السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،
أشكركم على جهودكم للأخذ بيد الشباب المسلم، وبارك الله فيكم وجعله في ميزان حسناتكم.
أنا فتاة في الخامسة والعشرين من عمري، أعيش مع عائلة رائعة ومحبوبة من طرف الكل، مشكلتي بدأت مع البلوغ عندما ازداد وزني كثيرًا وفي وقت قصير، وكان ذلك دائمًا سببًا في إحساسي بالخجل والإحراج، مع مرور الوقت استطعت أن أنقص من وزني، ولكني لا أزال "ممتلئة".
المهم أن وزني الزائد تسبب في ظهور تشققات على مستوى الجلد تظهر بوضوح على جميع جسمي، وتتخيلون إحباطي وشعوري بأنني مختلفة عن غيري من الإناث. مرت السنين وكبرت وأنهيت دراستي وولجت عالم الشغل، وبدأ العرسان يتقدمون لي وأنا أرفضهم الواحد تلو الآخر، وأهلي لا يجدون مبررا؛ كان آخرهم زوجي الحالي الذي ظل يصر عليّ بعد أن رفضته خمس مرات متتالية، وبالنهاية وافقت.
المشكلة عندي في أني أخجل كثيرا من منظر جسمي، والآن لم يبق إلا شهر واحد على زفافي، وهذا الموضوع يؤرقني، وأتصور أن زوجي لن يرضى أبدا عن جسمي. قد تجدون الموضوع تافهًا من أصله، ولكنه مشكل بالنسبة لي فعلا.. أرجو أن تردوا عليّ في أقرب وقت ممكن. عذرًا على الإطالة، وشكرا لكم ولكل الساهرين على هذا الباب.
18/3/2007
رد المستشار
أهلا بك يا أختي، ومبارك زواجك إن شاء الله، موضوعك في حقيقة الأمر ليس تافهًا بالمرة، بل هو واحد من أهم مواضيع الساعة، فهذه المشكلة التي تحسبينها مشكلتك وحدك هي في الحقيقة مشكلة قطاع كبير من الشابات من جيلك والأجيال التالية وربما البعض من الأجيال السابقة.
وأما ما جعل الأمر يبدو بالنسبة لك مشكلة قد لا تجدينها عند الأخريات فهو أنك (في الغالب) لم تصرحي أصلاً لأحد بذلك بسبب الخجل، وتخيلت أنها مشكلتك وحدك مع أن الأمر ليس كذلك كما سترين.
إن ما سأناقشه معك في ردي عليك يتمحور حول نقاط ثلاث:
- الأولى: تتعلق بزيادة الوزن التي تحدث في الإناث (وفي الذكور أيضًا وإن كانوا أقل حساسية لها) إبان البلوغ.
- الثانية: تتعلق بالمرآة وما تراه الأنثى حين تنظر لجسدها في المرآة.
- الثالثة: هي الحميات المنحفة (الريجيمات) المتكررة التي اتبعتها، وتسببت في تأرجح وزنك عدة مرات، وأدت إلى تشقق الجلد في بعض المناطق في جسدك.
أولاً: زيادة الوزن إبان البلوغ:
دعيني بداية أنبهك إلى ما يستشف من إفادتك من أن وعيك بوزنك وصورة جسدك قد بدأ معك منذ مرحلة مبكرة في حياتك، ومن الواضح أيضًا رغم أنك لم تفصلي ذلك أن جزءًا من المشكلة يتعلق بمناطق معينة من جسدك أكثر مما يتعلق بغيرها، وهي المناطق التي تتراكم فيها الدهون أكثر من غيرها مع البلوغ، أي منطقة الحوض والأرداف والفخذين، ومن الواضح أن ذلك كان مرعبًا بالنسبة لك؛ لأنك تريدين جسدًا كالذي في الصورة مثلك مثل غيرك طبعًا من بنات جيلك.
لكن المشكلة التي لم تنتبهي إليها هي أن الجسد الذي في الصورة رسمه الرسام أو صوره المصور وهو في النهاية يمثل جسد صاحبته في وقت ما من عمرها، بينما جسدك أنت خلقه الله سبحانه وتعالى ووضع فيه ما ينظمه وما يضمن له حسن الأداء، ولكي لا أطيل عليك في شرح بطلان أسطورة النموذج الغربي الأحادي غير الطبيعي للمرأة الجميلة الذي أضر بالغرب أكثر مما أضر بنا حتى الآن، فإنني سأكتفي هنا بتوضيح نقطتين مهمتين جدا هما:
(1) أن تراكم الدهون في الجسد الأنثوي إبان البلوغ ضروري لحدوث الطمث؛ حتى إن هناك ما يسمى بالعتبة الطمثية التي لو لم تتراكم الدهون في الجسد حتى تزيد عليها فإن الطمث لا يحدث ولا تحيض البنت كما نرى في مريضة القهم العصبي Anorexia Nervosa، وهي البنت التي يحملها خوفها من السمنة على الامتناع الذي يكاد يكون تامًا عن الأكل.
