدةُ إحداهما بينما يفرزُ المعقد (أو البنكرياس) الخميرةَ الأخرى، وتثبيطُ عمل هاتين الخميرتين يؤدي إلى تثبيط هضم الدهون الغذائية، وتقليل امتصاصها بالتالي إضافةً إلى تقليل امتصاص الكوليسترول (Quaade etal.,1990)، ولكنَّهُ في نفس الوقت يسببُ نقصًا في الفيتامينات الذؤوبة في الدهن.
وقد تم إجراءُ دراساتٍ طويلةٍ الأمد على الأورليستات وقورن فيها بالعقار المموه وتبينت قدرتهُ على إنقاص الوزن بمقدار 3 أو 4 كيلوجرام مقارنةً بالمموه خلال العام الأول من الدراسة، واستعادَ الذين استمروا في تعاطي الأورليستات ما يقارب نصفَ ما فقدوه من الوزن في العام الثاني للدراسة رغم استمرارهم على العقار إلا أن بعض التحسن في ضغط الدم ونسبة الكوليسترول والجلوكوز قد استمرَّ.
وأما الآثارُ الجانبيةُ للأورليستات فتمثلت في حدوثِ ليونةٍ في البراز تصل إلى حد الإسهال إضافةً إلى الغازات المصحوبة أحياناً بخروج إفرازات زيتية من فتحة الشرج، وأحيانًا يشتكي مستخدموا الأورليستات من ضعف تحكمهم في خروج البراز وعدم قدرتهم على تحمل الانتظار حتى الوصول إلى الحمام، وهذه الآثار الجانبيةُ تزيدُ بالطبع كلما زادت كمية الدهون في الغذاء الذي يتناوله الشخص، إلا أن هناكَ تقاريرُ أشارت إلى حدوثِ سرطان الثدي بصورةٍ تدعو إلى الارتياب في نسبةٍ من متناولي عقار الأورليستات، وهوَ ما تسببَ في تأخير طرحه في الأسواق، ثم توالت بعد ذلك عدةُ دراساتٌ مولتها الشركةُ المنتجةُ لتدفعَ عن عقارها التهمة، ومن خلال مقارنة نسبة حدوث سرطان الثدي في من يتناولون الأورليستات بنسبة حدوثه في من يتناولون المموه أظهرت النتائجُ عدمَ وجود فارقٍ دالٍ (إحصائيا) في معدل حدوث سرطان الثدي بين المجموعتين.
وأما ما يسمى بحارقات الدهون فنمثلُ له هنا باستخدام عنصر الكروميوم Chromium Picolinate والذي ظهر فجأة في السنوات الأخيرة على أنهُ يساعدُ من يتبعون الحمية المنحفة كما يساعد مرضى السكر لأنه يؤثر على حرق الجلوكوز من خلال زيادة معدلات هذا الحرق، وهو أحد المعادن الطبيعية التي لا تفيد إلا في حالة مريضٍ بنقصها، كما أنه موجود بكميات تكفي احتياجات الكائن البشري في أنواع عديدةٍ من الأطعمة العادية التي يأكلها كل الناس، واحتياجات الجسد البشري للكروميوم في تنظيم استقلاب السكر والدهون المأكولة لا تتعدى بحال من الأحوال ما يمكنُ أن يوفره الطعام الطبيعي وزيادة ما نتناوله منه لا فائدةَ لها، كل ذلك فضلاً عن أنهُ قد يتسببُ في إحداث تدمير في خلايا الكبد أو الكلى عند استخدامه بجرعات كبيرة، وأن هناك من الدراسات ما يربطه ببعض أنواع السرطانات.
كما يمثل لحارقات الدهون أيضًا بالكارنيتين Carnitine، وهو ما يضاف أحيانًا إلى مستحضرات الفيتامينات المتعددة، كما يروج له وحدهُ كحارق للدهون يساعدُ متبعي الحمية المنحفة على فقد الوزن، والكارنيتين هو حامض أميني يساعدُ في نقل الأحماض الدهنية إلى العضلات لكي تستخدم في إنتاج الطاقة، ويمدنا مأكولنا العادي بخمسين بالمائة من احتياجاتنا اليومية من الكارنتين بينما تقوم خلايا الجسد البشري بتصنيع الباقي، ولا يفيدُ أن نتناول قدرًا إضافيا منه، إضافةً إلى فشل الأبحاث التي أجريت عليه في إثبات قيامه بتقليل دهون الجسد.
