صعوبة التعامل مع الآخرين:الأنموذج والعلاج..!؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
بداية أحب أن أسجل إعجابي وتقديري للأساتذة القائمين على هذا العمل الرائع، وأدعو الله أن يوفقكم ويجعلكم سبباً في التخفيف عن "المجانين"...
أعرفكم بنفسي... أنا فتاة في ال21 من عمري، حصلت على ليسانس الآداب، وأدرس حالياً التمهيدي للماجستير، وبما أنني من المتفوقات فقد يتم تعييني معيدة بالكلية!!! أنا الابنة الكبرى لأب طبيب وأم ربة بيت، لي أخ يصغرني بعام واحد وأخت ب13 عاماّ... إذن أين المشكلة؟!
المشكلة أنني لا أستطيع التعامل مع الآخرين، والحقيقة أنني لم أعتد هذا، فمنذ صغرى وأبي يدللني ويفعل ليّ كل شيء، حتى عندما التحقت بالجامعة، كان قام أبى بكل شيء، ولم أذهب إلى الكلية إلا في اليوم الأول للدراسة ولأول مرة...!!! طوال السنوات الماضية كان أصدقائي حولي، أقوم بكل شيء معهم بشرط أن يبدؤوه!!! حتى ولو كان شراء "لبانة"، ولا أسأل قط أحد لا أعرفه- وإن كان موظفاً-، وأتردد كثيرا، وأرتبك إذا كان شخصاً أعرفه، وقبل أن أقدم على السؤال أعده وأحفظه وأكرره في سري مرات، وقد أعيد صياغته مرات أيضاً ثم أحفظه... وهكذا، حتى إذا ما قررت أن أنفذ هذه "المهمة" التي تدربت عليها، أجد صعوبة شديدة، فمرة لم يسمعني ومرة لم يلتفت لي ومرة قاطعني أحد...
مواقف كثيرة في الحياة العادية جداً تشكل عبئاً ثقيلاً على نفسي... على سبيل المثال لا الحصر، الزيارات العائلية وما شابه... ربما لم تتهيأ ليّ فرصة الاعتياد على الآخرين منذ الصغر، فأمي ربة منزل فلم نكن نذهب مثلاً إلى الحضانة ككل أقربائي من سني، ولم نكن _أعنى أنا وأخي_ نقضي وقتاً معهم "بمفردنا"، وحين كان أولاد خالاتي يبيتون سوياً وهم بعد في الخامسة أو حتى أقل، كنا نرفض نحن ونخاف... "لسه بنرضع" كما كانت تقول خالتي!!! وكنت أنا خاصةً صامتة، فأسمع منهم "معندهاش لسان، نسيت لسانها في البيت..." هذا حتى نهاية المرحلة الابتدائية تقريباً.
ولكن مع بداية المرحلة الإعدادية، وانتقالي لمدرسة جديدة، تحسنت بعض الشيء، خاصةً أنني وجدت جواً مشجعاً وزملاء ومدرسين طيبين، إلا أنه في نهاية هذه المرحلة ولمدة 7 سنوات، تدهورت حالتي النفسية بشدة، فأهلي لم يتفهموا أبداً مروري بمرحلة المراهقة، ثم كانت بعض المشاكل مع صديقات لي، وغيرها... المهم أن هذه الحالة وضعتني في حالة "صمت" طوال هذه الفترة، لا أنطق إلا كلمات المجاملة "شكراً، السلام عليكم" دون حتى أن أشعر بها!!!
لم أخرج من هذه الحالة إلا منذ سنتين تقريباً، وعندها أحسست أنه قد فاتني الكثير من التواصل مع من حولي، وتنمية قدراتي في التعامل مع الآخرين... ولكنني حاولت الاعتماد على نفسي في التعامل "دون وسيط"، فبدأت من الأسرة، وبدأت التقرب إلى أمي، ونجحت بعض الشيء، إلا أنها لم تفهم معاناتي بسبب هذه المشكلة، وحتى عندما تحدثت بها لأبي هون منها كثيراً، وقال أنها ستزول سريعاً خاصةً بعد حصولي على عمل... ورغم ذلك لا يكف والدي عن الخوف الزائد عليّ وعدم الثقة بالآخرين، فأتى معي للتقدم لوظيفة ما!!!
