السلام عليكم
أرجو من حضرتكم أن تجيبوا على مشكلتي بأسرع وقت ممكن قبل أن أفقد عقلي، وألا تستهزئوا بها لأنها غريبة بعض الشيء.
مشكلتي قهرية بدأت قبل حوالي سنتين، وهي عبارة عن خليط من المشاعر الغريبة التي لا أستطيع حلها ولا التخلص منها، أكبر مثال على هذه المشاعر ما يلي:
عند نهاية عام 2001 وبداية عام 2002 أتاني شعور بأنني أودع سنة قديمة كانت مليئة بالآلام وأستقبل سنة جديدة متفائلاً بها، ولأنني أعشق الأرقام الزوجية وأكره الفردية كنت أودع 2001 بطريقة مرضية، ولكنني نسيت قبل انتهاء عام ألفين وواحد أن أحدث نفسي أنني أودع سنة فردية وسيئة وأستقبل سنة زوجية هي عام ألفين واثنين، وأن العد العكسي لنهاية عام 2001 قد بدأ، لم أتذكر أنني نسيت ذلك إلا بعد دخول سنة 2002 بأيام، وكانت الكارثة. أصبحت أتمنى بشدة وأريد أن يرجع عام 2001 كي أحدث نفسي أنني أودع سنة فردية سيئة وأن العد العكسي لنهايتها قد بدأ، ومن ثم أستقبل عام 2002 ذا العدد الزوجي والعام الذي كنت أتفاءل به، هل فهمتم ما أقصد؟
ولكنني مع مرور الأيام ذبلت في داخلي هذه الرغبة وقد نسيت الأمر ليأتي بعدها 13-4-2002 الموافق يوم السبت، حيث إن أكثر الأيام حبًّا لدي هو يوم السبت وأحب رقم 4 ورقم 2002، وكذلك رقم 13، وحيث إذا جمعنا 3+1+4+2+0+0+2=12، وأنا أحب رقم 12 جدًّا؛ خاصة؛ لأنه عدد زوجي فنسيت في هذا اليوم أن أحدث نفسي في داخلي بأن اليوم سبت ويوافق 13-4-2002 وأن هذا التاريخ متميز.. فأصبحت أشتهي بشدة أن يرجع الزمن قليلاً ليعود هذا اليوم وأستشعر هذا الشعور فيه بأنه تاريخ جميل وأحدث نفسي بذلك... إلخ، ولكنني أيضًا أصبح هذا الأمر لا يهمني ولا يؤذيني ونسيته بعد ذلك التاريخ بحوالي ستة أسابيع ليأتي 30-6-2002 المصيبة الأعظم.
30-06-2002 تاريخ جميل وأعداده زوجية، والأدهى من ذلك أنه يقع في منتصف عام 2002، أي أنني رميت 6 أشهر خلفي وأستقبل الـ 6 أشهر المقبلة، وتخيلت أن السنة شوطان 6 أشهر و6 أشهر أخرى؛ لأنني نسيت أنني أحدث نفسي بأنني بالضبط في منتصف السنة وأن ستة أشهر ورائي وستة أشهر متبقية أمامي، وأنني في نهاية شهر 6 حزيران وبداية شهر7.
من أجل كل هذا أصبحت أتمنى أن يعود شهر 6 ولو آخره كي أستشعر هذا الشعور ومن ثم أكمل باقي أيام السنة وباقي أيام حياتي. أتصدقون ما حدث؟! حتى اليوم لم تذبل تلك الرغبة في داخلي كما في رأس السنة 1-2، وكما في 13-4-2002 حتى اليوم أتمنى بشدة أن يرجع شهر 6... تسعة شهور لم أنس، لماذا؟ لماذا؟ ماذا أفعل برأيكم؟ أشيروا علي؟ حياتي كلها أصبحت جحيمًا لا يطاق.. والأدهى من هذا كله أنني حتى إذا مت ستظل لدي الرغبة في الرجوع لذلك الشهر، ومن ثم أموت وأدخل عالم البرزخ مرتاحا. فقدت الأمل في الدنيا والآخرة، أيوجد خسران أكثر من ذلك؟!
