السلام عليكم،
لدي مشكلة أحب أن أذكرها وفي الحقيقة لا أعلم إن كان الشيء الذي سأذكره ميزة أو عيب؛ أنا إنسانة أحب أن أتعمق في التفكير لأي شي يحدث لي فعلى سبيل المثال كان هناك شاب دائما ما يلاحقني بنظراته بالجامعة وأرى فيها حب وحزن وكان يسرق هذه النظرات سرقة من بعيد فأكتشفه وأحيانا يرتبك مني وأحيانا لا يرفع عينة عني. المهم بعد هذا عرفت من قريبة لي بالجامعة أنه كان معجب بصديقتها وحاول إعطاءها رقمه ورفضته وابتعد.
الآن المفروض أن أضع في عقلي أنه شاب معاكس وغير محترم ولا يعرف الحب لأنه يكرر هذه الأشياء مع آلاف الفتيات ولكن الذي حصل أني قلت قد يكون كاذب وقد يكون معاكس ولكن هذا لا يعني أنه لم يحبني فهو له قلب وقد يكون أحبني حقا لأني لا أستطيع تكذيب عيني؟
أقول هذه الفتاة التي نظر إليها لم يرتبك أمامها وإنما لاحقها وتجرأ عليها أما أنا فلم يفعل ذلك معي؟ فقد يكون صادقا معي؟ ثم أقول قد يكون فشل في اللعبة السابقة وفضل تغير الأسلوب؟ أو أو أو الخ
الآن بعد كل هذا ستقولون أني أنا أحبه وأحاول التبرير له ولكن هذا لم يحدث صحيح أني ملت إليه بعض الوقت ولكن بمجرد معرفتي لماضيه انتهى كل شيء فهو ليس حب هذا مثال لما يحدث معي أنا أحب أن أفسر كل شي وكل حركة لها بالنسبة لي معنى حتى أني سمعت أن من يلقي كلمة بالخطأ فهذه الكلمة لها معنى مثلا واحدة تريد أن تقول أنا أحبك ولكن قالت أنا أكرهك فهذا ما هو بداخلها حقا.
أنا غير مهتمة بأمر الشاب ولكن أريد أن أعرف ما هو الذي يحدث معي بالضبط، فأنا لا أنسى الموضوع وأقول دعه وشأنه بل أريد أن أعرف ما الذي يدور بعقله وبعد كل الفلسفة التي أتفلسف بها بعقلي تكون النتيجة لا شيء.
ملاحظة:
وصلت لأشياء أعتبرها نظريات أو قوانين من كثرة تفكيري مثلا:
1- الإنسان يفسر نظرة الغير قد لا يقصده الغير وإنما الإنسان يفسرها على ما يريده.
2- الإنسان يحس أي يحس بالآخر إن كان معجبا أو يغار منك أو أي شعور حتى لو لم يبدر من الآخر أي تصرف يدل على ذلك ولكن أنا أحس وكثيرا ما شعرت أنه يوجد بيني وبين هذا الإنسان ذكرا كان أو أنثى أن هناك شيئا بيننا لا أعلم ما هو ولكن كأننا نعرف بعض أو شيء معين لا أستطيع تفسيره مثلا هذه الفتاه تحترمني أو هذا الشاب بالرغم عدم وجود تصرفات توضح ذلك وعندما أقول أتوهم أقول إذن لماذا اخترت هذا الشخص بالذات.
3- الناس تعرفني أكثر من أنى أعرف نفسي لأنها تلاحظ تصرفاتي فأنا لا أستطيع أن أتكلم عن نفسي بل الناس وهذه الفكرة عارضني عليها الكثير قد تشعرون أني معقدة ولكني قـلت كل شي بصراحة وأنتم مختصون نفسيون فهل أنا طبيعية؟؟؟؟
أنا طالبة بكلية العلوم الاجتماعية وهو مجال لدراسة علم النفس وغيره أحب أن أعطيكم فكرة عن نفسي فأنا أنيقة بمظهري وأجتماعية إلى حد كبير ولدي صداقات وشكرا .
