طلب مساعدة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ أرجو منكم مساعدتي في الإجابة على هذه الأسئلة، وستدرج إجاباتكم إن شاء الله كلقاء في بحث خاص بموضوع الصديق الصالح والطالح -لذا يرجى كتابة اسم الأخصائي المجيب- وما تتوفر من معلومات عنه.. أتمنى.. أن لا آخذ من وقتكم الكثير:
1) ما أهمية الصديق؟ وما مدى حاجة الإنسان إليه؟
2) ما هي معايير اختيار الصديق؟
3) ما هي آثار الصديق الصالح والطالح على الفرد؟
عذراً للإطالة
أتمنى أن تصلني الإجابات في أقرب وقت ممكن.
13/04/2007
رد المستشار
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن من عباد الله ناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله}.
قالوا: يا رسول الله فخبرنا من هم؟
قال: "هم قوم تحابوا بروح الله، على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها: فو الله إن وجههم لنور، وإنهم لعلى نور، لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس:
وقرأ {ألا إنَّ أولياءَ اللهِ لا خوفٌ عَليهِم ولا هُم يَحزنُون}(يونس 62) أخرجه أبو داود.
وعن أنس رضي الله عنه : كان رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فمر رجل فقال: يا رسول الله إني أحب هذا.
قال: "أعلمته؟".
قال: لا
قال: "فأعلمه".
فلحقه فقال: إني أحبك في الله.
فقال: أحبك الذي أحببتني له. - أخرجه أبو داود.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا آخى الرجل فليسأله عن اسمه واسم أبيه وممن هو، فإنه أوصل للمودة} - أخرجه الترمذي.
ولا شك أن لتجانس المزاج والتفكير مدخلا كبيرا في تأسيس الصداقات وتوثيق الأواصر، وقد قيل: "رُب أخ لك لم تلده أمك". فقد يلتقي المرء في زحام الحياة بمن يحس سرعة التجاوب معه والانجذاب إليه، وكأنما سبقت المعرفة به من سنين.
وهذا مصداق الحديث: {الأرواحُ جُنودٌ مُجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختَلف} – أخرجه البخاري.
لكن هذه العاطفة يجب أن يحكمها سلطان العقيدة، ونظامها، هذا السلطان الذي يستوحيه المؤمن في اتجاهات قلبه كلها فيجعله يحب في الله من لم يطالع لهم وجها، لبعد الشقة أو لسبق الزمن. ويكره كذلك من لم يُخالِطُهم في حضر أو سفر، لا لشيء إلا لأنه يود الأخيار ويكره الأشرار، واتجاهات القلب على هذا النحو الخالص ترفع صاحبها درجات فوق منزلته.
يقول الشافعي رضي الله عنه وأرضاه تواضعاً في الصديق الصالح:
أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجــارته المعــاصي وإن كنا سواءً في البضاعة
وعن أبي ذر رضي الله عنه قلت: يا رسول الله الرجل يحب القوم ولا يستطيع أن يعمل عملهم. قال: "أنت يا أبا ذر مع من أحببت" – أخرجه الترمذي. ومن سنن الإسلام في الصداقة أن التزاور يجب أن يكون خالياً من كل غرض، خالصاً لوجه الله عز وجل.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن رجلا زار أخاً له في قرية، فأرصد الله تعالى على مدرجته ملكا، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟
قال: أريد أخاً لي في هذه القرية.
قال: هل لك عليه من نعمة تربها.
قال: لا، غير أني أحببته في الله تعالى.
قال: "فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه"، أخرجه البخاري.
إن هذه الخطوات غالية إنها كخطى المجاهدين في سبيل الله تحظى بأجل الثواب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عاد مريضا أو زار أخاً له في الله، ناداه مناد: بأن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً" – أخرجه أبو داود. وقال: "ما من عبد أتى أخاه يزوره في الله إلا ناداه مناد من السماء أن طبت وطابت لك الجنة. وإلا قال الله في ملكوت عرشه: "عبدي زار في وعلي قراه، فلم يرض له بثواب دون الجنة" – أخرجه مسلم.