أرجوكم لا تستهزئوا بي، لماذا كل هذا العسر في التفكير، لماذا؟ هل أنا مجنون؟ هل أنا مريض نفسي؟ هل أنا تافه؟ ما الذي يجري؟ قولوا لي بصراحة هل أعاني من مرض نفسي خبيث؟
أنا الآن محطم تمامًا، فاقد الأمل، ليتني أستطيع البكاء للتخفيف، ولكن أموت بشكل بطيء وصامت، أذوب يومًا عن يوم كالشمعة التي تحترق. لقد قلت ذلك لطبيبة نفسانية لكنها ظنت أنني مصاب بالوسواس القهري obsession ، وأعطتني أدوية zedprex and anafranil sr 75 ولم أتحسن. لقد فهمتني خطأ. ما العمل؟ أأنتحر؟ أأجن؟ أأصرخ؟ ماذا أفعل؟ تمر الأيام علي كالجحيم الأسود، شيء لا يطاق..
أوشك على الجنون فساعدوني،
وشكرًا لكم.
24/4/2006
رد المستشار
الأخ السائل، أعانك الله على عذابك ومكنك من الصبر على علاجه؛ لأنه بفضل الله تعالى وإذنه قابل للعلاج إذا صبرت كما سأبين لك، وأريد بداية أن أوضح لك المعنى الطبنفسي للأعراض التي تعانيها؛ فهي في مجموعها أحد أنواع الأفكار التسلطية المعروفة بالأفكار الاجترارية، وسأوضح لك أولاً معنى الفكرة التسلطية (الوسواسية):
ففي الطب النفسي توصف فكرة ما بأنها تسلطية إذا توفرت لها عـدة شروط:
1- أن يشعر المريض بأن الفكرة تحشر نفسها في وعيـه وتفرض نفسها على تفكيره رغمًا عنه، لكنها تنشأ من رأسه هو وليست بفعل مؤثر خارجي.
2- أن يوقن المريض تفاهة أو لا معقولية الفكرة وعدم صحتها وعدم جدارتها بالاهتمام.
3- محاولة المريض المستمرة لمقاومة الفكرة وعدم الاستسلام لها.
4- إحساس المريض بسيطرة هذه الفكرة وقوتها القهرية عليه، فكلما قاومها زادت إلحاحًا عليه، فيقع في دوامة من التكرار الذي لا ينتهي.
والمفترض في كل إنسان أنه يشعر بقدرته على التحكم في أفكاره؛ فهو يستطيع أن يفكر فيما يشاء من أفكار ويستطيع أن يطرد ما يشاء من الأفكار من وعيه متى شاء، كما أنه يشعر بامتلاكـه لأفكاره ويشعر تجاهها بأنها تعبر عن توجهاته أو مشاعره الشخصية، فإذا طرأت على وعيه فكرة ما فهو يحس بها مملوكة له وراجعـة إليه ويمكنه إبقاؤها في وعيه أو التخلص منها والتفكير في غيرها.
لكن خبرة مريض اضطراب الوسواس القهري بفكرته التسلطية (الوسواسية) كخبرة نفسية واعية تختلف عن الخبرة العادية؛ فكما يتضح مما سبق فإن إحساس الإنسان بالفكرة الوسواسية مختلف عن إحساسه بأفكاره العادية؛ فالفكرة الوسواسية تقـتحم عليه وعيه وتتعلق غالبًا بما لا يحبه أو ما لا يتفق معه، وهي بالتالي تزعجه فيحاول التخلص منها، لكنه كلما حاول الخلاص زاد إلحاح الفكرة عليه وزاد قلقه وتوتره وعذابه بحيث يشعر وكأنما سقط في حلقة مفرغة لا يستطيع الفكاك منها.
وما يزيد معاناة هذا المريض في أغلب الأحوال هو اضطراره إلى عدم البوح بسبب معاناته؛ لأنه غالبا ما يخجل منه لكونه أمرًا سخيفًا أو محرمًا أو لا معنى له أو غير مقبول اجتماعيًا أو على الأقل غير متوافق مع تركيبته النفسية والاجتماعية. وإضافة إلى ما سبق هناك خوفه من أن يتهمه الناس بالجنون، وإن كان هو شخصيا يخاف أن تكون تلك الفكرة أو الصورة التي تفرض نفسها عليه ولا يستطيع التخلص منها ليست سوى مقدمة للجنون!!
ما أريد أن أبينه هو مدى قسوة الإحساس بعدم القدرة على التحكم في محتوى الوعي لدى الإنسان، وهو ما يصل ببعض المرضى إلى حالة من اليأس والإعياء جديرة بالرثاء.
