إدمان الجنس الإلكتروني: مسؤولية من؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
إلى الأخ الفاضل الدكتور وائل أبو هندي.. بداية أشكر لكم.. ردكم علينا.. أتمنى أن لا تزال تذكرنا.. أنا صاحبة مشكلة إدمان الجنس الإلكتروني: مسؤولية من؟، طلبتم أن أجيبكم على بعض الأسئلة.. وأنا أعتذر عن تأخري في الرد عليكم.. انتظرت ردكم على رسالتي طويلا.. حتى إني أوشكت على اليأس من ردكم..
وقد صار عمري 18.. والآن سأجيبك عندما أردتني أن أجيب: لقد تمنيت في السابق أن أجد شخصا ما أبوح له بسري.. ولكني لم أجد، فكرت أن أرسل رسالة لإحدى المجلات.. ولكن لم يحالفني الحظ.. فظللت أسيرة همي!
لا أعلم لمن ألجأ.. خاصة أني لا أستطيع الحديث مع أي كان في هذا الموضوع، حتى أمي..!
وبمجرد معرفتي بهذه الخدمة قمت بإرسال مشكلتي لكم:
وفي الواقع -أخي الكريم- لي علاقة قوية مع والدتي؛ حتى إنها الأقرب إلي.. أبوح لها بكل شيء منذ كنت صغيرة. وهي تسمعني، وتجيب علي، وتنصحني دائما.
إلا أني في هذا الموضوع لم أجرؤ على مصارحتها لا هي ولا أقرب الصديقات.. فأنا بينهن فتاة صالحة، مثلهن تماما. أما عن تلك الليلة البائسة حين دخلت على "الماسينجر" فوجدت إضافة غريبة.. ولفضولي وافقت عليها، فإذا به رجل غريب. أظهر لي في البداية صفات جميلة.
وأخذ يبهرني بما لديه من حكمة، وتجربة بالحياة، أخذت به. وبعد سنة أو سنة ونصف تدرج معي في موضوع الجنس. لا أعلم كيف بدأ؟ ولكنه عرف كيف يعرفني عليه. كنت في البداية أكرهه (الجنس) وأستنكره..!
كان يريني صورا وأفلاما.. طلب مني ذات يوم أن يحادثني؛ ليتأكد أني فتاة، فرفضت، وأصر علي، قائلا: إننا لن نتحدث طويلا.. وإنه خدع أكثر من مرة.. وإنه يقطن بعيدا عني لن يؤذيني..
فقبلت على مضض.. على ألا نتحدث كثيرا.. إلا أني سأجيب بكلمة واحدة أو اثنتين.. وفعلا هذا ما حدث.. إلى أنه في أيام أخرى طلب أن يحدثني أيضا.. وكنت أرفض..
أطول محادثة لنا عن طريق الهاتف لا تتجاوز الثلاث دقائق.. كنت أنهي المحادثة سريعا؛ فضميري دائما يمنعني.. بعد مرور الأيام علمت مدى فداحة ما أقوم به، فعزمت على ترك هذا الرجل، وفعلا فعلت.. قلت له: هل تتزوجني؟ كنت أعلم أنه سيرفض، فجعلتها حجة لي للابتعاد عنه..
في ذاك الوقت حاولت تغيير محور حياتي؛ فأنا من عشاق القراءة، قرأت الكثير من الكتب الدينية.. وربما ما ساعدني أكثر المحيط الذي أنتمي إليه، كل من يحيطون بي راشدون صالحون.. يكثرون من الحديث عن الدين والأخلاق.. فشدني ذلك أكثر للدين.. وترك قبيح ما أفعل.. واستطعت بعدها الذهاب للعمرة.. بتوفيق من الله.
الفترة الأخيرة -أي بعد ما أرسلت لكم رسالتي الأولى- تغيرت حياتي كليا.. الحمد لله استطعت ترك كل شيء، وأصبحت أكره الجنس الإلكتروني.. ولا أدخل غرف الدردشة.. وانقطعت للدراسة عن الإنترنت قرابة الشهر والنصف والحمد لله.. أشعر أني استطعت الدراسة بشكل جيد..
وإن شاء الله أكون قد أبليت بلاء حسنا في الاختبارات ربما تكون قد حلت مشكلتي..
أشكركم جزيلا..
23/5/2004
رد المستشار
الابنة العزيزة، أهلا وسهلا بك، وشكرا جزيلا على متابعتك، وعلى إطرائك ودعواتك الطيبة.
إذن قد قررت أخيرا أن تمنحينا فكرةً عن خبرتك في الإقلاع عن الانغماس في الجنس الإلكتروني، وكنت قد سألتك في إجابتي عليك: كيف استطعت قطع الشوط الأهم في دوامة الصراع مع الإدمان؟ إن هذه التجربة في حد ذاتها خبرة تستحقين إن صدقت أن تفخري بها.. فلماذا لم تذكريها؟ ألا ترين أنها ستكون مفيدةً لكثيرات من أخواتك المسلمات؟ وأنت في متابعتك هذه تحاولين تقديم بعض المعلومات عن ذلك، لكنني سأناقش أولا فكرةً، من المهم أن أناقشها معك؛ لأنها تحتاج إلى تعديل.