(2) أن فتاة الغلاف التي قد تتمثلينها في ذهنك، فضلاً عن أنها نموذج غير إنساني وأنه غير صالح لأكثر من نسبة 5% من النساء في أي مجتمع كما تقول دراسات متعددة.. فتاة الغلاف هذه من الناحية الطبية والتربوية تختلف تمامًا عن المرأة الودود الولود التي تعطي الدفء والحنان، وليس في العري والجنس فقط، فهي لا تصلح أن تكون لا ولودًا ولا ودودًا.
وثانيا: المرآة وما أدراك ما المرآة:
لو أنك فكرت قليلاً معي يا عزيزتي فستجدين أن دور المرآة في حياتك قد تعدى الحدود الطبيعية والصحية، وأنا لن أجادل معك كثيرًا في ذلك، ولكنني سأقول لك بداية بعض المعلومات عما تراه الأنثى تحديدًا عندما تنظر إلى جسدها في المرآة مقارنين ذلك بما يراه الذكور، ثم أقول لك بعد ذلك ما قد يكون مفاجئا لكل توقعاتك.
فأما المعلومات فقد أظهرت دراسات عديدة أن الإناث أكثر حساسية وأكثر انتقادًا لصورة أبدانهن من الذكور، وأقل احتمالية للإعجاب بما يرين في المرآة، فمن بين كل عشر إناث يقفن أمام المرآة ثمانٍ سيشعرن بعدم الرضا عن انعكاس أبدانهن في المرآة، وخمس على الأقل يرين صورة غير مطابقة للواقع!!
ومقابل ذلك نجد أن الرجال عادة ما يعجبهم ما يرون في المرآة ويسرون به أو ربما أظهروا عدم الاكتراث في كثير من الأحيان، وقد أظهرت بعض الأبحاث أن الرجال عادة يمتلكون صورة إيجابية للبدن بل كثيرًا ما يعطون تقديرًا مبالغًا فيه لجاذبيتهم وحسن صورتهم وكثيرًا ما يعجزون عن رؤية العيوب في صور أبدانهم.
وأما لماذا أو من أين جاء هذا الفرق بين الرجال والنساء في التهيئة النفسية لرد الفعل على صورة الجسد في المرآة؟ ولماذا نجد المرأة أكثر استعدادًا لعدم الإعجاب بما ترى (رغم أنه بالتأكيد أو في معظم الأحيان على الأقل أجمل مما يراه الرجل الناظر لنفسه) في المرآة؟
والإجابة واضحة لو أننا تأملنا الطريقة التي تعامل بها البنت منذ طفولتها، وكيف يدل كل ما حولها من نظرات ومن تعليقات على أن لشكل جسدها وللطريقة التي تبدو بها ولاهتمامها بهيئتها العامة وبكل جزء منها أثرًا كبيرًا على تقييم الناس لها، ويضاف إلى ذلك أن مقاييس الجمال بالنسبة للمرأة أقل مرونة من مقاييس الجمال للرجال، كما أن صورة جسد المرأة الجميل بما فيها كل جزء فيه تعتبر أشد إلحاحًا وأشد جذبًا لحواسنا أيضًا خاصة في الخمسين سنة الأخيرة التي أصبحت البنت المراهقة فيها ترى في يوم واحد صور نساء جميلات حسب أدق مقاييس الجمال، تفوق ما رأته أمها في سنين مراهقتها كلها أو ما رأته جدتها في سنين عمرها كله، لعل الكبار من النساء يشعرن جيدًا بما أقول، فقد كانت رؤية العروس في ليلة زفافها وكانت أناقتها وجاذبيتها شيئًا يتحاكى به النساء لفترة طويلة بعد الزفاف حتى عهد قريب؛ لأنه لم تكن هناك صور غير تلك التي تختزنها الذاكرة في تلك الأيام، ولم يكن هناك مجال للفرجة إلا في مثل ظروف العرس.
وفي مثل هذا المناخ الذي تعيش فيه المرأة في أيامنا هذي، والذي تتجه فيه مقاييس الجمال المعروض في الصورة بشكل دائب نحو ما لا تستطيع المرأة الطبيعية الوصول إليه من مقاييس دقيقة للجمال اللهم إلا في نسبة الخمسة بالمائة من النساء حسب الدراسات الغربية كما ذكرت لك من قبل، وذلك فقط حسب الوزن والحجم، ولو أننا أدخلنا معايير الجمال بالنسبة للوجه والشعر مثلاً فستقل النسبة عن الواحد بالمائة، في مثل هذا المناخ تصبح محاولة المراهقة للوصول بصورة جسدها إلى المستحيل بعيد المنال، ويصبح عدم رضاها عما تراه في المرآة إذا نظرت لصورتها هو رد الفعل الطبيعي وليس رد الفعل المريض.
