السلام عليكم،
قرأت مشكلة السائلة وقد وجدت فيها الكثير مما أعاني منه أنا كذلك، وسأذكر لكم أعراضي في نقاط لتشرحوا لي حالتي وتقترحوا الحل المناسب، وكنت قد عزمت على أن أسألكم عن علاج التردد في اتخاذ القرارات وعدم الثقة بالنفس والخجل؛ فوجدت هذه الرسالة بين يدي بفضل الله كي أكتشف أنني ربما أعاني أنا الأخرى من الاكتئاب.
وإليكم بعض الأعراض التي أعاني منها:
- لدي الكثير من الأفكار السلبية عن ذاتي، مثل أني ضعيفة وجبانة، ولا أصلح للمسؤولية.
- أفتقد الهمة العالية في تحقيق أي هدف أو أي عمل؛ فسرعان ما أتناسى تحقيقه، وأشعر بالملل بسرعة والكسل، مع أني أفكر في الكثير من الطموحات وأبدأ فيها فعلا، لكن فجأة ينتابني شعور بعدم جدوى ما أفعله، وأنه ليس بمستوى الطموح الذي أسعى إليه فأتكاسل وأتناساه، وأنا الآن بعد مرور 25 عاما لم أنجز شيئًا يستحق الذكر.
- أعاني من الحساسية الزائدة والتأثر بأي كلمة ونقد.
- أحس أنني لا أفهم ذاتي ولا أقدرها كأنني لا شيء أمام الآخرين، هذا الشعور جعلني أكتم مشاعري وطموحاتي ولا أفضي لأحد حتى زوجي؛ فأنا متزوجة من 4 شهور وزوجي يقول لي إن حياتي سبهللة بلا هدف ولا شخصية لي ولا رأي.. وكثرة نقد زوجي لي جعلتني لا أحتمل العيش معه (وأنا الآن على وشك الطلاق) مع أني ما زلت أحبه؛ لأنه حاول مساعدتي قدر المستطاع حين كان يقول لي خذي الأمور ببساطة وحسن ظن، لكنه لم يكن يمدحني إلا بأنني طيبة إلى حد مبالغ فيه؛ لذلك أحس بعطش شديد للمدح وتقدير الذات.
- أعاني من ضعف التركيز مع من يحدثني؛ فسرعان ما يتشتت ذهني حتى عند القراءة أحيانا.
- تنتابني رغبة شديدة بالضحك في كثير من الأحيان حتى ولو بدون سبب، وسبب لي ذلك إحراجا؛ حيث إنني أضحك في مواقف لا تحتاج ذلك.
- لا أحب أن أجرح الآخرين ولو بكلمة أو نظرة، وأحاول جاهدة عدم معارضة هواهم، وكثيرة اللوم لذاتي والآن أشعر بالذنب تجاه زوجي؛ لأنني السبب في كل ما حصل.
- أشتهي السكريات بكثرة.
- أحيانا ينتابني شعور بأن الضغوط تحيطني فأحس بخوف شديد يأتيني تلقائيا، هذا الشعور كنت أحس به منذ الصغر في المرحلة الابتدائية، وجاءني في الثانوية أثناء الامتحانات، وإلى الآن أمام أي مشكلة أو ضغط، ولا أشعر بالأمان إلا حين أتذكر أمي وكأنها صمام الأمان لمشاكلي، مع أني لا أبوح لها بشيء، لكن يكفيني أنها معي في كل الظروف تدافع عني.
- كثرة التنهد والعبوس، وألم بالظهر، وحب للنوم.
- خجولة جدا جدا؛ فليس لي قدرة الحديث والبوح حتى لزوجي أو أقرب الناس لي.
وميزتي أنني متوكلة على الله ومحسنة الظن به، ولدي يقين بأنه سيفرج كربي، لكن ما يؤرقني الآن أنني سببت لزوجي تجربة زواج فاشلة للأسباب التي ذكرتها في ذاتي من خجل وخوف وعدم ثقة وتشاؤم، وخائفة جدا من أن أكون قد عصيت الله فيه؛ فهل أنا مذنبة في عرف الشرع؟
إنني أدعو الله دوما أن يفرج عني، والله كريم، وأرجو أن أجد تشخيصا لحالتي،
ولا تنسوني من دعائكم وجزاكم الله خيرا.
