السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مشكلتي منذ الطفولة، أمي وأبي مطلقان منذ كان عمري 6 أشهر، وأمي كانت شديدة العصبية وكانت تضربني دائما، وكانت تصر على محو شخصيتي؛ لأكون نسخة منها، وتضربني إذا أعلنت رأيي، وذات مرة جرت ورائي بالسكين، وضربتني بها في ظهري؛ لأني كلمتها وهي متضايقة، وهي شديدة التقلب، حتى إني لا أستطيع أبدا استنتاج حالتها المزاجية في اللحظة الحالية.
وليس لها رأي ثابت.. فما هو صحيح الآن خطأ بعد قليل، وأُضرب عليه، وكانت تصر على أن أنام بجانبها، فأصبحت أشعر أني زوجها، ولست ابنتها، وكانت تصر على أن تجعلني أكره أبي وإخوتي، وكانت تكيد لي عندهم، وكثيرا ما كانت تهددني بأن أبي سيأخذني و"يبهدلني"، وكذلك إخوتي، وكانت مع حدوث أي مشكلة مهما كانت بسيطة تطردني من البيت إلى بيت أبي، وكانت دائما تقول لي هي وإخوتي وأنا صغيرة: إنني لست ابنتها، وإنهم وجدوني على باب الجامع.
المهم هكذا نشأت بلا شخصية، خائفة من كل شيء حتى كنت أخاف أن أنام ليلا حتى لا تقتلني أمي.
أما أبي فقد نسيني تماما، حتى إنه كان لا يعرف في أي سنة دراسية أنا، وكنت أخافه، وهو بخيل في كل شيء في عواطفه وماله.. وكثيرا ما حاولت لفت نظره إليّ. المهم الآن هو ما أصبحت عليه لا أعبأ كثيرا بالناس من حولي؛ فلا يهم إن كانوا موجودين أو لا؛ فلدي ناس آخرون يعيشون معي في عقلي، أم وأب بحق أحبهم وإخوة وأصدقاء أتحدث معهم وأكلمهم، حتى إني لا أرى أو أسمع من حولي من الناس، وكثيرا يضبطني الناس في الشارع أو البيت أتحدث بصوت عال أو أشيح بيدي، هذه ليست أحلام يقظة وهي ليست هلوسة؛ فأنا أميز بينها وبين ما هو حقيقي، وأكره أبي وأمي جدا.
حاولت اللجوء إلى العلاج المعرفي، لكن المشكلة عدم قدرتي على الكلام منذ سنة بالضبط، وأنا لم أفتح فمي مع المعالج بكلمة واحدة، هو يقول: إني شخصية اكتئابية، وأنا لا أريد اللجوء للأدوية، لا أستطيع التركيز كثيرا، ولا أستطيع إنجاز أي عمل، الدنيا سوداء مع أني أحاول التقرب إلى الله.
هل أنا شخصية فصامية أو شبه فصامية؟ أحيانا إذا لفت نظري أحدهم لحركة عملتها أو كلمة قلتها لا أذكر لم قلتها! وأستغرب من نفسي.. هل فعلت فعلا هذه الحركة؟! لا أحب الناس، ولكني أخاف الوحدة، ماذا أفعل؟ أنا أكره أبي وأمي جدا، ولكن لدي أب في خيالي يعيش معي، ولا أريد الزواج، أخافه جدا، أكره أن يلمسني أحد حتى أصدقائي أو إخوتي كأن كهرباء سرت في جسدي.
أحيانا يتوه مني الكلام فلا أجده، لا أستطيع إكمال جملة، وأحيانا قليلة لا أتذكر الموضوع الذي بدأته، أصحابي يقولون: إنني شخصية عنيدة ومتمردة، وأنا كذلك أكره أن يتحكم في أحدهم أو أن يلمسني، مرت عليّ فترة حوالي 6 أشهر، كنت لا أتحدث إلى أحد، كنت فقط أضع رأسي على الأرض حتى أدرك أنني ما زلت في الدنيا. هل أنا محتاجة لعلاج نفسي مع أني ظللت معه سنة كاملة، أم هل أحتاج لعلاج دوائي؟
أفيدوني فأنا ما زلت أخاف أمي وأبي، وأشعر أنهم سيقتلانني،
مع أني على علم بأن هذا لن يحدث، ولكني لا أستطيع محو هذا الرعب من قلبي!!