وأنا بانتظار الرد بفارغ الصبر.
5/8/2003
رد المستشار
الأخت السائلة أهلا بك على موقعنا مجانين نقطة كوم، إفادتك كانت خفيفةَ الظل إلى حد كبير، وما تصفينهُ فيها عن طريقتك في التفكير، هيَ طريقةٌ توجدُ عند الكثيرين من الناس تتميزُ بعدم القدرة على إهمال أيٍّ من التفاصيل الصغيرة وبتقليب الأمور على كل النواحي، بعض الناس يفكرُ بهذه الطريقة أحيانًا وبغيرها أحيانًا أخرى أو يفكرُ بها في مرحلةٍ من حياته وبغيرها في مراحل أخرى وبعضهم يفكرُ بهذه الطريقة في الأمور المهمة في حياته فقط وبعضهم مثلما هو حالك يفكرُ بها في كل شيء!
ولكن لا تنسي أنك الآن في مرحلة المراهقة التي تتطورُ فيها قدراتُ الإنسان المعرفية لكي يتمكنَ من التفكير التجريدي (أي القدرةُ على استخدام المعاني المجردة كمعطيات للتفكير، لأننا في طفولتنا الأولى لا نستطيعُ التفكير إلا في الأشياء العينية أو المدركة بأحد الحواس الخمسة مباشرةً مثل الكرسي أو القلم أو الكراس أو الباب أو الشباك فهذه كلها أشياءُ نستطيعُ إدراكها بحواسنا الخمسة ولذلك نادرًا ما نختلفُ عليها كبشر، ولكننا بدءًا من عمر الحادية أو الثانية عشر نستطيعُ التفكير في المعاني المجردة أي التي لا يوجد لها مثالٌ حسي في عالم الأشياء مثل الحق والحرية والديمقراطية والعدل والظلم، فليسَ هناكَ من شيءٍ يمكنُ أن تشيري إليه وتقولي هذا هو العدل أو هذا هوَ الحق أو هذه هيَ الحرية وإنما يوجدُ فقط مفهومٌ للعدل في رأسك الصغير هوَ العدل بالنسبة لك، بينما يوجدُ في رأسي أنا مفهومٌ قد يشبهُ مفهومكِ وقد لا ولكنهُ هو العدل بالنسبة لي، وعلى مثل هذه المفاهيم يختلفُ الناس، فكل طرفٍ في معظمِ النزاعات يكونُ على حقٍّ حسبَ مفهومه هو للحق)، وأكتفي بهذا القدر من التعريف بطريقة تفكيرك التي تسمينها فلسفة!
وأريدك فقط أن تتذكري أن هذا النوع من التفكير لم تكوني تستطيعينهُ وأنت صغيرة ولا تقولي لا لأني أعرفُ ما أقول، ربما كنت متقدمةً بعضَ الشيء على الأخريات، ولكن ليسَ قبل عمر التاسعة على أقل تقدير، المهم أن البعضَ في مرحلة المراهقة تعجبهُ هذه الطريقةُ في التفكير وتمتعهُ، فيعطيها حقها وربما أكثرَ قليلاً، وهذا ما أخمنُ أنهُ حدثَ معك يا عزيزتي، فأصبحَ الاسترسالُ في التفكير عادتك التي تستمتعين بها وعرفت بذلك ما بينَ المحيطينَ بك فصرت فيلسوفا صغيرةً بينهم، ولكن ذلك ليسَ مرضًا إن شاء الله فلا تقلقي!
إن الفيصلَ عند تقييم سلوكٍ معين لا يتعلقُ بطبيعة ذلك السلوك بقدر ما يتعلقُ بتأثيراته على الشخص المعني أو على المحيطينَ به، فإذا كانَ تفكيركِ الكثير هذا يؤثرُ على علاقتك بالله عزَّ وجلَّ أو على دراستك أو على أدائك لالتزاماتك تجاه أسرتك أو صاحباتك أو جيرانك، فهنا يصبحُ الأمرُ في حاجةٍ إلى تدخل علاجي معرفي، أما مثلما هو الحال معك عندما لا يزيدُ الأمر عن اختلافٍ في الرأي مع الآخرين بما لا يضرُّ فإن الأمرَ بسيط!
