السلام عليكم،
أنا فتاة أبلغ من العمر 19 سنة أدرس الآن في الجامعة، مشكلتي بدأت عندما بلغت 16 سنة؛ حيث إنني أشك في نفسي أنني أعاني من مرض نفسي يدعوني في بعض الأحيان إلى قتل نفسي، ولكن ما يمنعني أن قتل النفس محرم.
إخوتي بالله، كنت أدرس في المدرسة، ولاحظت أن شابا يطاردني حيث بعث لي مع ابنة عمه رقم هاتفه، حيث إنني كنت أيضا أميل إليه، بعد فترة أصبحنا نتحدث إلى بعضنا عبر الهاتف ولم يكن هدفي الارتباط به بتاتا؛ لأنني أعلم أن أهلي لن يوافقوا عليه كزوج لي، ولكنني كنت أتحدث معه للتسلية كما يفعل صديقاتي، بعد أربعة أشهر انتهت العلاقة بينه وبيني بعد ندم شديد مني لما فعلته وعاهدت نفسي ألا أعود إلى هذه التفاهة مرة أخرى.
بعد مضي سنة ذهبت للصيدلية لشراء دواء، وكان يعمل بها شاب كانت معاملته لي غريبة؛ فلاحظت هذا الشيء به، وتكررت زياراتي للصيدلية حتى تعرفت به وهو كذلك، وبدأنا بعلاقة على الهاتف استمرت أكثر من 8 أشهر، وكانت العلاقة بيني وبينه على الهاتف قوية.
علما أن هذا الشاب كان مرتبطا بفتاة أخرى، ولكن أنانيتي لم تجعلني أهتم بها، وكان يشجعني على ذلك بقوله إنه لا يريدها ويريد الخلاص منها، وفعلا انفصل عنها وجاء لخطبتي من أهلي ولكنهم رفضوه وبشدة، انتهت علاقتنا بعد الرفض لمدة شهرين، وعدنا بعد ذلك إلى ما كنا عليه من التحدث بالهاتف وزيارتي له بالصيدلية بعد أن فقدت الأمل أن يعود لخطبتي، انتهت علاقتنا تماما لمدة أربعة أشهر، وعلمت أنه خطب فتاة أخرى.
بعد التحاقي بالجامعة تعرفت على شاب يستحيل لأهلي الموافقة عليه كزوج لي؛ لأنه لا يملك الهوية، وطلبت منه أن يقطع علاقته بي.. وفي هذه الفترة عاد لي الشاب الصيدلاني وكلمني هاتفيا بأنه يريد العودة إليَّ فرفضت ذلك تماما مع أنني ما زلت أريده.
بعد هذا التوضيح لقصتي فقد أدمنت العلاقات الهاتفية، وأنا والله أجاهد نفسي للابتعاد عنها ولكن بين الفترة والأخرى أعود لها، والله إنني أعاني من هذا الكابوس غير المنتهي، لا أريد هذه الطرق المحرمة بالهاتف، ولكن لا أتمكن من أن تمر فترة دونها.
28/2/2007
رد المستشار
الابنة العزيزة، أهلا وسهلا بك على صفحتنا استشارات مجانين، قرأت إفادتك عدة مرات، وفي كل مرة كنت أؤجل الرد بعضا من الوقت، والحقيقة أنني كنت أتأمل كلماتك الإلكترونية وأقارنها بكلمات مريضات من لحم ودم أسمعهن وأعرفهن، بعضهن فتيات مثلك يشعرن بالذنب لأنهن خائنات لثقة الأهل، أو متورطات في مشكلات ناجمة عن علاقات الهاتف، وبعضهن متزوجات يشعرن بالذنب تجاه أزواجهن. وكانت المشكلة الأكثر إلحاحا دوما هي كيف تقاوم الواحدة منهن تلك الاندفاعة Impulse التي تنتابها لتتصل، ولسنا بالطبع بعيدين عن مدمني الشات وكل أشكال إدمان العلاقات الإلكترونية، ولصفحتنا باع طويل في مناقشة مشكلات بهذا الشكل من المحيط إلى الخليج.
كما قلت لك فقد تعرضت أثناء عملي لنماذج كثيرة من مدمنات العلاقات، وتعبت معهن في مقاومة الاندفاعة للاتصال؛ فعرفت من كانت تصل بها الأمور إلى أن تزيل كارت الاتصال بالشبكة من الجهاز، ثم تعجز عن الاستمرار فتعيد تركيبه، وعرفت من بين الزوجات من كانت تلجأ لكسر آلة التليفون -ثم تلصق التهمة بابنها الصغير- لتمنع نفسها من الاتصال بذلك الولد! ولكنها في مرة غلبتها الاندفاعة رغم ذلك، حتى اشترت آلة جديدة واتصلت، فقط أود أن أبين لك إدراكي لصعوبة مقاومة إلحاح الاندفاعة للاتصال؛ لأنه كما وصفته في آخر فقرات إفادتك شيء مثل الإدمان.