والمسلم وإن كان يحب النفع للناس كافة، فهو لنفع أصدقائه أحب، ولما يصلهم من خير أفرح، ولا بأس إن وجد فضلاً أن يذكر منه أصحابه: {ولا تَنْسَوا الفَضَلَ بَينَكُمْ إنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلوُنَ بَصِير} (البقرة 237).
قال ابن عباس: إن الذباب ليقع على صديقي فيشق علي.
وقال ابن سيرين: لا تلق أخاك بما يكره.
وقال حبيب بن أبي ثابت: ليس من الأخوة أن يسر الرجل عن أخيه الحديث.
وقال أعرابي: آخ منيعاً يكن عدوك صريعاً.
وقال أعرابي: الصاحب كالرقعة في الثوب فلينظر الرجل بما يرقعه.
يقول الشاعر:
وإن ابن عم المرء فاعلم جناحه وهل ينهض البازي بغير جناح؟!
وقال بعض السلف: روح العاقل في لقاء الإخوان.
وقال أعرابي: اعتبر الناس بإخوانهم.
وقال معن بن أوس:
ألا من لمولى لا يزال كأنه صفا فيه صدع لا يدانيه شاعب
يدب دباب الغش تحت ضلوعه لأهل الندى من قومه والعقار
وقد استحب رسول الله صلى الله عليه وسلم تبادل الهدايا بين الأصدقاء فقال: تهادوا فإن الهدية تٌذهِب وحر الصدر (غشه ووسواسه). - أخرجه الترمذي. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيـــب عليها. - أخرجه البزار.
على أن هذا الأدب العالي إذا خرج به التكلف عن حدوده أصبح مكروها، فإن الإسلام قام على محاربة التصنع مع إشاعة البساطة. وقال بعض السلف: "شر الإخوان من تتكلف له". وكل مسلك ينطوي على الإحراج والمداهنة، فالإسلام منه برئ، إنما يهدف الإسلام إلى إحاطة الصداقة بألوان من المجاملة التي تحسن مظهرها بعد أن يطمئن إلى سلامة جوهرها، وأن يجعل منها وسيلة لتيسير الحياة وتخفيف متاعبها. "خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره" – أخرجه الحاكم.
إن الإسلام أباح للشخص أن يأكل من طعام صديقه كما يأكل من طعام والديه وإخوته والأقربين منه: {أنْ تَأكُلوا مِنْ بُيوتِكُم أو بُيوتِ آبائِكُم أو بُيوتِ أُمهَاتِكُم أو بُيوتِ إخْوانِكُم أو بُيوتِ أَخَواتِكُم} – إلى أن قال: {أو مَا مَلكْتُم مفَاتِحَهُ أو صَدِيْقِكُم} (النور 61). ولا غرو، فعقد الصداقة كبير القيمة، جليل الأثر، حتى إنه ليكون مظنة النجدة في الأزمات الطاحنة ولو كانت هذه الأزمات النجاة من عذاب جهنم. قال تعالى في وصف حال المشركين حين يقاسون العذاب: {تاللهِ إنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينْ. إذْ نُسوِّيِكُمْ بِرْبِ العَالَمِين. ومَا أضلّنَا إلا المُجْرِمُون. فَمَا لَنا مِنْ شَافِعِين. وَلا صَدِيقٍ حَمِيم} (الشعراء 97 – 101). ولما يرتبط بهذه الصداقات من حقوقٍ عظام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُصاحِبْ إلا مُؤمناً، ولا يَأكُل طعامُك إلا تقي" – أخرجه أبو داود.
وقلت: أخٍ!! قالوا: أخٌ من قرابة؟ فقلت لهم: إن الشكول أقــارب.