2/12/2006
رد المستشار
الأخت السائلة:
أنا معك تماما في أن الظروف التي شاء الله عز وجل أن تنشئي فيها هي ظروف عصيبة مريرة، لكنها مع الأسف الشديد كثيرا ما تتكرر ويتعرض لها الكثيرون، فعواقب انهدام الأسرة وافتراق الأب والأم في حالة عدم نضج كل منهما أو عدم تقديره لما يلزم الطفل الصغير من مفاهيم عن والديه وسلوك كل منهما، تجاهه وتجاه الطرف الآخر، أثناء نمو الطفل إنما تسبب ما لا حصر له من مشكلات نفسية. إلا أننا معنيون الآن بالعلاج أكثر من كوننا معنيين بمناقشة الأسباب، فكما قلت أنت في إفادتك "المهم الآن هو ما أصبحت عليه".
وما أصبحت عليه الآن بالرغم من تقديمك لأحلام اليقظة على كل الأعراض في إفادتك هو أعراض اكتئاب ما بين المتوسط والشديد، ولكنه مع الأسف مزمن وهو ما دفع طبيبك الذي أشرت إليه إلى وصف شخصيتك بأنها شخصية اكتئابية، وهو يقصد بالطبع عسر المزاج، فقد قلت في رسالتك: (لا أعبأ كثيرا بالناس من حولي فلا يهم إن كانوا موجودين أو لا فلدي ناس آخرون يعيشون معي في عقلي، أم وأب بحق أحبهم وإخوة وأصدقاء أتحدث معهم وأكلمهم حتى إني لا أرى أو أسمع من حولي من الناس، وكثيرا ما يضبطني الناس في الشارع أو البيت أتحدث بصوت عال أو أشيح بيدي).
وأنا في واقع الأمر أريد منك أن تعبئي بنفسك أولا فهذا ما لا تنتبهين إليه، لقد خطوت خطوة جيدة تجاه محاولة الخلاص، ولكنها مع الأسف غير كاملة ويقصد من ورائها والله أعلم شيء غير الخلاص مما أنت فيه كأن يكون المقصود هو إثبات وقوع الضرر النفسي عليك من والديك، فكما قلت: (حاولت اللجوء إلى العلاج المعرفي، لكن المشكلة عدم قدرتي على الكلام منذ سنة بالضبط وأنا لم أفتح فمي مع المعالج بكلمة واحدة)، فهل تدرين سبب عدم قدرتك على فتح فمك مع المعالج بكلمة واحدة؟
إنه الاكتئاب الشديد الذي يحرمك من الأمل في إمكانية التحسن، ولأنك ترين في التردد على المعالج النفسي دليلا على وقوع الضرر عليك من والديك، فأنت لم تحاولي أن تفعلي أكثر من ذلك، ما يعنيك هو إذن شيء أهم في لاوعيك من التحسن، ومن واجب طبيبك أن يعرض عليك البدائل المتاحة في مثل حالتك، فلا يمكن أن تستمر جلسات العلاج المعرفي مثل هذه المدة الطويلة دون أن يكون هناك تحسن أو تقدم على الأقل في الاتجاه الصحيح.
ثم ما معنى أنك لا تريدين استعمال الأدوية؟
لقد قلت في إفادتك: (وأنا لا أريد اللجوء للأدوية)، إذن متى نلجأ لاستخدام عقاقير الاكتئاب؟
أرجو أن تراجعي إجاباتنا السابقة في حالات الاكتئاب والتي بينا فيها الكثير عن مضادات الاكتئاب وعن فائدتها وآثارها الجانبية البسيطة جدا في كل الحالات مقارنة بآثار الاكتئاب:
اكتئاب شديد ورغبة في الموت: العلاج الكهربي
متى يجب أخذ عقار للاكتئاب؟
اكتئاب مع ضعف نشاط معرفي مشاركة
الاكتئاب الجسيم كيف يسلب الإيمان متابعة
الاكتئاب الجسيم كيف يسلب الإيمان مشاركة
الاكتئاب الجسيم يفتح للشيطان! كلاكيت2
الاكتئاب الجسيم لا الأعظم!