وعلى النقيض تماماً مما سبق، أجد نفسي شخصية مختلفة في بعض المواقف: يعقد أساتذة القسم اجتماعاً سنوياً بالطلبة، شاركت في3 نوات متتالية، والغريب أنني كنت أعرض أفكاراً مختلفة عن بقية الطلبة، وغالباً ما كانت تؤدي لنقاش طويل وجدل لم أتوقعه... والأغرب أنني كنت أنتقد بعض الأشياء "دون خوف أو تردد" رغم ما جرته عليّ من مشاكل بعد مشاركتي الأولى، ورغم ذلك لم أمتنع عن المشاركة في السنوات التالية... ووجه الغرابة هنا، كيف لم أخشَ من الأساتذة، بل وانتقادي لبعض الأشياء -أخذوها بعد ذلك على محمل شخصيّ- في حين أنني أخجل التعامل مع بائع أو موظف أو أي أحد في الشارع؟!!
والآن، أنا على أبواب مرحلة جديدة، يجب الاعتماد الكامل فيها على نفسي، فلم يعد هناك من يفعل شيئاً نيابة عني، ولم يعد هناك من يسأل الموظف عن قبولي أو عدمه كمعيدة، ولن يكون هناك من يحاضر الطلبة -إذا أصبحت معيدة- ، ولن يكون هناك من يناقش بدلاً مني رسالة الماجستير إن شاء الله... فماذا أفعل لأتغلب على هذا الخجل أو الخوف أو...؟!
مرت أيام قليلة على بداية الدراسة، أعاني في السؤال عن محاضرة أو أستاذ، ولا ينتهي يوم وأنا تحت ضغط نفسي كبير حتى يبدأ الذي يليه، ولا أعرف حتى متى سأتحمل؟! فأحياناً أفكر ألا أتكلم مع أحد، لربما ظنوا أنني مت وإذا سألني أحد فلن أرد... فيدفنونني وتنتهي معاناتي إلى الأبد.......
أعتذر كثيراً للإطالة، وأرجو أن أكون قد أعطيت صورة واضحة عما أعاني منه... أنتظر ردكم بفارغ الصبر، وجزاكم الله الخير الكثير... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
20/10/2003
رد المستشار
أهلاً بك في موقعنا ونشكرك على تقديرك للقائمين على الموقع، مشكلتك هي ما يمكن أن يطلق عليه الانطواء أو الخجل الاجتماعي، أود أن أقول لك أنك لست وحدك من تعانين بل هناك حوالي40% من الراشدين والمراهقين يصفون أنفسهم بأنهم خجولين وغير قادرين على الاتصال المناسب بالآخرين، قد يرجع ذلك إلى أنك الابنة الوحيدة لوالديك ولأنهما عملا دائما (ولازالا يعملان) على الحماية الزائدة لك مما سبب نقص فرص التعرف على كيفية التعامل مع الآخرين، والتي تبدأ من مرحلة ما قبل المدرسة فوالداك يعتقدان أنك تحتاجين إلى حماية مستمرة من جميع المخاطر وأنك لا تستطيعين العناية بنفسك، ولم يتركا لك الفرص الطبيعية لتنمية مهاراتك، ثم زادت مشكلتك في مرحلة المراهقة أيضا نتيجة عدم تفهم الأهل لطبيعة المرحلة ومدى حساسية المراهقة.