صديقي في حزمي وعزمي ومذهبي وإن باعدتنا في الأصول المناسب
ومعناه: أقول عن صاحبي أنه أخ لي، فمن يتوافق معي في الطباع هو أخ لي، وصديقي هو من يكون معي فيما أعزم عليه وأقوم به وإن لم يكن بيني وبينه أي قرابة.
وأغمض عيني عن صديقي كأنني لديه بما يأتي من القبح جــاهل
وما بي جهل غير أن خليقتــي تطيق احتمال الكره فيما أحـاول
متى ما يريبني مفصل فقطعتــه بقيت ومالي في نهوضي مفاصل
ومعناه: أتجاهل إساءة صديقي وكأنني بما يصنع من الزلات غير عالم ولست بجاهل عن ذلك ولكن طبعي يتحمل المكاره من الآخرين فإنني إن أصابني الشك في مفصل فقطعته لم يبق لدي مفاصل تعينني للنهوض، ولكنني أداريه فإن صلح أعانني و إن بقي على حاله احتملته. اصحب الأخيار وارغب فيهم رب من صاحبته مثل الجرب
وقال الحسن بن وهب:
ما أحسن العفو من القادر لا سيما عن غير ذي ناصر
إن كان لي ذنب ولا ذنب لي فما له غيرك من غافر
أعوذ بالود الذي بيننا أن يفسد الأول بالآخر
ويقول المعري:
إذا كان إكرامي صديقي واجبا فإكرام نفسي لا محالة أوجب
ومعناه: إذا كان من الواجب علي إكرام صديقي واحترامه فإن احترامي لنفسي أوجب وأحق.
ومن علامات الأخوة الكريمة أن تحب النفع لأخيك، وأن تهش لوصوله إليه كما تبتهج بالنفع يصل إليك أنت. فإذا اجتهدت في تحقيق هذا النفع فقد تقربت إلى الله بأفضل العبادات وأجزلهـــا مثوبة.
عن ابن عباس رضي الله عنه أنه كان مُعتَكفا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فآتاه رجل فسلم عليه ثم جلس، فقال له ابن عباس، يا فلان أراك مكتئبا حزينا
قال: نعم يا ابن عم رسول الله. لفلان عليَّ حق ولاء، وحرمة صاحب هذا القبر ما أقدر عليه!!.
قال ابن عباس: أفلا أُكلِّمه فيك؟
قال: إن أحببت.
قال: فانتعل ابن عباس، ثم خرج من المسجد فقال له الرجل: أنسيت ما كنت فيه؟، قال لا، ولكني سمعت صاحب هذا القبر، والعهد به قريب ودمعت عيناه – يقول: "من مشى في حاجة أخيه وبلغ فيها كان خيراً له من اعتكاف عشر سنين، ومن اعتكف يوما ابتغاء وجه الله تعالى جعل الله بينه وبين النار ثلاثة خنادق أبعد ما بين الخافقين". وفي رواية "كُلُ خندقٍ أبعدُ مما بينَ الخَافِقين" - أخرجه البيهقي.
وهذا الحديث يصور إعلاء الإسلام لعلائق الإخاء الجميل، وتقديره العالي لضروب الخدمات العامة التي يحتاج إليها المجتمع لإرساء أركانه وصيانة بنيانه. لقد آثر ابن عباس رضي الله عنهما أن يدع اعتكافه. والاعتكاف عبادة محضة رفيعة الدرجة عند الله، لأنها استغراق في الصلاة والصيام والذكر، ثم هو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يضاعف الأجر ألف مرة فوق المساجد الأخرى. ومع ذلك فإن فقه ابن عباس رضي الله عنهما في الإسلام جعله يدع ذلك ليقدم خدمة إلى مسلم يطلب العون: هكذا تعلًم من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذا أردت الصداقة فعليك بالتواضع وأداء الواجب:
الحكم التالية من الجواهر الثمينة أحفظها عن ظهر قلب، وتذكرها في كل الأوقات وبالذات عندما تتعامل مع أصدقائك:
إذا عزَّ أخوكَ فهُنْ.