تقولين: إنك كنت في البداية تكرهين الجنس وتستنكرينه.. فهل كانت هذه آلية حماية نافعة؟ هل يفيد أن نكره الجنس ونستنكره؟ وما معنى أن تنشأ بنت مسلمة كارهة للجنس ومستنكرةً له؟
الحقيقة أن ذلك هو الإفراز الطبيعي للطريقة التي تتربى بها البنت في مجتمعاتنا؛ نعم لأننا لا نتبع الطريقة الصحيحة في التربية، خاصة فيما يتعلق بأمر الجنس. وبينما يتراكم التثبيط الاجتماعي والأسري للجنس متمثلا في كره الجنس واستنكاره في الوعي؛ فإن الحب والاشتياق له يتراكم في اللاوعي، وذلك ما دمنا نتحدث عن المسار الطبيعي للأمور في بيوتنا، ودون أن يحدث ما يصدم الذات ويجبرها على تكوين تثبيط للجنس في اللاوعي أيضا كما يحدث في حالات التعرض للتحرش الجنسي في الطفولة أو للخبرات الجنسية الرضحية (الصادمة) Traumatizing Sexual Experiences؛ ففي مثل هذه الحالات يصبح التثبيط واعيا وغير واعٍ أيضا، وربما ينتج عنه كثير من الاضطرابات النفسية التي تظهر إما في الأداء الجنسي أو الرغبة أو غير ذلك من الاضطرابات النفسية.
وبينما يعلمنا الإسلام أن نكره الحرام ونستنكره؛ فإنه لا يعلمنا أبدًا أن نكره الجنس؛ إذ لا يجد الإسلام أي مشكلة أو أي غضاضة في أن يعمل الإنسان على إشباع غريزته الجنسية، بل أن يطلب ذلك ويعبر عنه بالطرق الشرعية، وقد جعل الله متعة الإنسان في الجنس عظيمةً، وجاء الإسلام لينظم تلك المتعة التي نظر إليها كمتعة محمودة لا قيود عليها ما دامت في حلال، وكان بذلك أكثر الأديان تماشيا مع غرائز الإنسان.
بل إننا نعلم أنه حينما طلب بعض الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم أن يختصوا أو يتبتلوا لم يأذن لهم بهذا، كما أنكر على بعض الصحابة ابتعادهم عن النساء، وقال عليه الصلاة والسلام: "من كان موسرا لأن ينكح ثم لم ينكح فليس مني" [رواه الطبراني والبيهقي]. وأعلن -عليه الصلاة والسلام- حبه للنساء والعطر -وهذا قمة الذوق الإنساني-، ولكنه بين أن ذلك لم يكن ليشغله عن الأحب إلى قلبه، فقال صلى الله عليه وسلم: "حبب إلى من دنياكم: العطر والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة".
بل أن نجد في سيرة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم ما يشير بوضوح إلى أهمية الاستمتاع والإمتاع في العلاقة الجنسية بين الزوجين، فقال عليه الصلاة والسلام: "إذا جامع أحدكم أهله فليصدقها، ثم إذا قضى حاجته قبل أن تقضي حاجتها فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها".
وقد قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المواقعة قبل الملاعبة"، والقبلة الزوجية عند الفراق ولدى اللقاء ليست وليدة المدنية الحاضرة، ولا نابعة من عادات الغرب؛ فقد قالت عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ينال مني القبلة بعد الوضوء، ثم لا يعيد الوضوء"، وكذلك قالت أم سلمة رضي الله عنها: إن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان يقبلها وهو صائم، ثم لا يفطر ولا يجدد وضوءا.
فالقبلات تجعل العلاقة بين الزوجين أرفع من أن تكون مجرد عمل آلي بعيد عن العطف والمودة، عار من الحب والحنان، بل إن المسلم ليثاب على الفعل الجنسي في الحلال؛ فقد أخرج مسلم في صحيحه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "في بضع أحدكم صدقة"، قالوا يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: "أرأيتم لو وضعها في الحرام؟ (أي أكان عليه وزر؟) فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكل هذه أدلة على أهمية الجنس في حياة الإنسان المسلم، وأنه لا يصح أن يكرهه مثلما لا يصح أن يكره طعامه أو شرابه.