لست وحيدة ولا فريدة إذن في بلواك هذه، ولكن طريق الخلاص يحتاج إلى كثير من التماسك والإصرار في الوقت نفسه الذي تتغير فيه طريقة عيشك وكثير من أفكارك، وعلى أي حال سأبدأ معك خطوة خطوة كما سارت بك إفادتك..
تبدئين شكواك بقولك:
"حيث إنني أشك في نفسي أنني أعاني من مرض نفسي يدعوني في بعض الأحيان إلى قتل نفسي، ولكن ما يمنعني أن قتل النفس محرم"، وتبدو الكلمات للقراء كأنها تعبر عن حالة اكتئاب، وعلى لسان بنت في بدايات شبابها يتهددها الانتحار، ولولا أنه حرام لأقدمت عليه، طبعا أنت تخلطين الدنيا ببعضها -دون دراية منك- فما يرتبط في الأذهان بالرغبة في قتل النفس أي الانتحار هو الاكتئاب الشديد والطويل المدة ثقيل الوطأة على صاحبه، وهذا ما ليس والحمد لله حالك، وإلا لكان لنا كلام آخر.
فواقع الأمر يا ابنتي –تخمينا لأنني أتعامل مع نص إلكتروني- هو أننا أمام أفكار انتحار من النوع الاندفاعي Suicidal Impulses، ولسنا نراها أفكار انتحار من النوع الاكتئابي، وهذا يضعنا أمام احتمالين:
الأول: أن أفكار قتل النفس التي تأتيك هي اندفاعات تأتي على خاطرك أحيانا، تالية غالبا للحظات من الخصام مع النفس، ولكنها -رغم قصرها الزمني- لحظات تكون ثقيلة الوطأة؛ شعورٌ مثلا بأنك سيئة ومذنبة ولا أمل فيك أو غير ذلك، وهنا يمثل الانتحار أو التفكير فيه طريقا للخلاص من شعورك بأخطاء فعلتها بسبب الاندفاع أيضًا -مثلا في اندفاع عاطفي أو جنسي في الهاتف- فتلجئين إلى الفكرة لتمثل إما عقابا لذاتك أو شكلا من أشكال التكفير عن الذنب على المستوى النفسي.
والثاني: أن الأفكار ليست سوى أفكار من وراء قلبك تبقى، وقد تؤثر على سلوكك الظاهر للتأثير في الآخر أو الآخرين ذوي الدلالة في حياتك، ولعلنا في استشارات مجانين نكون من هذا الآخر، وتقصدين بذكرك لموضوع التفكير في قتل النفس –الذي يمنعك منه أنه حرام، والذي لم يرد له ذكر بعد ذلك في إفادتك- تقصدين إعطاءنا رسالة بأنك تعاقبين نفسك بما فيه الكفاية ولست بحاجة إلى عقاب منا نحن أيضًا!.
على أي حال فإن اندفاعيتك هي المشكلة الأساسية، والاندفاعية: من الاندفاع أي الطيش والتهور وعدم القدرة على تأجيل إرضاء النفس والانزلاق بالتالي إلى تلبية رغباتها، ولعلها بدأت معك منذ أن كنت في السادسة عشرة، عندما انزلقت في علاقة هاتفية مع ذلك الولد، ولم تكوني في الأصل جادة في تلك العلاقة، وهو ما يذكرني بإجابة ظهرت على مجانين عن الفرق بين الحُبِّ واللبِّ، وهو ما لم تدركيه في وقته مع الأسف.
ثم انزلقت في علاقة أخرى بعدما شعرت بذلك الشيء بالصيدلي الذي كان على علاقة بأخرى (وكلها تسالي)، والتسالي ممتعة دون قيد أو شرط، وهكذا كررت زياراتك له، ووقعت في العلاقة الثانية، وبذا اعتدت الكذب على الأهل، وصار لك عالمك الذهني الخاص مع نفسك، ولم تنتبهي إلى المعاصي التي ترتكبينها -وهي أكثر مما فصلت لك- لأنك كنت صغيرة وزميلاتك كلهن يفعلن، وصدَقت الدكتورة فيروز عمر حين قالت: واحدة مقابل ثلاثة: الجميع يلهو ويتسلى.
إذن فبالتدريج اعتدتِ أن يكون لك هذا العالم الخاص مع أصوات الذكور المتغزلين على الأقل فيك، والإناث بوجه عام أكثر عرضة لإدمان الاستحسان مقارنة بالذكور، وطبيعي أنهم أسمعوك كلاما يذوب له الحجر، وأنك شعرت بالإثارة والزهو وربما أكثر، وهذا كله كان يجهزك للإدمان.
وأسألك أنا:
كيف أدرت بالهاتف أزمة انتصارك وفوزك بالثاني الصيدلي خاطبا فمرفوضا من الأهل؟ وكيف تديرين عودته الحالية رغم رفض الأهل؟ وهو الذي كانت علاقتك الهاتفية به قوية -ولم تشرحي معنى "قوية"- وهو الذي تقرين بأن محركك في علاقتك به كان أحيانا أنانيتك التي تثبت أنها على حق؛ فهو ما يزال راغبا! وأنت ضعيفة في العلاقة غالبا ما تزالين؛ لأن فيها إثبات ذات، ولذلك تقولين: "فرفضت ذلك تماما مع أنني ما زلت أريده".
