بسم الله الرحمن الرحيم.. عليه نتوكل وبه نستعين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. اللهم صلِّ على نبينا محمد أفضل الصلاة، وسلم عليه أتم التسليم، أما بعد.. "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"، سأحاول أن أختصر بقدر الإمكان سرد المشكلة التي أرجو من فضيلتكم الإجابة عنها بوضوح.
أنا فتاة أبلغ من العمر 20 عاما، منّ الله عليّ بنعمة الإيمان والقرآن وحب الناس من حولي، وإني أحمد الله على هذه النعم وأشكره. أتممت دراستي بالثانوية وبقيت في المنزل، واكتفيت بحفظ كتاب الله؛ فلقد وجدت فيه لذة الحياة التي أبحث عنها.. ولكن مشكلتي تبدأ من البيت، وتنتهي به؛ فعلاقتي بأخواتي شبه سطحية، يقولون بأني كثيرة الصمت قليلة الضحك (انطوائية) وفي عزلة دائمة مع نفسي، أحيانا تمر لحظات يدخل الشيطان بيننا ونتخاصم، أحاول مصالحتهم دون جدوى.
مع العلم أنني أكبر منهم، وأظل في صمت ووحدة، أبكي لماذا كل هذا؟ لست أدري، ومما زاد الأمر سوءا أن الوالدة تؤيدهن، وأحيانا تقول لي بأنها تفضلهن عليّ، ومع كل ذلك لم أشكُ لأحد في حياتي؛ بل أدعو الله ليفرج عني. لديّ صديقات في الله يربطنا حب صادق، وعلاقتي بالأقارب طيبة، ولله تعالى الحمد؛ بل إنهن يفضلنني عن سائر أخواتي؛ حتى إنني أحيانا أتعجب وأقول: إن نفسي لأحقر عندي من ذلك، ولله تعالى الحمد.
أما علاقتي بالوالد فهي حسنة وطيبة.. ولكن إذا وصله أي حديث من الوالدة (أقصد بخصوص معاملتي) يكون معها، وإني أدري جيدا أن حب الأبوين فطري.. لكن الأم مثل أعلى، إذا اهتزت صورتها في أعيننا؛ فالعالم بأكمله يهتز أمامنا، أصبحت لا أدري من منا على الصواب ومن على الحق؟ وهل من العدل أن تبحث فتاة عن صدر رحب يسمع منها ولديها أم، لكنها لا تستطيع حتى أن تقول لها بأنها تحبهـا وتحتـاج إليهـا، أصبحت كما يقولون "خادمة" لا تحظى إلا بالقليل، لكنهم نسوا أن خادم القوم سيدهم.. أفيدونا أفادكم الله.
ختاما.. وقد قلت ما قلت إن كان صوابا فمن الله، وإن كان خطئا فمن نفسي والشيطان، وجزاكم الله خير الجزاء. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته والله الموفق.
أنا في انتظار ردكم بفارغ الصبر
وجزاكم الله خيرا.
22/1/2005
رد المستشار
الأخت العزيزة؛ أهلا وسهلا بك على صفحتنا استشارات مجانين، وشكرا جزيلا على ثقتك، من الواضح أن مشاعرك السلبية تجاه والدتك هي الدافع الأساسي وراء كتابة هذه الاستشارة لنا. فأنت تشعرين بأنها لا تعطيك حقك وأنت ابنتها الكبرى، وتشعرين بعدم القدرة على التصريح بمشاعرك تجاهها حتى الطيبة منها، كما يحز في نفسك أنها تتوافق في رأيها مع إخوتك، وتشوه صورتك عند والدك، ولكنك لم تذكري لنا مع الأسف أحداثا أو حتى حدثا بعينه حتى نستطيع النفاذ من خلاله إلى انطباع مبدئي عن العلاقة المتبادلة بينك وبين أفراد الأسرة؛ فأنت اكتفيت بالتعميم.
وما أستطيع قوله لك هنا هو أن من المهم جدا بالنسبة للطبيب النفسي أن يسمع رأي أطراف متعددة، خاصة عندما تكون المشكلة متعلقة بالعلاقات بين الأشخاص، وأما الاستماع إلى وجهة نظر واحدة هي وجهة نظر الشاكي أو صاحب الاستشارة؛ فلا يمكننا الاعتماد تماما عليها؛ ولذلك أسباب من أهمها أن الإنسان الناظر في مرآة نفسه لا يرى من عيوبها إلا النزر اليسير.