فما بالك في حالتك التي يظهر فيها الاكتئاب وقد تملك منك تماما، وأصبحت أي آثار جانبية محتملة الحدوث من العقار هي أقل بكثير من تأثيرات الاكتئاب السوداء التي تعيشينها بالتأكيد ليل نهار.
أنت تقولين في رسالتك: (لا أستطيع التركيز كثيرا ولا أستطيع إنجاز أي عمل، الدنيا سوداء مع أني أحاول التقرب إلى الله)، فماذا يكون الاكتئاب غير ذلك؟
وتقولين أيضا: (أحيانا يتوه مني الكلام فلا أجده، لا أستطيع إكمال جملة، وأحيانا قليلة لا أتذكر الموضوع الذي بدأته)، وهذا اكتئاب شديد الوطأة. وستقولين أيضا ما يفيد تعرضك لنوبة اكتئاب أشد من ذلك عندما قلت في إفادتك: (مرت علي فترة حوالي 6 أشهر كنت لا أتحدث إلى أحد، كنت فقط أضع رأسي على الأرض حتى أدرك أنني ما زلت في الدنيا)، كيف إذن سمح لك طبيبك بألا تتناولي عقارا للاكتئاب؟
غالب الظن أنك ترفضين اتباع تعليماته بشدة وهو لأنه غير مكتئب ما زال لديه الأمل بأن تستجيبي لنصيحته باستخدام العقار، وهو بالطبع لن يغلق بابه في وجهك ما دمت تطرقينه!
ما تعانين منه باختصار شديد هو اضطراب الاكتئاب الجسيم إضافة إلى اضطراب شخصية قد تكون انطوائية أو فصامية أو شبه فصامية أو قد تكون غير محددة، وإنما هي عبارة عن خليط من سمات ما تقدم من الشخصيات، واضطراب الشخصية هذا سيحتاج إلى جلسات علاج نفسي طويلة الأمد بالتأكيد، ولكن لا بد أولا من زوال الاكتئاب باستخدام العقاقير كما ذكرت من قبل.
وأما إذا أردت رأيي الشخصي في مثل حالتك فأنا سأذهب خطوة أبعد من ذلك لأنني أفضل استخدام جلسات العلاج بالصدمات الكهربية في مثل حالتك، فبالرغم من أن حجم الدعاية المضادة لاستعمال الصدمات الكهربية ما يزال كبيرا فإنه لم يكتشف حتى لحظة كتابة هذه السطور عقـار اكتئاب واحد يقدم لنا ما تقدمه الصدمات الكهربية من سرعة في العلاج ومن قدرة أوسع على معالجة شريحة أكبر من المرضى.
فالمعروف أن كل أدوية الاكتئاب لا تبدأ آثارها في الظهور قبل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع على الأقل وهي مدة كبيرة لا نستطيع تحمل انتظارها خاصة في حالات الاكتئاب الشديد والمزمن أو في مريض لديه رغبة في الانتحار! في الوقت الذي يتحسن فيه المريض الذي يعالج بالصدمات الكهربية خلال يومين إن لم يكن يوما واحدا! كما أن احتمال عدم استجابة المريض لعقار اكتئاب معين أكبر بكثير من احتمال عدم استجابته للصدمات الكهربية!