إذن فكم مرة صادف أن أخرجك ذلك العالم الهاتفي -السري المتاح في كل منزل- من شعور بالضيق أو الملل؟ وكم مرة شعرت بالزهو بينك وبين نفسك لأنه قال لك كذا... وكذا..؟
كل هذا -وغيره كثير- أشياء تعني أنك فعلت فعل الاتصال المريح أو المخفف أو المنعش مرات ومرات، وعلى مدى سنوات، ربما كنت في البداية مدفوعة بالرغبة في التعرف والتجريب، لكنك بالتدريج تعلمت أن فعل الاتصال الهاتفي –في إطار علاقة- يخرجك من حالاتك النفسية السيئة، وأصبح من الممكن أن تشعري بأن شيئا لن يريحك إلا الاتصال! وبذلك تكتمل حلقة السلوك الإدماني التي أصبحت فيها، وأصبحن كثيرات مثلك دون أن يدرين، ولذلك قلت لنا إنك أدمنت العلاقات الهاتفية.
وأصعب ما يواجه الطبيب النفسي من جهة العلاج هو الإدمان، وأصعب مشكلات علاج الإدمان هي علاج إدمان المتاح القريب والمقبول اجتماعيا بالتالي مثل الأكل ومثل الهاتف ومثل الإنترنت؛ فهذه أشياء أصبحت متاحة في كل مكان حولنا، إذن لكي أبدأ معك في خطوات العلاج يلزمني السؤال الآن عن أهل بيتك: أين هم مما تعانين يا ابنتي؟ خاصة أن معالجك النفسي سيحتاج كثيرا إلى دعمهم، للتنبؤ بتفاصيل ما قد يصلح لك من علاج معرفي وسلوكي، وربما عقاري إذا رأى معالجك ذلك، فاستخيري ربك وتحركي.
ولكننا نحتاج إلى تفاصيل كثيرة قبل أن يكون لنا قدرة على وضع برنامج يصلح لك أنت شخصيا؛ لأن معلوماتنا عنك منقوصة؛ فمثلا قلت لنا: إنك أدمنت العلاقات الهاتفية، ولم توضحي طبعا أي نوع من الإدمان؟ وهل كان في تلك العلاقات دور للمشاعر الجنسية أو حتى الاسترجاز؟ كل هذه أمور مهمة، وأنصحك مبدئيا بقراءة ردنا السابق على مجانين عن الجنس التليفوني والاكتئاب!.
وعلى أي حال فنحن إذا وافيتنا بتفاصيل أكثر عن علاقتك بالآخرين من حولك، وعن ظروف معيشتك فقد نستطيع تقديم أطر عامة، لكننا ننصحك بأن تشركي من تختارين من أفراد أسرتك لمساعدتك فيما تحتاجين من علاج نفسي متخصص.
وتضيف د.سحر طلعت:
الابنة الرقيقة،
تقولين: أدمنت الهاتف وغيرك يدمن أشياء أخرى منها الإنترنت والشات.. فما الذي يدفع الإنسان للتعلق بشيء ما لدرجة الإدمان؟
البداية تكون دوما لتحقيق احتياج من احتياجات الإنسان، وتعرُّفنا على هذه الاحتياجات يعيننا كثيرا على تلبيتها بطرق ووسائل أخرى؛ وهو ما يؤدي إلى إزالة أسباب الاحتياج وإمكانية التخلص من آفة التعود أو الإدمان.
فما الذي تريدينه أنت من علاقات الهاتف المتكررة؟! بالتأكيد أنت تبحثين عن الإشباع العاطفي، وتريدين أن تلبي احتياجات القلب بميله الفطري للرجال، وتطمحين لأن تجدي ما يشغل وقتك وذهنك.
ودعينا الآن نفكر في سبل لتلبية هذه الاحتياجات، وأول ما أنصحك به هو أن تحاولي اكتشاف نفسك... مهاراتك... هواياتك... اهتماماتك، ثم ابدئي فورا في البحث عن وسيلة لممارسة هذه الهواية.
وابحثي فيمن حولك عن مصدر للحنان (أخ – خال – عم...إلخ).
وبعد تحقيق ما سبق يمكنك اتباع برنامج علاجي قائم على فلسفة الثواب والعقاب، شارطي نفسك على أن تكافئيها عندما تلتزم بالامتناع، وتعاقبيها بحرمانها مما تحب إذا كلمتِ أحدهم على الهاتف.
بنيتي الحبيبة،
إذا استمرت معك الحالة، واستمرت معها رغبتك في الانتحار... فلا مفر من التماس المساعدة من إخصائي نفسي، وقلوبنا معك، ونحن دوما على استعداد لتقديم أي عون.