ومعظمنا يرى نفسه على حق في المنازعات التي تنشأ بينه وبين الآخرين؛ وبالتالي فسردك للمشكلة يأتي طبقا لوجهة نظرك أنت، وقد تكون هناك أخطاء لك لا تدرين عنها شيئا، وأنا هنا لا أتهمك بإخفاء الحقائق أو بعضها؛ فأنا مثلك تماما غالبا لا أرى عيوبي، وغالبا ما أعجز عن إدراك أخطائي؛ فهذه صفة في الإنسان الطبيعي، مثلما هي في المريض، وإن اختلفت المسافة بين الواقع والمدرك في الحالتين، ويمكنك أن تعرفي مزيدا عن رؤية الإنسان لنفسه إذا قرأت ردنا السابق على هذه الصفحة المباركة تحت عنوان:
من أنا؟!: نتائج تقييم الاستبصار الذاتي.
وبالرغم من كل ذلك فإنني سأسير معك خطوة خطوة في تحليل المشكلة؛ فأنت تقولين إن علاقاتك الاجتماعية طيبة جدا، وإن أقاربك يفضلونك على بقية إخوتك، وهذا مؤشر طيب، لكن مقارنة عمق علاقتك وطول مدة احتكاكك بهؤلاء لا تقارن بعمق وطول مدة علاقتك بأفراد الأسرة؛ فأفراد الأسرة أكثر التصاقا بك بالتأكيد، خاصة أنك كثيرة المكوث في المنزل كما يفهم من إفادتك، وليس هناك ما يبرر أن يتخذوا منك موقفا عدائيا دون أن تكون لهم أسبابهم، خاصة أنك أختهم الكبرى.
ومن الواضح أن أفراد أسرتك (أشقاءك ووالدتك وأحيانا والدك) يتفقون كثيرا في رأيهم الذي تعتبرينه أنت ظالما؛ فهل المسألة هنا تتعلق بعواقب دخول الشيطان بينك وبين إخوتك وحدوث الخصام بينكما؟ أم أنك تتدخلين في شئونهم مثلا بشكل يستفزهم ويضايقهم فيشتكون منك بعد المشكلة وتنصفهم والدتك؟ من المهم جدا هنا أن نعرف تفاصيل ونوعية المشكلات.
وصحيح أن الأم يجب أن تكون مثلا أعلى لابنتها، وأنها إذا اهتزت صورتها فإن الأثر النفسي السلبي على البنت يكون عميقا، ولكن لماذا تهتز صورة الأم في حالتك؟ هل لأنها تنصف أشقاءك عليك؟ أليس لما تفعله هي تبرير ووجهة نظر تقولها لك ويقتنع بها والدك؟ قد يكون رأيها مخالفا لتوقعاتك ومخيبا لأمانيك فيها، لكن هذا لا يعني أن صورتها اهتزت بالضرورة!
هناك تفاصيل وملابسات لا بد إذن من أن تذكريها لنا في متابعتك معنا، وأشير الآن إلى ما ذكرته من أنك غالبا حزينة، وتوصفين بأنك انطوائية؛ فلهذا معناه وآثاره على تصرفاتك وأيضا على قابليتك للتأثر بوسوسة الشيطان، وفقدانك التحكم في انفعالاتك، كل ذلك لأن ما تعانين منه من سوء مزاج ونزوع إلى العزلة قد يكون علامة على درجة من الاكتئاب الخفيف أو اضطراب عسر المزاج اللذين يمكنك أن تعرفي كثيرا من المعلومات عنهما، فضلا عن بعض المعلومات عن التعامل مع الفتاة العربية داخل الأسرة؛ إذا نقرت الروابط التالية على موقع مجانين:
عسر المزاج، والاكتئاب
الاكتئاب الدائم أم عسر المزاج؟
الابنة المضطهدة ودبلوماسية العائلة!
الابنة المضطهدة ودبلوماسية العائلة! مشاركة
نفسي في أم غيرها: أخي بكل احترام وأنا بالجزمة
للصبر حدود: أفيقي يا أمنا العربية!
من أم أسطورة إلى امرأة غريبة: الأم العربية
وأرى بعد أن تقرئي ما أحلناك إليه من روابط أن تحاولي كتابة النقاط الرئيسية في مشكلة تعاملك مع أفراد الأسرة، وحاولي بعد ذلك أن تقيمي حوارا بينك وبينهم لتفهمي أكثر ماذا في تصرفاتك يضايقهم، وتذكري ما ورد في الأثر "رحم الله امرأ أهدى إلي عيوبي"، ويجب أن نستفيد من ذلك في التعامل والتعايش في حياتنا اليومية، وفاتحي أهلك في إمكانية اللجوء إلى طبيب أو معالج نفسي إذا وجدت أن لديك ما يمكن وصفه بأنه اكتئاب أو عسر مزاج؛ لأن الأمر في هذه الحالة ستحتاجين فيه إلى مساعدة مختص، وأهلا وسهلا بك دائما فتابعينا بأخبارك.