ويضاف إلى ذلك أنه على عكس الصورة الموجودة لدى الكثيرين من الذين يثقون في الصورة المنقولة في وسائل الإعلام العربية، عن العلاج بالصدمة الكهربية من أن المريض تحدث له تشنجات أو ما يظن البعض أنه بسبب شعوره بالألم، فإن طريقة إجراء الصدمات الكهربية تحسنت بشكل كبير، حيث أصبحت تعطى بعد تخدير المريض وإعطائه عقـارا باسطا للعضلات بواسطة طبيب التخدير، وبالتالي لم تعد هناك تشنجات كبرى، فضلا عن أنها أصلا لا تسبب أي نوع من الألم حتى بدون التخدير.
أما ما هو بمثابة المفاجأة لك ولغيرك من المتصفحين فهو أن عدد من يموتون بسبب خلع إحدى الأسنان عند طبيب الأسنان أكبر من عدد من يموتون بسبب الصدمات الكهربية، أي أن العدد أقل من 4 في المليون شخص!! وما يقال من أن العلاج بالصدمات الكهربية يدمر المخ ليس إلا دعاية مغرضة من شركات الدواء لكي تبيع منتجاتها!
وهذا ما انتبهوا إليه في الدول الغربية، وما يزال الناس عندنا يكررون ما كان يقوله الناس في الغرب منذ ثلاثين سنة، حكاية تدمير المخ هذه لا أساس لها من الصحة، خصوصا وأن كل ما يحدث من أثر جانبي للصدمات هو بعض النسيان للحظات السابقة لإجراء الصدمة، وربما بعض اللحظات التالية لها، ولا شيء آخر!
ثم إن المخ البشري نفسه يتواصل ما بين أجزائه المختلفة ويتصل بكافة أعضاء الجسم بواسطة الكهرباء الحيوية، أي أن مرور تيار كهربي محكوم الشدة في المخ ليس مضرا من أساسه! فمن المعـروف أن إحدى وسائل نقل الرسائل العصبية بين الخلايا في المخ هي فرق الجهد الكهربي، وهو نفسه المسئول عما هو معروف من أن المخ ينبض بالكهرباء. ويمكن تسجيل ذلك على شكل موجات كهربية بواسطة رسام المخ الكهربي؛ ولقد وجـد أن الاضطراب في الموجات الكهربيـة للمخ يصاحب بعض الأمراض النفسية (كسبب أو كنتيجة) وبالتالي فإن أيـة إمكانيـة لضبط هذه الموجات الكهربية وتنظيم إيقاعاتها يساهم في تحسين الحالة النفسية للمريض.
ويضاف إلى ذلك أيضا أن تشريح أدمغة العديد من نزلاء المستشفيات النفسية المزمنين في الخمسينيات في أوروبا لم يقدم دليلا واحدا أو حتى إشارة إلى تلف ولو صغير في أدمغة من كانوا يتلقون الصدمات مرتين أو ثلاث مرات أسبوعيا لمدد تزيد على السنة أو أكثر!!
إذن فعليك أن تحسني الاختيار: إما العلاج باستخدام عقاقير علاج الاكتئاب أو باستخدام الصدمات الكهربية على أن يكون ذلك جزءا من برنامج علاجي متكامل يشمل العلاج المعرفي أيضا لتحسين تفاعلاتك مع الآخرين ومع أعضاء أسرتك، وكذلك من أجل تعديل وإصلاح الخوف الذي تحسينه تجاه الناس.
إذن فجواب سؤالك (هل أنا محتاجة لعلاج نفسي مع أني استمررت معه سنة كاملة؟) هو: نعم. وأنت لم تستمري على العلاج النفسي سنة كما قلت لأنه لن يبدأ إلا بعد زوال الاكتئاب أو على الأقل تحسنه.
وجواب سؤالك الآخر (هل أحتاج لعلاج دوائي؟) هو: نعم. وليس فقط علاجا دوائيا، فربما احتجت إلى العلاج بالصدمات الكهربية إن لم يحدث تحسن ملحوظ بعد أربعة أسابيع من استخدام عقار الاكتئاب بجرعة مناسبة.
وكما أوضحت لك أنني أفضّل استخدام الصدمات مبدئيا في مثل حالتك. وفقك الله إلى طريق الخلاص، وتابعيني بأخبارك.