باختصار:
لم يكن الموضوع الجنسي بعيدا عن تصرفات وأقوال نبي هذه الأمة عليه الصلاة والسلام لا مع أهله ولا في حديثه الشريف بين أصحابه رضوان الله عليهم، ولا عن أقوال زوجاته رضي الله عنهن ورواياتهن عنه صلى الله عليه وسلم.. فكيف أصبح الجنس قلة أدب وقلة حياء عند المسلمين اليوم؟! كيف؟ ولماذا؟ وكيف ولماذا أصبحت أنت وكل الفتيات العربيات (غير المضطربات نفسيا) بلا استثناء يكرهن ويستنكرن الجنس بصورة تدعو للرثاء؛ إما على مستوى الوعي فقط (وهو ما يفسره علماء النفس التحليليون بالتكوين الرديد Reaction Formation، والذي يعني أن تحمل في وعيك موقفا وتوجها مبالغا فيه تجاه شيء ما، بينما تحمل في لاوعيك عكس ذلك الموقف والتوجه مبالغا فيه أيضًا)، وأما على مستوى الوعي واللاوعي في الفتيات المضطربات نفسيا أفلم أقل: إن حالنا يدعو للرثاء؟
وها أنت فتاة عربية كانت تكره الجنس وتستنكره بكل وعيها؛ لأنها فتاة مؤدبة ومحترمة في نظر الجميع، ولكنها على الإنترنت كانت مدمنة جنس إلكتروني! لم يحمك إذن كرهك واستنكارك للجنس، لم يحمك أن تكون مشاعرك الجنسية هي الغول الذي يتهدد ضميرك كلما برزت ولو جزئيا إلى الوعي، مثلما لم يحمِ كثيرات من فتياتنا العربيات. وانقري الروابط التالية لتعرفي منها:
عاشقة الأكشن: جريئة تبحث عن الحنان
عاشقة الأكشن: شراب الجنس وسرابه مشاركة
في الجنس وغيره أخطر مما يسمى غزوا
وسبب ذلك هو أن تعلّم ضبط الغريزة الجنسية يختلف عن تعلّم نكرانها واتخاذ موقف سلبي منها (مبالغ فيه عادةً)، وهو ما نفعله بطريقة تربيتنا للإناث وللذكور (وإن كان الجور أكبر في حالة الإناث)، فبينما يحتاج ضبط الغريزة الجنسية إلى التعامل الصادق الواعي معها كنشاط مشروع في إطار من أوضاع العفة الاجتماعية، يحتاج نكران الغريزة إلى كذب ونفاق متواصلين من جانب الفرد والمجتمع على حد سواء، وفي ذلك الفخ وقعت أمتنا؛ فأصبحنا لا نملك أوضاع العفة؛ لأن الزواج غالبا غير ممكن في وقت الحاجة إليه، وأصبحنا نعيش أحوال اللاعِفَّة، ونصرخ مطالبين بتطبيق أحكامها، بينما نقع مشدوهين في فخاخ الجنس التي أصبحت تحيط بشبابنا من كل اتجاه، وليس في الشبكة وحدها.
المهم أنك يا ابنتي استطعت في اللحظة المناسبة بفضل الله أن تنزعي نفسك من ذلك الشرَك الشيطاني، وببساطة قلت لذلك الذكر الإلكتروني: هل تتزوجني؟ فقال: لا، فاتخذتها أنت فرصة للهرب، والحمد لله أن صاحبنا وقع بسرعة في فخك البسيط، وما أظنك إلا محظيةً عند الله؛ لأن حيلتك معه كانت بسيطةً، وكان من الممكن أن يستغل طلبك هذا لإحكام تورطك في شرَكه المنصوب لك بأن يجاريك ويسوّف ويطلب المزيد، لكن الله أراد لك الخلاص، ودعمك في ذلك محيطك الاجتماعي الطيب وحبك للقراءة وما تعطيه قراءة الإسلام لقارئها من رغبة في تزكية النفس والسمو بها، ثم أنعم الله عليك بالعمرة المقبولة بإذن الله نحمده سبحانه ونسأله أن يلهمك الثبات.
أعود بعد ذلك لأستكمل ما بدأت معك من نقاش فأنت تقولين: "الحمد لله استطعت ترك كل شيء، وأصبحت أكره الجنس الإلكتروني.."، وأنا أتمنى أن يكون قصدك من كره الجنس الإلكتروني هو كرهك للحرام، والجنس الإلكتروني عادةً حرام؛ لأنه نادرا ما يكون بين زوجين، ولعل أحد مستشارينا الشرعيين -الكسالى مع الأسف- يفيدنا في حكم الجنس الإلكتروني بين زوجين ابتعدا عن بعضهما لسبب أو لآخر.
وهكذا انشغلت في الفترة الأخيرة بالاستذكار، وابتعدت عن غرف الدردشة، وعن الإنترنت، وأصبحت تقرئين كتبا دينية لا كتبا عن الجنس مثلما كان حالك وأنت تكتبين إفادتك الأولى، وتبشريننا بأن مشكلتك -والحمد لله- يبدو أنها حُلت، ونحن نتمنى ذلك لكننا نود أن تتابعي معنا بعد أن يوفقك الله في امتحاناتك، وأن يكون بمقدورك لا الامتناع عن النت فقط، وإنما دخولها وقيادة الشبكة نحو ما يساعدك في تكوين كيانك النفسي والمعرفي بالشكل الذي يجب أن تكون عليه الفتاة العربية المسلمة، وأحيلك في النهاية إلى مقال أخي الدكتور أحمد عبد الله:
الجنس في حياة الفتاة العربية!
فلابد يا ابنتي أن تصححي مفاهيمك فيما يتعلق بدور الجنس في حياتنا كمسلمين، ودمت سالمة لصفحتنا استشارات مجانين.