وما أنصحكِ به هوَ أن تستغلي تلكَ الهبة من الله عز وجلَّ بتنمية معارفك ومعلوماتك حاولي أن تستغلي تلك الطاقةَ في تكوين المرأة المسلمة التي تكونُ كما أراد لها دينها عالمةً عاملةً ، وكما تفرضهُ على كل ذات دينٍ حالةُ أمتنا الحالية (التي لا تسرُّ إلا عَدُوا حقودا).
وأعودُ الآنَ إلى الإجابة على بقية النقاط التي كتبتها كأمثلةٍ على طريقة تفكيرك أو نتائجها:
* أولاً: حكايةُ الشاب الذي شغلكِ، وتؤكدينَ أنهُ موضوعٌ لا يهمك وإنما ذكرته لنا فقط من أجل التمثيل، فأنا لا أستطيعُ الحكم طبعًا على قصده من سلوكه، لكنني أرى مثلكِ أنهُ يجبُ عدم إعطاء هذا الموضوع أكثرَ من حقه لأننا لا نستطيعُ معرفةَ ما بداخل الآخر خاصةً عندما يكونُ راغبًا في إخفائه حتى وهو قريبٌ يجلسُ معنا وحتى لو كنا أطباء نفسيين، نعم لا نستطيعُ إلا وضعَ افتراضات كذا أو كذا، وهذا الكلام يتعلقُ بالشخص القريب فما بالك بالبعيد، أي الذي يعاكسُ من بعيد!
عليك إذن أن تفكري فيما تحتاجين إليه في هذه المرحلة من حياتك، وأنت الآن في مرحلة البناء، فاستمري فيها وفكري في تنمية قدراتك الواعدة، لأن هذا التفكير سوفَ يوصلُ إلى أشياء كثيرة جيدةٌ كلها بإذن الله وأما التفكير في مقصد الشاب الذي يعاكسُ من بعيد، فلا يوصلك لشيء كما جربت وقلت بنفسك في إفادتك.
* ثانيا: حكايةُ زلات اللسان التي أشرت إليها، فهذه واحدةٌ من الظواهر التي تحدثُ للناسِ، ويضربونَ عليها المثل في مصر بقولهم بالعامية المصرية (كلمة الحق بتطلع الأول)، وأنا لا أعرفُ تاريخَ هذا المثل المصري للأسف لكنني أعرفُ أن فرويد اعتبرَ هذه الظاهرة من الظواهر التي تشيرُ إلى وجود عالم اللاوعي، مع أنني لا أرى الأمرَ يحتاجُ إلى تفسيرٍ باطني كتفسير فرويد، ولا أرى ما يمنعُ من كون هذه الظاهرة ناتجةً عن الصراع (الذي لا يشترطُ أن يكونَ لا واعيا) ما بينَ اضطرار الشخص للكذب وبين عدم رغبة الشخص في الكذبِ، أو لعلها الأعضاءُ التي تميلُ بفطرتها إلى الحق بينما الأفكارُ تحاولُ تنحيتها عنه، وهذا اجتهادٌ أنا مرجعه الوحيد وقد يصيبُ وقد يحيد!