وأما الاجترار الوسواسي فهو الوقوع في شراك مجموعة من الأفكار متعلقة بموضوع معين بحيث لا يستطيع المريض التوقف عنها، وعادة ما يكون الموضوع نفسه من المواضيع التي لا معنى للتفكير فيها مثل التفكير فيما حدث خلال اليوم من أقوال وأفعال من الشخص وممن قابلهم وكأنما يسترجع الشخص الأحداث مهمة وغير مهمة ودون أن يستطيع التوقف عن ذلك، وعادة ما يشك في ذاكرته ويحس أنه نسي وما دام قد نسي فمن الممكن أن تكون أشياء خطيرة قد حدثت، وهكذا يحاول التذكر وإعادة التذكر ثم يفند الأدلة على ما حدث وما لم يحدث وهكذا أو قد يكون موضوع الاجترار الوسواسي كما هو في حالتك متعلقًا بالتفاؤل والتشاؤم بالأرقام، وبما كان يجب عليك فعله ولم تفعله لأنك نسيت ثم تتمنى لو أن ما فات يعود وهكذا، حتى إنك تقول في إفادتك "والأدهى من هذا كله أنني حتى إذا مت ستظل لدي الرغبة في الرجوع لذلك الشهر؛ ومن ثم أموت وأدخل عالم البرزخ مرتاحًا. فقدت الأمل في الدنيا والآخرة، أيوجد خسران أكثر من ذلك"، وأنت تعرف بالطبع أن أي إنسان تنقطع صلته بالحياة السابقة بوعيها ولاوعيها!
والحقيقة أنني أستطيع أن أستنتج من بعض كلماتك أنك تعرف جيدًا أن أفكارك الاجترارية تلك هي أفكار تافهة أو لا معنى لها، فهذا ما يُستشفُّ من خوفك من أن نصفك بالجنون أو أن نستهزئ بك معاذ الله، أنت يا أخي السائل مريض باضطراب الوسواس القهري والطبيبة النفسية التي عاينت حالتك قامت بوصف عقارين لك (وأنا أستخدم الاسم العلمي للمادة الفعالة وليس الاسم التجاري)، أحد هذين العقارين هو الكلوميبرامين clomipramine وهو عقار علاج الاكتئاب الذي يزيد من تركيز الناقل العصبي السيروتونين، ونسميه بالماس اختصارًا لـ "مثبط استرجاع السيروتونين".
وأما العقار الآخر وهو الأولانزابين olanzapine، فهو حسب رأيي الشخصي غير لازم في حالتك، إلا إن كانت طبيبتك قد رأت في حالتك ما لم أستطع النفاذ إليه أنا من خلال إجابتك، وهذا فضلاً عن كونه عقارًا باهظ الثمن دون داع في مثل حالتك. المهم أن أمامك إما:
- أن تستمر على عقار الكلوميبرامين بانتظام على أن تزيد جرعته بالتدريج حتى تصل إلى جرعة 225 مجم يوميا مقسمة على ثلاث جرعات، وتؤخذ كل جرعة بعد وجبة من الوجبات، وعليك ألا تُقيّم استجابتك للعقار قبل مضي ثلاثة شهور من انتظامك عليه.
- أن تستخدم أحد عقارات الم.ا.س.ا أو مثبطات استرجاع السيروتونين الانتقائية.
وأحب أن أطمئنك إلى أنك لست مجنونًا، وليست حالتك إنذارًا بالجنون كما تبين أحدث الأبحاث الطبنفسية، والمهم في النهاية هو أن تعلم أن ما تعاني منه هو بالفعل ما شخصته الطبيبة، وإن كانت غرابة الأفكار التسلطية الاجترارية لديك قد دفعتها إلى إضافة أحد مضادات الذهان لعلاجك، وقد لا تحتاج إليه إذا توكلت على الله والتزمت بتناول الماس الذي وصفته الطبيبة لك (الكلوميبرامين) أو أحد عقاقير الم.ا.س.ا التي عرفتها من الإجابات السابقة على صفحتنا، بشرط أن تستمر على جرعة قد تزيد بالتدريج، وأن تصبر والله سبحانه وتعالى يجزي الصابرين من فضله إذا صبروا..
وتابعنا بأخبارك.
ويتبع>>>>>>>>>>>>>>>> : الصبر على الم.ا.س يمحو الوسواس م