لا تكنْ متواضعاً أمامَ المتكبّرين ولا متكبّراً أمامَ المتواضعين.
السّنابلُ الفارغةُ تنتصبُ نحوَ السماء، والسنابلُ الملآنةُ تنحني نحو الأرض.
تواضُعُ الرّوح مع الودعاء خيرٌ من اقتسام الغنيمة مع المتكبّرين.
مَن أرادَ أن يكون كبيراً فيكم، فليكنْ لكم خادماً.
معايير اختيار الصديق
مواصفات الصديق الحق:
مواصفات الحبيب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في الأصدقاء:
المرء على دين خليله فلينظر أحدُكم من يُخالِل.
لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي.
المرءُ كثيرٌ بأخيه.
أكثِروا من الإخوان.
مواصفات سيدنا عمر رضي الله عنه في الأصدقاء:
اعتزل عدوك، واحذر صديقك إلا الأمين، والأمين من خشي الله.
جالسوا التوابين فإنهم أرقُ أفئدةً.
يقول قيس بن الخطيم:
إذا ضيع الإخوان سراً فإنني كتوم لأسرار العشير أمين
يكون له عندي إذا ما ائتمنته... مكان بسوداء الفؤاد مكين
مواصفات سيدنا علي رضي الله عنه في الأصدقاء:
صديقك من صَدقكَ لا من صدَّقك.
لا يكون الصديق صديقاً حتى يحفظ أخاه في ثلاثٍ: في نكبته وغيبته ووفاته.
أصدقاؤك ثلاثة، صديقُك، وصديقُ صديقك، وعدوُ عدُوِّكَ.
أحذر الجاهل؛ فصديقه في تعب.
ولكن علينا أن ندرك أن الصاحب من الصعب أن يكون بلا عيب:
تريد مهذبا لا عيب فيه وهل عود يفوح بلا دخان؟
قال عبد الله بن طاهر:
طلبت أخاً محضاً صحيحاً مسلماً... نقياً من الآفات في كل موسم
لأمنحه ودي فلم أجد الذي... طلبت، ومن لي بالصحيح المسلم
فلما بدا لي أنني غير مبتلى... من الناس إلا بالمريض المسقم
صبرت ومن يصبر يجد غب ضره... ألذ وأشهى من جنى النحل في الفم
ومن لم يطب نفساً ويستبق صاحباً... ويغفر لأهل الود يصرم ويصرم
وعليك أن تراجع نفسك إذا أحبك شرير أو رجل موصوف بالنقص؛ فقد ذُكر لأبقراط أن رجلا من أهل النقص يحبه، فاغتم لذلك، وقال: "ما أحبني إلا وقد وافقته في بعض أخلاقه". وقد تحب خصمك أو زميلك الذي تتنافس معه أكثر من رئيسك المحبوب؛ يقول فولتير: "قد يحب الإنسان نده أكثر من سيده".
أول شرائط الصداقة الوفية الكريمة أن تبرأ من الأغراض وأن تُخلِص لوجه الحق وأن تولد وتكبر في طريق الإيمان والإحساس؛ وهذا هو معنى الحب لله.