* ثالثًا: حكايةُ تفسير الإنسان لما يراهُ في عيون الغير بالشكل الذي يريدهُ الإنسانُ (الذي يفسر) وليسَ بالضرورة كما يقصدهُ الغير من نظرته، فنحنُ فعلاً في الكثير من الأحيان نفسرُ ما حولنا بالشكل الذي نحبه ونتمناه، ولكن في حدود بالطبع، فكلنا مثلاً لا يرى الكثير من عيوبه التي يراها الناس، وكلنا على استعداد لأن يخدعَ نفسه أحيانًا، ولكن هذه كلها ليست قوانين عامة يا صغيرتي، فلا هيَ بالشاملة ولا هيَ بالدائمة، وإنما تعرضُ للناس أحيانًا. وإن كانت هناكَ نظرياتٌ تصل من مثل نقطة البداية التي تبدئين منها تلك (وهيَ إدراكنا للواقع بالشكل الذي نريدُهُ لا كما هو الواقعُ في الأصل)، إلى استنتاجِ أن الواقعَ الحقيقي شيءٌ غير الواقع الذي ندركهُ نحنُ بحواسنا، أي أن شكلَ البرتقالة مثلاً ليسَ بالضرورة شكلها الذي نراها به نحن!، وأظنُّ من الممكن أيضًا أن نقولَ أننا ندركُ الواقعَ قدرَ استطاعتنا أي قدرَ استطاعة حواسنا ووسائل إدراكنا دائما وفي بعض الأحيان يظهرُ لنا ما يبينُ لنا عجزنا عن إدراك كل شيء ، وليسَ الأمرُ إذن فقط أننا ندركُ كما نريد، بل أيضًا ندركُ ما نستطيعُ أو قدرَ استطاعتنا فحواسنا محدودةُ القدرات.
* رابعًا: قدرةُ الإنسان على أن يحسَّ بمشاعر الآخر أو توجهاته نحوه رغم عدم لجوء الآخر إلى التعبير عن مشاعره، فأنا أقولُ لك أن هذا أمرٌ يختلفُ فيه الناس فبعضهم يستطيعُ ذلك وبعضهم لا يستطيع، وتسمعين من يقول لك أن قلبه دليله، أي أنهُ تعودَ أن يصدقَ حدسهُ في الناس، وتسمعينَ من يقول لك استفتِ قلبكَ ولو أفتوك في نفس هذا الموضع أيضًا، وإن كانَ المثلُ الأخيرُ يقالُ أحيانًا للتفريق بينَ الحرام والحلال أو الصحيح والخطأ، لكنك تسمعين في نفس الوقت من يقولُ لك أن إحساسهُ خدعه، ومن الناس من يتعلمُ بعد أن يخدعَ مرةً ومنهم من لا يتعلم.
* خامسًا: نظريتك التي تقولُ أن الناسَ تعرفني أكثرَ مما أعرفُ نفسي، ليسَ الأمرُ كذلك بالطبع، والصحيحُ أن تقولي أن الناس ربما يعرفون عن بعض عيوبك أكثرَ مما تعرفين أنت، وهذا حالي أنا أيضًا وحال جميع الناس لأننا لا نرى الكثير من عيوبنا كما قلت أنا لك من قبل.
نفسية كل إنسانٍ يا صغيرتي نستطيعُ تقسيمها نظريا كما يلي:
1- جزءٌ يعرفهُ الشخصُ عن نفسه ويعرفهُ الآخرونَ عنهُ وهو واجهتنا الاجتماعية التي نصنعها بإرادتنا.
2- جزءٌ يعرفه الشخصُ عن نفسه ويخفيه عن الآخرين وهو أسرار هذا الشخص.
3- جزءٌ لا يعرفهُ الشخصُ عن نفسه، ويعرفه الآخرونَ عنه وهذا الجزءُ يمثلُ بعضَ العيوب التي يراها الناس في تصرفاته ويعجزُ هوَ عن رؤيتها لأنهُ تمثلُ تهديدًا لفكرته عن نفسه.
4- جزءٌ لا يعرفهُ الشخصُ عن نفسه ولا يعرفه عنه الآخرون، وهو ما يقابل العقل الباطن أو اللاوعي فلا نستطيعُ بعد ذلك أن نقولَ أن الناس تعرفُ الشخص أكثر مما يعرفُ هوَ نفسه إلا إذا كنا نقصرُ قولنا على عيوب الشخص.
في النهاية أشكرُ لك إرسالك لهذه الرسالة الرقيقة الأنيقة التي سررتُ بها كثيرًا، رغم أنك قلقة بعضَ الشيء وأنا أطمئنكِ وأذكرك بما نصحتك به وهو استغلال طاقتك تلك في الاطلاع والاستزادة من المعرفة، وفقك الله وتابعيني بأخبارك.