السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعاني من اكتئاب دائم، وأحب العزلة. وأنا أعمل طبيبة منذ 6 سنوات، ولكني سئمت العمل ولم أعد أستمتع به، وهو ما يدفعني للتفكير في ترك الوظيفة مرارًا، ولكن إحساسي بالذنب وبالمسئولية تجاه أهلي يمنعني.
أنا متدينة والحمد لله أداوم على الاستغفار والذكر،ولا أرغب في أخذ عقاقير الاكتئاب..
فكيف أساعد نفسي
وأستعيد حيويتي؟
4/7/2006
رد المستشار
الأخت السائلة؛ ما تعانين منه كما قلت في إفادتك اكتئاب دائم، لكنه على عكس ما تبدو فكرتك عنه أو على غير ما تتوقعين يبدو أشد من أن تتعاملي معه ببساطة، ورغم صغر رسالتك فإنها توحي بمدى معاناتك وعدم رغبتك حتى في الاستفاضة في الحديث عن هذه المعاناة، والطبيب النفسي يفرق بين ثلاث درجات من الاكتئاب حسب شدة الأعراض وقدرتها على إعاقة حياة الشخص:
أولى هذه الدرجات هي الاكتئاب الخفيف mild depression أو النوبة الاكتئابية الخفيفة، حيث يكون لدى المريض مزاج كئيب، أي شعور عام بالحزن والكآبة، إضافة إلى فقدان الاهتمام أو فقدان للقدرة على الاستمتاع أو التلذذ بما يحب أو فقدان نكهة الحياة، وأيضًا سرعة الإحساس بالتعب أو زيادة الإحساس بالتعب ربما دون مجهود أو بعد مجهود بسيط.
ووجود عرضين على الأقل من هذه الأعراض الثلاثة ضروري لتشخيص الاكتئاب، وعادة ما يكون الشخص ضائقًا بأعراضه تلك، لكنه يظل قادرًا على الاستمرار في أداء وظائفه ومسئولياته في الحياة، وإن كان بدرجة أكبر من المعاناة وبكفاءة أقل مما هو في حدود قدراته.
وثاني هذه الدرجات هي الاكتئاب المتوسط الشدة moderate depression، والذي توجد فيه (بالإضافة إلى اثنين على الأقل من الأعراض الثلاثة الضرورية المذكورة في النوبة الخفيفة)، ثلاثة على الأقل من الأعراض التالية:
- ضعف التركيز، واللامبالاة.
- انخفاض احترام الذات والثقة بالنفس، فعندما يقيم المكتئب ذاته فإنه دائمًا ما يبخسها حقها، ودائمًا ما يشك في قدرته على فعل ما يفعله الآخرون ممن لهم نفس قدراته وربما أقل.
- أفكار عن الشعور بالذنب أو فقدان القيمة.
- نظرة تشاؤمية فيما يتعلق بالمستقبل وانعدام الأمل في تحسن الأحوال.
- الرغبة في إيذاء النفس أو الانتحار.
- اضطراب النوم، بحيث لا يستطيع الدخول في النوم أو لا يستطيع الحفاظ عليه، أو يقوم في موعد مبكر عن موعده المعتاد بساعتين أو أكثر، أو ربما يأخذ الاضطراب في وتيرة النوم اتجاهًا عكسيا هو النوم بإفراط ولساعات طويلة مع فقد الشعور بمتعة النوم أو قدرته على إعادة الحيوية والنشاط كما في الشخص الطبيعي.
- اضطراب الشهية للأكل والشكل قد يكون انعدامًا للشهية، وقد يكون في الحالات غير النموذجية زيادة للشهية خاصة للسكريات.
وإضافة إلى الأعراض النفسية المعرفية السالفة الذكر فإن العديد من حالات الاكتئاب توجد معها أعراض جسدية somatic symptoms، مثل الصداع، والشعور بالحرقان في الجلد، وسقوط الشعر، والشعور بالاختناق وضيق النفس، إضافة إلى اضطرابات الجهاز الهضمي المختلفة، وعادة ما نجد هذه الأعراض في الحالات المتوسطة الشدة، وإن كان وجودها ممكنًا حتى في الحالات الخفيفة الشدة، وكثيرًا ما تطغى الأعراض النفسية والمعرفية الشديدة في حالات الاكتئاب الشديد على الصورة السريرية (الإكلينيكية) للمريض فلا يشتكي منها، ليس لأنها غير موجودة، وإنما لأنه يائس من أن يطلب الراحة.
وثالث هذه الدرجات هي الاكتئاب الشديد severe depression، والذي تكون الأعراض فيه شديدة الوطأة بشكل عام، وإضافة بالطبع إلى وجود الأعراض الضرورية، فإن المريض تظهر عليه الأعراض الأخرى للاكتئاب كاملة أو خمسة منها على الأقل، كما أن الشعور بالضيق والنزق وربما التهيج يكون موجودًا كما تزيد شدة الأعراض الخاصة بالشعور بالذنب وفقد القيمة والرغبة في التخلص من الذات بالانتحار، ويمثل الانتحار في مثل هذه الحالات خطرًا حقيقيًّا على المريض، كما يفقد المريض شعوره بحميمية علاقته بالآخرين تماما، ولعل أخطر شيء هو الشعور بفقد العلاقة الإيمانية مع الله سبحانهُ وتعالى، فهو ما يجعل فتح آخر باب للنجاة صعبًا على المريض.
ويمكنك بناء على ما سبق أن تقيمي درجة شدة اكتئابك، وهو غالبًا متوسط أو شديد، فإن كان متوسطًا أو خفيفًا فإنه يحق لك أن تقولي (لا أرغب في أخذ عقاقير الاكتئاب) كما قلت في إفادتك، ولكن بشرط أن يكون لديك الاستعداد للمداومة على جلسات علاج معرفي مع طبيب نفسي متخصص لمدة لن تقل عن عدة شهور وقد تطول حسبما يتبين للمعالج النفسي، فهذه وحدها هي الطريقة التي قد تفيدك في القدرة على مساعدة نفسك والرجوع إلى سيرتك الأولى، فإن لم يكن العلاج المعرفي متاحًا فإن استخدام عقاقير الاكتئاب يصبح ضرورة، علمًا بأن معظم بل كل هذه العقاقير لا تسبب لا الإدمان ولا التعود، ولا توجد لها تأثيرات سلبية مثلما تتصورين، ويمكنك في ذلك مراجعة إجابات سابقة لنا في هذا الموضوع هي:
هل أنا مريض بالاكتئاب
ليال والاكتئاب الجسيم في العراق
مضغوطة: اكتئاب مع ضعف نشاط معرفي
اكتئاب حقيقي هذا هو
اكتئاب شديد ورغبة في الموت: العلاج الكهربي
علمًا بأن الشيء الوحيد في إفادتك الذي يطمئنني هو استمرار قدرتك في الحفاظ على الشعور بعلاقة طيبة مع الله عز وجل، فقد قلت في إفادتك (أنا متدينة والحمد لله أداوم على الاستغفار والذكر)؛ لأن الاكتئاب الشديد يسلب الإنسان إيمانه، لكنك قد تكونين في مرحلة مبكرة، وقد تزيد شدة الأعراض مع الوقت. وأما إن كانت درجة اكتئابك شديدة، فإنه لا بد من تناول العقاقير لكي يصبح الشفاء ممكنا، إلا أن يقضي الله لك الشفاء بدونها فهذا ما لا أستطيع التكهن به،
أرجو أن تقرئي هذا الرد جيدًا ثم قرري ما تفعلين، وتابعينا بأخبارك.