4/4/2004
رد المستشار
أهلا بك يا أختي، وأبشرك أن من تحسن الظن بالله وتتيقن أن الله سبحانه لا بد سيفرج كربها هي بإذن الله ستحصل على ذلك، لقد وجدت في إفادتك الكثير في الحقيقة مما هو جدير بالاهتمام، لكن أهم ما أريد التأكيد عليه في أول ردي هو أن عليك أن تعملي جاهدة على درء احتمال الطلاق الذي أشرت إليه، فمن تحب زوجها يجب ألا تستسلم لمثل هذا الاحتمال.
أنت الآن تعانين من اكتئاب جسيم، غير جديد عليك من ناحية طعمه لكنه جديد من ناحية شدته، فهذا الاكتئاب كما استشففت من إفادتك جاء على خلفية من عسر مزاج Dysthymia طويل العمر معك، هو الذي كان يجعلك غير مستمتعة بحياتك وغير قادرة على تقييم نفسك التقييم الصحيح، وعسر المزاج يعني اكتئابًا خفيف الدرجة، ولكنه طويل العمر، وعندما وضعت تحت الضغط الجديد المتمثل في واجبات الزوجية وتغير حياتك من فتاة أنهت دراستها الجامعية وتعيش مع أهلها إلى امرأة مسئولة عن بيت وعن زوج هذا التغير كما أعتقد مثّل عاملاً مرسبًا لنوبة الاكتئاب الحادة الحالية!
وفي الطب النفسي نسمي هذا النوع من الاكتئاب الذي يصيب المعانين أصلاً من عسر المزاج الاكتئاب المضاعف، فبعد سنوات من الحياة مع عسر المزاج الذي يصبغ كل شيء في حياة المريض الذي نادرًا ما يدرك أنه مريض، وإنما يظل يعتبر نفسه ضعيفًا، وغير جدير بالثقة، ولا قادر على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، وغير قادر على الحياة منطلقًا ككل من هم مثله، وغير سعيد بنفسه ولا مقدر لذاته، وهو ما يتسبب في تراكم الأفكار السلبية عن نفسه وعن كل شيء في حياته حتى أنه لا يحس بطعم النجاح الذي يحققه، وعادة ما يتصرف بشكل قد يحرمه من الحصول على تقدير الآخرين، وبعد سنوات من ذلك يمكن أن يصاب ذلك المريض بنوبة اكتئاب جسيم ليصبح مصابًا بالاكتئاب المضاعف Double Depression، فيرى نفسه سيئًا ومذنبًا وربما غير جدير بالحياة.
أي ذنب وأي معصية لله تلك التي تشيرين إليها؟ هل تقصدين أن كونك مكتئبة أو أنك كما يفهم من كلامك قد خيبت ظن زوجك فيك هو الذنب؟ هل هذا كلام منطقي؟ يا أختي ليس المريض مسئولا عن مرضه، والواضح أن اكتئابك يؤثر بشكل كبير على قراراتك وعلى تقييمك لنفسك، وأنا أرجو أن يهديك الله عز وجل لكي تؤجلي أي قرار تنوين أخذه فيما يتعلق بعلاقتك الزوجية، تفاهمي مع زوجك واطلبي منه مساعدتك على طلب العلاج النفسي عند مختص؛ فأنت تحتاجين إلى علاج عقاري ومعرفي للاكتئاب، وتحتاجين إلى علاج سلوكي معرفي لتوكيد الذات، ولعل المثل الواضح في إفادتك على خطأ تقييمك لنفسك هو ما قلته في إفادتك "وأنا الآن بعد مرور 25 عاما لم أنجز شيئا يستحق الذكر"، فهل نسيت أنك حاصلة على البكالوريوس؟ وأنك زوجة لرجل تحبينه؟ هل كل هذا لا يعد إنجازًا؟
فأما علاج الاكتئاب فقد فصلناه من قبل على صفحتنا استارات مجانين في المشكلات التالية:
الدواء لا يؤدي إلى تحسن الاكتئاب م
علاج الاكتئاب المعرفي : فتح الكلام
أبو حامد الغزالي يعاني الاكتئاب
الاكتئاب المتبقي أم العلاج المنقوص ؟ م
وأما توكيد الذات الذي تحتاجين إلى برنامج علاج سلوكي معرفي فيه فهو مهم جدًّا لك؛ لأن من المهم أن يتعلم الشخص كيف يعبر بحرية عن آرائه وعن مشاعره تجاه نفسه وتجاه الآخرين، كيف يستطيع فرض نفسه على المواقف بدلاً من السماح للمواقف أو للآخرين بفرض أنفسهم أو آرائهم عليه، فيكون مستعدًا لمواجهة الآراء والتوجهات السلبية التي قد يقابلها لدى الآخرين، ولعل ممارسة الهوايات والفنون تفيد في هذه العملية، فهذا هو مفهوم تأكيد الذات.