إن الإنسان إذا رسخ في فؤاده اليقين، وخالطت بشاشة الإيمان قلبه، وأحس بحلاوته في مذاقه، أصبح ينظر للأحياء قاطبة على ضوء العقيدة التي باع نفسه لها. فهو يحب لمبدأ لا لشهوة، ويكره لمبدأ لا لحرمان. وقد تتجمع القطعان على مورد عذب أو كدر، وقد يلتقي الناس على دنيا عارضة أو دائمة، وربما تأسست بينهم علاقات متينة بيد أن هذا الضرب من التعارف والتواد لا يقاس بما ينشأ بين أصحاب المثل العليا من محبة وصفاء وتعاون وتفان. ولذلك احتفى الإسلام بمشاعر الصداقة النقية، ورغب المؤمنين في إخلاصها لله وإبقائها لوجهه الكريم، وجعل لها من جميل المثوبة ما هي له أهل. يقول عبد الله بن معاوية:
عبد الله بن معاوية:
أكافي خليلي ما استقام بوده... وأمنحه ودي إذا يتجنب
فما الحب إلا من لك وده... ومن هو ذو نصح وأنت مغيب
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قال الله عز وجل: المتحابون بجلالي في ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظلي" – أخرجه أحمد.
والحب في الله لا يستطيع أن يزعمه كل شخص، ولا يُصدَّقُ من كل دَعْي. فلا بد أن يعرف الإنسان ربه أولا معرفة صحيحة، ثم يُغالي بهذه المعرفة حتى ترجح في نفسه ما عداها، ثم ترقى هذه المعرفة إلى حب الله ذاته، وإيثار العمل له، وعندئذ يصدق على المرء، إذا أحب أو كره، أنه أحب لله وكره لله. أما أن يعجب المرء بموهبة عظيم، أو يستلطف سيرة آخر فيحبه فذلك لون آخر من الصداقة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كُن فيه وجد حلاوة الإيمان وطعمه: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب في الله ويبغض في الله، وأن تُوقد نار عظيمة فيقع فيها أحب إليه من أن يُشرك بالله شيئا" – متفق عليه. ولما كان الحب في الله خاتمة مراحل تسبقه في مراقي الإيمان، وكانت ثمرته لا تبدو إلا عند من أنضجتهم حرارة الإخلاص، كان فيض هذا الحب دليل كمال ونقاء، يستحقان أجلَّ الجزاء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من رجلين تحابا في الله بظهر الغيب إلا كان أحبهما إلى الله أشدهما حبا لصاحبه" – أخرجه الطبراني.
كلا الأخوين المُتاحبين في حماية الله وكنفه:
روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الله عز وجل قال: "لقد حقت محبتي للذين يتحابون من أجلي، وقد حقت محبتي للذين يتزاورون من أجلي، وقد حقت محبتي للذين يتصادقون من أجلي" – أخرجه أحمد والطبراني.
إن الصداقة يجب أن تعتمد على قوة العقائد وسمو الأعمال. وخير من يستديم المرء عشرتهم ويستبقي للدنيا والآخرة مودتهم، أولئك الذين عناهم الأثر:
عن أبي قلابة قال: "التقى رجلان في السوق، فقال أحدهما للآخر تعال نستغفر الله في غفلة الناس، ففعلا. فمات أحدهما فلقيه الآخر في النوم، فقال: علمت أن الله غفر لنا عشية التقينا في السوق". - أخرجه ابن أبو الدنيا. وعن أنس بن مالك: كان عبد الله بن رواحة إذا لقي الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تعال نؤمن بربنا ساعة (يعني نذكر الله)، فقال ذات يوم لرجل فغضب الرجل، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله ألا ترى إلى ابن رواحة يرغب عن إيمانك إلى إيمان ساعة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يرحم الله ابن رواحة، إنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة" – أخرجه أحمد والطبراني.
وينبغي أن يتعارف الأصدقاء حتى يكون تواصلهم عن بينة، وأن يذكر أحدهم للآخر ما يكنه من إعزاز وحب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أحبَ أحدُكُم أخَاهُ فليُخبِرهُ أنَّهُ يُحِبُهُ" – أخرجه أحمد.
