السلام عليكم؛
أنا فتاة في العشرينات من عمري، على قدر لا بأس به من الجمال والذكاء والتحصيل العلمي أنا عزبة، وقد عشت صدمات عاطفية لم أعد أقوى على عدها، منها لصغر سني وما أسميتموه في أحد مقالاتكم بالإدراك الانتقائي، ومنها لا دخل لي فيها ولا أستطيع وصفها سوى بالحظ السيئ، آخرها كان موضوع خطبة، بدأ عن طريق إحدى معارفنا؛ حيث قالت لنا: إن هناك شابا لا يعرفني، لكن يعرف مواصفاتي، ويرغب بزيارتنا للتعرف علي، علما أنني طالما رفضت هذا المبدأ، لكنني بعد أن سأل أهلي عنه وعلموا مواصفات جيدة عنه قبلنا أن نستضيفه، على أن يكون الموعد بعد حفل زفاف قريب لي حتى لا نكون مشغولين بالعرس.
فجاء إلى العرس، ورآني، وأعجب بي حسب كلام تلك المرأة، وتبين أنه يعرف زوجة أخي، فقال للمرأة بأن نسأل عنه زوجة أخي، لكنني منعت أهلي من ذلك لعدم ثقتي بها، ولأنني لم أشأ أن ينتشر الموضوع، وكان الموعد الثلاثاء فاتصلت المرأة لتعتذر، وتبلغنا بأنه محجوز في وظيفته، وكانت هناك حقا ظروف تسبب الحجز، وكان مقررا أن يصبح الموعد في الأسبوع المقبل، ولكنه لم يأت حتى الآن علما بأن الموضوع منذ شهرين كنت أتمنى أن يتم الموضوع لعل الله يعوض علي ما عانيته من "كسران خاطر"؛ فكان هذا الموضوع "كسرة خاطر" جديدة، وهذه المرة أمام أهلي وتلك المرأة.
علما أنني بنظر المجتمع "ما حدش أدي"، ومحسودة من الكثيرين الذين حصلوا على كثير مما لم أحصل عليه، لكن عينهم على ما عندي؛ لأن عينهم فارغة، وهذا شيء يوترني كثيرا.
أنا أعلم أنني أعاني من الاكتئاب المتوسط، لكن المشكلة أن إيماني بدأ يضعف ويتزعزع، أنا أواظب على الصلاة، ولن أتركها مهما حصل لي، لكنني أشعر بكثير من الاعتراض بيني وبين نفسي لا أبوح بذلك لأحد لأنني أعلم أنه حرام، لكنني أقول لكم ذلك لأنكم لا تعرفونني شخصيا ولأنني لن أفسد إيمانكم.
غير ما قد تتفضلون به من رفع المعنويات والنصائح بالصبر أريد أن أسأل إذا كان الاكتئاب يسبب خللا في الذاكرة إذا لم أعالج لدى طبيب نفسي، وأنا لن أنتحر؛ لأن ذلك حرام مع أنني أطلب من الله أن يميتني... أنا أعرف أن هناك عذابا في القبر لكن بي من قسوة القلب ما يجعلني لا مبالية ونفسي هانت علي.
أشعر بحقد كبير يتملكني على المجتمع الظالم وأقرباء السوء والأصدقاء غير الأوفياء، لقد ضعفت كثيرا مؤخرا (نقص وزني) وكأنني قد كبرت 5 سنين، ولا أريد أن يلاحظ الناس حزني علما أنني ممن يبدو على وجههم ما يعتمل بأنفسهم. ومؤخرا أعاني أحيانا من الارتباك في الكلام؛ مثلا أقول نكتة "فتطلع بايخة"... أحاول التمثيل أمام أهلي وأتظاهر بأنني منطلقة لكن كما قلت فهو تمثيل لكنني أتمنى الموت في كل لحظة،
أعتذر عن الإطالة،
وشكرا.
1/10/2003
رد المستشار
الأخت السائلة العزيزة، أهلا وسهلا بك وشكرًا على ثقتك بصفحتنا "استشارات مجانين"، لست أدري لماذا يحب الناس في بلادنا تعذيب أنفسهم؟! إذا كنت أنت يا عزيزتي تقولين بنفسك وسط إفادتك "أنا أعلم أنني أعاني من الاكتئاب المتوسط لكن المشكلة أن إيماني بدأ يضعف ويتزعزع"..