وقد قلت في إفادتك: "لا أحب أن أجرح الآخرين ولو بكلمة أو نظرة وأحاول جاهدة عدم معارضة هواهم، وكثيرة اللوم لذاتي"؛ فهذا الكلام يدل على انخفاض مستوى توكيد الذات لديك.
وكما يقول الدكتور عبد الستار إبراهيم: "يشير مفهوم تأكيد الذات إلى خاصية تبين أنها تميز الأشخاص الناجحين، من وجهتي نظر الصحة النفسية والفاعلية في العلاقات الاجتماعية"، وبعد أن كان توكيد الذات ينظر إليه كصفة شخصية عامة تتكون لدى الشخص كما تتكون صفات مثل الانبساط أو الانطواء وتبقى ثابتة أو مقاومة للتغيير، أصبحت النظرة النفسية الأحدث لتوكيد الذات هي أنها قدرة يمكن تطويرها وتغييرها من خلال التدريب، ويستكمل الدكتور عبد الستار إبراهيم: "باختصار فإن التوكيدية تتضمن كثيرًا من التلقائية، والحرية في التعبير عن المشاعر الإيجابية والسلبية معًا، وهي بعبارة أخرى تساعدنا على تحقيق أكبر قدر ممكن من الفاعلية والنجاح عندما ندخل في علاقات اجتماعية مع الآخرين، أو على أحسن تقدير تساعدنا على ألا نكون ضحايا لمواقف خاطئة من صنع الآخرين، ودوافعهم في مثل هذه المواقف".
وأما ما أشرت إليه من اشتهائك السكريات بكثرة فهو إحدى العلامات التي تميز بعض أنواع الاكتئاب غير النموذجي؛ فقد قلت أيضًا أنك تعانين من كثرة التنهد والعبوس وألم بالظهر وحب للنوم، كما قلت أنك تحسين بعطش شديد للمدح وتقدير الذات، وكذلك قلت أعاني من الحساسية الزائدة والتأثر بأي كلمة ونقد، وهو ما نسميه بحساسية الرفض من الآخرين Rejection sensitivity، وكل هذه في الحقيقة إشارات إلى كون اكتئابك المضاعف ذلك من النوع غير النموذجي Atypical Depression؛ إذن فتشخيص حالتك هو اكتئاب مضاعف من النوع غير النموذجي.
والأصل في اشتهاء السكريات (أو التوق المُلّح للسكريات) أنه طبيعي من حين لآخر؛ لأن طعم السكر يرتبط عند كل بني آدم باللذة، وقد أكدت ذلك دراسات أجريت منذ السبعينيات على الأطفال حديثي الولادة بعد ساعات من ولادتهم حيث فضلوا الماء المسَكَّـر على الماء العادي.
ونحن هنا لا نناقش تلك الشهية الطبيعية التي تحدث لأي شخص منا من حين لآخر، وإنما نناقش النوع المتعلق بالاكتئاب خاصة في النساء؛ حيث يسمع الطبيب النفسي الشكوى من التوق المُلّح للسكريات في الكثير من حالات الاضطرابات النفسية، ومنها بعض أشكال الاكتئاب غير النموذجي؛ فيشتكي المريض أو المريضة من توق مُلّح لشيء مُسَكَّر، إضافة إلى مجموعة الأعراض الأخرى التي تميز الاكتئاب غير النموذجي (وهو نوع من أنواع الاكتئاب غير مفهوم الأسباب بشكل كامل بعد)، كما يرى الطبيب النفسي التوقَ المُلّح للسكريات Craving For Sweets كجزء من أعراض الاكتئاب الفصلي Seasonal Affective Disorder، وهو الاكتئاب الذي يتزامن حدوثه مع فصل الشتاء، وكذلك في زملة ما قبل الطمث في السيدات Premenstrual Syndrome (والتي تصل أعراضها حدًّا مزعجًا يكفي لتشخيص اضطراب اكتئاب غير نموذجي في نسبة تتراوح ما بين 3% إلى 5% من النساء في فترة الحيض حسب الدراسات الأمريكية)،
ويمكنُ إرجاع التوق المُلّح للسكريات خاصة الشيكولاتة بناء على نتائج الكثير من الدراسات إلى سبب أو أكثر من الأسباب التالية، دون إغفال دور الرغبة في الأكل لأجل الأكل نفسه أي دون إغفال دور الشره الإرادي؛ لأننا لا نستطيع إغفاله؛ فالتوق للسكريات يعتبر بمثابة العلاج الذاتي Self-Medication:
1- لنقص غذائي ما مثل نقص الماغنسيوم.