ويقول الشاعر الجاهلي:
أناجي أخي في كل حق وباطل... وأرغمه حتى يمل ملائلي
فإن رامه بالظلم غيري وجدتني... له باذلاً من ذاك نفس مقاتلي
فأظلمه جهدي وأمنع ظلمه... بجهد ولا أخليه شحمة آكل
فإن سيم خسفاً أو هواناً تربدت... قسائم وجهي واعترتني أفاكلي
وخضت غمار الموت دون مناله... حفاظاً ولم أسلم أخي للمناضل
أما أخوة الدين تفرض التناصر بين المسلمين، لا تناصر العصبيات العمياء، بل تناصر المؤمنين المصلحين لإحقاق الحق وإبطال الباطل وردع المعتدي وإجارة المظلوم، فلا يجوز ترك مسلم يكافح وحده في معترك، بل لا بد من الوقوف بجانبه على أي حال لإرشاده إن ضل، وحجزه إن تطاول، وكفه عن ظلم الآخرين إن وقع منه ذلك، ومنعه من الاستيلاء على حقوق الآخرين إن رأيناه يفعل ذلك، وفي نفس الوقت الدفاع عنه إن هوجم، والقتال معه إذا استبيح. وذلك معنى التناصر الذي فرضه الإسلام.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُنصُر أخَاكَ ظالِماً أو مَظلوماً"
قال: "أنصُرهُ مَظلوماً، فكيفَ أنْصُرهُ ظَالِماً؟"
قال: "تَحجِزَهُ عَن ظُلمِهِ، فذلِكَ نَصرُهُ" - أخرجه البخاري
إن خذلان الصديق لصديقه شيء عظيم، وإن حدث فتلك ذريعة لخذلان كل صديق لصديق، إذ سيقضي ذلك الخذلان على قيم الإباء والشهامة بينهم، وسيخنع المظلوم طوعا أو كرها لما وقع به من ضيم، ثم ينزوي بعيدا، وتنقطع عرى الأخوة بينه وبين من خذلوه. وللأسف فذلك هو الواقع الحاصل في معظم بلدان المسلمين، حيث نجد الشهامة والنجدة من الأخلاقيات التي أوشكت على الاندثار بين العديد من أبناء أمتنا.
أشعار جميلة عن ود الأصدقاء لبعضهم البعض:
يقول الأخوص:
فإني للمودة ذو حفاظ... أواصل من يهش إلى وصالي
وقال الفضل بن عبد الرحمن الهاشمي:
لست أصفي الود مني فاعلمي... من إذا راجعه حتى اعتراض
كم سقيم الود قد أبرأته................ وعرفت الداء من عرق نبض
آخر:
عجبت لصون الود في مضمر الحشا... لمن هو فيما قد بدا لي واتر
ومن طلبي بالود تبلى ولم يكن... ليدرك تبلاً بالمودة ثائر
ابن الدمينة:
ولقد منحتك لو جزيت مودة........ وخلائقك ليست بذات غوائل
كثير:
وقد أصفيت سعدى طريف مودتي.. ودام على العهد الكريم تليدها
آخر:
لعمرك ما ود اللسان بنافع... إذا لم يكن أصل المودة في الصدر
الأحوص:
وقد ثبتت في الصدر منها مودة... كما ثبتت في الراحتين الأصابع
آخر:
لا خير في ود من تواصله...... وأنت من وده على وجل
آخر:
أيجزون بالود المضاعف مثله... فإن الكريم من جزى الود بالود
جميل:
إن المودة مني غير زائلة... عن حالها فقفي إن شئت أوسيري
الفضل بن عبد الرحمن الهاشمي:
فإلا تجازيني بمثل مودتي... فما أنا من حب بأول هالك
آخر:
أني تودكم نفسي وأمنحكم.. ودي ورب محب غير محبوب
وللفضل:
لقد أعطيتكم ممنوع ود... وصفواً لم أكدره بمن
تأثير الصديق الصالح والطالح على الشخص
وأثر الصديق في صديقه عميق، ومن ثم كان لزاما على المرء أن ينتقي إخوانه وأن يبلو حقائقهم حتى يطمئن إلى معدنها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم إلى من يُخالل" – أخرجه أبو داود. فإن كانوا رجالا يعينونه على أداء الواجب وحفظ الحقوق ويحجزونه عن السوء واقتراف الحرام فهم قرناء الخير الذين يجب عليه أن يستمسك بهم ويحرص على مودتهم، وإلا فليحذر الانخداع بمن يزينون له طرق الغواية أو يسترسلون معه في أسباب اللغو واللهو.