فأولا: يجب عليك شرعا إذا عرفت أنك مريضةٌ أن تطلبي العلاج من أهله؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله"، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى خلق الداء والدواء، فتداووا، ولا تتداووا بحرام" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.وثانيا: إذا كنا في الطب النفسي نعرفُ أن الإيمان والجانب الديني في كيان النفس البشرية هو إحدى دعائم قوة الشخص في مواجهة المرض النفسي عموما والاكتئاب والقلق خصوصا، وإذا كنا في الطب النفسي الإسلامي نرى الإيمان عند المسلمين هو أهم هذه الدعائم على الإطلاق وكثيرًا ما نجد في مجتمعاتنا من لا داعم لهم سواه، وأنت -ومن الواضح أنك قارئةٌ جيدةٌ لموقعنا- كيف في هذا الإطار الذي وضحته لك تتركين نفسك في مواجهة الاكتئاب، بينما الداعم الأهم في كيانك النفسي لمواجهته قد "بدأ يضعف ويتزعزع" كما تقولين؟إن معنى هذا -لا قدر الله- أنك تنتظرين لكي يصيرَ الاكتئاب المتوسط الشدة اكتئابًا شديدا، وعندها يضعف بل يذبل الإيمان، ويُسْلَـبُ من الشخص دونَ أن يدري أو يملك لذلك ردًّا إلا أن يعصمه الله بقدرته سبحانه، أو أن يهديه إلى طلب العلاج من الطبيب النفسي المختص، واقرئي:إن الغريب في إفادتك هو أنك بدأتها بأسلوب جعل عيوننا تقفز كل عدة أسطر إلى أعلى شاشة الكمبيوتر لكي نقرأ كم سنوات عمرك كما قرأناها في أول سطور إفادتك (أنا فتاة في العشرينات من عمري)، وما ذلك الذي يحدث لأعيننا إلا لأنك تتكلمين بأسلوب كأسلوب العانس! أو التي يئست من أن يطرق بابها الرجال، في الوقت الذي تقولين فيه "على قدر لا بأس به من الجمال والذكاء والتحصيل العلمي"، ثم تقولين: "علما أنني بنظر المجتمع ما حدش أدي".ثم تقفز عيوننا مرة أخرى لكلماتك عما أسماه مستشارو مشاكل وحلول للشباب بالإدراك الانتقائي، وهو أحد عيوب التفكير التي تسببُ لصاحبها مشاكل متعاقبة في حياته، وقد تؤدي به إلى الاكتئاب، والذي إن حدث لكان هذا العيب في التفكير أحد أهم عوامل الخطورة على الصورة المرضية للاكتئاب، وكان التخلص منه من أهم دعائم العلاج النفسي المعرفي السليم، وهنا أحيلك أو أحيل المتصفحين غيرك إلى:"مقال العلاج المعرفي" على صفحة مقالات متنوعة،وأيضا: "إجابة التفكير النكدي" على صفحة استشارات مجانين.وأنا أراك فقط شخصت ما تعانين منه من اكتئاب -سأختلف معك على درجة شدته بعد قليل- وأنت في العشرينات من العمر، وبدأ إيمانك يضعف، وما تزال لديك عيوبٌ واضحة في طريقة التفكير كما يفهم أو يخمنُ من قولك "ومحسودة من الكثيرين الذين حصلوا على كثير مما لم أحصل عليه، لكن عينهم على ما عندي؛ لأن عينهم فارغة، وهذا شيء يوترني كثيرا"، وكذلك قولك "أشعر بحقد كبير يتملكني على المجتمع الظالم وأقرباء السوء والأصدقاء غير الأوفياء"، كل هذه إشارات إلى أنك فضلا عما عانيت من مشكلات قديمة، فأنت مقبلةٌ على مشكلات جديدة؛ لأن الإدراك الانتقائي ليس فقط عيب طريقة تفكيرك الوحيد، وكل هذه عوامل خطورة مع الاكتئاب.