أما بعد سن الثامنة عشرة فإن أكثر من 80% من النساء في الدول الغربية غير راضيات عن صور أبدانهن، وعادة ما يرين أنفسهن أضخم وأقبح من الحقيقة، واختلال صورة الجسد، بمعنى أن ترى المرأة نفسها أسمن مما هي في الحقيقة موجود عند نسبة قد تصل إلى ثلاثة أرباع النساء ذوات الوزن الطبيعي وليس البدينات، وعادة ما يعبرن عن ضيقهن من عدم نحول الخصر ومن تجمع الدهون في الفخذين والأرداف. أتمنى أن أكون قد وفقت في زعزعة اعتقادك فيما تقوله لك المرآة ولو حتى قليلا.
وأما ما هو مفاجئ لكل توقعاتك فهو شيء آخر يتعلق بما سيراه زوجك، فبداية تأكدي أنه سيرى صورة تختلف بالتأكيد عما ترينه أنت في المرآة، صورة تعتمد على العديد من المتغيرات وكلها إن شاء الله في صالحك هذا أولا.
وأما ثانيًا فاعلمي أن زوجك سيرى منك ما تريدينه أن يرى، أي أنك تستطيعين أن تكوني المتحكمة في مدى ونوعية العري، لا تتوقعي يا أختي أنه سينظر ويتفحص جسدك كما تفعلين أنت أمام المرآة لسبب بسيط هو أنه سينظر إلى أصل حي وليس إلى صورة في المرآة، ولأنه عندما ينظر سينظر نظرة الباحث عن الجمال، وليس الباحث عن العيوب مثلما كنت تفعلين وأنت تجلدين ذاتك كل يوم أمام المرآة.
وثالثًا الحميات المتكررة وتأرجح الوزن:
نظرًا لأن الحمية المُنَحِّفَةَ لكل متبعيها ليست الحالة الطبيعية لهم، ونظرًا لأن فقدان الوزن الناتج عن الحمية هو أيضًا للأسف لا يمثل الحالة الطبيعية لصاحبه، فإن الكثيرين من الذين -إن لم يكن كلُّ الذين- ينجحون على المدى القصير في التخلص من الوزن الذي يرونه زائدًا، يفشلون في الحفاظ على ما حققوه على المدى الطويل لتعود أجسادهم إلى حالتها الأولى. ومعنى ذلك هو أن الجسد سيتأرجح وزنه ما بين الزيادة والنقصان، وعندما تتكرر هذه الدورة بين الزيادة والنقصان على مر السنين فإن هذا ما يطلق عليه تأرجح الوزن أو ترجاف الجسدWeight Cycling، وقد أثبتت دراسات عديدة أن أضرار تأرجح الوزن على الجسد أكبر بكثير من أضرار البقاء بدينًا مدى الحياة! وذلك من الناحيتين الطبية والجمالية.
معنى ذلك أنني أقول لك لا تتبعي نظام حمية منحفة أيا كان، وأنا مسئول عما أقول، ولكنني أريدك أن تقرئي الإجابات السابقة التالية على صفحتنا استشارات مجانين:
تأرجح الوزن ونوبات الدقر (الأكل الشره)
اضطراب نوبات الدقر (الأكل الشره)
اضطراب نوبات الدقر متابعة
وأيضًا اقرئي من على صفحة البدانة والنحافة:
اضطرابات الأكل النفسية: التعريف
تصورات الجسد والجنس: رؤية نفسية
وحبذا لو اتبعت برنامجنا جدد علاقتك بأكلك وجسدك وهو برنامج علاج سلوكي معرفي لتطبيع علاقتنا كمسلمين بأكلنا وأجسادنا، فقط بأن نأكل كما كان سيد الخلق عليه الصلاة والسلام يأكل.
وأختتم كلامي معك بأن أقول لك تزوجي على بركة الله، واعلمي أنه حتى لو تسبب تأرجح الوزن في إحداث بعض التشققات في جسدك فإن التغيرات التي ستحدث بعد الزواج إن شاء الله سريعًا، إضافة إلى خطوات برنامجنا كفيلة بأن تعيد جسمك إلى طبيعته إن شاء الله تعالى.
اجعلي هدفك إذن هو الوصول إلى صورة جميلة متناسقة مع صورة الأنثى الطبيعية وليست الأنثى المرسومة، وتأكدي أن الله سبحانه وتعالى خلق الجسد الأنثوي جميلاً، فابحثي عن الجمال في جسدك وستجدينه حاضرًا ما دمت تتبعين سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتدبري الحديث الشريف التالي: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله، قال: "مر أخي عيسى عليه السلام بمدينة وفيها رجل وامرأة يتصايحان، فقال: ما شأنكما؟ قال: يا نبي الله هذه امرأتي وليس بها بأس، صالحة، ولكني أحب فراقها، قال: فأخبرني على كل حال ما شأنها؟ قال: هي خلقة الوجه من غير كبر، قال لها: يا امرأة أتحبين أن يعود ماء وجهك طريا؟ قالت: نعم قال لها: إذا أكلت فإياك أن تشبعي؛ لأن الطعام إذا تكاثر على الصدر فزاد في القدر، ذهب ماء الوجه ففعلت ذلك فعاد وجهها طريا" (بحار الأنوار).
ولا تنسي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم" أخرجه مسلم في صحيحه.
فاسألي الله جمال القلب والقالب، وتزوجي على بركة الله، ولا تنسينا من الدعاء.