ألا يستنتج من ذلك أن العقار المشار إليه في إفادتك غير آمن، وكذابٌ في نفس الوقت، وذلك رغم ثمنه المرتفع، ومما يزيد الطين بلةً بالطبع أن توقف الشخص (الذي ينجح في إنقاص وزنه باستخدام مثل ذلك العقار) عن تناوله أو عن الحمية بمعنى صحيح يعني بكل تأكيد أنه سيستعيد ما فقده من وزن إن لم يكسب وزنا أكثر، فهل كان يجب أن تستمر بنت أختك على ذلك العقار عمرها كله؟
نصل بعد ذلك إلى ما نستطيع تسميته بإدمان التريض Exercise Addiction، بالرغم مما للتريض من آثارٍ إيجابيةٍ على الصحة الجسدية والنفسية بوجهٍ عام، إلا أننا نستطيع اعتبار ربط التريض ببرامج الحمية المنحفة بمثابةٍ ظلم كبيرٍ لحق به، فمن ناحيةٍ أصبح التريض الناجح مرتبطًا في أذهان المتريضين بأن يحققَ فقدًا للوزن فإن لم يتحقق ذلك الفقد فإن الكف عن التريض سيكون هو القرار الذي يتخذه الشخص، ولعل الترويج للأدوات والآلات الرياضية الحديثة على أنها أدواتُ تنحيف قد ألحق بالتريض ظلمًا كبيرًا وحرم قطاعًا كبيرًا ممن يستفيدون من التريض من الاستمرار على معدلات معقولة منه.
ومن ناحيةٍ أخرى بدأت تقارير طبيةٌ عديدة تتوالى عن التريض المفرط Excessive Exercising (التريض المرضي في مقابل التريض الصحي Healthy Exercising) أو إدمان التريض Exercise Addiction والذي يطلق عليه أيضًا التريض القهري Compulsive Exercising.
0 فالتريض من الناحية الجسدية يحسنُ من أداء الجهاز الدوري والتنفسي والعصبي والعضلي والمفصلي ومن أداء الغدد الصم وجهاز المناعة، كما يحسنُ التريض أمراضًا كارتفاع ضغط الدم والتهاب المفاصل والسكر كما يقلل من نسبة الكوليسترول ويزيد من كتلة الجسد اللحمية Lean Body Mass.
0 ومن الناحية النفسية يحسنُ التريضُ من المزاج وتقدير الذات والجسد، بل إن هناك دلائل على أن اللياقة البدنية بغض النظر عن حجم الجسد أو وزن الجسد تنقص من خطورة الموت Mortality Risk.
نستطيع تحديد التريض الصحي بأن يبذل الشخص جهدًا بدنيا متوسط الشدة لمدة نصف ساعة يوميا في معظم ومن الأفضل كل أيام الأسبوع ، والأمثلة على الجهد البدني المتوسط الشدة هيَ المشي السريع وصعود الدرج (السلَّم) أو استخدام إحدى آلات التريض لمدة عشر دقائق ثلاث مرات في اليوم، ولهذا النوع والمستوى من التريض أثرٌ إيجابي كبير على الصحة العامة وعلى الحالة النفسية للشخص أيضًا فهو يحسنُ المزاج بشكل ملحوظ.
ومن المهم هنا أن نبينَ أن المصدر الرئيسي للطاقة التي تستخدمها عضلاتنا الإرادية في التريض هو سكر الجلوكوز سواءً جاء من الدم أو من الجليكوجين المختزن في الكبد أو في العضلات، وليسَ هو الدهون أو الأحماض الدهنية، فبينما تمثلُ الأحماضُ الدهنيةُ مصدر الطاقة الرئيسي للقلب وللأمعاء (تلك التي لا تكفُّ عن العمل)، فإن سكر الجلوكوز هو مصدرُ الطاقة الأساسي للعضلات الإرادية، ولكي يستطيعَ الجسد استخدام الدهون المختزنة في إنتاج الطاقة اللازمة للتريض فإن الغذاء يجبُ أن يكونَ متوازنًا وفيه ما يكفي من السكريات والدهون بالشكل الذي لا يدفعُ الجسد إلى الاحتفاظ بالدهون المختزنة، أي أن الأمرَ ببساطة ليسَ أن تريضًا أكثر يعني فقدًا لدهونٍ أكثر فواقع الأمر هو أن مشاركة الدهون في إعطاء طاقةٍ للعضلات (خاصةً في ظروف الحصر السعري) هيَ مشاركةٌ ضئيلة، وبالرغم من أن التريضَ بإفراطٍ سيؤدي إلى استهلاكِ كمٍّ أكبر من الطاقة وكمًّا أكبر من دهون الجسد أيضًا، إلا أن الجسد سيعيدُ تخزين ما فقدهُ أثناء هذا التريض سواءً من سكر الدم أو العضلات أو الكبد ومن دهون الجسد في نفس الوقت، من خلال دفع الشخص للأكل.