إن الصديق العظيم قد يقود صديقه إلى النجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة، أما الصديق المغرور المفتون فهو شؤم على صاحبه، وكم من صاحب عض أصابع الندم على هذه الصحبة السيئة لأنها وضعته على شفا جرف هاو فانهار به في نار جهنم. قال تعالى: {ويَومَ يَعُضُ الظّالِمُ على يدِيهِ يقولُ يا َليتَنِي اتّخْذتُ معَ الرَّسُولِ سَبيلاً. يَا وِيلَتَى ليتَنِي لم أتّخِذْ فُلاناً خَليلاً. لقد أضلّني عنِ الذِكرِ بعْدَ إذ جاءَني، وكانَ الشّيطانُ للإنْسَانِ خَذُولاً} – (الفرقان 27 – 29).
إن الطبع يغلب التطبع، كما أن الطبع يصبغ الطبع، ما أسرع أن يسير الإنسان في الاتجاه الذي يهواه صاحبه، وللعدوى قانونها الذي يسري في الأخلاق كما يسري في الأجسام. بل إن الروح الذي يسود المجلس قد يكون مصدره من شخص قوي يغمر من حوله بفيض مما يتفجر من باطنه. وصدق المثل القائل: "الصاحب ساحب". وقد شوهد أن عدوى السيئات أشد سريانا وأقوى فتكا من عدوى الحسنات. ففي أحيان كثيرة تنتقل عدوى التدخين أو اللواط أو السحاق من المصاب بها إلى البريء منها، ويندر أن يقع العكس.
يقول مسكين الدارمي:
إذا ما خليلي خانني وائتمنته... فذاك وداعيه وذاك وداعها
رددت عليه وده وتركته... مطلقة لا يستطاع رجاعها
وإني امرؤ مني الحياء الذي ترى... أعيش بأخلاق قليل خداعها
وتقديرا لهؤلاء الآثار وحماية للخلق الحسن والعادات الكريمة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخير الجليس فقال: "مثل الجليس الصالح كمثل صاحب المسك، إن لم يصبك منه شيء أصابك من ريحه، ومثل الجليس السوء كمثل صاحب الكير إن لم يصبك من سواده أصابك من دخـــانه". – أخرجه أبو داود. فإن كانت تلك حال الجليس الذي قد تجتمع به في لقاء عابر، في ساعة يسيرة من ليل أو نهار، فكيف بك مع صاحب العمر الذي يخالطك في السراء والضراء؟، إن صداقة الأذكياء الأتقياء قد ترفع إلى القمة. أما صداقة السفهاء البله فهي منزلق سريع إلى الحضيض. قال الله تعالى: {وأن الظَّالِمِين بَعْضُهم أولِياءَ بَعْضٍٍ واللهُ وليُ المُتَّقِين. هَذا بصائرُ للنَاسِ وهدىً ورحمةً لِقومٍ يُوقِنوُن} (الجاثية 19، 20 )
أنواع الأصدقاء
الصديق كالداء: فأنت تحبه رغم قلة فائدته وعدم قدرتك الاعتماد عليه وقت الضيق، بل قد يسبب لك بعض المشاكل أحياناً، بالطبع دون تعمد أو قصد، فقد يكون "حلو الكلام قليل الإحسان"، ولكن هذه طبيعته وإمكانياته المحدودة ليس معك فقط بل مع كل الناس هو كذلك، وهنا نقطة هامة ألا وهي أنك لا تطلب من صديقك ما هو خارج نطاق إمكانياته المادية والجسدية والنفسية، بل أطلب منه ما يمكنه القيام به وحسب. وأتذكر هنا قول الإمام الشافعي في التعبير عن أحاسيسه عند حاجته لصديق وفي ينفعه وقت الشدة، هذه الرغبة التي ظل الإمام يطمح في تحققها، ولكنها لم تتحقق، مما جعله يشعر بالاغتراب رغم أنه مُحاط بالناس من حوله فيقول:
صديق ليس ينفع يوم بؤس قريب من عدو في القياس
وما يبقى الصديق بكل عصر ولا الإخوان إلا للتآسي
عمرت الدهر ملتمسا بجهدي أخا ثقة فألهاني التماسي
تنكرت البلاد ومن عليها كأن أناسها ليسوا بناس
ويقول الشاعر أيضاً:
ارى قوماً وجوههم حسان... إذا كانت حوائجهم إلينا
فإن كانت حوائجنا إليهم...... تغير حسن أوجههم علينا
ومنهم من سيمنع ما لديه..... ويغضب حين نمنع ما لدينا
فإن يك فعلهم سمجاً وفعلي.. قبيحاً مثله فقد استوينا
أما الصديق الثاني فهو كالدواء بمعنى أنك تحتاجه في أوقات معينة غالباً ما تكون على فترات، هي غالباً ما تكون فترات ضعفك وحاجتك، وهذا الصديق بشهامته المعهودة لا يتأخر أبداً عن نجدتك إذا استنجدته؛ رغم أنك قد تكون مقصراً أحياناً في وده ووصاله، ولكن هذا النوع الجميل من البشر اعتاد أن يعطي دون انتظار مقابل فحافظ عليه وعلى وده وصداقته وقت اليسر لأنه الذي سينفعك وقت العسر والشدة، وغالباً ما يكون إرضاء هذا النوع من الأصدقاء بأقل القليل من الكلفة؛ فيكفيه مثلا أن تتصل به في المناسبات لتقول له: "كل عام وأنتم بخير"، أو تطمئن على أحواله كل شهر مرة!!، ونادراً ما يطلب منك شيئاً ولكن لو طلب طلباً فاحرص تمام الحرص على تنفيذ طلبه البسيط -غالباً- حتى تدوم لك مودته.
أما الصديق الثالث فهو الصديق الذي لا يُستغنى عنه، وهو السنّيِد الذي كثيراً ما يلزمك كظلك محبة ومودة، وهذه النوعية تزيد أثناء فترة المراهقة وريعان الشباب، ثم تخفت حدة هذه الصداقة مع التقدم في العمر، يقول الشاعر:
ولقد بلوت الناس ثم خبرتهم... وعلمت ما فيهم من الأسباب
فإذا القرابة لا تقرب قاطعاً..... وإذا المودة أشبك الأنساب
وبالتأكيد يكون هذا النوع من الصداقة في مرمى نيران الحساد وأهل الغيبة والنميمة والحقد دون أن يعرف الأصدقاء ذلك، ولنا في التاريخ الكثير من العبر عن النهايات الدرامية لهذا النوع من الصداقات أحياناً، وغالباً ما تكون النهاية على يد الحساد والحاقدين، وذلك رغم أنني أشعر أن هذا النوع من الصداقات يُعد من أمتع الصداقات للمتصادقين أنفسهم، يقول الشاعر:
كم صديق عرفته بصديق كان أحظى من الصديق العتيق
ورفيق صحبته في طريقي صار بعد الطريق خير رفيق
ولكن هذا النوع من الصداقة يُستحب أن تكلله المحبة في الله حتى تستمر تلك الصداقة في الدنيا والآخرة، وتحت ظل الله عز وجل يوم لا يكون هناك ظل إلا ظله.... اللهم اجعلنا من المتحابين فيك و أظلنا بظلك يوم لا ظل إلا ظلك.... آمين... آمين...