ثم تتسارع بعد ذلك القفزات إلى أسفل من درجة مشاعر العانس في غير أوان العنوسة إلى درجة من تقول: "لقد ضعفت كثيرا مؤخرا (نقص وزني) وكأنني قد كبرت خمس سنين"، ومن تقول: "أريد أن أسأل إذا كان الاكتئاب يسبب خللا في الذاكرة إذا لم أعالج لدى طبيب نفسي"، ونحن هكذا نزلنا إلى الاكتئاب الشديد، والذي ما يزال في طريقه لسلب الإيمان منك دون أن تشعري مع الأسف، ولذلك نحن نخاف عليك من الانزلاق وراء وهم مكافحة الاكتئاب بنفسك؛ لأن الواضح أن في حياتك كثيرًا من الهموم والفقد، وقد تفلت الأمور من يديك بسرعة، خاصةً أن العامل المرسب الأخير لا ينتظرُ منه أن يكونَ بمفرده مسببًا للاكتئاب فيمن في سنك ولديها من المقومات ما لديك.ثم تقولين "وأنا لن أنتحر؛ لأن ذلك حرام، مع أنني أطلب من الله أن يميتني. أنا أعرف أن هناك عذابا في القبر لكن بي من قسوة القلب ما يجعلني لامبالية، ونفسي هانت علي".. فهل الانتحار فقط الحرام بين ما يطرأ على مريض الاكتئاب المسلم من أفكار؟ هل يا أختي في الله حلال أن نتمنى الموت من الله؟ ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنى أحدكم الموت؛ إما محسنا فلعله يزداد، وإما مسيئا فلعله يستعتب" صدق صلى الله عليه وسلم؟ وعن قيس قال: أتينا خباب بن الأرت نعوده وقد اكتوى سبعا، فقال: "لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به"، وقال أنس رضي الله عنه: لولا أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول "لا تتمنوا الموت لتمنيت"، وهذه الأحاديث الثلاثة من صحيح البخاري... فهل يجوز لك أن تصبري على حالةٍ تتمنين فيها الموت (وتمنيه حرام)، أليس عدم طلبك للعلاج من اكتئابك في هذه الحالة حتى ولو لم تنتحري استمرارا في فعل الحرام؟
إنني هنا أحيلك إلى إجابة رائعةٍ لأخي المستشار الدكتور عمرو أبو خليل بعنوان: لقد كنت في حضرة الله فلماذا لم تعترض؟! لعل في قراءتها ما يبين لك لماذا يعتبر تمني الموت حراما في عقيدة المسلمين، وستجدين فيها الرد على ما قلته أيضا في إفادتك "لكنني أشعر بكثير من الاعتراض بيني وبين نفسي لا أبوح بذلك لأحد؛ لأنني أعلم أنه حرام، لكنني أقول لكم ذلك لأنكم لا تعرفونني شخصيا ولأنني لن أفسد إيمانكم"، أنت تتأرجحين في أسلوبك بشكل غريب بين من تثبتُ فهما عميقًا لحالتها النفسية، ومن تؤكد لنا عدم قدرتها على التصرف بطريقة سليمة!نعم يؤثر الاكتئابُ على التركيز وعلى الذاكرة، وهذا أحد أعراضه المعرفية، لكن هذا التأثير مرهونٌ بوجود الاكتئاب، ويزول بإذن الله بزواله بعد العلاج الناجح، وليس هذا العرض الاكتئابي هو الأهم يا أختي، وإن كان على ما يبدو قد أثر على طريقتك في الكتابة لنا، ولكن الأهم هو أن اكتئابك ليس من النوع المتوسط بل الشديد Severe Depression، ولديك عدة عيوب معرفية في طريقة التفكير، وعليك الآن أن تستخيري الله سبحانه وتعالى، وأن تفاتحي أهلك أو أقربهم منك على الأقل في حقيقة ما تعانينه بدلاً من التمثيل الذي أخاف أن تجدي نفسك فجأةً غير قادرةٍ عليه، وحاولي أن تحفظي ما بقي من إيمانك قبل أن يسلب منك، والجئي للطبيب النفسي بسرعة، وتابعينا بأخبارك.