ومعنى ذلك أن التريض وحدهُ مهما بلغت كميته لا يكفي لتحقيق إنقاص الوزن المرغوب، إلا أن شركات إنتاج الأدوات الرياضية لا تنقلُ هذه الرسالة عند إعلانها عن جهازٍ تريضي ما، بل يوحون للمتلقي بقدرة هذا الجهاز على فعل كل شيء، كما يفعلُ بعض أصحاب المؤسسات التريضية نفس الشيء، وينتجُ عن ذلك توقعٌ للكثير من الفائدة من جانب الشخص البدين الذي يسارع بشراء واستخدام الجهاز، فقط لكي يصاب بالإحباط بعد فترةٍ غير طويلة لأن الميزان لن يقول له أن وزنه قد قل بالمعدل الذي وعدوه به المروجون للجهاز، والمشكلةُ التي يمكنُ أن تنجمَ عن ذلك في الحقيقة هيَ إحجام البعض بسبب ذلك عن التريض كله.
وربما لو علمنا التريض المنتظم للمشتكين من البدانة دونَ ربطه بالحصر الغذائي لكانت النتائجُ أفضل فرغم أن التريض وحدهُ لا يحققُ فقدًا مرضيا للوزن، إلا أن تأثيراته الإيجابية على الصحة العامة، وعلى تحسين الأمراض المعهودة مع البدانة في كثير من المرضى هي ملاحظةٌ قد أثبتت أكثر من مرةٍ، حتى علق الباحثون أنهُ بينما عواملُ الخطورة الصحية للبدانة ما تزالُ وستظلُّ محل اختلافٍ بينَ نتائج الدراسات المختلفة، فإنه يكادُ يكونُ متفقًا عليه أن التريض يزيدُ من طول العمر، ويقللُ من عوامل الخطورة الصحية المرتبطة بزيادة نسبة كوليسترول الدم وبارتفاع ضغط الدم وبالتدخين، فخطورةُ كل هذه العوامل تقلُّ بمعدلات لا تقبلُ الجدل بمجرد الالتزام والاستمرار على مستوى متوسط من التريض اليومي، بل إن من بين نتائج وملاحظات هذه الدراسات ما يشيرُ إلى أن النحافة لا البدانة هي التي تحملُ عوامل خطورة أكثر للموت!، والتريضُ أيضًا يقلل من عوامل الخطورة تلك المصاحبة للنحافة.
* وأما ما يتعلق بجوانب شخصيتها، وصراعها مع الحجاب، فلا نستطيع في الحقيقة الحكم على شخصيتها خاصةً بعدي الاندفاعية مقابل القهرية أو ضبط النفس، لا من خلال معرفتنا بتذبذبها بدايةً في محاولات الحمية المنحفة وضعفها مقابل الأكل، أولاً لأنها قد تكونُ في ذلك الوقت محاربة ضد نقطةٍ محددة لجسدها وهو ما يعني أنها لا بد كانت ستخسر، وقد يكونُ من الظلم أن نحكم عليها بالاندفاعية في مثل هذا الوضع، لأن الأكل ليس هو المعيار، ولا من خلال معرفتنا بتذبذبها بين بعدي اكشف غطي والذي يتمثل في صراعها مع أهلها بسبب الحجاب، هذا التذبذب تمر به أعدادٌ لا حصر لها من الفتيات العربيات.
ولعل واحدةً من النظريات التي تشكلت من حواراتي مع أخي وزميلي الدكتور أحمد عبد الله هي أن الحجاب المبكر بالنسبة للفتاة العربية إنما يقيها كثيرًا من الشر الكامن في متاهات الحمية المنحفة، وذلك لأنه يمثل على المستوى النفسي بديلاً خارجيا لصراع التحكم المباشر مع الجسد كما يحدث عند الفتاة الغربية، ففضلا عن مناسبة ذلك الزي للجسد الأنثوي وصيانته وحمايته من أن يكونَ عرضة للسخرية، فضلا عن ذلك فإن الدخول في صراع اكشف غطي يمنع الدخول في صراع سمني/ نحفي أو كلي/ تقيئي، والذي تعيشه الفتاة الغربية مباشرة مع جسدها.
وأما رغبتها في أن تجرب الحب فرغبة طبيعية تماما ومشروعة أيضًا، وليست غريبة في نفس الوقت الذي تحتقر فيه الجنس، لأن الجنس عند المرأة ليس أصلا إلا واحدا من أساليب الحصول على الحب والحنان، وليس كما هو في الرجل ولعل من المفيد هنا أن أحيلك إلى إجابة سابقة على صفحتنا لأخي الدكتور أحمد عبد الله تحت عنوان: عرض الأزياء والقلب الحجري مشاركة، لكي تعرفي منها كيف تفكر الفتاة العربية في هذا الأمر، وأهلا وسهلا بك وتابعينا بأخبارك.