إلا أن الأوان لم يفت بعد ولديك عام دراسي كامل للخروج مما أنت فيه، لقد بدأت فعلا في حل مشكلتك بالتحدث مع الوالدين وبدأت في التحسن عندما تعلمت الجرأة وشاركت في الاجتماع الطلابي ونجحت فيه لأنك متفوقة دراسياً، ومن ثم أنت واثقة من مهاراتك في هذا الجانب، في حين تخجلين من التعامل مع موظف لأنك لم تعتادي على هذا، على أي حال حل مشكلتك يمكن أن يتم على خطوات:
1- انظري مرة أخرى إلى نفسك ستجدين أنك استطعت تكوين صداقات بل صداقات قوية فعلى حد قولك "طوال السنوات الماضية كان أصدقائي حولي، أقوم بكل شيء معهم بشرط أن يبدؤوا هم"، إذن أصدقاؤك يتحملونك وأعتقد أن هنا بداية الطريق للخروج من المشكلة أريدك أن تعملي على تقوية صداقاتك الموجودة بالفعل اطلبي من صديقة واحدة مقربة لك أن تشجعك مع أي تقدم بسيط كإلقاء التحية على الآخرين، ومرة أخرى بالسؤال على صحتهم, وهكذا بالتدريج، وأنت أيضاً كافئي نفسك على أي تحسن.
2- تحتاجين إلى التدريب على مهارات اجتماعية محددة ابدئي بالاهتمام بالآخرين من خلال الإصغاء الجيد لهم والابتسام (قال الرسول صلى الله عليه وسلم:تبسمك في وجه أخيك صدقة)، وهز الرأس والاتصال بالأعين فذلك يزيد من تقبل الآخرين لك، ثم وجهي أسئلة مفتوحة مثل "عملتوا إيه امبارح؟" أو "إيه رأيك في المحاضرة الفلانية؟"، وقد يساعدك على ذلك ملاحظة الآخرين عند بداية الحديث مع غيرهم.
3- قللي إحساسك بالخوف: لقد بدأت بالفعل في التدريب على الحديث مع الآخرين، ولكنك تتدربين عليه وأنت في حالة قلق، أريدك أن تتدربي في المنزل وأنت في حالة استرخاء وتتخيلي مثلاً أنك تقومين بتبادل الحديث مع شخص من زميلاتك ثم تعيدين الموقف بطريقة أفضل، وبصوت أعلى ثم تجربين ذلك في الواقع، وابدئي بالتجريب على الأصدقاء ثم الزملاء ثم من لا تعرفينهم.
4- التحدث الإيجابي مع الذات: تحدثي بينك وبين نفسك بطريقة طبيعية مثلا "عندما أكون مع الآخرين أفكر بتفوقي الدراسي بدلا من أن أفكر في خوفي" و"إذا لم يلتفت إليَّ الموظف وأنا أكلمه فذلك ليس نهاية العالم" أو "لدي موهبة لكتابة".
5- غيري فكرتك عن نفسك وغيري المسميات التي أطلقتها عليها، واعتقدت في صحتها ولازلت تتذكريها مثل "معندهاش لسان أو نسيت لسانها في البيت"، واستبدليها بأفكار إيجابية مثل "أستطيع أن أدخل في نقاش كما فعلت في الاجتماع السنوي بالطلبة" وعلى صفحتنا استشارات مجانين يمكنك أن تزوري العناوين التالية:
كيف نهزم الخجل ونحب الأصدقاء
إذا هبت أمرًا فقع فيه
مجتمعاتٌ ضد توكيد الذات
الخوف من المشاركة
وأيضًا الحياء الشرعي والرهاب المرضي.
* ويضيف الدكتور وائل أبو هندي، الأخت السائلة العزيزة، أهلا وسهلا بك وشكرًا على ثقتك في صفحتنا استشارات مجانين، الحقيقة أن الأخت المستشارة الدكتورة داليا مؤمن قد أحاطت بكل جوانب مشكلتك ووصفت لك خطوات البرنامج العلاجي السلوكي، وكل ما أود إضافته هنا هو تسجيل إعجابي بأسلوبك وقدرتك على الإلمام بجوانب المشكلة فلديك قدرةٌ عالية على الاستبصار Insight بحالتك، إلى الحد الذي جعلني أختار لردنا عليك عنوان النموذج، وما أتوقعه لك هو أنك إن شاء الله ستستطيعين بتطبيق هذا البرنامج أن تهزمي كل المعاناة الطويلة وتبدئي حياةً تستحقينها، وأهلا وسهلاً بك دائما، فتابعينا بأخبارك، وشاركينا بآرائك.