2- أو لتعديل نقص ما أو اختلال في تركيز الناقلات العصبية المسئولة عن تنظيم المزاج أو الجوع أو السلوك القهري بصفة عامة، وهذه الناقلات هي السيروتونين والدوبامين والنور أدرينالين.
3- أو لعواقب تغيرات مستوى الهرمونات في الدم في الإناث في الأسبوع السابق للطمث، سواء كان ذلك من خلال تأثير هذه التغيرات على البروستاجلاندينات أو على الناقلات العصبية السالفة الذكر، ولعل هذا هو ما يفسر كون التوق المُلّح يأتي على شكل نوبات Episodic، وأكثر حدوثًا في الإناث.
4 - وفي حالة الشيكولاتة قد يرجع التوق المُلّح لها إلى ما تحتويه الشيكولاتة من المواد نفسانية التأثير مثل الثيوبرومين والزيوت القريبة من زيوت الحشيش والفينيل إيثلامين، وما قد تسببه هذه المواد من سلوكيات تشبه السلوك القهري في المدمنين.
وأعود الآن إلى التأكيد على ضرورة متابعتك لجلسات علاج معرفي من قبل مختص بالطب النفسي؛ لأن الاكتئاب غير النموذجي الذي يبدو من إفادتك أنه سبب معاناتك يحتاج إلى نوع علاج نفسي يناقش العلاقات الإنسانية ما بينك وبين الآخرين، أضيف إلى ذلك أن اضطراب عسر المزاج يحتاج إلى جلسات علاج معرفي هو الآخر؛ لأن دور العقاقير فيه محدود؛ فتأثيرها لا يظهر قبل ثلاثة أشهر على الأقل من الاستخدام اليومي لعقار الاكتئاب، بينما نجد أنها تعمل خلال ما بين أسبوعين إلى أربعة أسابيع في معظم حالات اضطراب الاكتئاب الجسيم العادية.
كما أن اختيار العقار الذي يتوقع أن يفيدك أكثر من غيره فهو أيضًا أمر يحتاج إلى تفكير وتدبر من طبيبك المعالج؛ فأنت حساسة لكل شيء، وأفضل الخيارات في رأي وحسب خبرتي هي استخدام أحد عقارات علاج الاكتئاب التى تسمى بمجموعة ترجمتها أنا إلى "الممامين" اختصارًا لاسمها وهو (مثبطات مؤكسد أحاديات الأمين) أو اسمها الغربي المتداول هو Mono Amine Oxidase Inhibitors، وهو ما سيحدد لك طبيبك اسمه التجاري في البلد الذي تعيشين فيه، أدعو لك الله بالتوفيق ولا تنسينا من الدعاء.
ويضيف د. أحمد عبد الله أخشى في غمرة التوصيف والتشخيص الإكلينيكي أن تضيع سطور ذهبية كتبتها أختنا هنا تعبيرا عن مشاعر الوحدة التي تعاني منها، وافتقاد الدعم والسند من الشريك، وهي حالة منتشرة في حياتنا بكثرة.
لا أدري من أين جاءت بكلمة "أحس بعطش شديد للمدح، وتقدير الذات"؟ وهذا الشعور وحده ليس مرضا ولا نقصا يا أختي فكل البشر كذلك، ولا أريد أن أستفيض في توصيف وتشريح علاقتك بزوجك، وعلاقتها بالأعراض التي تعانين منها، فأخشى أن ينتهي الأمر عندها بإلقاء اللوم عليه بدلا من الاهتمام بحالتك وتحسينها، ربما أعود لرسالتك يوما ما، وأرجو أن تتحركي بسرعة في طلب الشفاء، وأن تعيدي النظر في مسألة نظرتك لذاتك، وما تسمينه فشلا شخصيا عاما ومستمرا، أشكرك فقد هزتني كلماتك في حزنها وتعبيرها، وأرجو أن تستثمري قدراتك الكتابية هذه معنا في الصفحة –على الأقل– تعقيبًا ومتابعة ومشاركة.. وأهلا بك دائما فتابعينا.